المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الأمن الغذائي العالمي نحو عالمٍ خالٍ من الجوع

عنوان الكتاب الأصلي

How to End Hunger While Protecting the Planet

UNIVERSAL FOOD SECURITY

الأمن الغذائي العالمي

نحو عالمٍ خالٍ من الجوع

المؤلف :  كلين دينينغ GLENN DENNING: المدير المؤسس لبرنامج ماجستير الإدارة العامة في الممارسات الإنمائية في كلية الشؤون الدولية والعامة التابعة لجامعة كولومبيا/ نيويورك/ الولايات المتحدة.

الناشر: مطبعة جامعة كولومبيا الأمريكية (3 يناير 2023)

ترجمة وتقديم : رغد غالي/ المعهد العراقي للحوار

مع ارتفاع مستويات الجوع حول العالم ووصولها إلى مستويات مخيفة، وبقاء الإجراءات التي تصدرها المنظمات العالمية والمحلية رهينة الورق، كان آخرها، التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة عن حالة الأمن الغذائي في العالم2022 ، والذي جاء حافلاً  بمزيد من التحديات منها انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية و الصراعات، والظواهر المناخية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات، والصدمات الاقتصادية.

  وإن لم تشهد النُظم الزراعية والغذائية تحولًا لتُصبح أكثر قدرة على الصمود، من خلال توفر أغذية صحية وأقل تكلفة، وأنماطًا غذائية صحية بكلفة ميسورة للجميع وبصورة مستدامة وشاملة ،  فستعود  أعمال الشغب بسبب شح  الغذاء في جميع أنحاء العالم، كما حدث خلال الفترة  2007- 2012. حيث شهدت العديد من دول العالم أعمال شغب ردًا على الارتفاع السريع في الأسعار.

ومن هنا سلط كتاب” الأمن الغذائي العالمي” الصادر حديثًا عن مطبعة جامعة كولومبيا الأمريكية (3 يناير 2023) الضوء على مكانة الغذاء  بوصفه قضية  سياسية.

وقد جاء الكتاب في 550 صفحة وأربعة فصول:

تناول الفصل الأول: السياق التاريخي للأنظمة الغذائية بدءًا من مقال مالثوس عن السكان في عام 1798 وحتى قمة النظم الغذائية لعام 2021 ، حيث كانت هناك دعوات منتظمة لتوقع ومواجهة تحديات انعدام الأمن الغذائي والجوع وسوء التغذية.

أما الفصل الثاني: فقد تناول الإدراك المعرفي لعملية التقييم المتوازن للثورة الخضراء الآسيوية التي كشفت عن بعض القيود والمحاذير المهمة المتعلقة بالأمن الغذائي.

ثم تطرق الكاتب في الفصل الثالث إلى تأثير التربة والمياه والبذور والمناخ والبشر ونوع الغذاء على استراتيجية التحول البيئي ومكاسب إعادة تخصيص النشاط الاقتصادي.

أما في الفصل الأخير ، فقد كان خلاصة دراسات وتقارير لورش عمل ومؤتمرات عالمية وممارسات تطبيقية مهمة ، قدّم فيه العديد من التوصيات المهمة في إدارة أزمة مخاطر انعدام الامن الغذائي، نذكر منها:

  • تقديم الدعم الانتخابي والمالي للأفراد وللأحزاب السياسية التي تلتزم بإحداث تغييرات إيجابية في النظم الغذائية.
  • يجب على الأفراد تحميل قادتهم المسؤولية عن القرارات والالتزامات التي تم اتخاذها في مؤتمر القمة العالمي للأغذية في عام 2021.
  • يلتزم المستهلكون الأفراد بما يأكلونه ويشربونه حسب سياق أنظمتهم الغذائية وقدراتهم المالية ومعاييرهم الثقافية التي تعكس دعمهم للمناخ والأنظمة الغذائية الصحية.
  • تقديم الدعم المالي للمنظمات والمؤسسات  التي تعمل لتعزيز تحول النظام الغذائي.
  • هناك دعم متزايد لمنظمات النشطاء الاجتماعيين مثل Global Citizen التي تحشد الأفراد – وخاصة الشباب – وتثقيفهم وتشجيعهم لدعم الآخرين من أجل إنهاء الفقر المدقع والتصدي لتغير المناخ ، مع التركيز على اتخاذ إجراءات ملموسة.
  • الترويج للمهن والوظائف في قطاعي الزراعة والأغذية ، عبر القطاعات العامة والخاصة.
  • على الرغم من قوة الفرد ، فإن عملية  تحول النظم الغذائية لتحقيق عالم آمن غذائيًا يتطلب عملًا جماعيًا لتعزيز الشراكات والاستثمارات.
  • يجب أن تأتي هذه الإجراءات من سياسات وإجراءات متماسكة ومتآزرة ، حيثما أمكن ذلك ، بين القطاع العام وقطاع الأعمال الخاصة.

يتم تنفيذ هذه المبادرات على ثلاثة مستويات من المشاركة:

  •  الدولية.  تدعم المنظمات الدولية التي تعمل داخل الحدود الوطنية  هذه المبادرات لتحقيق الأهداف المشتركة ومعالجة المشاكل وتهيئة الفرص.
  •  الوطنية:  يتم تنفيذ هذه البرامج والسياسات من قبل المنظمات على المستوى المحلي بهدف تحقيق الأهداف الوطنية.
  •  المحلية:  يتم تنفيذ هذه البرامج والسياسات في الولايات والمحافظات والمقاطعات والمدن والبلدات ، وصولاً إلى القرى والأرياف
  •  يمكن أن تتخذ هذه الإجراءات شكل سياسات أو برامج فردية ينفذها كيان واحد أو ، متعدد ، من خلال نماذج التعاون التي تتراوح من شراكة ثنائية بسيطة بين القطاعين العام والخاص إلى تحالفات متعددة ، تغطي جميع المستويات.

يجب اختيار علماء وباحثين أجانب للعمل في المراكز البحثية بالشراكة مع الباحثين الوطنيين، وعلى المؤسسة البحثية أن تتخذ موقف محايد عند تقديم المشورة وأن تكون توصياتها في إدارة هذه الأزمة خالية من الاعتبارات السياسية.

وقد برهنت تجربة COVID-19 هشاشة النظم البيولوجية لدينا والتي أثبتت قابلية الإنسان على الإصابة بفيروس جديد. ورغم تطوير اللقاحات ، انعدمت المساواة في الحصول على فوائد العلم والتكنولوجيا ، ولا سيما حالة بطء طرح اللقاح في الدول منخفضة الدخل. لذا من المهم توفير القدرة البحثية الذكية ذات الموارد الجيدة ضمن القطاعين العام والخاص.

ثم يطلب الكاتب من القارئ أن يتأمل معه  للحظة؛ انتشار مرض عبر حقول الرز أو القمح أو الذرة في العالم بقوة شبيهة بتلك التي أصاب بها فايروس COVID-19 البشر، حيث ستختفي المزروعات كما حصل مع الانقراض شبه الكامل لصنف الموز Gros Michel المزروع على نطاق واسع بسبب مرض بنما (الناجم عن الفطريات) حيث أتاح هذا المرض توقع الآثار الكارثية للأمراض النباتية الخبيثة على إنتاج الغذاء والتجارة وسبل العيش.

ويقول الكاتب: ” إذا فقدنا ربع محصول الغذاء في العالم بسبب آفة أو مرض ، فسنحتاج إلى استجابة سريعة ومنسقة لتجنب أزمة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية. لذا يجب أن نكون  على آهبة الاستعداد على المستوى العالمي للتصدي لما يوازي جائحة COVID- 19 في النظم الغذائية.  وإن تقاعسنا عن العمل فسنواجه حتمية تغير المناخ، وجفاف الأراضي، ونضوب موارد المياه، فقدان التنوع البيولوجي.

إنّ فكرة توزيع الطعام بشكل أكثر إنصافًا أو الحد من فقد وهدر الطعام لن يقلل من خطر انعدام الأمن الغذائي. وعليه قدم الكاتب استراتيجية أساسية لإدارة تلك  الأزمة عن طريق:

إيجاد سبل التعاون المشترك بين المعرفة العلمية ، والعمل السياسي ،بالاشتراك مع المزارعين ، وينبغي تحقيق هدف التغلب على الجوع الذي سيتعرض له سكان البلدان النامية خلال هذا العقد ، رغم أنّ هذه الرؤية صعبة المنال، ولن تتحقق بحلول عام 2030. ولكن من الممكن تمامًا القضاء على الجوع وتحقيق رؤية الكاتب للأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2050 .

يجب على قائد إدارة أزمة التحول في النظم الغذائية أن يعتمد على سياسات عملية لتنفيذ الرؤية الفنية. ويمكن استخلاص معظم هذه السياسات ، وإن لم يكن كلها ، من المجالات الموضحة ضمن الكتاب .

وأخيرًا؛ لكي يتم تنفيذ سياسات نظم الامن الغذائي على نطاق واسع وسريع، فيجب تعبئة الأفراد والمؤسسات ونشرهم لتنفيذ تلك السياسات ، باستخدام فن التفاوض ومهارة التواصل، مع التأكيد  على دور الابتكار والتعاون في حل المشكلات. و في النهاية ، فالأمر متروك للأفراد لتحمل مسؤولية التغيير من خلال مساهماتهم المباشرة وشراكاتهم وتأثيرهم على الآخرين.

ورغم صعوبة التكهن  بطبيعة الأزمات والكوارث التي سيتعرض لها النظام البيئي والغذائي  في العالم، إلا أنّ الكاتب  كلين دينينج وفّر أدوات لا تقدر بثمن “لتحليل القضايا الأساسية” لدعم صانعي السياسات الذين يتعين عليهم التصرف بسرعة خلال أوقات الأزمات للحد من الآثار التي ستلحق بالأفراد، والذين لم يتعافوا بعد من صدمات جائحة COVID-19 ، والحرب في أوكرانيا، والتضخم الجامح، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية ومنتجات الطاقة.

اترك تعليقا