00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

فرص جديدة أم مأزق قديم؟ قراءة في مفاوضات طهران وواشنطن

تشهد الساحة السياسية الإيرانية حراكاً ملحوظاً بعد انطلاق جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن في العاصمة العمانية مسقط، وسط تغيرات اقتصادية إيجابية، وانقسام داخلي في المواقف السياسية. تأتي هذه المفاوضات في سياق محاولات لخفض التوترات الإقليمية والدولية، وتحسين موقع إيران على الساحة العالمية، في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط توتراً متزايداً بسبب الحرب في غزة وأوكرانيا.

وأعطت الجولة الأولى والثانية من المفاوضات إشارات إيجابية للأسواق الإيرانية، حيث شهدت أسعار العملات والذهب والبورصة استقراراً نسبياً، ما يعكس آمال المستثمرين في رفع العقوبات أو تقليص حدّتها. هذه المؤشرات تعززت بتقديرات تفيد أن غالبية الإيرانيين تؤيد الحوار، رغم تحفظات بعض الأطراف المعارضة في الداخل.

تحديات سياسية ومخاوف من العرقلة

رغم الأجواء المتفائلة، يحذر مراقبون من تحديات كبيرة تواجه المحادثات، أبرزها محاولات العرقلة من قبل قوى خارجية، خاصة إسرائيل، إضافة إلى أطراف داخلية تستفيد من استمرار العقوبات. كما أن بعض النخب السياسية تخشى من أن تصل المفاوضات إلى طريق مسدود أو أن يواجه أي اتفاق عقبات في التنفيذ.

وفي الجزء الثاني من الحوار الموسّع الذي أجرته صحيفة «شرق» الإصلاحية مع شخصيات سياسية إيرانية بارزة حول مستقبل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، كان الحديث مع عبدالله رمضان ‌زاده، المتحدث السابق باسم حكومة الإصلاحيين. وقد قدّم رمضان‌ زاده رؤية متقاربة إلى حد كبير مع ما طرحه محمد هاشمي، من حيث التأكيد على ضرورة استمرار المفاوضات، مهما كانت التحديات.

المعارضة الداخلية يمكن احتواؤها

محمد هاشمي رفسنجاني، السياسي البارز وعضو سابق في مجمع تشخيص مصلحة النظام، اعتبر أن المعارضة الداخلية للمفاوضات ليست مقلقة ويمكن إدارتها. وبيّن أن الظروف الحالية تختلف عن مفاوضات الاتفاق النووي السابق، مشيراً إلى أن الحاجة الإقليمية للتهدئة تمنح إيران موقعاً تفاوضياً أفضل. كما أكد أن التجربة الإيرانية السابقة أظهرت قدرة طهران على إدارة التفاوض بمهارة رغم الضغوط الدولية.

وفي ما يخص التهديدات الخارجية، خصوصاً من إسرائيل، اعتبر هاشمي أن هذه الأطراف لا تملك القدرة الكافية لتعطيل المسار الدبلوماسي الإيراني، وأن البلاد قادرة على تجاوز الضغوط عبر الاستراتيجية المناسبة.

هاشمي وفي مقابلة مع صحيفة «شرق» الإيرانية، أشار إلى أن الانقسام السياسي الناتج عن المفاوضات الجارية والتخريب المتعمد لبعض الأطراف، وإن بدا بارزاً، إلا أنه قابل للإدارة ولا يرقى إلى مستوى التأثير الواسع.

وقال: «في كل مجتمع هناك من يعارض كل شيء، وغالباً ما يكون دافعهم مصالحهم الشخصية، وقد يستغل البعض استمرار العقوبات لتحقيق مكاسب خاصة، لكن تأثيرهم على المفاوضات محدود».

وحول فرص التوصل إلى اتفاق دائم، أعرب هاشمي عن تفاؤله قائلاً: «الظروف اليوم تختلف كثيراً عن الماضي. المنطقة بأسرها بحاجة إلى الهدوء، وموقع إيران التفاوضي أصبح أكثر أهمية في ظل التحولات الراهنة».

وأضاف أن إيران يجب أن تتعامل مع المفاوضات بمنهجية استراتيجية واعية، في ظل الحربين الدائرتين في الشرق الأوسط وأوكرانيا والضغوط الدولية المتزايدة.

فيما يتعلق بالشق الاقتصادي، يرى هاشمي أن نجاح المفاوضات قد يسهم بشكل مباشر في تحسين الوضع الاقتصادي، ويقول: «إذا تم التوصل إلى اتفاق مستقر، فإن ذلك سينعكس إيجاباً على الأسواق وعلى حياة المواطنين، وهو ما بدأ يظهر بالفعل في بعض المؤشرات الاقتصادية».

إيران تعرف كيف تتعامل مع الضغوط

في ختام حديثه، أكد هاشمي أن إيران، رغم الضغوط الأجنبية ومحاولات بعض الدول عرقلة التفاوض، تملك من الخبرة والقدرة ما يمكّنها من تجاوز هذه العقبات. وقال: "في نهاية المطاف، هذه المحاولات لن تنجح في وقف المفاوضات، وإيران قادرة على حماية مصالحها بكل حنكة".

وأنهى هاشمي حديثه برسالة صريحة قائلاً: "في هذا المنعطف الحساس من تاريخ البلاد، يجب أن نتجاوز الخلافات الداخلية. تصعيد هذه الخلافات الآن قد يوجه ضربة لا يمكن إصلاحها لمستقبل إيران".

لا يجب وقف المفاوضات خوفاً من الفشل

يرى رمضان ‌زاده أن على الرغم من وجود أصوات معارضة، سواء من الداخل أو من أطراف خارجية، إلا أن المصلحة الوطنية تقتضي مواصلة المسار التفاوضي. واعتبر أن "غالبية المجتمع الإيراني اليوم تبحث عن التهدئة، وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي"، رغم أن بعض المعارضين قد يستخدمون خطاباً متطرفاً.

وأضاف أن هذه المعارضة محدودة في تأثيرها، لكونها غالباً مرتبطة بمراكز قوى محددة لا ترغب بتأجيج الانقسام في الداخل الإيراني. واستشهد بفشل احتجاجات مناهضة أمام البرلمان تحت شعار الدفاع عن قانون الحجاب، معتبراً أنها دليل على محدودية قدرة هذه الفئات على تعبئة الشارع.

تقييم إيجابي لمسار المفاوضات رغم التحديات

رمضان ‌زاده أكد أنه لا ينبغي تبني نظرة مفرطة في التفاؤل، لكنه وصف الأجواء بعد الجولة الأولى من مفاوضات مسقط بأنها إيجابية. ورأى أن الخلافات بين الجانبين (الإيراني والأمريكي) طبيعية، لكنّ "توفر الإرادة لدى الطرفين" يمنح الأمل بإمكانية التوصل إلى اتفاق عقلاني وقابل للدفاع عنه.

ورأى أن أحد نقاط التقاطع بين الطرفين هو رفض امتلاك إيران لسلاح نووي، وهو هدف مشترك يمكن أن يشكل أساساً لتقدم الحوار. وأوضح أن إيران صرّحت مراراً بأنها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، ما يقلل من حجم التنازلات التي قد تضطر لتقديمها، ويسهّل مهمة التوصل إلى اتفاق. تحذيرات من دور إسرائيل وضرورة التعامل الذكي.

رمضان ‌زاده لم يغفل التحذير من محاولات إسرائيل لعرقلة التفاوض، مستشهداً بسوابق تشمل عمليات تخريب واغتيالات نووية. وأكد أن على طهران أن "تتصرف بذكاء للحد من قدرة إسرائيل على المناورة"، معتبراً أن "الكيان الصهيوني يستفيد من استمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة".

الاقتصاد والمجتمع يدعمان المسار التفاوضي

وفي ما يتعلق بالوضع الاقتصادي، شدد رمضان‌ زاده على أن الأجواء الإيجابية للمفاوضات بدأت تؤثر فعليًا في الأسواق المالية، وهو ما يعكس تفاؤل المواطنين والمستثمرين. وقال: "من الواضح أن الأسواق تستجيب لمؤشرات الانفراج، وهذا يعني أن المسار الدبلوماسي يسير بالاتجاه الصحيح".

كما أشار إلى أن أي خلاف داخلي يمكن أن ينعكس سلبًا على هذا المسار، داعيًا إلى "وحدة وطنية خلف المسار التفاوضي"، إذ أن نجاح أي اتفاق "مشروط بدعم سياسي وشعبي داخلي واسع".

واختتم رمضان ‌زاده حديثه بتحذير ذي دلالة: "ربما تتكرر خيبات (الاتفاق النووي) أو فشل مفاوضات حكومة رئيسي، ولكن لا يجب أن نخشى الفشل إلى درجة تمنعنا من المحاولة". وأكد أن "الحل يكمن في مواصلة التفاوض، الوصول إلى اتفاق، وتنفيذه بحكمة من أجل ضمان الاستقرار واستمرار نتائجه على المدى البعيد".

ومن المتوقع أن تشهد الجولة المقبلة في سلطنة عُمان اهتماماً إقليمياً ودولياً، نظراً لحساسيتها والآمال المعلّقة عليها في كسر الجمود الحاصل في الملف النووي والملفات الإقليمية المرتبطة به.

تفكيك بنيتها التحتية النووية

وفي سياق متصل، كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها، أن إيران أبلغت المسؤولين الأمريكيين رفضها تفكيك البنية التحتية النووية التي أنفقت عليها مليارات الدولارات، معتبرة أن الإصرار على هذا الشرط سيجعل من الصعب الوصول إلى أي اتفاق في المفاوضات الجارية.

ونقل التقرير عن علي واعظ، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، قوله إن بدء المرحلة الفنية من المحادثات يُعد مؤشراً على براغماتية الطرفين، مضيفاً أن "الحديث عن تفكيك البرنامج النووي الإيراني كان إلى حد كبير للاستهلاك الإعلامي".

وبحسب التقرير، طرحت طهران مقترحاً لإطلاق مشروع مشترك لإدارة منشآتها لتخصيب اليورانيوم، في خطوة قد تسمح لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – في حال اعتمدت مجدداً هذا المسار – بالإعلان عن اتفاق "مختلف" عن ذلك الذي وُقّع خلال عهد باراك أوباما.

وتشير الصحيفة إلى أن هوية الطرف الثاني في هذا المشروع المشترك ما تزال غير واضحة، إذ لم يُعرف بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة أو إحدى الدول الخليجية المجاورة لإيران ستكون الشريك في هذا الإطار، وفقاً لما أفاد به كلّ من علي واعظ ومسؤول إيراني رفيع.

ويأتي هذا التقرير في وقت تتواصل فيه المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، وسط مؤشرات على محاولات لإيجاد حلول "وسط" تضمن تخفيف التوتر دون المساس بالخطوط الحمراء للطرفين.

تعليقات الزوار