ترجمة: المعهد العراقي للحوار
محمد جواد ظريف: حان وقت التغيير الجذري
ربما بسبب إحباط إيران من التجارب السابقة، يُعد الركن الثالث من تغيير البارادايم—وهو الدبلوماسية العالمية—الأكثر تحدياً. ومع ذلك، أعتقد بحزم أن إيران والمجتمع الدولي يشتركان في مصالح وجودية تتطلب تجاوز تلك التجارب وبناء مستقبل مختلف.
أوضح محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، أن المارقين بالحرب يستفيدون من غلق أي نافذة أمام الدبلوماسية، وأنه يجب علينا انتزاع هذه الفرصة منهم حتى لا يتمكنوا من ترسيخ بارادايم التهديد المدمّر. وأكد: "حان الوقت لتغيير البارادايم الآن".
وأشار ظريف إلى أن غرب آسيا يمر بنقطة تحول خطيرة. الكوارث المستمرة في غزة، والاعتداء الأخير على إيران الذي تصدى له مقاومة شعبنا وقواتنا المسلحة، واستمرار زعزعة الاستقرار في سوريا، تظهر بوضوح أن التهديد الوجودي المزعوم بالنسبة لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، وداعميه العالميين، هو في الحقيقة «السلام والاستقرار».
هذا الانقسام لإسرائيل—الفصل العنصري الداخلي والصراع الإقليمي المستمر—يهدد أسس النظام الإقليمي والعالمي. ومع أن الدفاع القوي ضروري، فإن الحل المستدام يتطلب مبادرة دبلوماسية جريئة وتغييراً تاريخياً لإيران والمنطقة: الانتقال من بارادايم قائم على التهديد العميق الجذور إلى بارادايم يركز على الفرص والتمكين. يشمل هذا الانتقال: توسيع العلاقات مع الجيران ودول الجنوب العالمي، وخلق شراكة إقليمية جديدة بين المسلمين في غرب آسيا، واستئناف الحوار مع أوروبا والولايات المتحدة.
لقد كانت الدول الإقليمية لعقود عالقة في دوامات الصراع والفرص الضائعة. بناء مستقبل مختلف يتطلب بصيرة وشجاعة وقراراً واعياً للانفصال عن الحتمية التاريخية. بالنسبة لإيران، يبدأ هذا التغيير من الداخل ويشع إلى محيطها الإقليمي.
من خلال إثبات أن إيران ليست فريسة سهلة ويمكنها مقاومة معتدين مسلحين نووياً، تمتلك إيران القدرة على التحول من نهج يركز على التهديدات المستمرة إلى نهج يركز على استثمار الفرص.
هذا الانتقال ليس ممكناً فحسب، بل هو مفيد بعمق لإيران والمنطقة والمجتمع الدولي. تحقيقه يتطلب إرادة داخلية حازمة وغياب التدخل الخارجي—ليس بالضرورة بدافع الأخلاق أو القانون الدولي، بل بدافع المصالح الوطنية.
أعظم إمكانات إيران تكمن في شعبها. عبر آلاف السنين، شهد التاريخ صمودهم الاستثنائي. لقد غزا المحتلون أرض إيران، لكنهم دائمًا ما اندمجوا في الثقافة الإيرانية الدائمة، ولم يستطيعوا فرض قيمهم على الشعب الإيراني.
هذا الصمود كان عاملاً حاسمًا في إحباط أعداء ظاهرين أقوى؛ من غزو العراق عام 1980 (بدعم القوى العالمية) إلى أفعال نتنياهو الأخيرة وترامب. ولهذا السبب، فإن أربعة عقود من «الضغط الأقصى» و«العقوبات المشلّة» لم تحقق أهدافها.
على الرغم من القيود العالمية غير المسبوقة—من قرارات مجلس الأمن إلى القيود على الصادرات المصممة عمدًا لإعاقة التقدم التكنولوجي الإيراني—حقق الشعب الإيراني تقدماً علمياً وتقنياً محلياً، خاصة في مجالات الدفاع والطاقة النووية. لذلك، لا ينبغي تقييد الشعب الإيراني، بل هم أعظم أصول البلاد ويجب تمكينهم، ورعايتهم، ومنحهم فرص الازدهار.
الركن الثاني الحيوي للبارادايم القائم على الفرص لإيران هو المنطقة المحيطة بها. إيران، التي تحدها خمس عشرة دولة، تقع عند مفترق طريق أوراسي فريد. والأهم أن المنطقة تتمتع بروابط تاريخية وثقافية عميقة لا تنفصم، نسجها عبر القرون شعراء صوفيون وفلاسفة وعلماء إيرانيون. وقد صمدت هذه الروابط أمام تغير الإمبراطوريات والغزوات والاضطرابات.
مع ذلك، ظلت التعاون الإقليمي الحقيقي بعيد المنال. في عقود من النشاط الدبلوماسي، شاركت في مبادرات كانت دائمًا تُحبط بسبب بارادايم الشك والتهديد—من مقترح أمن الخليج أثناء حرب إيران والعراق، إلى إعلان التعاون الفاشل مع الجيران على الساحل الجنوبي للخليج بعد غزو العراق للكويت عام 1990، والمبادرات اللاحقة مثل «جمعية الحوار الإقليمي»، و«ميثاق عدم الاعتداء»، و«مبادرة سلام هرمز (خطة الأمل)»، و«جمعية حوار المسلمين في غرب آسيا (مودا)»، وآخرها «شبكة الشرق الأوسط للبحث والتقدم الذري (منارة)»—كل هذه المبادرات قوبلت بالريبة بسبب عدم الثقة المتبادلة.
ومع ذلك، خلقت الاستفزازات الإسرائيلية الأخيرة وعياً جديداً بالضعف المشترك في المنطقة. هناك الآن نافذة حيوية للفرص. يجب على إيران، إلى جانب البحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وعمان وقطر والسعودية وسوريا وتركيا والإمارات واليمن—ومع إمكانية التوسع إلى باكستان وآسيا الوسطى والقوقاز—استغلال هذه الفرصة. تحت إشراف الأمم المتحدة، يمكننا تأسيس ميثاق جديد مع انتقال استراتيجي من التشتت إلى التآزر. يمكن أن تتحول الممرات المشتركة للطاقة، وأطر عدم الانتشار والتعاون النووي، والتعاون الاقتصادي، والوحدة الثقافية إلى محركات للرخاء المشترك.
من منظور بارادايم الفرص، يمكن لإيران، وحتى روسيا وتركيا، أن ترى الاتفاق الأخير في واشنطن بين أذربيجان وأرمينيا ليس كتهديد، بل كفرصة—فرصة لإحياء مقترح التعاون العابر للقوقاز بين إيران وروسيا وتركيا، إلى جانب أرمينيا وأذربيجان وجورجيا. يوفر الاتفاق الجديد سياقاً عالمياً يجعل مبادرتنا الإقليمية في 2019 أكثر قابلية للتحقيق واستدامة. وفي الوقت نفسه، سيوفر فرص استثمارية غير مسبوقة للقطاع الخاص في الولايات المتحدة ودول أخرى.
ربما بسبب إحباط إيران من التجارب السابقة، يُعد الركن الثالث لتغيير البارادايم—الدبلوماسية العالمية—الأكثر تحديًا. ومع ذلك، أعتقد بحزم أن إيران والمجتمع الدولي يشتركان في مصالح وجودية لتجاوز تلك التجارب وبناء مستقبل مختلف.
لعدة عقود، ساهمت إيران بشكل كبير في الاستقرار العالمي. بصفتها عضوًا مؤسسًا للأمم المتحدة، كانت وراء مبادرات بارزة: اقتراح عام 1974 لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ومبادرة «حوار الحضارات» عام 1997، وخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق) عام 2015. للأسف، لطالما أعاقت القوى الكبرى هذه المبادرات الإيرانية النوايا الحسنة.
النمط التاريخي واضح: رد فعل الغرب العدائي على تأميم النفط الإيراني عام 1951 الذي أدى إلى انقلاب 1953؛ دعمه لغزو صدام حسين لإيران عام 1980؛ أفعاله التي مكنت إسرائيل من امتلاك مئات الرؤوس النووية؛ وصم إيران بـ«محور الشر» عام 2002 رغم تعاون إيران بعد 11 سبتمبر؛ والحملة المستمرة من الأكاذيب ضد برنامج إيران النووي السلمي. ومن اللافت أن إسرائيل كانت تتابع هذه الهجمات، وهي معروفة برفضها توقيع معاهدة حظر الانتشار النووي وامتلاكها ترسانة نووية كبيرة وغير قانونية.
تُعد قصة الاتفاق النووي عام 2015 رمزاً للوعود الدبلوماسية غير المحققة. فقد حظي الاتفاق عام 2015 بإشادة عالمية باعتباره نجاحاً دبلوماسياً، لكن انسحاب ترامب بعد ثلاث سنوات قوّض الثقة في الدبلوماسية داخل إيران. علاوة على العقوبات المدمرة، فإن تحرك أوروبا الأخير لتفعيل آلية حل النزاع في الاتفاق النووي وسط هجمات إسرائيل على المنشآت الإيرانية يُعد نفاقاً شديداً.
لقد قصّرت أوروبا بشكل منهجي لمدة سبع سنوات في الوفاء بالتزاماتها بموجب البرجام وقرارات مجلس الأمن. انهار الاتفاق الأساسي—تطبيع العلاقات الاقتصادية مقابل الالتزام النووي المؤكد—عندما انسحبت الولايات المتحدة، وأثبتت أوروبا عدم القدرة أو الرغبة في تنفيذ حتى الآليات الاقتصادية الأساسية مثل آلية INSTEX، أداة لتجاوز العقوبات الأمريكية.
رداً على عدم التزام الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) من 2017 إلى 2021، قامت إيران قانونياً بتفعيل الإجراءات التعويضية للبرجام. وبدلاً من الالتزام بالدبلوماسية، صرحت الدول الأوروبية الثلاث في يونيو بموافقتها على الهجمات العسكرية الإسرائيلية على إيران؛ وذهب المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى حد القول إن إسرائيل تقوم «بالعمل القذر للغرب». لقد زاد تصديق أوروبا للحرب، متبوعاً باللجوء إلى آلية حل النزاعات للاتفاق النووي، من ضعف إيمان إيران بالدبلوماسية.
بالنظر إلى هذا التاريخ المرير، سيكون إقناع الشعب والحكومة الإيرانية بأن الدبلوماسية هي خيار وفرصة تحدياً كبيراً. ومع ذلك، فإن البديل—الحروب التي لا نهاية لها—سيؤدي بلا شك إلى انهيار النظام الإقليمي، وزيادة التطرف، والفوضى التي ستشمل غرب آسيا وما وراءها. هذا الطريق يحمل خطر غرق الولايات المتحدة والغرب في مستنقع تاريخي واسع.
تمتلك الولايات المتحدة وأوروبا—وليس إيران فقط—مصالح وجودية في تشجيع تغيير البارادايم المذكور. باختيار الحرب أثناء المفاوضات، أغلقوا عملياً باب الدبلوماسية أمام أنفسهم. الآن تقع المسؤولية في تغيير المسار عليهم إذا توقعوا رد إيران بالمثل. ستكسب إيران، من خلال المشاركة في حوار متعدد الأطراف، ذو رؤية مستقبلية ونتائج ملموسة، فوائد كبيرة وتتفادى مصائب جسيمة. يمكن أن يشمل الطريق الأمامِي إنشاء شبكة إقليمية لعدم الانتشار والتعاون النووي السلمي (منارة)، وربما اتفاق عدم اعتداء بين إيران والولايات المتحدة.
لا يمكننا تجاهل الماضي، ولا يجب أن نتوقف عن التعلم منه. لكن يجب أن نتجنب الوقوع في فخ إخفاقاتنا السابقة؛ وإلا فإننا نحكم على أنفسنا بتكرار دورة لا نهاية لها من الكوارث.
يزدهر المارقون بالحرب من خلال غلق كل نافذة أمام الدبلوماسية. يجب علينا انتزاع الفرصة لمنعهم من ترسيخ بارادايم التهديد المدمّر وإطفاء الأمل. حان وقت الاختيار الآن. الاختيار لإيران والمنطقة والقوى العالمية واضح: إما تكرار الماضي الكارثي، أو الشجاعة لبناء مستقبل مشترك. الآن حان وقت تغيير البارادايم.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار