ترجمة: المعهد العراقي للحوار
الدبلوماسية الإقليمية في مواجهة عسكرة الممرات البحرية
تحوّل مضيق باب المندب في البحر الأحمر، منذ أواخر عام 2023، إلى أحد أخطر الممرات البحرية في العالم، نتيجة هجمات الحوثيين على السفن التجارية. هذه الهجمات، التي تعيق التجارة العالمية وتُرغم السفن على الإبحار حول القارة الإفريقية، أسهمت في ارتفاع تكاليف التأمين البحري وتزايد التوتر الإقليمي. ورغم الطابع المحلي الظاهري للنزاع، إلا أن هذه الأحداث تُجسّد نمطاً عالمياً متنامياً: عسكرة الممرات البحرية واستخدامها كأدوات للضغط السياسي من قبل فاعلين حكوميين وغير حكوميين.
الخطر المركب: بنية تحتية بحرية في مرمى الصراعات الهجينة
تحذّر دراسة "الاستشراف العالمي 2025" الصادرة عن مركز سكوكروفت للدراسات الاستراتيجية من أن البُنى التحتية الحيوية – كالممرات البحرية والكابلات البحرية – ستتحوّل إلى أهداف مركزية في الصراعات الهجينة. ويقصد بالصراعات الهجينة تلك التي تستخدم وسائل غير تقليدية، مثل التخريب والإنكار، للضغط دون خوض حرب شاملة. ويشكّل نموذج الحوثيين في البحر الأحمر مثالًا بارزًا لهذا النمط: تكلفة منخفضة للهجمات مقابل تأثير اقتصادي عالمي مرتفع وردود فعل عسكرية محدودة وغير فعالة.
العواقب الاقتصادية والجيوسياسية
منذ بداية النزاع في أكتوبر 2023، قامت شركات الشحن الكبرى مثل Maersk وMSC وCMA CGM بتحويل مساراتها بعيدًا عن البحر الأحمر، ما أضاف أسابيع من الرحلات وتكاليف بالملايين. كما تراجعت حركة الملاحة في قناة السويس بأكثر من 40% مطلع 2024، ما أثّر بشكل مباشر على إيرادات مصر. وردًا على التصعيد، شنّت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات على مواقع للحوثيين ضمن عملية "حارس الازدهار"، دون أن تحقق ردعًا فعّالًا.
التهديد يمتد: قابلية التكرار في ممرات استراتيجية أخرى
ما يثير القلق في الحالة اليمنية هو قابلية تكرارها. فإذا ما نجح الحوثيون في تعطيل التجارة العالمية بهذه الوسائل، قد تُقدِم جماعات مثل القراصنة الصوماليين أو الفصائل المسلحة في بحر الصين الجنوبي على محاكاة الأسلوب ذاته. وهكذا، تتحوّل نقاط الاختناق التجارية إلى أدوات ضغط جديدة، تُهدد الاقتصاد العالمي وتكشف ثغرات في بنية الأمن الدولي.
فشل الردع الغربي والحاجة إلى إطار دبلوماسي إقليمي
أثبتت الضربات الغربية محدودية تأثيرها. ووفقًا لاستطلاع مركز سكوكروفت، فإن أقل من ربع الخبراء يتوقعون استمرار النفوذ الدبلوماسي الأمريكي حتى عام 2035. هذا التراجع في الشرعية الغربية يستدعي تولّي القوى الإقليمية – مصر، السعودية، الإمارات – زمام المبادرة لإطلاق مسار دبلوماسي شامل لحماية الممر البحري الحيوي.
خارطة طريق لدبلوماسية بحرية مستدامة
يمكن بناء مبادرة دبلوماسية على النحو التالي:
تشكيل "منتدى الأمن البحري للبحر الأحمر" يضم: مصر، السعودية، الإمارات، السودان، جيبوتي، إثيوبيا.
بمشاركة مراقبين من: الاتحاد الإفريقي، الجامعة العربية، والأمم المتحدة.
مهام المنتدى: تنسيق تقييمات التهديد، تنظيم الدوريات البحرية المشتركة، ووضع آلية استجابة سريعة.
فتح قنوات غير مباشرة مع الحوثيين عبر وسطاء مثل سلطنة عُمان أو العراق.
حوافز اقتصادية وإنسانية: إعادة تأهيل الموانئ اليمنية، ممرات إنسانية، وتقديم مساعدات مقابل وقف الهجمات.
دور المنظمات الدولية: مثل المنظمة البحرية الدولية ومنظمة التجارة العالمية لتوفير أطر قانونية لحماية التجارة البحرية.
العقبات المحتملة... والدبلوماسية كأداة مرنة
من المؤكد أن هناك تحديات كبرى: فالأطراف الأيديولوجية مثل الحوثيين قد ترفض أي حوار، كما أن التنافس الإقليمي قد يعيق التنسيق. لكن الدبلوماسية – رغم تعقيدها – تقدم أدوات فعالة لبناء الثقة والتهدئة عبر مسارات متعددة. ويمكن الاستفادة من تجارب سابقة مثل الاتفاق النووي مع إيران في 2015، لإثبات أن حتى الخصوم يمكن احتواؤهم ضمن أطر تفاوضية معقدة.
الممرات كأدوات صراع أو بوابات للاستقرار
الأزمة في البحر الأحمر تبرز تحوّل طبيعة الصراع الدولي، من الحروب الكلاسيكية إلى الحروب غير المعلنة عبر التجارة والبنية التحتية. فالمضائق والموانئ لم تعد مجرد نقاط عبور بل أدوات للضغط الجيوسياسي. ومن دون مبادرة إقليمية قوية، فإن هذا النموذج قد يُصدّر إلى مضائق أخرى مثل هرمز وتايوان، ما يهدد النظام الاقتصادي العالمي برمّته.
إن الخيار اليوم ليس بين الرد العسكري أو الصمت، بل بين العسكرة أو الدبلوماسية الوقائية. وفي هذا السياق، تستطيع مصر والسعودية والإمارات قيادة نموذج دبلوماسي جديد، يُحوّل نقاط الضعف إلى ركائز استقرار، بالتنسيق مع المؤسسات الدولية وأطر التعاون الإقليمي.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار