00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

هل تستطيع روسيا الحفاظ على نفوذها في القوقاز الجنوبي؟

بعد توقيع اتفاق سلام بوساطة أمريكية بين أرمينيا وأذربيجان في واشنطن، تحولت الأنظار نحو روسيا.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أكد خلال زيارة رسمية إلى باكو في أغسطس 2024 أن "الدور التاريخي" لروسيا في القوقاز الجنوبي يتطلب وجوداً فعالاً لبلاده في الشؤون الإقليمية. ومع ذلك، يبدو أن موسكو الآن قد تم تهميشها من ساحة لطالما اعتبرتها منطقة نفوذها التقليدي.

مع تدهور العلاقات مع الحلفاء الرئيسيين واستمرار الحرب في أوكرانيا، يبرز التساؤل حول ما إذا كانت موسكو قادرة على الحفاظ على نفوذها في المنطقة.

تغير التحالفات السياسية

أحد أهم أدوات النفوذ الروسي في المنطقة كان دورها كوسيط في النزاع الأرمني-الأذربيجاني. بعد وقف إطلاق النار عام 2020 ونشر قوات حفظ السلام في ناغورنو قره‌باغ، نجحت موسكو في ترسيخ نفسها كقوة مهيمنة.

لكن بعد بدء الغزو الشامل لأوكرانيا في عام 2022، تراجع تركيز روسيا على القوقاز الجنوبي، مما سمح لدبلوماسية الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بملء هذا الفراغ.

اتفاقية سلام بوساطة أمريكية

عُقد آخر اجتماع بين قادة أرمينيا وأذربيجان في موسكو في مايو 2023. بعد ذلك بفترة وجيزة، في أكتوبر 2024، أعلن نائب رئيس وزراء أرمينيا، مهر غريغوريان، أن عمل اللجنة الثلاثية لفتح طرق الاتصال الإقليمية توقف عملياً بسبب "غياب التوافق".

في يوليو 2025، عقد علييف وباشينيان أول لقاء مباشر بينهما دون وساطة في أبوظبي. ورغم ترحيب موسكو رسمياً باللقاء، فإن توقيع اتفاقية سلام بوساطة أمريكية في 8 أغسطس اعتُبر بمثابة نهاية للهيمنة الروسية في المنطقة، حتى من قبل الشخصيات الموالية للكرملين.

إحدى القضايا الأكثر حساسية بالنسبة لروسيا هي مستقبل طريق الاتصال بين أذربيجان وناختشيفان عبر أرمينيا، والذي يُعرف باسم "طريق ترامب للسلام والازدهار". وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020، كان من المقرر أن يخضع هذا الممر لإشراف جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، لكنه الآن سيدار من قبل كونسورتيوم أرمني-أمريكي مشترك. وقد وصف قسطنطين زاتولين، عضو مجلس الدوما، هذا الأمر بأنه قد يؤدي إلى "زوال" النفوذ الروسي.

في المقابل، صرحت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، بأن الاتفاقيات الثلاثية لفتح طرق الاتصال لا تزال سارية، حيث لم ينسحب أي طرف منها. لكن استبعاد موسكو من عملية السلام وتوتر العلاقات مع الطرفين ترك روسيا بوسائل محدودة لفرض دورها.

توتر العلاقات مع الحلفاء

تستمر التوترات مع أذربيجان منذ حادث تحطم طائرة "آزال" في ديسمبر 2024، وتجددت بعد مقتل مواطنين أذربيجانيين خلال اعتقالات في يكاترينبورغ في يونيو 2025.

كما اتخذت أرمينيا مساراً بعيداً عن موسكو، وبدأت عملية تقارب مع الاتحاد الأوروبي، مما أثار شكوك الكرملين حول عضويتها المستقبلية في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي.

في يناير 2025، وقعت أرمينيا على ميثاق الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته وسائل إعلام روسية ضربة أخرى لمكانة روسيا. وتصاعدت التوترات إثر خلافات بين باشينيان والكنيسة الأرمنية، واعتقال رجل الأعمال الروسي-الأرمني ساموئيل كارابتيان، مما دفع يريفان إلى تحذير موسكو من التدخل في شؤونها الداخلية.

محاولة استعادة النفوذ في جورجيا

يبدو أن موسكو تأمل في استعادة نفوذها في جورجيا. ففي عام 2023، استأنفت روسيا الرحلات الجوية المباشرة وألغت نظام التأشيرات للمواطنين الجورجيين. وفي أبريل 2025، صرح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل غالوزين، بأن موسكو "مستعدة" لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع تبليسي، التي قُطعت منذ حرب 2008.

أبدت جورجيا بدورها إشارات على تحسن العلاقات، منها تأخير طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي، وخطاب حكومي مناهض للغرب، ورفض فرض عقوبات على روسيا. ومع ذلك، يُعدّ استئناف العلاقات الكاملة أمراً بعيد المنال، حيث تصر موسكو على تطبيع العلاقات الجورجية مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، وهو ما ترفضه تبليسي.

الوجود العسكري المترنح

يُثير تراجع النفوذ السياسي الروسي شكوكاً حول قدراتها العسكرية في المنطقة. تُعد منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي كتلة أمنية من ستة أعضاء بقيادة روسيا، ركيزة نفوذ موسكو، وأرمينيا جزء منها.

لكن فشل المنظمة في التدخل لصالح أرمينيا خلال صراعات 2020 و2022، وقرار يريفان بتعليق عضويتها في فبراير 2024، وجه ضربة كبيرة لمكانة روسيا.

تصاعدت التوترات أيضاً بعد انسحاب قوات حفظ السلام الروسية في يوليو 2024، بعدما فشلت هذه القوات في منع انتهاكات وقف إطلاق النار أو حصار ممر لاتشين أو الهجوم النهائي لأذربيجان في سبتمبر 2023.

منذ ذلك الحين، سعت أرمينيا إلى تنويع علاقاتها الدفاعية عبر تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وفرنسا، والولايات المتحدة، والهند.

النفوذ الاقتصادي القوي

رغم التوترات السياسية، لا تزال روسيا تحتفظ بنفوذ اقتصادي كبير في القوقاز الجنوبي. تُعد أرمينيا الأكثر اعتماداً على روسيا، حيث تحصل منها على معظم احتياجاتها من الطاقة. ففي عام 2024، زودت روسيا أرمينيا بـ 85% من الغاز و100% من النفط المستورد، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 12 مليار دولار.

على الرغم من أن أذربيجان ليست معتمدة على روسيا في مجال الطاقة، إلا أن روسيا لا تزال تصدر كميات كبيرة من الطاقة إلى جورجيا. كما تعتمد بعض القطاعات، مثل الزراعة، في كلا البلدين على الوصول إلى السوق الروسية.

ويعتقد الخبراء أن العلاقات الاقتصادية القوية قد تضمن وجود روسيا على المدى الطويل في المنطقة، لكن المنافسة المتزايدة من لاعبين آخرين، خاصة الولايات المتحدة وتركيا، تجعل هذا المستقبل غير مؤكد.

تعليقات الزوار