جيش ألماني ضخم.. وحلم بوحدة أوروبية بقيادة ميرتس

في فبراير 2025، أصبح فريدريش ميرتس المستشار الجديد لألمانيا بعد سلسلة من الأزمات السياسية الداخلية التي شهدها الربع الأخير من عام 2024. جاء انتخاب ميرتس في ظل وضع عالمي معقد للغاية وغير متوقع. في أوروبا، استمر الصراع بين روسيا وأوكرانيا لمدة ثلاث سنوات مع تزايد مشاركة دول مثل الصين، كوريا الشمالية، وإيران، ما أدى إلى تصعيد دولي في النزاع.

تسبب هذا الصراع في ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والطاقة، حيث تعتمد ألمانيا بنحو 60% من مصادر الطاقة على روسيا. على الصعيد العالمي، تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، كما شهدنا تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد عودة دونالد ترامب إلى الرئاسة. هذه التوترات أثرت سلباً على العلاقات عبر الأطلسي، خصوصاً مع مطالبة ترامب للدول بإنفاق 3-5% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، مما أدى إلى انقسامات حادة داخل الاتحاد الأوروبي.

حتى الآن، لا تمتلك ألمانيا سياسة خارجية ودفاعية واضحة، خاصة مع تشكيل الحكومة الجديدة حديثًا. إلا أن خطوات المستشار ميرتس الأولى المتشددة تشير إلى توجهات محددة للسياسة الخارجية والدفاعية في السنوات القادمة.

1. بناء أقوى جيش أوروبي

في مايو 2025، أعلن المستشار ميرتس في البوندستاغ عن نيته في إنشاء "أقوى جيش أوروبي". تعكس هذه التصريحات إرادته للخروج من الأزمات السياسية الداخلية السابقة، وتركيزه على مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة الصراع الروسي-الأوكراني المستمر. رداً على ذلك، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذه التصريحات بأنها "مقلقة جدًا" وتذكير بالأحداث التي أدت إلى الحربين العالميتين بسبب ألمانيا.

وأعلن ميرتس عن تخصيص ميزانية تصل إلى 1000 مليار يورو للدفاع والبنية التحتية. تخطط الحكومة لشراء 2500 مركبة قتالية مشاة GTK بوكسير، و1000 دبابة ليوبارد 2 بقيمة 25 مليار يورو. تهدف ألمانيا إلى تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة الضغوط المتزايدة من روسيا، خاصة مع تراجع قدرة أوكرانيا على القتال بعد تقليص الولايات المتحدة مساعداتها.

يضم الجيش الألماني حالياً 185,000 جندي نشط وأكثر من 34,000 في الاحتياط، وهو عدد قد لا يكفي لتشكيل أقوى جيش في أوروبا. في أبريل 2025، نشرت ألمانيا 5,000 جندي في ليتوانيا، مما شكل تحولًا كبيرًا في السياسة الدفاعية الألمانية حيث تم نشر قوات دائمة خارج الحدود للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. كما أعلنت الحكومة عن خطة لتجنيد 11,000 جندي إضافي، رغم أن وزير الدفاع السابق بوريس بيستوريوس أشار إلى حاجة الجيش إلى 60,000 جندي لمواجهة الاحتياجات المتزايدة لحلف الناتو.

2. استعادة وحدة الاتحاد الأوروبي مع تعزيز العلاقة الفرنسية-الألمانية

يعاني الاتحاد الأوروبي من ضعف في الوحدة بسبب خلافات بين الدول الأعضاء، خصوصًا فيما يتعلق بدعم أوكرانيا عسكريًا وماليًا. في هذا السياق، يلعب التحالف الفرنسي-الألماني دورًا محوريًا في توحيد المواقف الأوروبية. أعلن ميرتس أن أولويته هي "خلق الوحدة داخل أوروبا وتعزيز دور وقوة الدول الأوروبية للابتعاد تدريجياً عن نفوذ الولايات المتحدة". يشير هذا التصريح إلى الرغبة في تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة وكذلك ممارسة ضغط موحد على روسيا لتهدئة الصراع.

في 7 مايو 2025، قام ميرتس بأول زيارة خارجية له إلى فرنسا، حيث أكد الطرفان التزامهما باتخاذ إجراءات مشتركة لتعزيز أمن ودفاع أوروبا. كما دعم ميرتس مشروع نظام القتال الجوي المستقبلي (FCAS)، وهو مشروع مشترك بين ألمانيا وفرنسا يهدف إلى تقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية. لكن المشروع يواجه مخاطر بسبب إعلان شركة داسو الفرنسية الاستقلال في تطوير المرحلة الثانية من المشروع. تسعى حكومة ميرتس لتعزيز التعاون مع فرنسا ضمن هذا الإطار، مع رؤية بعيدة المدى لتأسيس جيش أوروبي مشترك.

الخلاصة

رغم أن ميرتس لم يمضِ على تسلمه المنصب سوى نحو ستة أشهر، إلا أنه أظهر بالفعل طموح ألمانيا للعب دور أكبر في ضمان أمن جيرانها، ورغبتها في التعاون الوثيق مع الحلفاء والشركاء لتحقيق أهداف مشتركة. تبدو الأولوية الألمانية واضحة نحو التركيز على القضايا الأوروبية، وخصوصًا النزاع الروسي-الأوكراني، بدلًا من الانخراط المكثف في منطقة الهندو-باسيفيك التي كانت محط تركيز أسلافه.

الكاتب: بوي جا كاي - باحث في السياسة والدراسات الدولية من فيتنام، يركز على فيتنام، الولايات المتحدة، الصين، الهند، إسرائيل، ألمانيا، الجيوسياسة، والقومية.