00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر15
الاثنين
11 °C
بغداد، 11°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

الدين والهوية في ميزان السياسة الدولية

في ظل النزاعات المستعرة في كل من أوروبا الشرقية والشرق الأوسط، يلاحظ مراقبون اختلافاً صارخاً في تطبيق العقوبات من قبل الدول الغربية والمنظمات الدولية، ما يثير تساؤلات جوهرية حول المعايير المزدوجة في السياسة الدولية، ومدى تأثير الدين والهوية الثقافية في ذلك.

خسائر بشرية وانتهاكات صارخة

تشير بيانات الأمم المتحدة إلى مقتل وإصابة أكثر من 30,000 مدني في أوكرانيا منذ 2022، في حين أعلنت وزارة الصحة في غزة عن أكثر من 58,000 قتيل حتى 20 يوليو 2025. ورغم التباين في خلفيات النزاعين، إلا أن كلاهما خلف مآسي إنسانية تشمل العنف، الاعتداءات الجنسية، تدمير البنى التحتية، والنزوح الجماعي، في انتهاك مباشر لاتفاقيات جنيف لعام 1949.

العقوبات.. صرامة مع روسيا وتراخٍ مع إسرائيل

فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزمة من العقوبات الصارمة على روسيا شملت حظر استيراد النفط وتجميد أصول مصرفية. في المقابل، لم تتجاوز العقوبات على إسرائيل تعليق شحنات أسلحة من دول أوروبية محدودة، فيما وافقت واشنطن على صفقة سلاح بقيمة 20 مليار دولار في أغسطس 2024.

كما أظهرت قرارات الأمم المتحدة تفاوتًا في التعامل؛ ففي حين أصدرت الجمعية العامة قرارات مطالبة بانسحاب روسي كامل (ES-11/1 وES-11/6)، لم تحظ قرارات مشابهة بشأن غزة (ES-10/25 و2720) بتطبيق فعلي فعال. وبينما وصلت يوميًا مئات الشاحنات الغذائية لأوكرانيا، لم يتجاوز متوسط المساعدات اليومية لغزة 146 شاحنة، وفي بعض الأيام لم تتجاوز 29.

اعتبارات استراتيجية وهوية حضارية

تشير تحليلات إلى أن الغرب ينظر إلى أوكرانيا كـ"حصن ديمقراطي" ضد التمدد الروسي، بينما يُنظر إلى إسرائيل كحليف استراتيجي لا يمكن التخلي عنه في الشرق الأوسط. هذا الواقع يفسر - جزئياً - ازدواجية المعايير، لكن البعد الديني والثقافي يلعب دوراً آخر.

أضفى تصريح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في فبراير 2022، "هم جزء منا"، بُعداً حضارياً للموقف من أوكرانيا بوصفها جزءًا من "العائلة المسيحية الأوروبية". بالمقابل، استُخدم هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، الذي أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي، كذريعة لتجاهل جذور الصراع الممتدة منذ 1948، وسط تغذية مستمرة لروايات الإسلاموفوبيا في السياسات الغربية.

"هرمية الضحايا" والتعاطف الانتقائي

دراسة (Mayaleh وآخرون، 2024) تناولت مفهوم "هرمية الضحايا"، حيث يُنظر إلى معاناة الأوروبيين ككارثة غير مسبوقة، في حين يُتعامل مع معاناة العرب والمسلمين كأمر روتيني. هذه المفارقة تكشف عن ازدواجية أخلاقية متجذرة في الاستعمار الثقافي والديني.

تقاطع المصالح والهوية

ترى الدراسة أن ازدواجية المعايير لا تنبع من عامل واحد، بل هي نتاج تقاطع أربعة محاور للسلطة:

الهوية الثقافية والدينية؛

المصالح الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية؛

البنية التحتية للسياسات والقوانين الدولية؛

أنظمة الإنتاج الرقمي والإعلامي.

هذا التقاطع المعقّد بين الهوية والدين والمصالح يجعل من معايير العقوبات والمساعدات وتغطية الإعلام الدولي أمورًا انتقائية، تُوظّف لتعزيز الاصطفافات الجيوسياسية.

الخلاصة: الدين عنصر مؤثر، لكنه لا يعمل بمعزل عن البُنى الأخرى. إن فهم ازدواجية المعايير يتطلب تحليلاً تقاطعياً يدمج الدين والهوية مع الاقتصاد، والتكنولوجيا، والقانون الدولي، والهيمنة الرقمية. فهي ليست مجرد خلل أخلاقي، بل نتيجة لتشابك منظم لأدوات القوة العالمية.

تعليقات الزوار