00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

مخاطر التصعيد بين إسرائيل وإيران: قراءة في الأبعاد العسكرية والسياسية وحرب المعلومات

شهدت المنطقة في النصف الثاني من عام 2025 تصعيداً حاداً في التوتر بين إيران وإسرائيل، وسط بيئة دولية وإقليمية متقلبة أعادت طرح سؤال الحرب المفتوحة واحتمالات تجدّد الضربات الإسرائيلية ضد العمق الإيراني. تعكس هذه التطورات تراكماً لعدة مسارات متوازية:

العامل العسكري: سباق التسلح وتآكل قدرات الردع التقليدية.

العامل السياسي: تفعيل آلية "السناب باك" الأوروبية وإعادة فرض العقوبات.

العامل المعلوماتي: تصاعد حرب الوثائق والتسريبات كأداة ردع غير تقليدية.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل الديناميات التي تدفع نحو احتمالية تجدّد الضربة الإسرائيلية ضد إيران، مع التركيز على التداخل بين المحددات العسكرية والسياسية وحرب المعلومات، وتقديم قراءة استشرافية لمسارات التصعيد المحتملة.

أولاً: السياق السياسي والبيئة الاستراتيجية

تفعيل آلية السناب باك: إعلان الدول الأوروبية الثلاث (E3) عن إعادة فرض العقوبات وحظر التسلح على إيران شكّل منعطفاً خطيراً، إذ منح إسرائيل دعماً سياسياً إضافياً لتسويق خطابها بشأن "التهديد الإيراني".

التوقيت السياسي في واشنطن: اقتراب الانتخابات النصفية الأمريكية يقيّد هامش المناورة للرئيس ترامب، الذي يفضّل عادةً تجنّب انخراط عسكري واسع قد يتحول إلى نزاع غير منضبط. إلا أن احتمال توجيه ضربات محدودة يبقى قائماً إذا ارتُئي أن لها قيمة استراتيجية أو انتخابية.

التحولات الإقليمية: التوتر مع إيران بات يُستخدم كورقة ضغط أمريكية وأوروبية متجددة، وهو ما يزيد من انكشاف إيران سياسياً، رغم محاولاتها توسيع شراكاتها مع روسيا والصين.

ثانياً: المعادلة العسكرية

الهجوم الإسرائيلي في حزيران/يونيو 2025:

كشف عن محاولة إسرائيلية لثلاثة أهداف رئيسية:

إدخال الولايات المتحدة في حرب شاملة ضد إيران.

استهداف النخبة السياسية والعلمية المرتبطة بالبرنامج النووي.

تقويض القدرات الاستراتيجية لإيران وتحجيم دورها الإقليمي.

لكن الرد الصاروخي الإيراني الذي ألحق أضراراً بمدن إسرائيلية كشف محدودية قدرة تل أبيب على تحمّل صراع طويل الأمد.

الدفاعات الجوية والاستنزاف:

أطلقت الولايات المتحدة ما بين 92 و150 صاروخ "ثاد"، أي ما يعادل 14–25% من مخزونها الكلي، وهو استنزاف يفرض فجوة زمنية (4–8 سنوات) لإعادة التعبئة.

الدفاعات الإسرائيلية المتعددة الطبقات (القبة الحديدية، مقلاع داوود، آرو) أثبتت فاعليتها لكن بتكلفة باهظة تراوحت بين 50 ألف دولار و2 مليون دولار لكل صاروخ اعتراضي.

التحديث الإيراني:

إدخال مقاتلات "ميغ-29" الروسية كحل تكتيكي قصير الأمد.

الإعلان عن تسلم تدريجي لمقاتلات "سوخوي-35".

توقع نشر منظومتي HQ-9 الصينية وS-400 الروسية ضمن استراتيجية طويلة الأمد لتعزيز الدفاع الجوي.

رغم ذلك، تواجه طهران قيوداً حادة بسبب العقوبات وصعوبة الحصول على منظومات متقدمة بكميات كبيرة.

ثالثاً: البعد المعلوماتي والحرب النفسية

التسريبات الإيرانية: شملت صوراً لمنشآت نووية إسرائيلية وملفات شخصية تخص مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، بهدف:

إظهار قدرة الردع عبر معرفة مواقع حساسة.

فضح ازدواجية المعايير بشأن إسرائيل ومعاهدة NPT.

التشكيك في استقلالية الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

الرد الغربي: أُشير إلى أن الوثائق كانت متاحة للعلن، لكن توقيت النشر ارتبط مباشرة بالتصعيد الدبلوماسي (السناب باك)، ما يعكس استراتيجية إيرانية محسوبة لإعادة صياغة السردية.

رابعاً: سيناريوهات محتملة

ضربة إسرائيلية محدودة في المدى القريب:

بدافع استغلال النافذة السياسية الأمريكية والأوروبية.

تستهدف مراكز حساسة للبرنامج النووي أو مراكز القيادة.

هدفها إضعاف قدرات الردع الإيرانية قبل أن تدخل منظومات دفاعية متطورة إلى الخدمة.

تأجيل الضربة ريثما تُستكمل الاستعدادات:

نتيجة ضغوط أمريكية داخلية أو مخاطر تصعيد واسع.

يمنح إيران وقتاً لتعزيز دفاعاتها الجوية وتحصين قدراتها الصاروخية.

انزلاق إلى حرب إقليمية طويلة:

إذا تسببت الضربة الإسرائيلية في رد إيراني واسع النطاق ضد مدن إسرائيلية وقواعد أمريكية.

سيناريو بالغ الخطورة يهدد استقرار المنطقة ويمتد أثره إلى أسواق الطاقة العالمية.

خامساً: مؤشرات المراقبة

نقل أمريكي إضافي لمنظومات دفاعية أو شحنات ذخائر استراتيجية إلى إسرائيل.

صور أقمار صناعية أو تقارير مستقلة تؤكد وصول مقاتلات "سو-35" أو منظومات "S-400" إلى إيران.

تصاعد وتيرة التسريبات الإيرانية المرتبطة بالملف الإسرائيلي أو بالوكالة الدولية للطاقة الذرية.

تصريحات أمريكية علنية بشأن الانخراط العسكري في المنطقة قبل الانتخابات.

الخاتمة

تؤكد المعطيات أن احتمالية تجدّد الضربة الإسرائيلية ضد إيران في المدى القريب مرتفعة لكنها مشروطة بقيود سياسية وعسكرية. في حين تحاول تل أبيب استغلال نافذة التوقيت السياسي الدولي والضغط العسكري، تسعى طهران إلى إغلاق هذه النافذة عبر التحديث الدفاعي وحرب المعلومات.

المواجهة المقبلة – إن وقعت – قد تحدد معالم ميزان القوى في الشرق الأوسط لعقد كامل، ليس فقط على المستوى العسكري، بل في توازن الردع السياسي والنفسي أيضاً.

تعليقات الزوار