00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

كيف بنت الإمارات دائرة من القواعد للسيطرة على خليج عدن

من جزر سقطرى في المحيط الهندي إلى سواحل الصومال واليمن، تُظهر صور الأقمار الصناعية التي حلّلها موقع ميدل إيست آي شبكةً متنامية من القواعد العسكرية والاستخباراتية التي بنتها الإمارات العربية المتحدة.

هذا "الحزام الأمني" حول أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم توسّع بسرعة لافتة منذ هجمات 7 أكتوبر التي قادتها حماس على إسرائيل، وما تلاها من حرب مدمّرة في غزة.

لقد شارك حلفاء الإمارات — بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة — في إنشاء هذه القواعد وتوسيعها.

وقد تمركز ضباط إسرائيليون على الأرض في تلك الجزر، فيما تسمح أنظمة الرادار والمعدات العسكرية والأمنية الإسرائيلية الأخرى للإمارات بمراقبة الأنشطة وإحباط الهجمات التي يشنّها الحوثيون — الحركة المتحالفة مع إيران — والتي أطلقت صواريخ على إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، واستهدفت سفناً تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن.

كما تمتلك الإمارات وإسرائيل منصةً مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية تُعرف باسم «الكرة البلورية» (Crystal Ball)، حيث "تصمم وتنفذ وتمكّن من تطوير القدرات الاستخباراتية الإقليمية" في إطار شراكة، بحسب عرضٍ ترويجي للاتفاق.

وقال الدبلوماسي الإسرائيلي ألون بينكاس، الذي شغل منصب مستشار لأربعة وزراء خارجية إسرائيليين، لموقع ميدل إيست آي: "العلاقة بين الإمارات وإسرائيل كانت متقدمة للغاية حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية، لكنها كانت تُدار بهدوء — ليست سرية، بل غير معلنة فقط."

ولم تُبنَ هذه القواعد على أراض تخضع رسمياً للسيادة الإماراتية، بل في مناطق تقع شكلياً تحت سيطرة حلفائها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي اليمني، والقيادي العسكري طارق صالح، إضافة إلى الإدارات المحلية في أرض الصومال (صوماليلاند) وبونتلاند، وهما منطقتان تقعان ضمن أراضي الصومال، الذي تتوتر علاقاته مع الإمارات.

وقد تم إنشاء أو توسيع قواعد عسكرية ومدارج ومرافق أخرى في جزر عبد الكوري وسمحة — وهما جزيرتان تابعتان لأرخبيل سقطرى الذي يخضع حالياً لإدارة المجلس الانتقالي الجنوبي — وكذلك في مطارات بوصاصو وبربرة في بونتلاند وأرض الصومال، والمخا في اليمن، وجزيرة ميون (بريم) البركانية الواقعة في مضيق باب المندب الذي يمر عبره نحو 30% من نفط العالم.

وتتيح هذه الشبكة من القواعد للإمارات وحلفائها التحكم في هذا الممر البحري الحيوي، وقد تم تطويرها — بحسب مصادر إسرائيلية — في تنسيق وثيق مع إسرائيل، بحيث تشكّل شبكة مترابطة لتبادل المعلومات الاستخباراتية والدفاع الصاروخي بين إسرائيل والإمارات وشركائهما الإقليميين.

ويصف معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى — وهو مركز أبحاث أمريكي مؤيد لإسرائيل — هذا النمط الجديد بقوله: "إن التحالفات المتعددة الأطراف في مجال الدفاع الجوي أصبحت عنصراً رئيسياً في مشهد الدفاع في الشرق الأوسط بعد 7 أكتوبر، إذ تتشارك الدول في أنظمة الرادار والمعلومات الاستخباراتية وآليات الإنذار المبكر."

وبينما تلعب هذه السلسلة من القواعد دوراً حاسماً في مراقبة حركة الملاحة العالمية والأنشطة الحوثية أو الإيرانية في المنطقة، فقد أصبحت بوصاصو وبربرة — وفقاً لعدة مصادر دبلوماسية ومحلية — محطات أساسية لدعم الإمارات لقوات الدعم السريع السودانية (RSF) في حربها داخل السودان.

إن إنشاء شبكة من القواعد المحيطة بالبحر الأحمر وخليج عدن يشبه الطريقة التي استخدمت بها الإمارات قوتها المالية الضخمة لبسط نفوذها في دول عدة تحيط بالسودان، من بينها جنوب شرق ليبيا الخاضع لسيطرة الجنرال خليفة حفتر، إضافة إلى تشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وأوغندا وإثيوبيا وكينيا.

كما تمتلك الإمارات قاعدتين داخل السودان، الذي يشهد حرباً منذ أبريل 2023: إحداهما في نيالا بجنوب دارفور، والأخرى في المالحة على بُعد 200 كيلومتر من الفاشر، عاصمة شمال دارفور المحاصرة منذ أكثر من 500 يوم من قِبل قوات الدعم السريع.

ورغم نفيها المتكرر، اعتبرت الأمم المتحدة أن التقارير المتعددة المتعمقة — بما فيها تلك التي نشرها ميدل إيست آي — حول دعم الإمارات لقوات الدعم السريع ذات مصداقية عالية. وكانت واشنطن قد وصفت أفعال هذه القوات في السودان بأنها إبادة جماعية.

وقد وجّه موقع ميدل إيست آي استفساراً إلى وزارة الخارجية الإماراتية وسفارتها في لندن للتعليق على هذه المعلومات، ولم يتلقّ رداً حتى إعداد التقرير.

وسبق أن قالت الإمارات في تصريحات رسمية إن "أي وجود لها في جزيرة سقطرى يستند إلى أسباب إنسانية ويتم بالتنسيق مع الحكومة اليمنية والسلطات المحلية."

الإمارات توسع نفوذها العسكري والاستخباراتي في القرن الأفريقي وبحر العرب

لعدة عقود، سعت الإمارات العربية المتحدة، بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى توسيع نفوذها العسكري والسياسي من الخليج إلى القرن الإفريقي، مستفيدة من ثروتها الكبيرة وقدرتها على ممارسة الدبلوماسية المعتمدة على المصالح والتدخل العسكري المحدد.

ويُعتبر محمد بن زايد، أحد أفراد عائلة آل نهيان التي تحكم أبوظبي منذ القرن الثامن عشر، خصماً شرساً للإسلام السياسي وحليفاً أساسياً للولايات المتحدة، التي تعتمد بشكل كبير على الإمارات في صياغة سياساتها الإقليمية. وعلى الرغم من أن تعداد سكان الإمارات يبلغ نحو 10 ملايين نسمة، فإن المواطنين يشكلون نحو مليون واحد فقط، بينما يشكل الوافدون والعمال الأجانب البقية.

وأشار المحلل المتخصص في شمال إفريقيا والاقتصاد السياسي، جليل حرشوي، إلى أن "الأوضاع المتدهورة في دول مثل إثيوبيا وليبيا واليمن والصومال والسودان تسمح للإمارات بممارسة تأثير يفوق قدراتها العسكرية الرسمية، بما يشبه ما قامت به بريطانيا عبر شركة الهند الشرقية في الهند". 

وأضاف حرشوي أن الإمارات، رغم صغر حجمها، أدركت منذ 2009–2011 أن تحركها النشط يمكن أن يحمي مصالحها ويحول دون استغلال نقاط ضعفها.

اليمن وجزر سقطرى: بوابة استراتيجية

شكل اليمن محوراً رئيسياً في السياسة الخارجية الإماراتية، خصوصاً منذ 2015 عندما قادت الإمارات، إلى جانب السعودية، تحالفاً عسكرياً لدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وأرسلت القوات السودانية من جهاز الدعم السريع للمشاركة ضمن هذا التحالف.

وفي نوفمبر 2015، استغلت الإمارات إعصار تشابالا لنشر قواتها في أرخبيل سقطرى، حيث بدأت ببناء بنية تحتية أساسية قبل أن تترسخ وجودها العسكري على الجزر تدريجياً، ليتم السيطرة على الأرخبيل في يونيو 2020 عبر المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف للإمارات.

وكشفت صور الأقمار الصناعية عن إنشاء قواعد جوية على جزر عبد الكوري وسمحه ومايون، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الاستخباراتية والعسكرية، بما في ذلك مدارج قادرة على استقبال طائرات النقل العسكري الثقيلة وطائرات مسيرة إسرائيلية، بالتعاون مع إسرائيل في إطار اتفاقيات "أبراهام".

شبكة قواعد عابرة للبحر الأحمر

تشكل هذه القواعد جزءاً من شبكة متكاملة تشمل مينائي بوصاصو وبربرة في الصومال، حيث أنشأت الإمارات منشآت عسكرية ومرافئ عميقة وأسطولاً لوجستياً يربط جزر اليمن بموانئ القرن الإفريقي. وقد استخدمت الإمارات هذه الموانئ لدعم القوات الموالية لها في السودان، ونقل الأسلحة والمعدات، متجاوزة بعض القيود الدولية، بما في ذلك الحظر المفروض من مجلس الأمن على تصدير السلاح.

وأشار حرشوي إلى أن "الواقع الحالي يعكس مزيجاً من الدعاية الضخمة، والاستعداد للتدخل العسكري في مسارح متعددة، والموارد المالية الكبيرة، وعدم الاكتراث بالمعايير الدولية".

التوازن الإقليمي مع إسرائيل

وفي الوقت الذي تحافظ فيه الإمارات على علاقات مفتوحة مع إسرائيل، تستمر عملياتها العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، مع التركيز على مراقبة الطرق البحرية الاستراتيجية ومتابعة نشاط إيران والحوثيين. ورغم التعاون الاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل في مجالات الاستقرار ومكافحة الإرهاب والردع الإقليمي، إلا أن النزاع الأخير في غزة والتوترات الإقليمية يضعف بعضاً من هذه التحالفات العلنية.

ويبقى واضحاً أن صغر حجم الإمارات لا يمنعها من تبني طموحات جيوسياسية هائلة، تجعلها لاعباً مركزياً في الأمن البحري والسياسة العسكرية في القرن الإفريقي وبحر العرب.

تعليقات الزوار