سوريا الجديدة تحت تهديد "المهاجرين"
مع وصول الحكومة الجديدة إلى سدة الحكم في دمشق بقيادة أحمد الشرع، يلوح في الأفق تحدٍّ شديد التعقيد يُنذر بزعزعة التوازن الدقيق الذي تحاول السلطات الجديدة الحفاظ عليه: ملف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا لعقد من الزمن في سوريا إلى جانب جماعات إسلامية مسلّحة، وعلى رأسها "هيئة تحرير الشام" التي انبثقت عنها الحكومة الحالية.
في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن وحلفاؤها الغربيون من أجل طرد هؤلاء المقاتلين أو تحييدهم من مراكز القرار، تتردّد حكومة الشرع في اتخاذ موقف حاسم، خشية تفكك الحلف الإسلامي الذي أوصلها للسلطة، في وقت تستثمر فيه جماعات مثل داعش في هذا الارتباك لاستقطاب هؤلاء المقاتلين عبر رسائل علنية ووعد بـ"الوفاء".
بين "المهاجر" و"المرتزق": صراع المصطلحات والهويات
رغم استخدام الغرب لمصطلح "المقاتلين الأجانب" في توصيف آلاف العناصر القادمين من آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان وشمال أفريقيا، إلا أن التيارات الجهادية تطلق عليهم صفة "المهاجرين"، وهو مصطلح ذو حمولة دينية عميقة يُضفي على وجودهم مشروعية الشرعية وتاريخية.
هذه الازدواجية في التوصيف تعكس عمق الخلاف حول مشروعية وجودهم. فبينما ترى الحكومة الأمريكية فيهم تهديدًا إقليميًا ودوليًا يتعيّن التخلص منه، ترى فصائل إسلامية عدّة فيهم ركنًا أخلاقيًا من رُكْن الجهاد المعاصر، وتعتبر طردهم خيانة لـ"العهد والدم".
تحذيرات داعش واستثمار الغضب
في 15 مايو 2025، وفي ظل تكهنات متزايدة حول نية حكومة الشرع إخراج المقاتلين الأجانب، أصدرت داعش بيانًا صريحًا غير مسبوق دعت فيه هؤلاء للانضمام إلى صفوفها، محذّرة من أن الحكومة تخطط للتخلّي عنهم، كما حصل في تجارب سابقة.
داعش استغلت أيضًا صورة لقاء أحمد الشرع بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض، إلى جانب ولي العهد السعودي، لتصويره كـ"خائن متواطئ مع الصليبيين".
ملفات ثقيلة ومقاتلون متمركزون
وفق تقديرات ميدانية، لا يزال في سوريا آلاف المقاتلين الأجانب موزّعين على ثلاث فئات رئيسية:
1. حلفاء هيئة تحرير الشام: أبرزهم "الحزب الإسلامي التركستاني" (أويغور من الصين) و"كتيبة غرباء تركستان"، إلى جانب جماعات شيشانية وأوزبكية متحالفة.
2. خصوم الهيئة المتشددون: كتنظيم داعش، وبقايا "حراس الدين" المنحلّ المرتبط بالقاعدة.
3. مقاتلون مستقلون: يشملون رجال دين، نشطاء إعلاميين، وعناصر "معتزلة" تسعى للإقامة الدائمة في سوريا.
أبرز هذه الجماعات هو الحزب الإسلامي التركستاني الذي يضمّ وفق بعض التقديرات أكثر من 2000 عنصر، ويتمتّع بعلاقات وثيقة مع هيئة تحرير الشام، وقد مُنح بعض قادته مناصب عسكرية رفيعة في هيكل الجيش الجديد.
الحكومة بين المطرقة الأمريكية وسندان الحلفاء
أمام حكومة الشرع خياران كلاهما مرّ:
الإبقاء على المقاتلين الأجانب يهدد بنشوء جيوب أصولية مستقلة، ويعرّض الحكومة لانتقادات دولية وعودة العقوبات.
إخراجهم أو تهميشهم قد يؤدي إلى انشقاقات داخلية، أو حتى تمرّد مسلّح، خصوصًا في ظل رمزية هؤلاء المقاتلين في الخطاب الإسلامي وارتباطهم العضوي بمؤسسات الثورة المسلحة.
في تصريحات صحفية بباريس، حاول الشرع التخفيف من حدّة الضغوط، مؤكدًا أن المقاتلين الأجانب "الذين حاربوا في صفوف هيئة تحرير الشام لا يشكلون تهديدًا"، وأن بعضهم قد يُمنح حق المواطنة السورية، لكنه لم يذكر مصير الآخرين، لا سيما المتشددين أو المستقلين.
سوابق مشحونة: سجون، تسليم، وعمليات تصفية
ليس جديدًا على هيئة تحرير الشام (الحاضنة السياسية لحكومة الشرع) التعامل الحذر والمزدوج مع المقاتلين الأجانب. على مدى السنوات الماضية، قامت:
بسجن قيادات دينية وميدانية أجنبية دون محاكمة واضحة؛
بحل جماعات أجنبية صغيرة مثل "جند الله" و"جند الشام"؛
وبحسب تقارير غربية، نقلت معلومات عن قيادات داعش والقاعدة لأجهزة استخبارات أمريكية وتركية أدت إلى اغتيالات ناجحة.
هذه السوابق تثير شكوكاً عميقة في أوساط الإسلاميين، وتُغذي روايات الجماعات الراديكالية عن "خيانة الهيئة" لحلفائها من المهاجرين.
حسابات داخلية: بين شعب ناقم ومجاهدين باقين
إبقاء المقاتلين الأجانب قد يُغضب السكان المحليين السوريين الذين ينظر بعضهم إلى هؤلاء كقوة غير منضبطة فرضت أنماطًا دينية واجتماعية متشددة. حادثة حرق شجرة عيد الميلاد في حماة من قبل مقاتلين أوزبك في ديسمبر الماضي، مثال صارخ على الصدام الثقافي المحتمل.
في المقابل، فإن إخراجهم أو تسليمهم، قد يُفجّر الوضع داخل صفوف الإسلاميين الذين يعتبرون هؤلاء "رموزًا للجهاد العالمي" ويطالبون بردّ الوفاء لهم.
سيناريوهات مفتوحة
يرى مراقبون أن الحكومة الإسلامية الجديدة في سوريا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
1. الاستيعاب المنظم: منح بعض المقاتلين الحلفاء إقامة أو جنسية ضمن شروط صارمة، مقابل إخراج الباقين.
2. الاحتواء السري: إبقاؤهم تحت رقابة أمنية مشددة دون منحهم نفوذًا، مع تشجيع عودتهم الطوعية.
3. الإقصاء الصريح: إخراجهم تدريجيًا أو تسليمهم، مع تحمّل تداعيات داخلية وتهديدات متزايدة من داعش أو مجموعات منشقة.
معركة الولاء لم تنتهِ
بين ما تريده واشنطن وما تخشاه الجماعات الإسلامية، يقف أحمد الشرع في مفترق طرق حاسم. فإما أن يحافظ على تحالفاته الداخلية ويفقد الدعم الدولي، أو ينفتح على المجتمع الدولي ويفقد رصيده الإسلامي.
الملف لم يُحسم بعد، لكن المؤكد أن المقاتلين الأجانب، بحضورهم الرمزي والعسكري، لا يزالون يشكلون "ظلًا ثقيلًا" على مشهد ما بعد الثورة في سوريا، وظلًا قد يتحرك في أي لحظة.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار