ملخصات العدد المزدوج (81– 82) من مجلة حوار الفكر
المواقف الإقليمية من التصعيد (الإسرائيلي- الإيراني): حرب (12) يوما نموذجاً
م.د علي سعدي عبد الزهرة
يتناول البحث المواقف الإقليمية من التصعيد (الإسرائيلي–الإيراني) خلال حرب 12 يوماً التي اندلعت في حزيران 2025 عقب الهجوم الإسرائيلي الواسع على المنشآت النووية الإيرانية ضمن عملية «الأسد الناهض»، ورد إيران بعملية «الوعد الصادق 3» التي شملت إطلاق مئات الصواريخ والمسيرات على المدن الإسرائيلية. ورغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها الطرفان، فإن الحرب انتهت دون أن تحقق (إسرائيل) والولايات المتحدة أهدافهما المعلنة بتدمير البرنامج النووي الإيراني أو إسقاط النظام.
على المستوى العسكري، نجحت إسرائيل في اغتيال قيادات إيرانية بارزة وتوجيه ضربات مؤثرة للمنشآت النووية والبنى التحتية، إلا أن إيران تمكنت من امتصاص الضربة عبر استبدال قادتها بسرعة، وإطلاق موجات صاروخية كثيفة أظهرت محدودية الدفاعات الإسرائيلية وأدت إلى خسائر بشرية ومادية واسعة داخل إسرائيل، فضلاً عن شل الحياة العامة وإغلاق المجال الجوي. هذه التطورات منحت النظام الإيراني زخماً داخلياً ووحدة شعبية غير مسبوقة في مواجهة التهديد الخارجي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد تكبدت إيران خسائر بمليارات الدولارات نتيجة تدمير منشآت الطاقة والبنى التحتية، إلى جانب خسائر بشرية وعلمية جسيمة. وفي المقابل، تكبدت إسرائيل نحو 3–12 مليار دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة، وشهد اقتصادها شللاً شبه كامل طيلة فترة الحرب، ما جعل الصراع أشد تكلفة من مواجهاتها السابقة مع حركات المقاومة.
إقليمياً، أجمعت معظم الدول على إدانة الحرب ورفض التصعيد. فقد أبدت دول مجلس التعاون الخليجي مواقف رسمية رافضة للهجوم الإسرائيلي والأمريكي، مؤكدة التزامها بالقانون الدولي والدعوة إلى التهدئة، مع تباينات طفيفة بين السعودية التي اتخذت موقفاً متوازناً يسعى لحماية مصالحها وإبراز استقلال قرارها، والإمارات التي أبدت دعماً دبلوماسياً ضمنياً لإسرائيل بحكم علاقات التطبيع. كما مثّل استهداف إيران لقاعدة العديد في قطر نقطة تحول حساسة أثارت رفضاً خليجياً قاطعاً.
من جانبها، تركيا أدانت الهجوم الإسرائيلي وسعت إلى استثماره دبلوماسياً عبر طرح نفسها وسيطاً في النزاع، بما يعزز دورها الإقليمي والدولي، مع استمرار رفضها لفكرة امتلاك إيران للسلاح النووي. أما العراق فحافظ على مقاربة حذرة، إذ ندد رسمياً بالتصعيد ودعا إلى جلسة لمجلس الأمن، لكنه التزم الحياد تجنباً للتداعيات الداخلية والإقليمية، فيما التزمت الفصائل المسلحة سياسة النأي بالنفس.
أما باكستان فقد تبنت موقفاً داعماً بقوة لإيران، انطلاقاً من اعتبارات استراتيجية وشعبية، في ظل عدائها التاريخي للهند وتحالف الأخيرة مع إسرائيل، ما أضاف بعداً جديداً للصراع وأثار تساؤلات عن انعكاساته على التوازنات الإقليمية والدولية.
يخلص البحث إلى أن الحرب، رغم قصر مدتها، أعادت رسم خطوط التوازن الإقليمي، فأضعفت الثقة بالقدرات الدفاعية الإسرائيلية، ومنحت إيران مكاسب سياسية ومعنوية داخلية، فيما أبرزت المواقف الإقليمية أن غالبية دول المنطقة ترفض الانزلاق إلى مواجهة شاملة، وتتمسك بالدبلوماسية سبيلاً لتجنب تداعيات كارثية على الأمن الإقليمي والدولي.
- 2 -
الوساطة الخليجية في حرب الإثني عشر يوماً: قراءة في السياق السياسي للأزمة
م.م. مروان محمد عبود
يتناول البحث الدور الذي قامت به دول الخليج العربي خلال حرب الإثني عشر يوماً (13–25 حزيران/يونيو 2025) بين إيران وإسرائيل، والتي شكّلت محطة مفصلية في مسار التصعيد الإقليمي، إذ استهدفت إسرائيل الأراضي الإيرانية مباشرة بضربات جوية واسعة طالت القيادات العسكرية والعلمية والمنشآت النووية في نطنز وفوردو، ما أدى إلى رد إيراني عنيف بالصواريخ والطائرات المسيّرة على العمق الإسرائيلي. هذه الحرب، رغم قصر مدتها، أظهرت هشاشة الأمن الإقليمي، وأثارت خشية دول الخليج من تداعياتها على استقرار المنطقة وأمن الطاقة وممرات الملاحة.
يركز البحث على أهمية الوساطة الخليجية في تلك الأزمة باعتبارها أحد مخرجات الحرب، إذ برزت جهود دول مثل قطر، السعودية، وعُمان، التي تحركت دبلوماسياً في محاولة لإنهاء الاعتداء الإسرائيلي وتخفيف التصعيد. وقد اتسمت هذه الوساطة بكونها غير مباشرة، إذ لم تجرِ بين إيران وإسرائيل مباشرة، بل تركزت على نقل الرسائل بين إيران والولايات المتحدة بوصفها الطرف الأكثر تأثيراً على القرار الإسرائيلي.
يحلل البحث ثلاثة مسارات أساسية للوساطة الخليجية:
الوساطة القطرية التي اعتمدت على علاقاتها المتوازنة مع إيران والولايات المتحدة، واستثمرت دورها كقوة ناعمة إقليمية مقبولة لدى الأطراف المتصارعة.
الوساطة العُمانية التي واصلت نهجها التقليدي القائم على الحياد، ونقلت وجهات النظر الإيرانية إلى واشنطن، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي.
الوساطة السعودية التي سعت عبر اتصالات مباشرة مع واشنطن وطهران إلى وقف التصعيد، في ظل حرصها على حماية مشاريعها التنموية ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
خلص البحث إلى أن الوساطة الخليجية، رغم محدوديتها، أسهمت في تقريب وجهات النظر وإيقاف الحرب، وأعطت دفعة جديدة للعلاقات الخليجية–الإيرانية بعد سنوات من التوتر. كما أبرزت هذه التجربة انعكاساً على مكانة دول الخليج، حيث عززت صورتها كقوى وسيطة في النظام الإقليمي، وساهمت في إعادة تعريف التهديدات الأمنية بحيث لم تعد إيران وحدها مصدر الخطر، بل برزت السياسات الإسرائيلية العدائية كتهديد مباشر لأمن الخليج.
ويؤكد الباحث أن نجاح الوساطة الخليجية ما زال مرهوناً بقدرة هذه الدول على الحفاظ على الحياد النسبي، وتطوير جهودها نحو عمل مؤسسي مشترك ضمن مجلس التعاون الخليجي، وربطها بمبادرات دولية أوسع، بما يمكّنها من التحول إلى فاعل إقليمي أساسي في إدارة النزاعات.
- 3 -
انعكاسات توظيف الذكاء الاصطناعي في الحرب الإسرائيلية–الإيرانية على مستقبل الأمن الإقليمي
د. باسم علي خريسان
يتناول هذا البحث قضية توظيف الذكاء الاصطناعي في الحرب الإسرائيلية–الإيرانية الأخيرة، ويُبرز كيف مثّل هذا الصراع نموذجاً نوعياً لما يُعرف بـ»الحروب الذكية» أو «حروب الذكاء الاصطناعي»، وذلك من حيث طبيعة الأدوات المستخدمة، واتساع نطاق العمليات لتشمل الفضاء المادي والتقني والسيبراني والإعلامي.
أولاً – الذكاء الاصطناعي كفاعل رئيسي في الحروب الحديثة:
يشير الباحث إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح يشكل تحولاً استراتيجياً في بنية الحروب، شبيهاً بالتغير الذي أحدثه السلاح النووي في القرن العشرين. فالتقنيات الحديثة من نظم الاستشعار، التحليل البياني، والتعلم الآلي مكّنت الدول الكبرى كالصين، الولايات المتحدة وروسيا، من تطوير أسلحة ذاتية التشغيل قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة في ميدان القتال. هذه التطورات أثارت مخاوف متزايدة تتعلق بغياب الضوابط القانونية والأخلاقية، إضافةً إلى تهديدها لمبدأ «التحكم البشري الهادف”.
ثانياً – توظيف الذكاء الاصطناعي في الحرب الإسرائيلية–الإيرانية:
أوضح البحث أن الطرفين، إسرائيل وإيران، اعتمدا على الذكاء الاصطناعي في إدارة المعارك. إسرائيل ركزت على دمج الذكاء الاصطناعي في أنظمة الدفاع والهجوم، مثل استخدام الطائرات المسيّرة، خوارزميات الاستهداف، وأنظمة القيادة والسيطرة لتسريع القرارات وتقليل الخسائر البشرية. العملية العسكرية الإسرائيلية المسماة “أسد الشمس” (13 حزيران/يونيو 2025) مثّلت مثالاً بارزاً على ذلك، حيث استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية واغتيال شخصيات بارزة. في المقابل، لجأت إيران وحلفاؤها إلى توظيف الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج مقاطع وفيديوهات مزيفة لتعزيز روايتها وإرباك الرأي العام، إلى جانب شن هجمات سيبرانية استهدفت البنى التحتية الحيوية في إسرائيل.
ثالثاً – الانعكاسات على الأمن الإقليمي:
يؤكد الباحث أن توظيف الذكاء الاصطناعي في هذه الحرب يعكس بداية مرحلة جديدة في طبيعة الصراعات بالشرق الأوسط، حيث أصبحت الخوارزميات والأنظمة الذكية أدوات مركزية. وتتجلى الانعكاسات في عدة أبعاد:
تسريع سباق التسلح الذكي: تنافس الدول على تطوير قدرات هجومية ودفاعية قائمة على الذكاء الاصطناعي يفاقم هشاشة الاستقرار الإقليمي.
تغيير طبيعة التهديد والردع: إذ أصبحت الهجمات السيبرانية والرقمية جزءاً لا يتجزأ من أدوات الحرب، ما يضعف فاعلية الردع التقليدي.
إضعاف جهود نزع السلاح: إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز المراقبة، لكنه قد يُستخدم أيضاً لتقويض الثقة وزيادة احتمالات التصعيد.
تحديات الحوكمة: غياب إطار قانوني دولي ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي عسكرياً يفتح المجال لمخاطر مضاعفة.
الخاتمة:
يخلص د. باسم علي خريسان إلى أن الحرب الإسرائيلية–الإيرانية الأخيرة جسّدت نقطة تحول في أنماط الحروب الإقليمية، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة مساعدة بل سلاحاً استراتيجياً. ورغم ما يوفره من فرص لتعزيز القدرات الدفاعية، إلا أنه يضاعف مخاطر التصعيد، ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمي، مما يستلزم بناء أطر تنظيمية وتعاون إقليمي ودولي فعال لضبط استخدام هذه التكنولوجيا في المجال العسكري وضمان عدم تحولها إلى عامل دائم لعدم الاستقرار.
- 4 -
الابعاد الاقتصادية لحرب 12 يوماً وانعكاساتها على الامن الغذائي في العراق
د. زهير سعدي حسون السعدي
يتناول البحث موضوع الأبعاد الاقتصادية لحرب 12 يوماً وانعكاساتها على الأمن الغذائي في العراق، بوصفه أحد أهم مرتكزات الأمن الاقتصادي والاجتماعي، والذي يعاني هشاشة بنيوية بفعل الاعتماد المفرط على الاستيراد لتغطية الاحتياجات الأساسية. فالحرب، رغم قصر مدتها، شكّلت نموذجاً عملياً يوضح حجم تأثر العراق بالتقلبات الخارجية، إذ أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتعطل سلاسل الإمداد، ما انعكس مباشرة على معيشة الأسر العراقية، لاسيما الفقيرة منها.
تتمثل مشكلة البحث في عدم قدرة العراق، رغم امتلاكه موارد طبيعية وبشرية معتبرة، على تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وبقائه معرّضاً لتقلبات الأسواق والأزمات الإقليمية. ومن هنا ركّزت أهداف البحث على تحليل التداعيات الاقتصادية للحرب، تشخيص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، وإبراز دور وزارتي الزراعة والصناعة في تعزيز الأمن الغذائي.
اعتمد الباحث منهجاً تحليلياً–إحصائياً بالاستناد إلى بيانات وزارات التخطيط والزراعة والجهاز المركزي للإحصاء، والتي أبرزت فجوة غذائية مزمنة، خاصة في القمح والأرز والزيوت والألبان واللحوم الحمراء. إذ أظهرت الجداول أن العراق يستورد ما بين 50–70% من احتياجاته الغذائية، فيما لا يتجاوز الاكتفاء الذاتي من القمح مثلاً 45–53% خلال السنوات الأخيرة.
أثبت التحليل أن حرب 12 يوماً كشفت ضعف قدرة الاقتصاد العراقي على امتصاص الصدمات؛ إذ أدت إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة بنسبة 12–15%، وزيادة تكاليف الإنتاج الزراعي بسبب ارتفاع أسعار الوقود، فضلاً عن تهديد مباشر لقدرة الأسر على الحصول على غذاء كافٍ. وبينت البيانات أن نحو 23% من الأسر تعاني أصلاً من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة، وأن نصف دخل الأسر الفقيرة يُنفق على الغذاء.
خلص البحث إلى عدة نتائج رئيسية، أهمها: استمرار الاعتماد الكبير على الاستيراد، غياب استراتيجية وطنية متكاملة للأمن الغذائي، ضعف التكامل بين الزراعة والصناعة، وتراجع دور الوزارات المعنية في صياغة سياسات تنموية فاعلة.
وبناءً على ذلك، قدّم البحث مجموعة توصيات، أبرزها: تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي عبر دعم المحاصيل الاستراتيجية (كالقمح والرز)، تطوير الصناعات الغذائية التحويلية، تحسين إدارة الموارد المائية، تنويع مصادر الاستيراد، وتشجيع الاستثمار والبحث العلمي الزراعي. كما دعا إلى صياغة استراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي باعتباره جزءاً من منظومة الأمن القومي.
وبذلك يؤكد البحث أن معالجة هشاشة الأمن الغذائي العراقي تستلزم إصلاحاً هيكلياً عميقاً يربط التنمية الزراعية بالصناعية، ويحول الأمن الغذائي إلى ركيزة أساسية للأمن الاقتصادي والاجتماعي، وضمانة للاستقرار الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية.
- 5 -
من أرييل شارون إلى نتنياهو: الطريق نحو إسرائيل الكبرى وتغيير ملامح الشرق الأوسط
أحمد العابدي
يستعرض هذا البحث التحولات في الفكر والسياسة الإسرائيلية من عهد أرييل شارون إلى عهد بنيامين نتنياهو، مبيّناً كيف ظل مشروع «إسرائيل الكبرى» هدفاً استراتيجياً ثابتاً رغم تغير الأساليب والأدوات. ففي زمن شارون، كان التوسع يُدار بشكل أكثر هدوءاً وبخطوات تدريجية، عبر تكثيف الاستيطان، وبناء الجدار العازل، وتعزيز السيطرة الأمنية في الأراضي الفلسطينية، مع الحرص على إبقاء الخطاب العلني أقل حدة.
أما في عهد نتنياهو، فقد تحوّل المشروع التوسعي إلى خطاب معلن وصريح، من خلال طرح «خارطة إسرائيل الكبرى» التي تتجاوز حدود 1967، وتعبّر عن قناعة التيار اليميني الحاكم بوجود فرصة تاريخية لتعزيز الهيمنة الإسرائيلية في ظل الاضطرابات الإقليمية وضعف الموقف العربي، إضافة إلى تراجع فاعلية المنظمات الدولية وشلل مجلس الأمن بفعل حق النقض الأمريكي.
يؤكد الباحث أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وإيران، المعروفة بـ»حرب الاثني عشر يوماً»، مثّلت لحظة فارقة كشفت هشاشة الكيان الإسرائيلي أمام الهجمات الصاروخية والسيبرانية، وأضعفت صورة الردع المطلق التي سعى لتكريسها عبر العقود. كما عزّزت هذه المواجهة سردية المقاومة ودفعت بعض الأنظمة الإقليمية لإعادة النظر في الاعتماد على إسرائيل كضامن للأمن.
يخلص البحث إلى أن الانتقال من التوسع الصامت في عهد شارون إلى التوسع المعلن في عهد نتنياهو يعكس تحوّلاً في الاستراتيجية الإسرائيلية، ويؤشر إلى دخول المنطقة مرحلة جديدة تتسم بتراجع فاعلية القانون الدولي، تصاعد سباق التسلح، وتزايد المخاطر على الأمن والاستقرار الإقليمي.
- 6 -
مأسسة التطرف السلفي الجهادي في سوريا: الأبعاد الاستراتيجية والانعكاسات الأمنية
اللواء الركن المتقاعد الدكتور عماد هادي علو الربيعي
يتناول البحث ظاهرة المقاتلين الأجانب السلفيين الجهاديين في سوريا، بوصفها أحد أبرز مظاهر التحولات في الحروب غير التقليدية خلال العقدين الأخيرين، وما ترتب عليها من آثار استراتيجية وأمنية إقليمية ودولية. يشير الباحث إلى أن ظاهرة المقاتلين الأجانب بدأت مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث تحولت البلاد إلى ساحة جذب أساسية للمقاتلين من دول عربية وإسلامية عبر الحدود السورية والأردنية والسعودية. وقد لعب تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقاوي دوراً محورياً في استقطاب هؤلاء، خصوصاً في العمليات الانتحارية وأعمال العنف الطائفي.
مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أصبحت سوريا مركزاً رئيسياً لتجمع المقاتلين الأجانب، خصوصاً من الأويغور القادمين من الصين وآسيا الوسطى، الذين انخرطوا في صفوف جماعات مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش. وبحلول عام 2015، قُدِّر عدد المقاتلين الأويغور في شمال سوريا بنحو سبعة آلاف، معظمهم متمركزون في إدلب وجسر الشغور وسهل الغاب. وقد شكّل هؤلاء المقاتلون رافعة عسكرية لفصائل مثل جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام، وساهموا في السيطرة على إدلب وجسر الشغور ومطار أبو الظهور.
يتوقف البحث عند مأسسة وجود الأويغور في سوريا بعد إعلان تشكيل الفرقة (84) قوات خاصة عام 2025، التي ضمّت نحو 3500 مقاتل أجنبي يشكل الأويغور غالبيتهم. وقد جاء هذا التطور في إطار تفاهمات بين الحكومة السورية الجديدة وواشنطن، وبمباركة تركية، ما أثار قلق الصين وروسيا، خاصة مع رغبة بعض المقاتلين في العودة إلى شينجيانغ لمواصلة الصراع ضد بكين
أما على المستوى الإقليمي والدولي، فيبرز البحث التناقض في الموقف التركي بين دعم الأويغور بحكم الروابط القومية والدينية من جهة، والرضوخ لضغوط صينية متزايدة من جهة أخرى، في ظل سعي أنقرة للحصول على مكاسب في مشروع «الحزام والطريق». كما يشير إلى أن الولايات المتحدة استخدمت ورقة تصنيف وإزالة اسم الحزب الإسلامي التركستاني من قوائم الإرهاب كأداة في صراعها مع الصين، مع السماح بدمج مقاتلي الأويغور في الجيش السوري الجديد بذريعة منع انخراطهم في تنظيمات أكثر تطرفاً.
يخلص الباحث إلى أن توطين المقاتلين الأويغور ومأسسة دورهم العسكري في سوريا يفتح الباب أمام تحديات خطيرة للأمن الوطني والإقليمي. إذ يهدد هذا المسار بإضعاف فرص بناء جيش سوري موحد، ويعزز النفوذ الخارجي في المنطقة، كما قد يرسخ وجود جماعات سلفية جهادية داخل المؤسسات العسكرية الرسمية، مما يُنذر بمرحلة جديدة من الصراع وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
- 7 -
التهديدات الانتقالية وأثرها على الأمن الدولي
م.د زينب غالب جعفر
يتناول البحث مفهوم التهديدات الانتقالية بوصفها ظاهرة أمنية جديدة برزت في ظل التحولات الجيوسياسية بعد الحرب الباردة، وما ترتب عليها من تغييرات هيكلية في النظام الدولي. يشير البحث إلى أن العالم لم يعد يواجه التهديدات العسكرية التقليدية فحسب، بل ظهرت تهديدات غير تقليدية عابرة للحدود، تشمل الإرهاب، الجريمة المنظمة، الهجرة غير الشرعية، التغيرات المناخية، والأوبئة، وهي تهديدات ذات طابع جماعي يتجاوز الدولة الواحدة ويصيب النظام الدولي بأكمله.
أولاً: الإطار المفاهيمي للتهديدات الانتقالية
تتمثل التهديدات الانتقالية في المخاطر التي تتجاوز الحدود الجغرافية للدول، وتؤثر على عدة مجالات حيوية مثل الأمن العسكري، الاقتصاد، الصحة، البيئة، والنظام السياسي. يوضح البحث أن العلاقة بين «الخطر» و»التهديد» علاقة سببية، إذ يُعتبر الخطر احتمالاً موضوعياً لوقوع الضرر، بينما يضيف التهديد بعداً إدراكياً ونية عدائية من قبل فواعل دولية أو غير دولية، مثل الجماعات الإرهابية أو شبكات الجريمة المنظمة.
ثانياً: أنماط التهديدات الانتقالية
يسلط البحث الضوء على عدة أنماط رئيسية:
التغيرات المناخية: تشكل خطراً عالمياً على الأمن المائي والغذائي والبيئي، وقد تؤدي إلى نزاعات مسلحة وهجرات جماعية. كما أن ذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة يزيدان من التوترات الدولية حول الموارد.
الهجرة غير الشرعية: تُعد تهديداً للأمن الداخلي للدول المستقبلة، إذ قد تسهّل دخول جماعات متطرفة أو شبكات تهريب البشر، كما تُضاعف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية.
التلوث البيئي: يمثل تحدياً كون تأثيراته عابرة للحدود ولا يمكن احتواؤها وطنياً، إذ تؤدي الانبعاثات والتلوث الصناعي والنووي إلى تهديد التوازن البيئي العالمي.
الجريمة المنظمة: تمثل خطراً داخلياً وخارجياً بقدرتها على اختراق المؤسسات السياسية والاقتصادية، وبتعاونها العابر للحدود الذي يعزز زعزعة الاستقرار الدولي.
ثالثاً: مستقبل التهديدات الانتقالية
يؤكد البحث أن مستقبل الأمن الدولي مرهون بمدى قدرة الدول على صياغة استجابات جماعية وفعالة لهذه التهديدات. فغياب الثقة والتباين في الأولويا
- 8 -
حوكمة المناخ بين الالتزامات العالمية وخيارات العراق الوطنية: نحو مسار استراتيجي متكامل
ا.م.د هديل حربي ذاري
يتناول البحث قضية التغير المناخي بوصفه أحد أبرز التحديات العالمية في القرن الحادي والعشرين، لما له من تأثيرات عابرة للحدود تمس الأمن البيئي والمائي والغذائي والاقتصادي. ويركّز على حالة العراق باعتباره من أكثر الدول هشاشة تجاه هذه الظاهرة بسبب اعتماده الكبير على الموارد المائية المشتركة، وضعف بناه التحتية والمؤسسية والتكنولوجية. ينطلق الباحث من فرضية أن استجابة العراق للتغير المناخي تتوقف على مدى قدرته على دمج التزاماته الدولية، مثل اتفاق باريس (2015) والأطر الأممية الأخرى، في سياساته الوطنية وخططه التنموية، بما يسهم في بناء مسار استراتيجي متكامل للتكيف والتخفيف.
يتطرق البحث إلى الإطار القانوني والمؤسسي العالمي لحوكمة المناخ، مبيناً أهمية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (1992)، وبروتوكول كيوتو (1997)، واتفاق باريس، إضافة إلى نظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات (EU ETS)، التي أسست لآليات دولية ملزمة للتقليل من الانبعاثات وتعزيز التحول نحو الطاقة النظيفة. كما يبرز دور المنظمات الدولية والإقليمية كالأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، وجامعة الدول العربية في التنسيق وتوفير التمويل والدعم الفني للدول النامية.
وعلى الصعيد الوطني، يوضح البحث أن العراق وضع مجموعة من التشريعات والاستراتيجيات البيئية، مثل قانون حماية وتحسين البيئة رقم (27) لسنة 2009، والبلاغ الوطني الأول (2016)، ووثيقة المساهمات المحددة وطنياً (NDC 2021)، إضافة إلى استراتيجية حماية البيئة 2024–2030 ورؤية العراق للمناخ 2030. هذه الوثائق تشكّل إطاراً نظرياً مهماً، لكنها تعاني من ضعف في التنفيذ بسبب محدودية التمويل، ضعف التنسيق المؤسسي، والاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.
كما يبرز البحث التحديات البيئية التي تواجه العراق، مثل شح المياه نتيجة السدود في دول الجوار وتراجع معدلات الأمطار، مما أدى إلى انخفاض الاحتياطيات المائية بنسبة 50% منذ 2021، مع توقع وصول العجز إلى 37% بحلول 2030. إضافة إلى تفاقم التصحر وتملّح التربة الذي يهدد 39% من مساحة العراق، وتزايد معدلات الهجرة الداخلية بفعل تدهور الأراضي الزراعية والعواصف الترابية.
في الختام، يخلص الباحث إلى أن معالجة آثار التغير المناخي في العراق تتطلب بناء حوكمة مناخية متكاملة تستند إلى مؤسسات قوية، تمويل مستدام، ودمج الأبعاد البيئية مع الاقتصادية والاجتماعية. كما يؤكد أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر، تطوير الزراعة الذكية، وتوسيع استخدام الطاقات المتجددة تمثل فرصاً استراتيجية لتقليل الهشاشة وتعزيز الأمن الوطني والإقليمي.
- 9 -
إشكالية العلاقة بين السلطة الاتحادية وسلطة إقليم كردستان على وفق دستور 2005 (نماذج مختارة)
أ. د. فِكرت نامق عبد الفتاح
يتناول هذا البحث الإشكالية الدستورية والسياسية المترتبة على العلاقة بين الحكومة الاتحادية العراقية وسلطة إقليم كردستان في ظل دستور 2005. ينطلق الباحث من حقيقة أن النظم الفيدرالية تفترض عادة وجود توزيع واضح للاختصاصات بين المركز والأقاليم، بحيث تكون القضايا السيادية (الدفاع، السياسة الخارجية، المالية) حكراً على السلطة الاتحادية، مع وجود صلاحيات محلية وأخرى مشتركة. غير أن الدستور العراقي لعام 2005 قد خالف هذا السياق في مادته (115)، التي منحت الأسبقية لقوانين الأقاليم والمحافظات على القانون الاتحادي في حال التعارض، مما خلق حالة من عدم الانسجام وأدى إلى صدامات متكررة بين بغداد وأربيل.
يركز البحث على ثلاثة محاور أساسية:
توزيع الاختصاصات: يوضح أن المادة (110) حصرت الصلاحيات السيادية بالاتحادية، بينما تركت المادة (115) ما عدا ذلك للأقاليم، مع أولوية لقوانينها. كما تناولت المادتان (111–112) إدارة النفط والغاز، إلا أن غموض النصوص سمح للإقليم بتفسيرها لمصلحته عبر تشريع قانون نفطي خاص به (2007)، ما ولّد خلافات حادة مع المركز.
تنازع الصلاحيات: يشير الكاتب إلى النزاعات المزمنة بين الطرفين، خاصة حول المناطق المتنازع عليها (المادة 140) ولا سيما كركوك، إذ مثلت نقطة ارتكاز لصراعات سياسية وعرقية واقتصادية. كما تكررت الأزمات حول العقود النفطية، الموازنة العامة وحصة الإقليم (17%)، إذ اتهمت بغداد أربيل بتوقيع اتفاقيات دولية دون الرجوع للمركز، في حين اتهمت أربيل بغداد بخرق التزاماتها المالية.
الآثار السياسية والدستورية: يرى الباحث أن هذه الإشكاليات ساهمت في ترسيخ واقع شبه انفصالي للإقليم، بحيث أصبح أقرب إلى «دولة داخل الدولة». كما أدى غموض النصوص الدستورية إلى فتح الباب أمام حلول سياسية توافقية بدلاً من تطبيق القانون، مما عمّق أزمة الثقة وأضعف البنية الفيدرالية.
في الخاتمة، يؤكد د. فكرت أن التجربة الفيدرالية في العراق حديثة وهشة، تحتاج إلى تعديلات دستورية تعيد التوازن بين المركز والإقليم. أبرز المقترحات تمثلت في: تعديل المادة (115) لإعطاء الأولوية للقانون الاتحادي، الإسراع بتشريع قانون النفط والغاز الاتحادي، إجراء تعداد سكاني شامل، وحسم قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها ضمن إطار دستوري. كما شدد على أهمية تغليب المصلحة الوطنية عبر الحوار والتسويات الدستورية، بما يحافظ على وحدة العراق ويضمن حقوق المكونات، معتبراً أن بقاء الأكراد ضمن عراق اتحادي موحد هو الخيار الأكثر واقعية وجيوسياسياً أنسب لجميع الأطراف.
- 10 -
معضلة الكهرباء في العراق: مقاربة متعددة الأبعاد لضمان إمدادات كهربائية موثوقة وتحقيق أمن الطاقة
أحمد الطبقجلي – ترجمة وتحرير: نصر محمد علي
يتناول البحث معضلة الكهرباء في العراق باعتبارها إحدى أبرز الأزمات الهيكلية المزمنة التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. يوضح الباحث أن قضية الكهرباء تعود إلى واجهة النقاش العام كلما اقترب فصل الصيف أو تجددت الضغوط الأمريكية المتعلقة باستيراد الغاز والكهرباء من إيران. ورغم تكرار طرح مجموعة من الحلول مثل استثمار الغاز المصاحب، أو استيراد الغاز من دول مجاورة، أو الاعتماد على الغاز المسال والطاقة المتجددة، إلا أن هذه الحلول بقيت مجتزأة ومرحلية، دون أن تشكّل استراتيجية متكاملة تعالج جذور المشكلة.
يشير البحث إلى وجود فجوة متزايدة بين العرض والطلب على الكهرباء، حيث بلغت القدرة الاسمية للتوليد في عام 2023 نحو 40.6 غيغاواط، بينما لم يتجاوز الإنتاج الفعلي 17.9 غيغاواط، أي ما يعادل 44% فقط من القدرة المتاحة. ويرجع ذلك إلى ثلاثة عوامل رئيسية: نقص إمدادات الغاز المناسب، سوء الصيانة، وضعف تجهيزات التبريد في المحطات. كما تفاقمت المشكلة بسبب خسائر النقل والتوزيع التي وصلت إلى 59.3% من الكهرباء المنتجة، نتيجة التقادم الفني والسرقات والتلاعب بالعدادات.
يبرز البحث كذلك التحديات التمويلية، حيث تستهلك وزارة الكهرباء نفقات تشغيلية واستيرادية تفوق الإيرادات بعشرة أضعاف. ضعف التحصيل وغياب تسعيرة تجارية حقيقية للكهرباء جعلا القطاع يعتمد على الموازنة الاتحادية، مما يثقل كاهل الدولة.
أما على المدى الطويل، فإن النمو السكاني بنسبة 2.3% سنوياً، ومتطلبات إعادة الإعمار، وتزايد الاستهلاك المحلي، كلها عوامل ستضاعف الضغط على الشبكة. ورغم وضع خطط لإضافة 15 غيغاواط جديدة وتحسين كفاءة 13 غيغاواط قائمة، إلا أن التنفيذ ما زال يواجه تحديات التمويل والبيروقراطية. كما يشير البحث إلى مشاريع الربط الكهربائي مع الأردن وتركيا ودول الخليج، إضافة إلى مشاريع الغاز المحلي والطاقة الشمسية (بقدرة 3.5 غيغاواط بحلول 2028)، لكنها لا تكفي وحدها دون معالجة الهدر البنيوي والمالي.
الخاتمة:
يرى الباحث أن معضلة الكهرباء في العراق لا يمكن حلها عبر إجراءات مؤقتة أو استيراد طارئ، بل عبر نهج استراتيجي متعدد الأبعاد يعالج منظومة التوليد والنقل والتوزيع، إلى جانب الإصلاح المالي لقطاع الطاقة. ومن دون إرادة سياسية جادة والتزام طويل الأمد، ستبقى أزمة الكهرباء تتكرر سنوياً، مهددة استقرار العراق وأمنه الطاقوي.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار