00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
11 °C
بغداد، 11°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

اتفاقية خور عبد الله بين الدليل والتضليل - قراءة قانونية موضوعية -

في أعقاب شيوع التضليل في أوساط المجتمع بشأن قضية اتفاقية خور عبد الله بسبب بعض الذين يبحثون عن الإثارة والدعاية الانتخابية وبسبب بعض الأصوات المحركة للمشهد من خلف الستار وبسبب بعض المتحمسين بوطنية وبحسن نية لكنهم ليسوا من ذوي الإحاطة أو الدراية بالموضوع فضاعوا وأضاعوا.

وبعد السكوت المطبق غير المبرر من وزارة الخارجية وعدم قيامها بإيضاح الأمور تفصيلياً لأبناء الشعب العراقي، يكون واجباً على أهل العلم بيان الحقيقة، كي لا يستمر الناس في السير وراء كل ناعق بلا هدى ولإلقاء الحجة عليهم، محتسبين في ذلك رضا الله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً، ومنوهين بأن مبتغانا بيان الحقيقة لأبناء الشعب العراقي العزيز من خلال عرض وجهة نظر قانونية وموضوعية مجردة بعيداً عن السياسة والصراعات السياسية والانتخابية التي لا دخل لنا بها من قريب ولا بعيد ومع أنا لسنا طرفاً في الموضوع ولا علاقة لنا به، لكن اللغط والصخب والعقل الجمعي اللاهث وراء الادعاءات على وفق مقولة حشر مع الناس عيد كان السبب وراء نشر هذه الدراسة لتكون بخدمة من ينشد الدليل لا التضليل. 

وللتدليل على شيوع هذا التضليل قوموا بأنفسكم توجيه الأسئلة الآتية الى بعض من آلاف الناس الذين تكلموا في هذا الموضوع وهتفوا له: هل قرأتم اتفاقية خور عبد الله؟ هل قرأتم قرار مجلس الأمن الدولي بشأن الموضوع ؟ أين المادة القانونية في الاتفاقية التي باعت الخور للكويت أو منحتها جزء من أراضي العراق، ألا ترشدونا اليها..؟.

والجواب بالتأكيد سيكون واضحاً لديكم من الآن، وكفى بذلك دليلاً!! وبناء على ذلك ندعو الجميع موافقين ومختلفين للاطلاع على هذه الدراسة بجزأيها ثم يحكموا بما شاءوا.

عموماً، سنبدأ بشكل تدريجي وموجز في بيان موضوع اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله من الناحية القانونية حتى تتضح الحقيقة بالدليل للقارئ الكريم، لتكتمل الصورة: 

1 - لقد بدأت القصة في التسعينات في أعقاب غزو النظام البعثي البائد للكويت، والذي أسفر بعد ذلك عن إصدار عشرات القرارات من قبل مجلس الأمن الدولي ضد العراق، ومنها القرار (833) في سنة 1993 المتعلق بترسيم الحدود بين العراق والكويت في خور عبد الله فقد قامت لجنة تابعة للأمم المتحدة في حينها بترسيم هذه الحدود، وقد اعتمدها القرار الدولي (833)، والتزم بها النظام البعثي البائد بوصفها التزاماً دولياً ضمن عشرات القرارات الدولية الصادرة بعد هزيمة ذلك النظام في حرب الخليج، والتي كسرت ظهر النظام، كما أرهقت العراق.

2 - لقد اعتمدت لجنة الترسيم التابعة للأمم المتحدة في 1993 مبدأ الخط المتوسط (median line) حمد بحري بين العراق والكويت داخل خور عبد الله عوضاً عن مبدأ خط التالوك (thalweg line) بسب ضيق الخور وعمقه المحدود. وقد أقر الخط المتوسط كنقطة الفصل المائية النهائية بين الدولتين حتى نقطة (162) على خريطة الأمم المتحدة قرب مصب الخور. وكل ذلك تم اعتماده في قرار مجلس الأمن الدولي (833)، في حين تتعالى أصوات البعض الآن مدعية أن الكلام المتقدم هو من مسببات اتفاقية خور عبد الله لسنة 2013 وليس قرار مجلس الأمن.

3 وبعد سقوط النظام البائد في سنة 2003 قامت الحكومة العراقية في سنة 2012 بإبرام اتفاقية مع الحكومة الكويتية بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، ذلك أن قرار مجلس الأمن الدولي (833) الذي رسم الحدود بين البلدين في الحور لم يتطرق الى كيفية تنظيم هذه الملاحة وكيفية مرور السفن في الممر المائي، الأمر الذي عرض العراق الخسائر وسفنه المخاطر التصادم مع خفر السواحل الكويتية، وقد تم توقيع الاتفاقية في بغداد بتاريخ 29/4/2012، ثم صوت عليها مجلس الوزراء بالموافقة بتاريخ 12/11/2012.

4- ثم عرضت هذه الاتفاقية بعد ذلك على مجلس النواب لغرض التصويت عليها بالموافقة، وقد وافق عليها المجلس بتأريخ 22/8/2013.

5- وبالنظر لكون القانون النافذ في ذلك الحين المنظم للاتفاقيات الدولية وكيفية المصادقة عليها هو القانون رقم (111) لسنة 1979، لذا تم عرض الاتفاقية في أعلاه على مجلس النواب للموافقة عليها على وفق هذا القانون، فتم التصويت عليها بالأغلبية البسيطة، وصودق عليها من رئاسة الجمهورية، ونشرت في الجريدة الرسمية باسم القانون رقم (42) لسنة 2013 في25/11/2013.

6- وبعد استيفاء كل المتطلبات الدستورية والقانونية للمصادقة على الاتفاقية، تم إيداعها لدي الأمم المتحدة بوصفها اتفاقية دولية ملزمة لأطرافها، وخاضعة لأحكام القانون الدولي لا يمكن لأحد الأطراف التحلل منها بإرادته المنفردة. ما يعني أن العراق والكويت ليس بإمكانهما التحلل من الاتفاقية بإرادتهما المنفردة من وجهة نظر القانون الدولي.

7 لقد كان هدف اتفاقية 2013 يتمحور حول تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت وتحديد آلية تشغيلية لحق الوصول الملاحي تتضمن تحديد الآتي: الممرات، مسارات السفن، نقاط الدخول والخروج.

 فالاتفاقية ذات طابع فني تشغيلي لا سياسي أو سيادي، ولا علاقة لها البتة بتقسيم الحدود أو ترسيمها بين البلدين من قريب ولا بعيد خلافاً لما يدعيه البعض. وهذا واضح من اسم الاتفاقية اتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، واضح أيضاً من نصوصها، ومنها المادة الأولى التي نصت على الآتي: ((الغرض من هذه الاتفاقية هو التعاون في تنظيم الملاحة البحرية والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي في خور عبد الله بما يحقق مصلحة كلا الطرفين)). ومنها ما ورد في الموجبة للإتفاقية: ((بغية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله من خلال تشكيل لجنة مشتركة تعمل على تفعيل بنود هذه الإتفاقية ووضع الخطط المشتركة للسلامة البحرية في خور عبد الله وغيرها من القضايا الملاحية والبيئية ولغرض تعزيز العلاقة الثنائية بين البلدين واحتراما لحق المرور الملاحي المقر في المواثيق والاتفاقيات الدولية شرع هذا القانون)). وإمعاناً في تأكيد الاتفاقية أنها غير معنية بترسيم الحدود جاءت المادة (6) لتنص على الآتي:

((لا تؤثر هذه الاتفاقية على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (833) في سنة (1993))، وهذا يؤكد مرة أخرى أن الحدود في الحور محددة ومرسومة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي، وعليه لا يمكن التلاعب بها في الاتفاقية أو الخروج عنها كما يعلم الجميع. 

8 - قبل إبرام اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في الحور لسنة 2013 كانت السفن العراقية ملزمة بتنفيذ القرار (833)، وبمقتضى هذا القرار يتحتم على السفن العراقية التي تريد المرور في الحور باتجاه المياه الإقليمية الكويتية القيام بالآتي: أخذ إذن الكويت لغرض الدخول من جهة، ورفع العلم الكويتي بدلاً من العراقي من جهة ثانية، ودفع رسوم المرور للكويت من جهة ثالثة. وعلى الرغم من أن العراق لم ينفذ ذلك عملياً، لكنه يبقى التزاماً دولياً، وقد طالبت بتنفيذه الأمم المتحدة قبل الموافقة على خروج العراق من الفصل السابح. أما بعد الاتفاقية فقد رفع كل ذلك وأصبحت السفن العراقية ترفع العلم العراقي بشكل رسمي.

9 - مما سبق يتضح أن العراق قد حقق من الناحيتين الفنية والتقنية مصلحة من اتفاقية 2013، وإذا كان هناك ضرر أو ظلم أصاب العراق فهو متأت من قرار مجلس الأمن الدولي (833) السنة 1993 وسياسات النظام البعثي البائد الحمقاء، وبناءً على ذلك من يرغب في خدمة الوطن والشعب فليبحث مع مجلس الأمن الدولي في إمكانية التحلل من هذا القرار وغيره من عشرات القرارات الدولية الظالمة - وهذا غير قابل للتحقق بطبيعة الحال، وليس القيام بتضليل الناس بدعوى أن اتفاقية 2013 هي السبب في ترسيم الحدود الظالم للعراق وأنها اقتطعت أجزاء منها وإنها باعت الخور للكويت.. ونحو ذلك من ادعاءات لا وجود لها إلا في مخيلة أصحابها!! ثم كيف أن هذه الاتفاقية اقتطعت أجزاء من أرض ومياه العراق أو أنها باعت الخور للكويت مع أن الذي منحها الشرعية هم ممثلو الشعب في مجلس النواب في سنة 2013، ولعل بعض المعترضين عليها الآن في البرلمان كانوا هم ممن صوتوا بالموافقة آنذاك!!

10- من يرغب في التأكد مما قلناه في الفقرة (9) أعلاه فليتابع الموضوع بعلمية وبدقة ولا يعتمد على تصريحات زيد أو عمرو كما أن بالإمكان الاستئناس بالذكاء الاصطناعي عبر توجيه السؤال اليه حول هذه الجزئية، علي أن يحد في السؤال ضرورة (أن يكون الجواب فنياً وتقنياً وموضوعياً وحيادياً مدعماً بالأدلة القانونية ولا علاقة له بآراء العراقيين والكويتيين) !!

ولقد توصلنا إلى النتائج الآتية: إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم (833) لسنة 1993 هو الذي حدد ورسم الحدود بين العراق والكويت في خور عبد الله، وليس اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله لسنة 2013. لقد كان الغرض من اتفاقية 2013 ينصب حول تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله بين العراق والكويت وتحديد آلية تشغيلية الحق الوصول الملاحي، فهي ذات طابع في تشغيلي لا سياسي أو سيادي، ولا علاقة لها البتة بتحديد الحدود أو ترسيمها بين البلدين من قريبٍ ولا بعيدٍ.

إن الضرر الذي أصاب العراق في الحور سببه قرار مجلس الأمن الدولي رقم (833)، كغيره من عشرات القرارات الدولية الصادرة في أعقاب احتلال الكويت من قبل النظام البعثي البائد التي أضرت العراق وظلمته. وإن اتفاقية 2013 جاءت لتخفيف هذا الضرر فيما يتعلق بتنظيم الملاحة في خور عبد الله.

واتماماً لما ورد في الجزء الأول نستكمل عرض النقاط الآتية:

11 - إذا كان البعض لديه بعض الملاحظات الموضوعية على الاتفاقية فينبغي أن يعرضها بأسلوب موضوعي بعيداً عن الإثارة أو الدعاية والصخب، حتى تتم مناقشتها. فإذا ثبت صحتها وحصلت القناعة بها أمكن آنئذٍ معالجتها عبر التفاوض والتفاهم المشترك بين العراق والكويت وعلى وفق أحكام القانون الدولي، وليس عبر الشعارات وتأجيج نار الحرب كما كان يفعل النظام البائد !! فقد حدد دستورنا آلية حل النزاعات الدولية عبر نص المادة (8) التي تقضي بالآتي: (( يرعى العراق مبدأ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على اساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية)).

أما موقف اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله لسنة 2013 من ذلك، فيشار في هذا الصدد الى أن المادة (14) منها قد حددت آلية حل الخلافات بين الطرفين العراق والكويت، إذ نصت على الآتي: ((أي خلاف ينشأ بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية يتم تسويته ودياً بينهما من خلال المشاورات وفي حال عدم تمكنهما من التوصل الى اتفاق بشأن هذا الخلاف فيتم احالته الى المحكمة الدولية لقانون البحار)). بل أكثر من ذلك إن بالإمكان تعديل بعض نصوص الاتفاقية أو إلغاؤها أيضاً إذا حصلت قناعة العقلاء وذوي الخبرة بذلك بعيداً عن الضجيج، مع ضرورة مراعاة أحكام الاتفاقية والقانون الدولي، لأن الاتفاقية بالمحصلة هي عبارة عن التزام دولي إن الاتفاقية تجيز أي تعديل عليها أو إلغاء لها بشرط تفاهم وتوافق البلدين عليه، ففيما يتعلق بإمكانية التعديل قضت الفقرة (3) من المادة (16) من الاتفاقية بما يأتي: ((يجوز تعديل هذه الاتفاقية باتفاق الطرفين وتدخل التعديلات حيز التنفيذ وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة)). وفيما يتعلق بإمكانية الإلغاء نصت الفقرة (2) من المادة (16) على الآتي: ((تبقى هذه الاتفاقية سارية المفعول لمدة غير محددة، ويجوز لكل طرف انهاؤها بإشعار كتابي الى الطرف الآخر أمده ستة أشهر وعلى ان يتم الانهاء بموافقة الطرفين )).

12- مع الأخذ بالاعتبار ما تم بيانه آنفاً في الجزء الأول، على من يؤمن بضرورة إلغاء هذه الاتفاقية أن يقدم من النواحي الوطنية والقانونية والمنطقية، أسباباً تدعو لذلك، شريطة أن تكون أسباباً واقعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عليه أن يقدم البديل المناسب للعراق فيما لو تم إلغاؤها بمعنى أن القضية هي ليست قضية سجال ومماحكة، بل لا بد من مراعاة المصلحة الوطنية. فما البديل الذي يقدمونه فيما لم تم إلغاء الاتفاقية؟ 

لا بد أن نعلم ابتداء من الناحية القانونية أن أي ألغاء للاتفاقية سيفضي بالضرورة الى الرجوع إلى قرار مجلس الأمن الدولي (833)، وهو ليس من مصلحة العراق بالتأكيد، لأن الالتزام به حرفياً سيتسبب في خسائر للعراق كما سبق بيانه !! كما أن من المرج أن الكويت لن تتنازل عن الحقوق التي حصلت عليها من هذا القرار، لذا كلما تفاهمنا معها في الاتفاقية لتحسين وضعنا كلما كان ذلك أفضل. ويقتضي التنويه هنا بضرورة الاهتمام والإسراع بإكمال ميناء الفاو الكبير، هذا المشروع الاستراتيجي المهم، فإن من ثمراته المهمة تقليل قيمة خور عبد الله للعراق بالأساس بحسب بعض المعنيين.

13 - يثير بعض السياسيين والبرلمانيين بعلم أو بدونه - قضية عائدية خور عبد الله التأريخية للعراق، لذا فهم يعتقدون أن الاتفاقية تخالف التأريخ وتتنازل عن حقوق العراق التأريخية !! ومع أن الموضوع قد تبين عدم صحته في الجزء الأول، لكون المتسبب في ضرر العراق من هذه الناحية هو قرار مجلس الأمن وليس الاتفاقية، لكن مع ذلك يبدو أن منطق هذا الاعتقاد - عائدية الحور التأريخية لا يختلف كثيراً عن منطق (الطاغية)، فقد احتل الكويت للسبب ذاته، تأسيساً على أن الكويت تأريخياً هي جزء من العراق وليس الخور فحسب، ما يعني أن أصحاب هذا المنطق يريدون إحياء تلك السياسات العبثية للنظام البائد والتي لم تجلب للعراق سوى الحروب والدمار.

ثم إننا إذا أخذنا بهذا المنطق فإن خريطة العالم برمته ستتغير وكثير من الدول العربية تزول من الخريطة وتركيا تطالب بالموصل وإيران تبلع دول الخليج والهند تسترد باكستان وأفغانستان تعود إلى باكستان وتزول أوكرانيا وجورجيا ولا تفيا وليتوانيا وكرواتيا والجيك.. وعشرات الدول الأخرى !! إن كل ذي عقل سليم يعلم أن الحاكمية الآن من الناحيتين القانونية والدولية هي للقانون الدولي وليس للتأريخ، وإن حدود الدول الحالية هي المعترف بها من قبل الأمم المتحدة وليس الماضي التأريخي !!

14- حتى لا أستغفل من البعض، ينبغي أن تفرق بصدد اتفاقية خور عبد الله بين أمرين مهمين، بين الاتفاقية كما هي من جهة، وبين بعض ممارسات الجانب الكويتي من جهة أخرى، فإذا كانت بعض ممارسات الجانب الكويتي هي غير مقبولة من وجهة نظر العراق وهي كذلك بالتأكيد، مثل قيام الكويت ببناء جزر صناعية حتى تتغير مساحة الخور لصالحها أو قيامها ببناء ميناء مبارك الكبير وما شابه، فإن الاتفاقية لا شأن لها بهذه الممارسات المستفزة، وليست هي المتسببة بها وإن مثل هذه الممارسات والمشكلات ينبغي حلها بالأطر الدبلوماسية إن استطعنا، وإلا عبر الجوء إلى المحاكم الدولية، وليس عبر التعبئة والتجيش وإثارة النعرات تحقيقاً لمآرب خاصة.

15 - في سنة 2014 تم الطعن دستورياً باتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله لسنة 2013 بدعوى مخالفتها الدستور (المادة 61 رابعاً)، وقد حكمت المحكمة الاتحادية العليا في ذلك الحين برد الطعن القرار بالعدد 21 / اتحادية 2014 في 18/12/2014، الأمر الذي يعني من الناحية الدستورية تحصين الاتفاقية دستورياً. 

16 - وفي سنة 2023 أعيدت الكرة مرة أخرى وللسبب ذاته، إذ تم الطعن بالاتفاقية بدعوى مخالفتها الدستور (المادة 61/ رابعاً). فقد زعم الطعن مجدداً أن هذا النص اشترط موافقة مجلس النواب على الاتفاقية الدولية عبر التصويت عليها بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، في حين إن التصويت تم بموافقة الأغلبية البسيطة.

17 - أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في سنة 2023 قرارها بشأن الموضوع - العدد 105 اتحادية / 2023 في 4/9/2023 - مشيرة أولاً إلى عدولها عن قرارها السابق في الموضوع ذاته - القرار بالعدد 21 اتحادية / 2014 في 18/12/2014-، وقاضية ثانياً بعدم دستورية القانون الذي شرعه مجلس النواب بشأن الموافقة على اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في الحور القانون رقم 42 لسنة 2013 - ومخالفته المادة (61/ رابعاً) التي تشترط الموافقة على الاتفاقية بأغلبية الثلثين، وحيث إن الموافقة تمت بالأغلبية البسيطة لذا فإنها تكون قد خالفت الدستور، مع أن قرار المحكمة السابق البات والملزم في الموضوع ذاته كان الحكم بالدستورية. 

18 - إن المحكمة بقرارها الأخير هذا لم تدخل موضوعياً في مضمون الاتفاقية، ولم تشر إلى أنها تمثل مساساً بسيادة البلد أو تنازلاً عن جزء من أراضيه ومياهه الم، كما يحاول البعض الإشارة إلى ذلك خطئاً وتوهماً، بل اقتصرت في قرارها على النظر شكلياً، أي مخالفة الشكل الذي تطلبه الدستور في الموافقة على الاتفاقيات الدولية، وهي أغلبية الثلثين وليس الأغلبية البسيطة.

19 - نسلم ابتداءً بأن قرارات المحكمة باتةُ وملزمةُ، ويجب تنفيذها، وهي محل تقدير واحترام، لكن هذا لا يمنعنا من القول بمهنية إن قرار المحكمة في هذا الصدد لم يكن موفقاً ولا منسجماً مع الدستور، لعدة أسباب ليس هذا محلها.

20 - بعدما تم نشر الجزء الأول من هذه الدراسة وتين أن السبب في الضرر الذي أصاب العراق في خور عبد الله يكمن في قرار مجلس الأمن الدولي (833) وليس اتفاقية 2013، إقترح البعض قيام مجلس النواب بإلغاء قبول واعتراف العراق في ذلك الحين بهذا القرار للتخلص من تبعاته؟!! ويجد المرء نفسه حائراً ومستغرباً من إمكانية تقديم طرح بهذا المستوى من السذاجة، مما يعد من المعيب الإجابة عنه !! فهذه قرارات صادرة من أعلى مؤسسة في العالم (الأمم المتحدة)، ومن أعلى جهاز فيها مجلس الأمن الدولي، والقرارات ضد العراق في ذلك الحين قد صدرت على وفق أحكام الفصل السابع الذي يخوّل استعمال القوة ضده، ثم بكل بساطة تلغي القانون الذي يعترف بهذه القرارات ونبطل آثارها ونطالب مجلس الأمن الدولي بالرضوخ الى ما يقرره مجلس النواب بهذه السذاجة !! إنه التضليل والتجهيل ذاته الذي تحدثنا عنه سابقاً!!

21 - إن عقلية بعض أفراد المجتمع في سنة 2025 يفترض أن تكون مختلفة جذرياً عن عقليتهم في سنة 2003 من حيث التحري عن الحقيقة وعدم تصديق أي ادعاء إلا بعد التروي والتحقق - ولا سيما إذا ترافق ذلك مع موسم الانتخابات وما يشهده من كثير من الدعايات التي ترمي الى استقطاب الجمهور لكن قضية اتفاقية خور عبد الله قد نسفت هذه الفرضية للأسف وأرجعتنا للمربع الأول!!

تعليقات الزوار