00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
10 °C
بغداد، 10°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

بين أردوغان والشرع: أكراد سوريا يصارعون من أجل البقاء

رغم نجاح الرئيس أحمد الشرع في عقد لقاء مفاجئ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في السعودية قبل أيام، فإن الوضع السياسي في سوريا لا يزال بعيداً عن الاستقرار. فالبلاد غارقة في الفوضى، والصراع الأهلي، والتدخلات الخارجية، أما بالنسبة للأقلية الكردية الكبيرة، فإن المستقبل يبدو أكثر غموضاً من أي وقت مضى. إذ تتشكل ملامح مصيرها ضمن صراعات إقليمية متشابكة، وتفتت سياسي داخلي، وتقلبات مستمرة في المواقف الدولية.

وعلى الرغم من أن "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) – الجناح العسكري الرئيسي للأكراد – وجناحها السياسي "مجلس سوريا الديمقراطية" (مسد) قد أحرزا تقدماً كبيراً في بناء نموذج حكم لامركزي في شمال شرق سوريا، إلا أن هذا المشروع يواجه معارضة شديدة من الحكومة الانتقالية برئاسة الشرع في دمشق، وأيضاً من تركيا المجاورة، التي تمارس نفوذاً كبيراً على الحكومة السورية الجديدة التي تهيمن عليها "هيئة تحرير الشام" – الفصيل الإسلامي المتشدد الذي كان سابقاً مرتبطاً بتنظيم القاعدة.

وقد أكد الرئيس الشرع هذا الرفض العميق للفيدرالية من خلال موقفه الأخير، ففي 27 نيسان، رفض بشكل صريح مقترح قسد بإنشاء دولة لامركزية، معتبراً إياه تهديداً لوحدة البلاد وانتهاكاً لاتفاق سابق بين الطرفين.

وقررت حكومته الإبقاء على اسم الدولة "الجمهورية العربية السورية"، وتعزيز الشريعة الإسلامية، واعتماد اللغة العربية كلغة رسمية وحيدة، ما أدى إلى تهميش الأكراد وجماعات أخرى من الأقليات، كانت تأمل أن يعكس الإطار الانتقالي التعددية التي تعيشها سوريا.

ورغم توقيع اتفاق مع الحكومة المركزية لدمج قسد في مؤسسات الدولة، لا تزال القيادة الكردية متمسكة بمطلب الحكم الذاتي. وصرّحت إلهام أحمد، إحدى الشخصيات البارزة في "مسد"، أن نموذج الإدارة الذاتية الذي طُوّر في شمال شرق سوريا يمكن أن يكون نموذجاً لسوريا بأكملها. لكن في نظر حكومة الشرع، هذه المطالب تتعارض مع النزعة المركزية التي يتبناها الدستور المؤقت، ما يدل على أن مشاركة الأكراد في عملية إصلاح الدولة تبقى، في الوقت الراهن، احتمالاً بعيداً.

ميدانياً، لا يزال الأكراد يواجهون ضغوطاً عسكرية واقتصادية شديدة. فالقوات المدعومة من تركيا تنشط في شمال سوريا وتستهدف الفصائل الكردية التي تتهمها أنقرة بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني المحظور (PKK).

لكن الحزب أعلن عن حل نفسه رسمياً في 12 أيار، منهياً أكثر من أربعة عقود من التمرد المسلح ضد الدولة التركية، وذلك بعد دعوة أطلقها زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان في شباط، طالب فيها بوقف الكفاح المسلح.

ورغم أن قائد قسد، مظلوم عبدي، قد طرح علناً مبادرات لوقف إطلاق النار وإقامة مناطق منزوعة السلاح لخفض التوتر، فإن تركيا لا تزال متمسكة بموقفها المتشدد. إذ تعتبر أنقرة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي الكردي على حدودها الجنوبية تهديداً مباشراً لأمنها القومي، ومن غير المرجح أن تتراجع ما لم تحصل على ضمانات بتفكيك كافة الفصائل المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.

ولا تزال قسد تتحاور مع حكومة الشرع في محاولة لتوسيع تحالفاتها السياسية وتقليل حدة العداء، غير أن هذه الخطوات تعكس أيضاً نوعاً من اليأس. فالصراع المستمر والعزلة الاقتصادية أثّرا بشدة على المناطق الكردية، التي تعاني اليوم من إغلاق طرق التجارة، وانخفاض مبيعات النفط، وتراجع المساعدات الغربية. كما أدى تصاعد الحرب الأهلية إلى تدمير كبير في البنى التحتية الحيوية، مثل سدي تشرين والطبقة، ما فاقم من نقص المياه والكهرباء، وهدد الأمن الغذائي.

ومع ذلك، لا يزال الأكراد متمسكين بمشروعهم السياسي، لا سيما في منطقة روجآفا، حيث يواصلون تجربة الديمقراطية القاعدية والمساواة بين الجنسين، وهي مفاهيم جديدة نسبياً في المنطقة. ويركز نموذج الحكم في روجآفا على الديمقراطية التشاركية، والاستدامة البيئية، وحقوق المرأة.

لكن مع تشديد إدارة الشرع قبضتها على دمشق، وتزايد التدخل التركي في الشأن السوري، أصبحت هذه المكاسب في مهب الريح. ففي مناطق مثل إدلب، حيث فرضت الحكومة الانتقالية نمطاً محافظاً من الحكم جرّد النساء من أبسط حقوقهن، تخشى النساء الكرديات من أن يؤدي تراجع الحكم الذاتي إلى تقويض ما تحقق من تقدم منذ عام 2013.

أما دولياً، فإن الدعم لحكم الأكراد الذاتي آخذ في التراجع، خاصة بعد أن زال تهديد الأسد. فالولايات المتحدة، التي كانت حليفاً رئيسياً لقسد في الحرب ضد تنظيم "داعش"، باتت اليوم منشغلة بالانسحاب من صراعات الشرق الأوسط، لاسيما في عهد الرئيس ترامب.

أما السعودية، التي تُعتبر لاعباً مهماً آخر، فترى في الأكراد وسيلة لموازنة النفوذ الإيراني، لكنها لم تقدم دعماً ملموساً، خشية أن يؤثر ذلك على وحدة الأراضي السورية، وهو ما يجعل الأكراد بلا حلفاء موثوقين فعلياً.

وربما يأتي بصيص الأمل من الجارة العراق، حيث يتمتع الأكراد هناك بوضع مستقر نسبياً. فقد عبّر أكراد العراق عن دعم رمزي ومعنوي، داعين أشقاءهم في سوريا إلى التوحد، ومشيرين إلى تجربتهم في الحكم الذاتي كمصدر إلهام. لكن، في ظل الصراعات الداخلية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين – الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني – فإن كردستان العراق نفسها تكافح للحفاظ على مكتسباتها.

في الوقت الراهن، يبدو أن مستقبل الأكراد في سوريا محفوف بالغموض. فبينما أظهرت الجماعات الكردية صموداً ملحوظاً، تصرّ الحكومة الجديدة في دمشق على نهج مركزي صارم، في وقت تواصل فيه تركيا عداءها، ويتراجع فيه الدعم الدولي. ما لم يحدث تحول سياسي كبير يتيح مزيداً من الشمولية واللامركزية، قد يخسر الأكراد مكاسبهم التي تحققت بشق الأنفس، شيئاً فشيئاً.

بقلم آجيش بي. جوي 

متخصص في الشؤون الخارجية. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي (2011)، ويركّز في تغطيته على الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط. كما تشمل اهتماماته الأخرى السياسة الناشئة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والشعبوية اليمينية المتطرفة

تعليقات الزوار