بقلم: تانيا غودسوزيان ـ معهد كوينسي الأمريكي
الانقسام يمدد بقاء القوات الأمريكية في العراق
عندما وصل القادة العرب إلى بغداد الأسبوع الماضي لحضور قمة الجامعة العربية، استقبلتهم مدينة تسعى لإبهار ضيوفها. وفي طريقهم من مطار بغداد الدولي إلى المدينة، مروا بالنصب التذكاري الذي يشير إلى موقع الضربة الجوية الأمريكية التي نفذتها طائرة مسيّرة في 3 يناير 2020، والتي قُتل فيها اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس، قائد الحشد الشعبي، هذه الضربة، التي نُفذت على الأراضي العراقية من دون موافقة الحكومة، أججت المطالبات بسحب القوات الأمريكية وقوات التحالف.
ولا تزال هذه المطالب تتردد في أروقة السلطة العراقية كما في شوارعها.
وبعد تأجيل طويل، وافقت "قوة المهام المشتركة (التحالف الدولي) – عملية العزم الصلب"، المؤلفة من 30 دولة والتي شُكّلت عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، على إنهاء مهمتها وحلّ مقر قيادتها في سبتمبر 2025. لكن هذا لا يعني نهاية الوجود العسكري الأجنبي في العراق بالكامل، إذ إن الاتفاق يتضمن بندين رئيسيين: الأول يتيح استمرار العمليات العسكرية في سوريا من موقع غير محدد حتى سبتمبر 2026، والآخر ينص على "شراكات أمنية ثنائية لدعم القوات العراقية والحفاظ على الضغط على داعش".
لكن هذين البندين يثيران جدلاً كبيراً في الداخل العراقي. فبعض الفصائل الشيعية، السياسية والدينية، إضافة إلى الفصائل المدعومة من إيران، تطالب بانسحاب فوري وكامل. وفي المقابل، يرى آخرون أن الدعم العسكري الدولي لا يزال ضرورياً نظراً للتهديدات المستمرة من داعش وعدم الاستقرار الإقليمي، خصوصاً في سوريا.
يقول مسؤول عراقي سابق: "بعض المعسكرات الشيعية تريد بقاء قوات التحالف في المدى المنظور، بينما الجماعات الموالية لإيران تكرر ما تقوله طهران وتنتظر موقفها بعد المحادثات مع واشنطن، وهي تخشى من عمليات اغتيال إسرائيلية تطال قادتها. أما رئيس الوزراء فيتحدث بلسانين. أما السنة والأكراد فيرغبون ببقاء هذه القوات ليس بالضرورة بسبب داعش، بل لموازنة النفوذ الإيراني".
لكن في المقابل، يرى آخرون أن وجود قوات أجنبية ليس عامل استقرار، بل مصدر للتدخل الأجنبي وزعزعة السيادة. ويقول ضياء الأسدي، الوزير السابق والنائب السابق، الذي كان يقود كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري "وجود أي قوات أجنبية لم يكن يوماً مصدر استقرار حتى مع وجود تحديات وجودية، فإن مواجهتها تتطلب وحدة وطنية وتعاوناً إقليمياً ودولياً، لا خرقاً للقانون الدولي ولسيادة الدول. ولهذه الأسباب وغيرها، تصر معظم القوى الشيعية على وجوب انسحاب القوات الأمريكية بأسرع وقت".
أما الرأي السني، فيتراوح بين اللامبالاة والبراغماتية الحذرة. ويعبر كثير من العراقيين، من مختلف الأطياف، عن رغبة في اتفاقات مدروسة وليس انسحابات متسرعة، ما يعكس مدى التعقيد والانقسام في وجهات النظر حول مستقبل البلاد الأمني.

ويرى الأسدي أن بقاء القوات الأجنبية يعوق أي مفاوضات فعلية، ويقول "طالما لم تنسحب كل القوات الأجنبية بشكل كامل وغير مشروط من العراق، فإن وجودها سيؤثر على أي مفاوضات. لا مبرر لوجودها... يجب أن يُنظر إلى مصلحة العراق من منظور وطني خالص، لا من خلال عدسات طائفية أو حزبية أو قومية".
وفي جوهر النقاش، يدور السؤال حول نقطتين: هل ستنسحب القوات الأجنبية؟ وهل ينبغي لها أن تنسحب؟
الجواب معقد. من الناحية القانونية، يمكن أن تغادر جميع القوات الأجنبية إذا طلبت الحكومة العراقية ذلك، حيث دخلت البلاد في 2014 بموجب رسالة دعوة من وزير الخارجية آنذاك هوشيار زيباري، وهي ليست معاهدة ولا اتفاقية رسمية. كانت إجراءً طارئاً لوقف الانهيار العسكري آنذاك.
واليوم، بعد 11 عاماً، ورغم أن داعش لم يعد تهديداً وجودياً، فإن بعض الجهات ترى أن الوقت قد حان لسحب هذه "الدعوة" وإنهاء الوجود الأجنبي. في المقابل، يرى آخرون أن العراق لا يزال بحاجة إلى دعم أمني خارجي على المدى الطويل، لا سيما في المجالات التقنية والاستخباراتية. وقد أنشأت اتفاقية الانسحاب "لجنة عسكرية عليا" لمناقشة هذه القضايا، مما يفتح الباب لإمكانية استمرار وجود محدود في المستقبل.
ويقول الأسدي إن الحل الأفضل هو تطوير الجيش العراقي ليكون قادراً على حماية البلاد دون الحاجة إلى دعم خارجي: "بناء قدرات الجيش الوطني أسهل وأجدى من الاعتماد على القوات الأجنبية. لقد تعلمنا دروسًا قاسية من الحرب ضد داعش".
لكن المسؤول السابق يختلف معه، ويقول "الموقف المسؤول هو الإبقاء على قوات التحالف في مجالات الدعم التقني والاستخباراتي، بالتعاون مع جهاز مكافحة الإرهاب وليس كقوات قتالية... القوات العراقية تستطيع مواجهة تمرد متوسط الشدة، لكنها غير قادرة على مواجهة غزو مثل ما حصل في 2014، حين كان لداعش أكثر من 100,000 مقاتل".
وفي الحقيقة، كلا الرأيين يحملان وجاهة. فتهديد داعش قد تراجع، ولا حاجة لقوات ضخمة بمعايير دول متقدمة. ورغم ذلك، لا تزال القوات العراقية تفتقر للعديد من القدرات الأساسية، مثل الدفاعات الجوية، والطيران، والطائرات المروحية، وتعتمد بشكل كبير على الاستخبارات التي توفرها الدول الحليفة.
وفي أعقاب القمة العربية، سيعود الجدل حول تطوير المؤسسة العسكرية وبقاء القوات الأجنبية إلى الواجهة مجدداً، وسط حالة إقليمية متقلبة وصراعات مفتوحة، من أزمة غزة إلى اختراقات إسرائيلية وأميركية للأجواء العراقية، والضربات ضد أهداف إرهابية، وانهيار محتمل للمفاوضات النووية بين واشنطن وطهران.
وفي ظل هذا كله، تظل الحاجة قائمة إلى مؤسسة أمنية عراقية كفوءة، لكن يبقى السؤال الأهم: من يحمي مستقبل العراق؟ التحالفات الخارجية... أم العراقيون أنفسهم؟
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار