المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

روسيا تستعين بالقوة اللزجة لجذب مجندين سوريين إلى مناطق الصراع في أوكرانيا

 

يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا مألوفاً، سواء كانت الهجمات على المدنيين، أو قصف المستشفيات، أو تكتيكات الحصار، أو المعلومات المضللة المتفشية، فإن أوجه التشابه بين أوكرانيا وسوريا موجودة في كل مكان يهم إليه المرء. ومع ذلك، يبدو الآن أن هناك سمة أخرى للحرب الشاقة في سوريا ستتكرر وسط تقارير تفيد بأن روسيا تقوم بالفعل بتجنيد مقاتلين سوريين للانضمام إلى الوحدات القتالية على الخطوط الأمامية في أوكرانيا.

حيث انتشرت منذ أسابيع شائعات وتقارير إعلامية محلية تشير إلى تجنيد روسي في سوريا لمقاتلين للمشاركة في المجهود الحربي في أوروبا الشرقية. وأشارت الشائعات في البداية إلى نشر المرتزقة المدربين من قبل مجموعة فاغنر من سوريا، كجزء من حشد روسي واسع على الحدود الشرقية لأوكرانيا. وعرض موقع دير الزور السوري 24 ومجموعة المراقبة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة، تفاصيل عن تجنيد مقاتلين موالين للحكومة في محافظتي دير الزور وريف دمشق. وقد حظيت هذه التقارير على الفور بمصداقية أكبر في الخارج بعد أن أشار تقييم أمريكي رسمي لتحركات القوات السورية، جاء في تقرير بتاريخ 6 مارس في صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن “روسيا قامت في الأيام الأخيرة بتجنيد مقاتلين من سوريا على أمل أن تساعد خبرتهم في القتال في المناطق الحضرية في السيطرة على كييف وتوجيه ضربة مدمرة لحكومة أوكرانيا.

وقد اندلعت حملة التجنيد الروسية منذ ذلك الحين إلى العلن. في 11 مارس، حيث ظهر مؤخراً تبادل للآراء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الدفاع سيرجي شويغو خلال جلسة متلفزة لمجلس الأمن القومي لتأكيد الخبر. وزعم شويغو أن موسكو تلقت “أكثر من 16000 طلب” من الشرق الأوسط للقتال مع القوات الروسية (دون تحديد سوريا)، والتي رد عليها بوتين “نحتاج إلى منحهم ما يريدون ومساعدتهم في الوصول إلى منطقة الصراع”. في حين أن هذا الرقم مبالغ فيه على الأرجح، وأظهر مقطع فيديو بثته وزارة الدفاع الروسية لاحقاً مقاتلين سوريين وهم يهتفون أمام لافتات مؤيدة لروسيا وهي مساعدة بصرية يدوية لمرافقة المناقشات الجارية في الكرملين

وقد قوبلت التقارير الأخيرة عبر الإنترنت عن التجنيد الروسي المتجدد بنقاش حاد بين المحللين والصحفيين ومختلف مراقبي سوريا الآخرين. 

هل روسيا حقًا في أمس الحاجة إلى نشر مقاتلين سوريين في ساحات القتال الباردة الغريبة في أوروبا الشرقية؟ هل تسير حرب بوتين بهذا السوء بالفعل؟

بالطبع، هذه ليست أول غزوة روسية لتجنيد مقاتلين سوريين في صراعات بعيدة. ولكن على عكس التجنيد السابق داخل سوريا، فإن موسكو مهتمة الآن فقط بملفات قتالية محددة – أي المقاتلين السوريين الذين لديهم خبرة قتالية سابقة في حرب المدن القريبة والذين خدموا سابقاً ضمن تشكيلات النخبة المدعومة من روسيا. وهذا يشي لنا ببعض الأشياء عن الأولويات الروسية الحالية في أوكرانيا ، كذلك عن حسابات الدولة في سوريا.

كيف جندت روسيا في الماضي

منذ تدخلها في سوريا في سبتمبر 2015، ساعدت روسيا في بناء عدد من المجموعات القتالية والوحدات العسكرية المساعدة. وقد عمل المتعاقدون العسكريون الروس الخاصون مثل مجموعة فاغنر مع بعض هذه المجموعات؛ وفي حالات أخرى، يأتي الدعم والتنسيق والتدريب مباشرة من الوجود العسكري الروسي في سوريا. على سبيل المثال، توجد أدلة بالفيديو على قيام القوات الخاصة الروسية بتدريب مقاتلين من روسيا حيث تم هذا التدريب في حندرات / عين التل، وهو مخيم فلسطيني مهجور إلى حد كبير تسيطر عليه مجموعة مسلحة فلسطينية تتكون من بعض المقاتلين الفلسطينيين ولكن معظمهم من المقاتلين من داخل حلب وضواحيها.

في غضون ذلك، انخرطت روسيا في هياكل النظام السوري، وأعادت ترتيب قادة الأمن وغرست النفوذ الروسي في أقسام معينة من الجهاز الأمني. ويتجلى هذا بشكل خاص في “الأمن العسكري”، ومنذ ذلك الحين، جندت روسيا بشكل متكرر مقاتلين من المجهود الحربي للحكومة السورية كجزء من حملاتها العالمية بالوكالة – على سبيل المثال في ليبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وفنزويلا. غالباً ما تم تنفيذ ذلك استجابةً للتجنيد التركي المتزامن لمقاتلي المعارضة من الجيش الوطني السوري المدعوم من أنقرة، والذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع قوات حكومة الوفاق الوطني في ليبيا بعد أواخر عام 2019 والجيش الأذربيجاني خلال حرب ناغورنو كاراباخبين أذربيجان وأرمينيا في أواخر عام 2020. وقد تم الإبلاغ عن حملات تجنيد روسية سابقة في جميع أنحاء سوريا: على سبيل المثال، في دمشق وريف دمشق، والمحافظات الشمالية الشرقية مثل الرقة ودير الزور والحسكة، وكذلك درعا والسويداء في جنوب البلاد.

لم يكن من الصعب أبداً العثور على مجندين راغبين. إذ أتاح التجنيد فرصة للأفراد لتنظيف سجلهم مع الأجهزة الأمنية السورية عند عودتهم من القتال، وهو احتمال مغرٍ بشكل خاص لمقاتلي المعارضة السابقين الذين بقوا في مجتمعاتهم للعيش تحت سيطرة الحكومة السورية المتجددة. ومع تدهور الاقتصاد السوري قبل وقت طويل من انتشار جائحة COVID-19، وقبل أن تؤدي العقوبات المناهضة لروسيا بسبب الغزو الأوكراني إلى تفاقم معاناة ملايين السوريين العاديين، انجذب الكثير من الشباب إلى الوعد الروسي برواتب خدمة سخية نسبياً وفترات إجازة.

تعج المناطق الفقيرة والمليئة بالخوف مثل جنوب دمشق بالمجندين، وعلى الرغم من وعود التجنيد التي تم الإخلال بها في كثير من الأحيان. في حالة ليبيا مثلاً، فقد تم طمأنة المجندين المحتملين إلى أنه سيتم نشرهم إلى حد كبير في مواقع الحرس الخلفي لحماية المنشآت النفطية وغيرها من المنشآت الحكومية خلف الخطوط الأمامية للجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر المدعوم من روسيا. حيث سجل الشباب السوريون بالآلاف، وعلى ما يبدو لم يردعهم حقيقة أن بعض المجندين وجدوا أنفسهم في مواقع في الخطوط الأمامية بينما قُتل آخرون أثناء القتال، وعادت جثثهم بشكل غير رسمي إلى سوريا.

ومع ذلك، في أواخر عام 2020، ورد أن موسكو نجحت في تجنيد آلاف آخرين من عدة مناطق، بما في ذلك محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب سوريا، بعد أن دعت إدارة ترامب إلى الإطاحة بفنزويلا نيكولاس مادورو وممارسة الضغط على الحكم الاستبدادي في أمريكا اللاتينية. وسعت روسيا إلى حماية مادورو بمساعدة متعاقدين عسكريين من مجموعة فاغنر. ومع هدوء الوضع في فنزويلا في نهاية المطاف، تم إرسال بعض المجندين الجدد إلى صحراء البادية الوسطى / الشرقية لمحاربة قوات داعش إلى جانب وحدات الجيش السوري والفصائل الإيرانية والميليشيات المدعومة من روسيا.

كيف تجند روسيا الآن

تُظهر حملات التجنيد السابقة هذه درجة من الاستثمار الروسي، والمرونة اللوجستية، وتغلغل في المجتمع المحلي التي قد تكون مفيدة للجهود الحربية في أوكرانيا التي يبدو أنها متعثرة.

لكن عمليات التجنيد الأخيرة تتم بشكل مختلف. فالتجنيد ليس متاحاً للجميع كما كان في الماضي، وعلى الأرجح بهدف تجنيد الأفراد ذوي الخبرة العسكرية والموثوقين سياسياً فقط، فلا يحتاج مقاتلو المعارضة السابقون إلى التقديم. وتشير الأدلة المتاحة إلى أن روسيا تبحث عن مقاتلين سوريين يحتاجون إلى حد أدنى من التدقيق والتدريب قبل أن يتم نشرهم في خضمها في أماكن مثل كييف.

ومع ذلك، قد تستمر روسيا في اللجوء إلى استراتيجيتها السابقة في وقت لاحق. عندما تقرر روسيا توسيع نطاق تجنيدها لمراحل لاحقة من الصراع الأوكراني، فمن المتوقع أن تسحب مقاتلي الفيلق الخامس الذين لديهم خبرة قتالية سابقة في سوريا أو أماكن أخرى مثل ليبيا. وقد توفر القوات الأخرى المدعومة من روسيا مقاتلين للجهود الحربية الأوكرانية اعتماداً على التركيز الجغرافي والمؤسسي (إن وجد) لجهود التجنيد الموسعة هذه.

اقترح أحد قادة الفيلق الخامس في درعا مؤخراً أن المجندين الروس لم يصدروا حتى الآن أوامر تجنيد للفرقة 25 والفيلق الخامس وقوات الدفاع الوطني. وانتشرت شائعات كثيرة عن أن الفرقة الرابعة الخاصة بالجيش السوري ستقدم جنوداً للقوات الغازية الروسية بسبب إعلان على فيسبوك نُشر على صفحة مرتبطة بالفرقة يدعو المجندين المهتمين للتواصل. على الرغم من أن هذا قد يشير إلى أن وحدات أخرى من الجيش السوري من المقرر أن تشكل جزءاً من جهد تجنيد موسع في مرحلة لاحقة، إلا أن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أن جنود الفرقة الرابعة على وشك الانتشار في أوكرانيا وفقاً لمصدر مطلع على التجنيد الروسي السابق. 

عواقب غير مدروسة

وبغض النظر عن الطريقة التي تنظر بها إلى الأمر، فإن أي نشر للمقاتلين السوريين سيزيد من التصعيد وتدويل الغزو الروسي لأوكرانيا. وسيكون وصولهم إلى ساحات القتال الأوكرانية تأكيداً إضافياً على تنفيذ خطط روسيا بكل أشكالها، مما يعني الهجمات الجماعية، والاستهداف المتعمد للمدنيين، والحصار، والمدن المدمرة. وقد تكون إحدى النتائج الأقل إلحاحاً هي ردة فعل الأجانب المعادية ضد اللاجئين السوريين في أوروبا.

من جانب آخر بدأت الشركات والمؤسسات الثقافية والمواطنون العاديون في أوروبا بالفعل على عاتقهم تفسير مسعى الحكومات الغربية لعزل روسيا: فقد تم حظر عروض تشايكوفسكي وإلغاء دروس الأدب الروسي. حيث من الممكن أن يؤثر هذا النوع من الحرب الثقافية ذات النوايا الحسنة التي تعود إلى الحرب الباردة بسهولة على السوريين بمجرد أن تبدأ الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بهم وهم يقاتلون في أوكرانيا في الوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي. ولن تساعد التعليقات التي أدلى بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتي انتقد فيها روسيا لإرسالها “قتلة من سوريا، البلد الذي دُّمر فيه كل شيء … مثلما يفعلون معنا هنا”.

والآن  روسيا تفعل في أوكرانيا ما فعلته لسنوات في سوريا. ولكن ينبغي أن يكون هذا مصدراً للتفكير، وفرصة لتجديد التضامن بين الأوروبيين الذين يمكنهم الآن، سواء من خلال القرب الجغرافي أو التغطية الإخبارية أو مجرد العنصرية المتضائلة، أن يقدّروا بشكل كامل سنوات الرعب التي ساعدت روسيا في إلحاقها بالسوريين – وما تتسبب به روسيا الآن بالأوكرانيين. وكما قال مراسل بي بي سي كوينتين سومرفيل أثناء تغطيته من أوكرانيا الأسبوع الماضي، “إذا كانت هذه التكتيكات غير مألوفة بالنسبة لك، فأنت لم تكن منتبهاً”.

المؤلف: Tom Rollins

ترجمة وتحرير: المعهد العراقي للحوار/ رغد غالي

اترك تعليقا