انتخابات على مقاس الخوارزميات

لا شك أن النشاط الانتخابي يُعد إحدى صور الممارسات الدستورية التي أقرها الدستور العراقي لعام 2005، إذ تمثل المشاركة السياسية حقًا أصيلًا نص عليه الدستور، وضمانة أساسية لتجسيد مبدأ سيادة الشعب، غير أن هذا النشاط، شأنه شأن أي ممارسة ديمقراطية، قد يتعرض لتهديدات ومخاطر، خاصة مع التطورات التكنولوجية المتسارعة التي باتت تتيح استخدام أدوات رقمية متقدمة لزعزعة ثقة الناخبين أو تشويه صورة المشاركة السياسية.

 ومن بين أبرز هذه المخاطر، ما يطرحه الذكاء الاصطناعي التوليدي من قدرات على إنتاج محتوى مُضلِّل عالي الدقة، فيما يُعرف بـ التزييف العميق (Deepfake)، والذي يمكن من خلاله إنشاء صور أو مقاطع فيديو أو تسجيلات صوتية أو مستندات ذات مظهر واقعي مُحاكي للحقيقة بدقة بالغة، بحيث يمكن تقليد جسد الشخص أو صوته أو تعابير وجهه، أو نسب تصريحات ومواقف لشخصيات عامة لم تصدر عنها في الواقع، بما يصعب على المواطن العادي – بل وأحيانًا على المختص – تمييز زيفها.

 إن توظيف هذه التقنيات في سياق الحملات الانتخابية، سواء بغرض تضليل الناخب أو التأثير على نتائج الانتخابات، يمثل تهديدًا مباشرًا لحرية الاختيار السياسي، ويقوّض ركائز الديمقراطية الحديثة، ويخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين، لذا يصبح لزاماً على المشرّع العراقي او الجهات الرقمية التنفيذية أن يلتفتا إلى هذه المخاطر الرقمية–السياسية، وأن يضعا أطرًا قانونية واضحة تحاصر إساءة استخدامها، مع تحقيق التوازن بين حماية العملية الانتخابية وعدم المساس بحرية الأشخاص في إنشاء المحتوى الرقمي، وخصوصًا المحتوى الساخر أو النقد السياسي المشروع، الذي يظل من مظاهر حرية التعبير المكفولة بالدستور العراقي.

 وفي هذا الإطار، يمكن الاشارة لإحدى التجارب الدولية المهمة، فما حدث في رومانيا عام 2024، حين قررت المحكمة الدستورية إبطال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بعد ثبوت وجود تلاعب بعمليات التصويت واستخدام غير شفاف لتقنيات رقمية وذكاء اصطناعي في الحملات الانتخابية، مما اعتبرته المحكمة إخلالًا بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وتقويضًا لنزاهة العملية الانتخابية، يمثل احدى الصور السيئة والاستخدام غير القانوني للذكاء الاصطناعي.

إن مواجهة خطر التزييف العميق تتطلب منظومة متكاملة يبدأ من خلال تبني تحديث التشريعات الانتخابية لتشمل الأفعال الرقمية الضارة، كما يشمل إمكانية تطوير قدرات أجهزة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات على رصد المحتوى المضلل، ومن المهم الإشارة اليه أنه من الضروري تعزيز الوعي من خلال نشر الثقافة الرقمية بين الناخبين لرفع وعيهم بالتمييز بين المحتوى الحقيقي والزائف، مع إمكانية فتح اوفق رقمي واسع في ظل قرب الحملة الانتخابية في العراق للتعاون مع شركات التقنية لمكافحة انتشار المحتوى المضلل بسرعة وفعالية، بهذا، يمكن تحقيق معادلة دقيقة توازن بين حماية المسار الديمقراطي وضمان حرية التعبير، في مواجهة واحد من أخطر التحديات الرقمية التي تهدد الانتخابات في عصر الذكاء الاصطناعي.