00:00:00
توقيت بغداد
2025يونيو16
الاثنين
31 °C
بغداد، 31°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

الحصار الاستراتيجي: قراءة لتراجع الهند أمام تمدد الصين

شهدت المواجهة العسكرية بين الهند والصين في منطقة دوكلام عام 2017، والتي استمرت 73 يوماً، اهتماماً واسعاً بوصفها أزمة حدودية مؤقتة، لكنها كانت في الواقع مؤشراً أولياً على استراتيجية صينية أوسع تهدف إلى تطويق الهند عبر مشاريع بنى تحتية مدروسة وتحركات توسعية مدروسة.

ورغم مرور ثماني سنوات، فإن البيانات الميدانية تُظهر أن الصين استثمرت هذا النزاع لتعزيز تفوقها الاستراتيجي، فيما اكتفت الهند بانتصار تكتيكي محدود من دون معالجة السياق الأوسع للتوسع الصيني.

نقطة الضعف الاستراتيجية: ممر سيليغوري

يشكل ممر سيليغوري، المعروف بـ"عنق الدجاج"، شرياناً حيوياً يربط شمال شرق الهند بباقي أراضيها. وتُعدّ منطقة دوكلام قريبة بشكل حرج من هذا الممر، مما جعلها نقطة جذب لتحرك صيني محسوب، بحسب باحثين استراتيجيين. وتشير المؤشرات الحديثة إلى أن هذا الممر يعاني من هشاشة شديدة، مع اعتماد مفرط على مسار واحد وعدم توفر بدائل لوجستية فعالة.

الخلل في توازن البنى التحتية الحدودية

خلال الفترة من 2017 إلى 2024، استثمرت الصين أكثر من 8 مليارات دولار سنوياً في تطوير الطرق والمنشآت العسكرية والبنية التحتية على طول الحدود، حيث أنجزت أكثر من 4,500 كيلومتر من الطرق و150 منشأة عسكرية دائمة. في المقابل، لم تتمكن الهند سوى من استكمال نصف المشاريع المخطط لها، حيث لم تتجاوز نسبة الإنجاز العامة 58%.

هذه الفجوة في البنية التحتية ترجمت مباشرة إلى خلل في القدرة على الانتشار العسكري. فالصين قادرة على حشد 50 ألف جندي في غضون 72 ساعة على أي قطاع حدودي، بينما لا تتجاوز قدرة الهند 18 ألفاً في نفس الفترة.

القصور في الرصد والاستخبارات

كشف ملف دوكلام عن تأخر كبير في قدرة الهند على رصد التحركات الصينية. فقد بدأت الصين بناء طريق عسكري في آذار/مارس 2017، لكن الاستخبارات الهندية لم ترصده إلا بعد 35 يوماً، تلتها احتجاجات دبلوماسية متأخرة ثم تدخل عسكري في حزيران/يونيو. بالمقارنة، تستجيب الصين خلال 12 إلى 18 ساعة لأي نشاط هندي قرب الحدود، وتعدّل من مواقعها العسكرية خلال أقل من 48 ساعة.

الخسائر الاقتصادية والدبلوماسية

لم تقتصر التداعيات على المجال العسكري. فقد زاد الاعتماد الهندي على الواردات الصينية بنسبة 43% منذ أزمة دوكلام، مع تفوق بكين الاستثماري في دول الجوار. على سبيل المثال، ضخت الصين استثمارات بقيمة 24.5 مليار دولار في بنغلاديش مقابل 8.1 مليارات فقط من الهند. وتفوقت بكين استثماريًا على نيودلهي بنسبة 7:1 في نيبال، و11:1 في ميانمار.

كما أظهرت أنماط التصويت في الأمم المتحدة لعام 2024 انحياز 67% من الدول الآسيوية للمواقف الصينية، في حين تراجعت نسبة دعم المواقف الهندية إلى 34% فقط.

الاختناق الاستراتيجي: محاور متعددة

أظهرت أرقام عام 2024 أن الصين تسيطر فعليًا على 38 ألف كيلومتر مربع من الأراضي المتنازع عليها، وتبني بشكل دائم منشآت في المناطق المتنازع عليها بنسبة 3 إلى 1 مقارنة بالهند. في البحر، نجحت الصين في تثبيت وجودها عبر سبعة مواقع بحرية في المحيط الهندي ضمن مشروع "عقد اللؤلؤ"، مما يحدّ من حرية التحرك البحري الهندي.

وفي باكستان، أنجزت الصين 67% من مشاريع ممرها الاقتصادي، مما يضيّق هامش الهند الاستراتيجي في بحر العرب.

الثمن الحقيقي للجمود الاستراتيجي

بحسب تحليلات متقدمة، تكبدت الهند خسائر اقتصادية تقدّر بـ82 مليار دولار خلال الفترة 2017-2024 نتيجة التأخر في مشاريع البنية التحتية وخسارة الفرص الاستثمارية. كما أن فجوة الحداثة العسكرية في المعدات والانتشار تراكمت بنسبة 60% لصالح الصين.

ويُظهر تحليل سرعات تنفيذ القرارات أن بكين تنفذ سياساتها خلال 3 إلى 6 أشهر، بينما تستغرق الهند من 18 إلى 36 شهراً، مما يخلق فجوة تنفيذية بنسبة 6 إلى 1 لصالح الصين.

توقعات المستقبل: أزمة 2030

إذا استمرت الهند على وتيرتها الحالية، فإن الصين ستتفوق عليها بنسبة 400% في البنية التحتية الحدودية بحلول عام 2030. كما قد ينخفض التأثير الاقتصادي الإقليمي للهند إلى 25% من مستواه الحالي، مع تصاعد مستوى التهديد لممر سيليغوري إلى 89%.

الفرصة الأخيرة: ثورة استراتيجية لا إصلاح تدريجي

يحذر الكاتب من أن الهند بحاجة إلى ثورة استراتيجية وليس مجرد إصلاحات. وتتمثل أبرز الأولويات في:

رفع معدل إنجاز الطرق الحدودية إلى 95% خلال عامين.

تخصيص 8.4 مليار دولار سنوياً للبنى التحتية.

تقليص زمن الاستجابة الاستخبارية إلى أقل من 72 ساعة.

خفض الاعتماد على الواردات الصينية بنسبة 40%.

استثمار 60 مليار دولار لتحديث قدرات الانتشار العسكري.

بناء شراكات اقتصادية وثقافية وأمنية شاملة مع دول الجوار.

الحسابات لا ترحم

تكشف البيانات بوضوح أن الهند تخسر معركة الزمن، والفاعلية، والتكامل الاستراتيجي. وإذا استمرت في اعتماد نهج ردود الفعل بدلاً من المبادرة، فإنها تخاطر بأن تصبح مجرد هامش استراتيجي في معادلة إقليمية ترسمها الصين وفقًا لخطط دقيقة ومدروسة.

الخيارات أمام نيودلهي واضحة، لكن النافذة الزمنية تضيق: إما أن تحدث ثورة في التفكير والتخطيط الاستراتيجي، أو تواجه خطر التراجع الاستراتيجي الكلي.

تعليقات الزوار