00:00:00
توقيت بغداد
2025يونيو16
الاثنين
33 °C
بغداد، 33°
الرئيسية أخبار نشاطات منتدى بغداد الدولي للطاقة إتصل بنا

بقلم: أبارنا باندي وفيناي كاورا ـ ترجمة المعهد العراقي للحوار

باكستان: العودة إلى الحكم العسكري

أكدت الأزمة الأخيرة في كشمير مجدداً هيمنة المؤسسة العسكرية على النظام السياسي في باكستان، وأعادت إحيائها.

وفي 20 مايو 2025، وللمرة الثانية في تاريخ باكستان الممتد 77 عاماً، حصل قائد عسكري في الخدمة على رتبة المشير. بالنسبة للجنرال سيد عاصم منير أحمد شاه، فإن هذا الترفيع هو تتويج لطموحاته، لكنه في الوقت ذاته يمثل تأكيداً رمزياً على تفوق العسكر وسط نظام سياسي هش.

لطالما كانت باكستان مثالاً تقليدياً للدولة "البريتورية"، حيث تكون المؤسسات السياسية أضعف من أن تضبط أو توجه سلطة الجيش، فيدخل الأخير مراراً لفرض النظام، لا نتيجة صدفة، بل بسبب بنية مؤسساتية تعود جذورها إلى المركزية الاستعمارية التي حالت دون ترسيخ الأعراف الديمقراطية.

صعود منير ليس مجرد تقدم لضابط، بل تتويج لنظام قائم. فقد ترأس جهازَي الاستخبارات العسكرية والعامة (ISI)، مما جعله يجسد اندماج الرقابة والسرد الديني والقيادة الاستراتيجية التي باتت سمة الجيش الباكستاني، الذي لم يكتف بحراسة الحدود الجغرافية، بل رأى نفسه حارساً لـ"حدود باكستان الأيديولوجية". ففي خطابه في 16 أبريل، ركّز منير على تقسيم الهند ونظرية "دولتين" وصراع أبدي، حسب رؤيته، بين المسلمين والهندوس.

رغم أن باكستان تأسست كدولة ديمقراطية، إلا أن النخب الحاكمة عززت البنية الاستعمارية، ما أتاح للجيش ملء فراغ خلّفته الأحزاب السياسية الضعيفة والبيروقراطية المتجذّرة والبرلمانات المتهالكة والقضاء المسيّس.

طوال 77 عاماً، أخفى الجيش كل تدخل له، مباشراً أو غير مباشر، تحت شعار "إنقاذ النظام". من أيوب خان إلى مشرف، توالت نسخ الحكم العسكري. وحتى اليوم، ورغم وجود حكومة مدنية، فإن مركز السلطة الحقيقي ليس في البرلمان بإسلام آباد، بل في مقرات الجيش في روالبندي.

شرعية الجيش مبنية على "وهم" النظام والاستقرار، ويقدّم نفسه كرمز للانضباط والهدف الوطني، ما يعفيه من المساءلة في وقت تتآكل فيه المؤسسات المدنية. غير أن الدولة تحتاج لتعاون مؤسساتي لا يمكن للجيش أن يوفّره بمفرده، حتى وإن حاول ذلك مراراً، سراً وعلناً.

هذا التدخل المفرط لم يصنع من باكستان دولة قوية بل "هشة". فالمجتمع منقسم عرقياً، والسياسة متطرفة، والاقتصاد متدهور.

لقب "المشير" يعيد إلى الأذهان عهد أيوب خان، الذي جسّد السلطة العسكرية الفجة. أما منير، فإن سلطته خفية، فهو لا يُسقِط حكومات بل يصنعها، ولا يُلغِي الانتخابات بل يوجّه نتائجها، ولا يفرض الرقابة علناً بل ينسج الروايات الإعلامية. المأساة ليست في الانقلاب بل في الاستمرارية المقنعة بـ"الإصلاح".

الجيش يتعامل مع أي معارضة داخلية، سواء من البلوش أو البشتون أو السند، كخيانة مدعومة من الخارج، خاصة من الهند أو أفغانستان، لا كمطالب مشروعة في بلد متعدد الأعراق.

رد الجيش على هذه المعارضة ليس الحوار بل الإقصاء، وأصبح ذلك مقنناً مع موافقة المحكمة العليا على محاكمة المدنيين عسكرياً، ما يمثل تطبيعاً مقلقاً للسلطة القضائية الاستبدادية. هذا الاستيلاء على القضاء جزء من توسع الجيش في الإعلام والانتخابات. في هذا المناخ، أُعيد تعريف "السيادة" من كونها سلطة قانونية إلى هيمنة بالقوة.

في أي دولة، يُفترض أن تكون الدولة الوحيدة التي تحتكر العنف، لكن حين تسمح لقوى غير حكومية باستخدام السلاح، فإنها تفقد شرعيتها لصالح مصالح قصيرة الأمد. منذ 1947، وبشكل أكبر بعد السبعينيات، اعتمدت المؤسسة العسكرية الباكستانية على جماعات "جهادية" كأداة لسياساتها الإقليمية، خاصة تجاه الهند وأفغانستان.

وبعد هزيمة 1971، أضاف الجيش طبقتين لردعه: السلاح النووي والحرب بالوكالة. وبينما تسببت الجماعات المسلحة بخسائر جسيمة في الهند، فإن آثارها على باكستان كانت أشد، كما حذّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون نظيرها الباكستاني عام 2011 بقولها: "لا يمكنك تربية الأفاعي في فناء دارك وتوقع أن تلدغ جيرانك فقط".

رهان الجيش على الوكلاء الإقليميين أصبح عبئاً استراتيجياً. العالم بات ينظر إلى باكستان كملاذ للإرهاب. ورغم أن الداخل الباكستاني يرفض هذا الوصف باعتباره "دعاية هندية وغربية"، إلا أن هذا الخطاب سيصطدم يومًا ما بالواقع.

إذا كان التاريخ يعلمنا شيئًا، فهو أن لا شيء محتوم. فالدول التي تتعثر تستطيع أن تجد بداخلها طاقة للتجديد. وبعد 77 عامًا على تأسيسها كدولة ديمقراطية، على صنّاع القرار في باكستان أن يعيدوا التفكير: إما التقدم أكثر نحو الحكم العسكري، أو العودة إلى الفيدرالية الدستورية.

عن الكاتبين:

 أبارنا باندي: مديرة مبادرة "مستقبل الهند وجنوب آسيا" في معهد هدسون.

 فيناي كاورا: أستاذ مساعد في قسم الشؤون الدولية ودراسات الأمن بجامعة سردار باتيل للشرطة والعدالة الجنائية في راجستان، الهند.

 

تعليقات الزوار