00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

صحيفة "عصر إيران" الإلكترونية - ترجمة المعهد العراقي للحوار

كشف مخطط الابتزاز المائي لاردوغان ضد إيران والعراق

الدبلوماسية المائية، على عكس ما يعتقد البعض، ليست مجرد حوار وطلب، بل هي آلية لتحويل الموارد المائية المشتركة إلى محور تعاون مستدام. يمكن لإيران، من خلال تشكيل تحالف مع دول المصب مثل العراق وسوريا وأرمينيا وأذربيجان، إنشاء إطار متعدد الأطراف للمطالبة بحصتها المشروعة من المياه.

الجيران يحتجزون المياه رهينة

أزمة المياه في إيران لم تعد قضية داخلية فحسب، بل أصبح الجيران يمارسون ضغطاً من المنبع. في أحدث التطورات، وعد رجب طيب أردوغان بأنه مقابل تصدير 500 ألف برميل نفط يومياً من إقليم كردستان العراق إلى تركيا، سيتم إطلاق «مليار متر مكعب من المياه» من سدود تركيا إلى العراق خلال 50 يوماً. هذا الاتفاق ليس مجرد صفقة طاقة مقابل موارد طبيعية بين أربيل وأنقرة، بل هو جزء من استراتيجية تركيا الكبرى لتحويل «المياه» إلى أداة نفوذ إقليمي تؤثر بلا شك على إيران.

تركيا منذ سنوات تستخدم مشاريع السدود الكبرى، مثل مشروع «GAP» على نهري دجلة والفرات، لتحويل التحكم في تدفق المياه إلى أداة ضغط سياسي. يشمل هذا المشروع بناء عشرات السدود ومحطات الطاقة على النهرين الرئيسيين في الشرق الأوسط، واللذين يمدان العراق وسوريا بمعظم المياه. ونتيجة لذلك، جفت أجزاء من دجلة والفرات، وتعرض ملايين العراقيين والسوريين لأزمة مياه، وتدهور الأراضي الزراعية، وزيادة الغبار والأتربة.

لكن تأثير هذه السياسة لا يقتصر على الجيران الغربيين لتركيا فقط. فقد وصلت سياسة الابتزاز المائي لأردوغان إلى حدود إيران. فبالإضافة إلى السيطرة على دجلة والفرات، قامت أنقرة في السنوات الأخيرة ببناء عدة سدود على الأنهار الشمالية والشمالية الغربية، بما في ذلك سدود «كاراكورت» و«توزلوجا» و«سويلمز» على نهر أرس، بسعة تخزين تزيد على 1.6 مليار متر مكعب، مما قد يوقف قريباً التدفق الحيوي للنهر. ونتيجة لذلك، أصبحت المناطق الحدودية الإيرانية مع أذربيجان وأرمينيا وتركيا والعراق متأثرة مباشرة بهذه السياسة المدمرة.

الإرهاب المائي

من غرب أذربيجان إلى شرقها، مروراً بأردبيل وأجزاء من كردستان وكرمانشاه وإيلام، وخاصة خوزستان، عانت هذه المناطق خلال السنوات الأخيرة من انخفاض تدفق الأنهار، وانخفاض مستوى المياه الجوفية، وزيادة العواصف الترابية، وتهديد الزراعة.

من جانب آخر، تتبع أنقرة نوعاً من «الإرهاب المائي» عبر هذه المشاريع، يهدف إلى فرض إرادتها السياسية من خلال التحكم في الموارد الحيوية. تركيا، مدركة للأزمة المائية المتفاقمة في المنطقة، تسعى لمقايضة كل امتياز جيوسياسي بامتياز اقتصادي أو نفطي.

من هيرمند إلى هريرود: الابتزاز المائي في الشرق

في شرق إيران، اتبعت أفغانستان خلال السنوات الأخيرة مساراً مشابهاً لمسار أنقرة. بناء سدود متعددة على نهر هيرمند وتحويل مجرى المياه نحو أراضٍ زراعية جديدة، يتم رغم التزام أفغانستان بموجب اتفاق رسمي عام 1972 بتسليم 820 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لإيران. لكن هذا الالتزام لا يُحترم، وتحولت المياه إلى أداة للمساومة السياسية.

الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني قال لإيران صراحة: «إذا أراد الإيرانيون أكثر من حصتهم من مياه هيرمند، عليهم دفع النفط مقابلها». ومع سيطرة طالبان، تغير الأسلوب لكن لم يتغير جوهر السياسة المائية. افتتاح سد «كمال خان» في ولاية نیمروز وخطط بناء أكثر من 20 سداً آخر على مسار هيرمند جعلت آفاق تأمين المياه في سيستان وبلوشستان غير واضحة.

هذه السياسة لم تؤثر فقط على بيئة سيستان وتحويل بحيرة هامون إلى صحراء، بل أدت أيضاً إلى تفاقم العواصف الترابية وتأثير مباشر على صحة السكان في شرق إيران، مما يشكل تهديداً للأمن الإنساني والاجتماعي.

النفط مقابل المياه

الفرق بين حالتي تركيا وأفغانستان هو أن تركيا تعتمد على استثماراتها الداخلية وتقنياتها، بينما أفغانستان تستعين بدعم فني من دول ثالثة مثل الهند والصين، لكن النتيجة واحدة: حرمان إيران من حصتها الطبيعية وتحويل المياه إلى سلعة سياسية.

دبلوماسية المياه خيار إجباري لإيران

من تركيا غرباً إلى أفغانستان شرقاً، يظهر أن إيران تقع في قلب حزام جيوسياسي مائي. الدول التي تتحكم في منابع الأنهار الحيوية الإيرانية تستخدم المياه تدريجياً كأداة نفوذ ومساومة سياسية. الحل الوحيد العقلاني لإيران هو اتباع «دبلوماسية مائية» نشطة ومتعددة المستويات ومستندة إلى القانون الدولي.

يمكن أن تقوم إيران بتشكيل تحالف مع دول المصب مثل العراق وسوريا وأرمينيا وأذربيجان، وإقامة إطار متعدد الأطراف للمطالبة بحقوقها المائية. ويمكن متابعة هذا التعاون عبر اتفاقيات إقليمية ولجان مشتركة للأنهار، بما يضمن المسؤولية المتبادلة للدول العليا تجاه الأزمات البيئية.

توجد العديد من الاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تدعم الحقوق القانونية لإيران، مثل «اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن الاستخدامات غير الملاحية للممرات المائية الدولية»، التي تؤكد على التعاون وتبادل المعلومات واحترام مصالح دول المصب، بالإضافة إلى المبادئ المنصوص عليها في اتفاقيات باريس ومدريد وجنيف، التي تعتبر استغلال الأنهار الحدودية بشكل أحادي انتهاكاً لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

مع ذلك، لا يكفي الاعتماد على النصوص القانونية دون دعم دبلوماسي فعال. يجب على إيران تعزيز حضورها الإقليمي وتفعيل قدرات مؤسسات مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والبريكس، ومنظمة التعاون الاقتصادي (ECO)، لجعل أزمة المياه على جدول الأعمال الإقليمي.

تعليقات الزوار