بقلم: محمد علي دستمالي – باحث وخبير في الشؤون التركية والكردية
من أي نافذة ننظر إلى انحلال حزب العمال الكردستاني؟
في خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلن عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، عن تفكيك التنظيم ونزع سلاح جناحه العسكري. هذا القرار، الذي جاء بعد نحو نصف قرن من الكفاح المسلح ضد الدولة التركية، أثار تساؤلات واسعة حول دوافعه، توقيته، ومآلاته المحتملة. هل نحن أمام تسوية شاملة بين أنقرة والأكراد؟ أم أن ما جرى مجرد إعادة تموضع في إطار تحولات إقليمية ودولية أوسع؟ وماذا عن مصير الأكراد في تركيا وسوريا والعراق؟ وما تأثير ذلك على الجماعات الكردية الأخرى وعلى مستقبل السياسة التركية؟
تأسس حزب العمال الكردستاني عام 1978 على يد أوجلان، وبدأ نشاطه المسلح عام 1984، لتدخل تركيا بعدها في واحدة من أطول وأعنف حروب العصابات في المنطقة. قُتل خلال تلك الحرب عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين، وتحول الملف الكردي إلى عقدة مستعصية في الجغرافيا السياسية لتركيا والشرق الأوسط.
وتشير الشواهد إلى أن بعض بنود الاتفاق بين الحكومة التركية وعبدالله أوجلان لا تزال خلف الكواليس، ويبدو أنه لن يتم الإفصاح حالياً عن تفاصيل الإصلاحات السياسية، القانونية والاجتماعية المحتملة. وحتى الآن، لسنا متأكدين إن كنا بصدد "تبادل متكافئ" أو مجرد "عطاء بلا مقابل". خصوصًا فيما يتعلق بسيناريوهات مستقبل الأكراد في سوريا، لا تتوفر لدينا معلومات كافية لنفهم إن كان حلّ الـPKK سيقابله تسهيل لمشاركة الأكراد في حكومة دمشق المستقبلية، أم لا.
نظرة تحليلية لانحلال الـPKK:
لفهم الأسباب والخلفيات الكامنة وراء انحلال حزب العمال الكردستاني، علينا أن نستحضر في أذهاننا عدّة نوافذ من التحولات التاريخية. لا يمكن اختزال نهاية الحزب بمجرد كونه قضية محصورة بين الدولة التركية وتنظيم مسلح. فمنذ تأسيس الحزب في 1978 وحتى بدء العمل المسلح في 1984، ومن اعتقال أوجلان في كينيا عام 1999 إلى فترات الهدنة والاشتباكات المتكررة وصولاً إلى انحلاله المعلن في عام 2025، مرّت خمسة عقود من النزاع والتأثير المتبادل. ولا بد من التذكير بمراحل ما بعد سقوط الدولة العثمانية وما بعد معاهدة لوزان لفهم ترابط الأحداث بشكل أدق.
اليوم، في أيار/مايو 2025، لم تعد قضية حزب العمال الكردستاني مسألة داخلية تركية أو انعكاسًا لمطالب اجتماعية في شوارع الأكراد بتركيا وسوريا، بل أصبحت على طاولة التحليلات الإقليمية والدولية. لقد ولّى زمن كانت فيه الجماهير الكردية في تركيا وسوريا وأوروبا تلبي نداء أوجلان وتنزل إلى الشارع. فقد دخل الحزب في دوامة من التكرار جعلت من رمزيته أهم من تأثيره الواقعي.
كان الـPKK يعمل كآلية بطيئة أو في توقيت ومكان خاطئين. طوال تاريخه، أثرت عليه العوامل الإقليمية والدولية أكثر بكثير من الديناميكيات الداخلية للمجتمع الكردي. لذلك من غير الممكن تجاهل أن قرار أوجلان الأخير مرتبط بوضوح بالتطورات التي تلت عملية "طوفان الأقصى"، وسقوط الأسد، وتموضع روسيا، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
يُضاف إلى ذلك التطور التكنولوجي العسكري التركي، خاصةً في مجال الطائرات المسيّرة، مما قلّص من فاعلية الحرب غير النظامية التي كانت سلاح أوجلان الأول.
من الخطأ تفسير انحلال الحزب كنتيجة لتحوّل فكري أو تبدل في خطاب أوجلان، بل هو استجابة واقعية لتحولات ميدانية.
قرار مركّب لا يمكن اختزاله في "انتصار" أو "هزيمة"
تحليل أسباب وخلفيات وتبعات انحلال الحزب وتجريد جناحه العسكري من السلاح، يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد. لا يمكن النظر إلى القضية من زاوية عاطفية أو أيديولوجية فقط. ليست المسألة ما إذا كان القرار استسلاماً أم تطوراً حتمياً.
كما أن جغرافيا كردستان تركيا تختلف عن جنوب إفريقيا والهند، فإن شخصية أوجلان السياسية تختلف عن غاندي ومانديلا. لذا، تصويره كبطل مطلق ليس دقيقاً، لكنه في الوقت ذاته ليس عديم القيمة. وحتى إن لم تقدّم حكومة أردوغان تنازلات صريحة، إلا أن وقف دوامة الدماء يُعد بحد ذاته مكسباً.
أوجلان أعلن بجرأة أن عمر الحزب قد انتهى، وأنه فقد معناه ويجب أن يُحل. بل ذهب أبعد من ذلك، معلنًا أنه يتحمل المسؤولية التاريخية لهذا القرار. من هذه الزاوية، يمكن تصور أنه لو كان في موقع قيادة حركة مثل حماس، لكان على الأرجح مستعداً لإطلاق جميع الرهائن ويواجه منتقديه بالقول: "لا خيار أمامنا. دعونا نظهر على الأقل حسن النية".
شخصية أوجلان: من ماركسي صارم إلى يساري براغماتي
لعل أفضل طريقة لفهم أوجلان تكمن في مقاربة درامية – سردية: فهو في سلوكه شخص عمليّ بالكامل، وفي رؤيته السياسية ليس زعيماً تقليدياً كردياً، بل قائد يساري. هذا اليساري خفّف من حدّته الأيديولوجية مع تقدّمه في السن وتغيّر الزمن، فابتعد عن الماركسية الصلبة باتجاه يسارية أكثر اعتدالاً. من الخارج، يبدو أنه يرفض الليبرالية، لكنه في العمق يتصرف كاشتراكي ديمقراطي براغماتي لا يؤمن فعليًا بالاشتراكية أو القومية. وربما لا يمانع الآن ارتداء قميص يحمل صورة "تشي غيفارا" و"كاسترو"، لكنه يدرك أن نقش صورهم على جسده لن يكون لا عقلانياً ولا مفيداً.
الكثير من الأسئلة بلا إجابة:
ما زلنا لا نعرف:
هل سيتم الإفراج عن صلاح الدين دميرتاش وآلاف السجناء السياسيين المرتبطين بالـPKK؟
هل سيتم نزع سلاح الحزب في كردستان العراق بالكامل؟
هل سيقود أوجلان مستقبلاً الأحزاب الكردية القريبة من الـPKK في البرلمان التركي، أم سيحل محله شخص آخر؟
هل سيتم تعديل المادة 66 من الدستور التركي، التي تعتبر جميع المواطنين "أتراكًا"؟
كل ما نعلمه حتى الآن هو ما ورد في البيان الرسمي: أحد أقدم التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط قد أعلن وقف العمل المسلح، حلّ تنظيمه السري، ويريد أن يتحول إلى كيان سياسي وقانوني مكشوف.
يبقى السؤال:
هل سيؤدي هذا الحدث المفصلي إلى تحسن نسبي في موقع الأكراد بسوريا وتركيا؟
أم أن الفائز الأكبر سيكون "الثنائي أردوغان – باهتشلي" واستمرار هيمنة حزب العدالة والتنمية؟
وهل سيكون لهذا القرار تأثير على مستقبل بقية الحركات الكردية، أم أن كلٌ سيستمر في مساره؟
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار