المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران: العواقب والحلول

وبرأيي فإن إيران أرادت بهذه العملية (الوعد الصادق) توجيه رسالة إلى واشنطن وتل أبيب مفادها “أوقفوا الهجوم على إيران، وإلا فإننا سننفذ العملية المقبلة على نطاق أوسع وجدية أكبر، ولن نبلغكم مسبقا”.

وكتب السيد حسين موسويان الخبير السياسي الإيراني والمحلل في الشؤون الدولية مقالاً بمجلة “مجلس سياسة الشرق الأوسط” الأميركية، وينشر موقع المعهد العراقي للحوار نص المقال المترجم من الفارسية.

وفي 13 أبريل 2024، استهدفت إيران إسرائيل بشكل مباشر بمئات الطائرات بدون طيار والصواريخ، وكان هذا الهجوم أكبر وأهم هجوم عسكري على إسرائيل بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، وأكبر هجوم بطائرات بدون طيار في التاريخ، يمكن لعواقبه أن تغير المعادلات المستقبلية في الشرق الأوسط.

وأذكر أدناه ستة نتائج مهمة:

1- إثر الهجوم العسكري الإسرائيلي على القنصلية العامة الإيرانية في دمشق، استشهد سبعة من كبار المستشارين العسكريين الإيرانيين، وفي الواقع، تجاوزت إسرائيل “الخط الأحمر” الإيراني، وبمهاجمة المنشآت الدبلوماسية الإيرانية، انتهكت إسرائيل أشهر اتفاقيات القانون الدولي وانتهكت سيادة إيران، لكن القوى العالمية، الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، رفضت وأعلنت عن إدانتها هذا العمل.

ولذلك شنت إيران هجوماً عسكرياً على إسرائيل ردا على ذلك. وأعلنت إيران أن هذا الإجراء يأتي “ردا” على مبدأ “الدفاع المشروع” وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. وأدانت القوى الغربية على الفور التحرك الإيراني. وصرحت إيران أنه إذا أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الهجوم العسكري الإسرائيلي، فربما لن تكون هناك حاجة لأن تتخذ إيران إجراءات مضادة، ولذلك، فإن المعايير المزدوجة والتمييزية التي يتبعها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن أن تعكر صفو السلام والأمن العالميين.

2- ذكر مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون أن الهجوم الإيراني كان أكثر اتساعاً مما كان يتصور، هذه النقطة صحيحة. لكن الحقيقة هي أن رد إيران لم يكن فقط على الهجوم الإسرائيلي على القنصلية العامة في سوريا. وفي السنوات الخمس عشرة الماضية، اغتالت إسرائيل العشرات من العلماء النوويين والقادة العسكريين الإيرانيين داخل إيران وخارجها، ونفذت العديد من الهجمات السيبرانية والتخريب ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية. ولقد أظهرت إيران في الماضي الصبر وضبط النفس. وفي تقدير خاطئ، اعتبرت إسرائيل هذا الضبط علامة على “ضعف” إيران وواصلت هجماتها، لكن الهجوم الإسرائيلي على المركز الدبلوماسي الإيراني خلق الظروف لطهران للرد على جميع الهجمات الإسرائيلية السابقة في هجوم واحد.

3- أعلن الرئيس الأمريكي بايدن أن الولايات المتحدة لن تشارك في حالة قيام إسرائيل بهجوم عسكري آخر على إيران. وهذا قرار صحيح وجاء في الوقت المناسب لأنه إذا هاجمت إسرائيل إيران مرة أخرى، فهذه المرة ستهاجم إيران إسرائيل على مستوى أوسع دون إشعار مسبق. وإذا تدخلت أمريكا، فإن إيران وجميع الجماعات الجهادية في المنطقة، مثل حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي العراقي، سوف تدخل المعركة أيضًا، وبالإضافة إلى المشاركة في الهجوم على إسرائيل، فإنها ستهاجم أمريكا وقواعدها العسكرية في المنطقة، وهو السيناريو الأسوأ المحتمل، أي أن “حرباً أكبر” ستحدث.

4- في السنوات الماضية، وفي العديد من المقالات والمقابلات، قلت مراراً وتكراراً إن الهجوم العسكري على إيران هو العامل الوحيد الذي يمكن أن يدفع البرنامج السلمي الحالي لإيران نحو قنبلة نووية، ولذلك، ومن هذا المنطلق فإن قرار الرئيس بايدن بعدم المشاركة في الهجوم على إيران هو قرار حكيم.

5- اقترح جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، أن تقوم إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وأكد أن إيران لا تفهم إلا لغة القوة. إن الافتقار إلى الفهم الصحيح والمفاهيم الخاطئة والحسابات الخاطئة هي السبب الرئيسي للحروب والأزمات في العقود القليلة الماضية. تفكير جون بولتون هو أيضًا تفكير مفاده أن بعض السياسيين الأمريكيين الأقوياء يؤيدون ويدعمون “التدخل” الأمريكي. والحقيقة هي أن الاستراتيجية الرئيسية لأمريكا بعد الثورة الإسلامية عام 1979 في إيران كانت تقوم على “العقوبات والضغوط” و”تغيير النظام”.

ونتيجة لهذه السياسة وطريقة التفكير هذه، أصبحت علاقات إيران مع أميركا، والغرب، وإسرائيل الآن في أشد حالات العداء الممكنة.

في عام 2007، اتُهمت بالعمل ضد الأمن القومي الإيراني والتجسس لمعارضتي السياسة الخارجية لحكومة أحمدي نجاد المحافظة. لكن خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، حاولت في كتاباتي ومقالاتي أن أساعد على التفاهم المتبادل الصحيح بين أمريكا وإيران، لأنني أعتقد أن البلدين، على الرغم من الاختلافات الكثيرة، لهما مصالح مشتركة ويجب أن يصلا أخيراً إلى السلام من خلال الدبلوماسية.

وفي هذا الصدد، أوضحت مراراً وتكراراً للأميركيين أن إيران لها تاريخ وحضارة تمتد إلى عدة آلاف من السنين. وبغض النظر عما إذا كان الملك أو رجال الدين يحكمون بلادهم، فلن يقعوا تحت وطأة “القوة والإهانة”.

والآن، يجب على واشنطن وتل أبيب أن يفكرا في حقيقة أن إيران، تحت أشد العقوبات والضغوط وأصعب الظروف الاقتصادية خلال الأربعين سنة الماضية، ردت على الهجمات الإسرائيلية بطريقة لم يتصورها أحد. وبينما لم تجرؤ الدول العربية على إلقاء خرطوشة على إسرائيل في العقود القليلة الماضية، ردت إيران على الهجوم العسكري الإسرائيلي بمئات الصواريخ والطائرات بدون طيار.

6- من المتوقع أنه بعد الحادث الأخير، سيحاول الغرب وإسرائيل التقليل من الأهمية العسكرية للعملية الإيرانية، وسيبالغ البعض في إيران في ذلك. لكن الحقيقة هي أن الحرس الثوري أبلغ العالم ببدء العمليات المشتركة ضد إسرائيل، قبل ساعات من وصول الصواريخ والطائرات المسيرة إلى إسرائيل.

من وجهة نظري، من ناحية، أطلقت طهران كمية كبيرة من الصواريخ والطائرات المسيرة، ومن ناحية أخرى، أعطت إشعارًا قبل ذلك لإعطاء فرصة لأمريكا وإسرائيل لمنع الصواريخ والطائرات المسيرة من الوصول إلى قدر كبير ممكن، لأن إيران لم تكن تريد هذا الرد، الذي سيؤدي إلى كارثة تتحول إلى حرب كبيرة وواسعة النطاق. وبرأيي فإن إيران أرادت بهذه العملية توجيه رسالة إلى واشنطن وتل أبيب مفادها “أوقفوا الهجوم على إيران، وإلا فإننا سننفذ العملية المقبلة على نطاق أوسع وجدية أكبر، ولن نبلغكم مسبقا”.

7- النقطة الأخيرة هي أن سياسات “العقوبات والضغط والتدمير” التي اتبعها الغرب ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة في العقود القليلة الماضية قد خلقت “جبهة مقاومة” في دول مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وفي غرب آسيا، وجميعها مسلحة بآلاف الصواريخ والطائرات بدون طيار. ومن ناحية أخرى، فقد أحدثت نوعاً من التحالف بين إيران وقوى الكتلة الشرقية، وخاصة الصين وروسيا، التي تتمثل مصالحها المشتركة في تدمير أمريكا في منطقة الشرق الأوسط.

إن تهدئة الوضع المتأزم في غرب آسيا يتطلب المزيد من الأساليب الإبداعية والمزيد من المبادرات من جانب القوى الإقليمية العالمية، وخاصة أميركا. إن تبني سياساتهم غير المسؤولة وغير المتوازنة يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة غرب آسيا لفترة طويلة ويجعل أزماتها أكثر تعقيداً.

ويتطلب السلام والاستقرار في غرب آسيا خمس خطوات أساسية:

أولاً: على إسرائيل قبول وقف إطلاق نار مستقر في غزة في أسرع وقت ممكن، وفتح الطريق أمام المساعدات الإنسانية الدولية لغزة، واحترام قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن تشكيل حكومتين فلسطينية إسرائيلية.

ثانياً: مبادرة القوى العالمية لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران.

ثالثاً: الحوار بين إيران والولايات المتحدة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة وحل النزاعات الإقليمية.

رابعاً: إنشاء نظام الأمن والتعاون الجماعي في الخليج لإنهاء التوترات العربية الفارسية التي طال أمدها.

خامساً: تنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.

اترك تعليقا