00:00:00
توقيت بغداد
2025يونيو16
الاثنين
31 °C
بغداد، 31°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

جوليان ماكبريد - صحفي مستقل وجندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية

قناة السويس... شرخ أوروبا في الشرق الأوسط

في ظل توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن السياسة الخارجية وإعادة تنظيم الجهود العسكرية، يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدول الأوروبية بزيادة مساهمتها الدفاعية في القارة، فيما يدعو بعض أعضاء إدارته إلى تقديم دعم أكبر للعمليات العسكرية بقيادة واشنطن في الشرق الأوسط، لا سيما في اليمن.

في الوقت الراهن، تعاني القوات الأمريكية من التمدد الزائد وتحتاج إلى دعم من الحلفاء لمواجهة خصوم باتوا أكثر جرأة، مثل روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، ووكلائهم. ومع ذلك، فإن أحد الأسباب الرئيسية لقلة الدعم الأوروبي في العمليات بالشرق الأوسط يعود إلى تداعيات أزمة قناة السويس، التي حدّت من قدرة أوروبا على إسقاط القوة العسكرية في المنطقة.

الخلاف الأمريكي الأوروبي حول العمليات ضد الحوثيين

على خلفية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس أواخر عام 2023، تدخلت جماعة "أنصار الله" (الحوثيون) في الصراع، عبر استهداف الشحن التجاري وإطلاق صواريخ باليستية نحو إسرائيل، في محاولة للضغط على المجتمع الدولي لإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف الحرب.

لكن إسرائيل واصلت حملتها في غزة للقضاء على حماس، فيما استمرت الجماعة، بدعم إيراني، في شن هجمات صاروخية وبالطائرات المسيّرة في البحر الأحمر، ما أثّر بشكل كبير على حركة التجارة العالمية. وفي مطلع عام 2024، أطلقت إدارة بايدن عملية "حارس الازدهار" بمشاركة تحالف دولي بهدف ردع الحوثيين، إلا أن نتائجها كانت محدودة.

وخلافًا لحملة الردع المحدودة تلك، شنت إدارة ترامب الحالية حملة أكثر حدة ضد الحوثيين في اليمن. غير أن الحملة واجهت عقبات كبيرة، إذ استخدمت الولايات المتحدة ذخائر دقيقة ومحدودة، مثل صواريخ توماهوك، التي تُعد ضرورية لأي صراع محتمل مع الصين.

وبحسب وثائق مسرّبة من منصة "سيغنالغيت"، شهدت إدارة ترامب خلافات حول كيفية التعامل مع الحملة العسكرية في البحر الأحمر. فقد أعرب نائب الرئيس جي. دي. فانس ومستشار الأمن القومي السابق مايك والتز عن استيائهما مما اعتبروه دعمًا غير مباشر لأوروبا، التي تعتمد على الشحن في البحر الأحمر مثلها مثل الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن أحد الأسباب الجذرية لضعف الحضور الأوروبي في المنطقة يعود إلى أزمة قناة السويس عام 1956.

كيف غيّر الرد الأمريكي على أزمة السويس السياسة الخارجية الأوروبية

في أعقاب الحرب العالمية الثانية، حاولت القوى الاستعمارية الأوروبية الحفاظ على نفوذها الإمبراطوري رغم التدهور الاقتصادي. وفي أكتوبر 1956، أعلن الرئيس المصري جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، التي كانت ملكاً مشتركاً بين فرنسا والمملكة المتحدة.

خشية فقدان النفوذ والمصالح الاقتصادية، تآمرت فرنسا وبريطانيا سرًا مع إسرائيل لغزو مصر واستعادة القناة والإطاحة بعبد الناصر، بينما التزمت الولايات المتحدة الصمت إزاء تلك التوجهات.

وفي 29 أكتوبر 1956، بدأت القوات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية عملياتها، ونجحت خلال أسبوع في شلّ الجيش المصري وتحقيق معظم أهدافها العسكرية. غير أن التداعيات السياسية كانت أعمق؛ إذ سارع الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور والزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف إلى التنديد بالغزو وكبح جماح القوى الثلاث.

هدد خروتشوف بخوض صراع مسلح مع بريطانيا وفرنسا، ما كان سيؤدي إلى حرب عالمية ثالثة، بينما هدد أيزنهاور بسحب السندات الأمريكية وتمويل صندوق النقد الدولي من البلدين، ما أجبرهما على القبول بالأمر الواقع الجديد. وبهذا، تحوّلت بريطانيا وفرنسا فعليًا إلى "تابعين" للولايات المتحدة، ولم تعودا قادرتين على تنفيذ سياسات خارجية مستقلة دون موافقة واشنطن.

وقد اعترف رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان بهذه الحقيقة في خطابه الشهير "رياح التغيير"، مؤكداً أن العالم القديم يوشك على الزوال، وأن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي هما القوتان العظميان الجديدتان.

أثر الأزمة مستمر حتى اليوم

لقد وضعت أزمة السويس أوروبا في موقع التابع، لكنها شكلت أيضاً سيفاً ذا حدين للولايات المتحدة. فقد منحت الدول العربية مزيداً من الاستقلال عن النفوذ الأوروبي، لكن في الوقت نفسه، ركزت أوروبا على أمنها الإقليمي، وابتعدت عن التورط المباشر في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

احتفظت الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي، ولاحقاً روسيا، بنفوذها في الشرق الأوسط. واليوم، تنفذ القوات الأمريكية أوسع العمليات العسكرية في المنطقة، ما أدى إلى تمددها الزائد، خاصة مع تصاعد التحديات من الصين وكوريا الشمالية.

وقد خلّفت الحروب المتواصلة في العراق وأفغانستان، والعمليات في سوريا وليبيا والصومال، فجوات أمنية كبيرة لم تستطع واشنطن سدّها منفردة، في ظل غياب قوة أوروبية ذات تأثير. باستثناء القواعد البريطانية في قبرص والأسطولين الفرنسي والبريطاني، لا تمتلك أي دولة أوروبية قدرة حقيقية على تنفيذ عمليات طويلة الأمد في الشرق الأوسط.

وقد توصلت إدارة ترامب، بعد إدراك محدودية نتائج الحملة ضد الحوثيين، إلى وقف إطلاق نار بوساطة سلطنة عُمان.

الأفعال التي قامت بها القوى الكبرى خلال أزمة السويس، وتداعياتها السياسية والعسكرية، لا تزال تلقي بظلالها على واقع اليوم. فمع تمدد أمريكا الزائد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وغياب دور أوروبي فاعل، تبدو الحاجة ملحة لإعادة بناء القدرات الدفاعية الأوروبية، وفي الوقت نفسه، ينبغي على واشنطن الضغط على دول المنطقة لتحمّل مسؤولياتها الأمنية، تجنبًا لمزيد من النزاعات المزمنة.

تعليقات الزوار