00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة المعهد العراقي للحوار

"انتهاز لحظة لبنان": خارطة طريق لإعادة بناء الدولة وتعزيز السيادة

يقدّم تقرير جديد صادر عن المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) بالتعاون مع معهد الشرق الأوسط (MEI)، رؤية شاملة لإعادة تأسيس الدولة اللبنانية على أسس من السيادة، الشفافية، والعدالة الاقتصادية، في لحظة يعتبرها الباحثون «الأكثر حساسية» منذ نهاية الحرب الأهلية.

يحمل التقرير عنوان «انتهاز لحظة لبنان»، ويؤكد أن البلاد تقف عند مفترق طرق تاريخي قد يحدد مستقبلها السياسي والاقتصادي لعقود مقبلة. ويرى أن ما تمر به بيروت اليوم ليس مجرد أزمة مالية أو حكومية، بل تحوّل بنيوي في مفهوم الدولة اللبنانية، يفرض إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع، السلطة، والاقتصاد.

استعادة الدولة من داخل مؤسساتها

يشدد التقرير على أن الشرط الأول لأي عملية إصلاح هو استعادة الدولة لفاعليتها وموقعها المركزي، من خلال تفعيل المؤسسات الدستورية وتعزيز سلطة القانون. ويشير إلى أن التحدي الحقيقي لا يكمن في إقصاء أي مكوّن لبناني، بل في تحقيق توازن داخل المنظومة السياسية يسمح بممارسة الحكم وفق أسس مؤسساتية واضحة، بعيداً عن التجاذبات الخارجية أو الحسابات الفئوية.

ويرى الباحثون أن لبنان يحتاج إلى "توافق وطني جديد" يعيد الاعتبار لفكرة الدولة الجامعة، مع احترام خصوصية التعدد الطائفي والسياسي الذي يشكّل جزءاً من نسيجه الاجتماعي.

إصلاح القضاء وإنهاء الإفلات من العقاب

أحد المحاور الجوهرية في التقرير هو إصلاح السلطة القضائية كمدخل لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية بالدولة اللبنانية. ويقترح التقرير تطوير منظومة القضاء لتصبح أكثر استقلالية وقدرة على محاسبة الفساد، معتبراً أن غياب المساءلة القانونية كان أحد الأسباب الرئيسة لانهيار الثقة بين المواطن والدولة.

ويشير التقرير إلى أن الإصلاح القضائي لا يعني فقط تعديل القوانين، بل أيضاً تحصين القضاة من التدخلات السياسية وضمان نزاهة التعيينات في المؤسسات الرقابية والمالية.

إنعاش الاقتصاد عبر إصلاح تدريجي واقعي

وعلى الصعيد الاقتصادي، يصف التقرير الانهيار المالي الذي ضرب لبنان منذ عام 2019 بأنه الأكثر عمقًا في تاريخه الحديث، لكنه يرى في الوقت ذاته فرصة لإعادة بناء الاقتصاد على أسس مستدامة.

ويدعو التقرير إلى نهج إصلاحي تدريجي بدعم من المؤسسات الدولية، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي ومنع تفاقم الفقر. كما يشدّد على ضرورة إعادة هيكلة النظام المصرفي والمالية العامة، وربط المساعدات الخارجية بإجراءات ملموسة في مجال الشفافية والمساءلة.

ويرى معدّو التقرير أن تعافي الاقتصاد اللبناني مشروط بإعادة الثقة في النظام المصرفي وبإصلاح قطاع الطاقة، الذي يستنزف ما يقارب ثلث الموازنة العامة.

تثبيت الحدود وتعزيز الدور الإقليمي للبنان

ويولي التقرير أهمية خاصة لمسألة ترسيم الحدود وتعزيز التعاون الأمني مع الجوار، معتبراً أن الأمن هو أحد أركان السيادة الوطنية. وفي هذا الإطار، يدعو إلى تفعيل الاتفاقيات الثنائية والإقليمية لضبط الحدود ومكافحة التهريب وتعزيز التنمية في المناطق الحدودية، دون المساس بدور أي مكوّن لبناني أو المساس بالتوازن الداخلي القائم.

كما يشير التقرير إلى أن استقرار لبنان يمثل مصلحة مشتركة لجميع الأطراف الإقليمية والدولية، ما يستدعي تحييد البلاد عن الصراعات الإقليمية وتثبيت سياسة خارجية تقوم على الشراكة لا المحاور.

دعم دولي مشروط بالإصلاح

يخلص التقرير إلى أن لبنان لن يتمكن من تجاوز أزماته من دون دعم دولي منسّق وطويل الأمد، لكنه يؤكد أن هذا الدعم يجب أن يُبنى على أساس احترام القرار اللبناني وسيادته، وعلى تنفيذ إصلاحات ملموسة في الإدارة المالية والقضائية.

ويرى الباحثون أن اللحظة الراهنة تمثل "فرصة نادرة" لإعادة إطلاق مسار الدولة، إذا ما توافرت الإرادة السياسية لدى النخب اللبنانية واستُثمر الدعم الخارجي في بناء مؤسسات قوية بدلاً من الاعتماد على المساعدات المؤقتة.

خلاصة

يضع تقرير «انتهاز لحظة لبنان» خريطة طريق متكاملة للنهوض الوطني، تقوم على فكرة "الاستعادة لا الإقصاء"، أي استعادة الدولة من داخلها عبر إصلاح مؤسساتها وتعزيز سيادتها، دون الدخول في صراعات داخلية.

ويحذر معدّو التقرير من أن الفرصة الحالية قد تكون الأخيرة أمام لبنان لتصحيح مساره، مؤكدين أن القرار في نهاية المطاف لبناني قبل أن يكون دولياً.

تعليقات الزوار