ترجمة: المعهد العراقي للحوار
التشابهات العصبية بين المتطرفين سياسياً: قراءة في جذور الاستقطاب والانقسام
في العقدين الأخيرين، شهدت الديمقراطيات الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة، تصاعداً غير مسبوق في الاستقطاب السياسي، بحيث أصبح الحوار بين التيارات المختلفة صعباً، وغالباً ما يتحول إلى مواجهات حادة على مواقع التواصل أو في الفضاء العام. ورغم الانقسامات العميقة بين اليمين المحافظ واليسار الليبرالي، كشفت دراسة علمية حديثة أن المتطرفين من كلا الطرفين قد يكونون أكثر تشابهاً مما يعتقده معظم الناس.
الدراسة، المنشورة في Journal of Personality and Social Psychology التابعة للجمعية الأمريكية لعلم النفس، أظهرت أن الأفراد المتطرفين – سواء كانوا من أقصى اليسار أو أقصى اليمين – يعالجون المعلومات السياسية بنفس الطريقة تقريباً على المستوى العصبي. هذا الاكتشاف يفتح الباب لفهم جديد حول طبيعة التطرف السياسي، ويطرح تساؤلات حول كيفية إدارة الاستقطاب المجتمعي.
خلفية الدراسة ومنهجيتها
ركزت الدراسة على العمليات العصبية التي تحدث في الدماغ عند معالجة المعلومات السياسية المثيرة للجدل، بدل التركيز فقط على المواقف والأيديولوجيات.
الباحثون اختاروا 43 مشاركاً يمثلون أطراف الطيف السياسي، من أصل 360 متقدماً، وتم اختيارهم عبر وسائل التواصل والاجتماعي، والإعلانات الميدانية، وزيارات الاجتماعات السياسية.
أُجريت الاختبارات باستخدام مزيج من الرنين المغناطيسي الوظيفي (FMRI)، واختبارات فسيولوجية لقياس التوتر والاستجابات الجسدية، وتتبع العين أثناء مشاهدة محتوى سياسي. الجزء الأبرز من التجربة كان مشاهدة مقطع من مناظرة نائبَي الرئيس الأميركي لعام 2016 بين تيم كاين ومايك بنس، والذي تناول قضايا حساسة مثل إصلاح الشرطة والهجرة. تم اختيار هذا المقطع لأنه يتضمن لغة تحريضية واستفزازية تعكس طبيعة الانقسام السياسي في الولايات المتحدة.
خلال التجربة، تم تسجيل النشاط العصبي للمشاركين أثناء المشاهدة داخل جهاز الرنين المغناطيسي، ومرة ثانية خارج الجهاز مع قياس حركة العين. بعد ذلك، أجاب المشاركون على استبيانات لتقييم فهمهم للمحتوى السياسي وانخراطهم العاطفي وتقييمهم للمرشحين.
النتائج الرئيسية
أظهرت الدراسة أن المتطرفين من كلا الطرفين يبدون نشاطاً عصبياً متشابهاً في مناطق الدماغ المسؤولة عن المعالجة العاطفية، مثل اللوزة الدماغية (Amygdala)، والمنطقة الرمادية المحيطة بالقناة المائية (Periaqueductal Gray)، والجزء الخلفي من الشق الصدغي العلوي (Posterior Superior Temporal Sulcus).
في المقابل، أظهر المشاركون المعتدلون استجابات دماغية أكثر تنوعاً، ما يشير إلى أن التطرف السياسي مرتبط بآلية عصبية محددة أكثر من كونه مجرد اختلاف في المعتقدات. وبعبارة أخرى، ليست الأفكار بحد ذاتها هي ما يشكل الانقسام، بل شدة الاعتقاد والاستجابة العاطفية تجاه هذه الأفكار.
الدراسة أكدت أيضاً أن المتطرفين يعالجون المعلومات السياسية بشكل أكثر استجابة عاطفية وتطرفاً في تقييم الحقائق والأحداث، بينما يظهر المعتدلون قدرة أكبر على المعالجة العقلانية والمنفتحة.
التحليل والمناقشة
تشير النتائج إلى أن الانقسام السياسي لا ينبع فقط من الاختلاف في الأفكار، بل من طريقة معالجة المعلومات واستجابة الدماغ للمحفزات العاطفية. وهذا يفسر لماذا يميل المتطرفون إلى تصلب المواقف وصعوبة تقبل وجهات نظر مختلفة، ويؤدي إلى تعميق الانقسامات المجتمعية.
من الناحية الاجتماعية والسياسية، يمكن تفسير هذه النتائج بأن الاستقطاب المتطرف ليس فقط صراعاً بين أفكار، بل نزاع عاطفي عصبي. المتطرفون في اليمين واليسار يشاركون في نفس النمط من التفاعل مع الأخبار والمعلومات المثيرة، مما يجعل الحوار بين المعسكرين صعباً، ويزيد من مستوى الاستقطاب والتطرف السلوكي.
هذه الدراسة تحمل أيضاً بعداً أخلاقياً مهماً، وهو إمكانية تعزيز التعاطف عبر إدراك التشابه العصبي بين الأطراف المتطرفة. إدراك أن كلا الطرفين يتعامل مع الواقع السياسي بطريقة مشابهة يمكن أن يقلل من الوصم وإلغاء الإنسانية ويخلق أرضية للتواصل وبناء الجسور.
الآثار العملية
تقدم الدراسة رؤى مهمة لصناع القرار، ومراكز الدراسات، ووسائل الإعلام:
صناع القرار والسياسة العامة: يمكن استخدام هذه النتائج لتطوير برامج حوارية تهدف إلى تقليل الانفعال العاطفي، وتحفيز التفكير العقلاني بدلاً من المواجهة العاطفية.
مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية: فتح المجال لأبحاث متعددة التخصصات تربط بين علم الأعصاب والسياسة لفهم آليات التطرف وكيفية إدارته على المستوى الوطني والمجتمعي.
وسائل الإعلام والصحافة: ضرورة الحذر من استخدام خطاب تحريضي أو استفزازي يزيد الانفعال العاطفي، خصوصاً عند تغطية قضايا سياسية حساسة.
المجتمع المدني والمنظمات التعليمية: تعزيز برامج التربية السياسية التي تركز على التسامح، والمرونة في التفكير، والتعددية، وتجنب التطرف الفكري والعاطفي.
الخلاصة
توصلت الدراسة إلى أن المتطرفين السياسيين على جانبي الطيف، سواء من أقصى اليمين أو أقصى اليسار، يشتركون في أنماط عصبية متشابهة عند التعامل مع المعلومات المثيرة للجدل، وأن الانقسام الظاهر بينهما هو نتيجة شدة الانفعال والمعتقد أكثر من اختلاف جوهري في الفكرة نفسها.
هذا الاكتشاف يقدم فرصة لإعادة التفكير في استراتيجيات إدارة الانقسامات المجتمعية، ويشير إلى أن بناء التعاطف وفهم التشابهات بين الأطراف المتطرفة قد يكون طريقاً فعالاً لتقليل الاستقطاب، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي، على الرغم من التحديات الكبيرة التي يفرضها التطرف العاطفي والعصبي.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار