ترجمة المعهد العراقي للحوار - نيكولاس أوكس - باحث في العلاقات الدولية
مجموعة العشرين من دون واشنطن: ملامح نظام عالمي جديد تتشكّل
عندما تفتتح جنوب أفريقيا قمة مجموعة العشرين لعام 2025 في مدينة كيب تاون في 22 نوفمبر، لن يكون الاجتماع مجرد لقاء دبلوماسي رفيع آخر، بل اختبارًا لشكل القيادة العالمية في عصر تحكمه أزمات الديون، وصدمات المناخ، وتفتت الجغرافيا السياسية. كما ستتحدد ملامح القمة، بقدر ما سيتحدد مضمونها، وفقًا لهوية الحاضرين والغائبين.
إذ للمرة الأولى منذ أن أصبح الحضور على مستوى القادة تقليدًا ثابتًا في قمم مجموعة العشرين، لن تشارك الولايات المتحدة على مستوى رئيس الدولة. وسيخيّم هذا الغياب بظلاله الثقيلة على قمة تتمحور حول ثلاثة موضوعات مركزية وضعتها جنوب أفريقيا في صلب رئاستها للمجموعة: التضامن، والمساواة، والاستدامة. وهذه ليست شعارات رمزية، بل مبادئ تتحدى مباشرةً هيكل النظام الدولي الحالي وأولوياته، وسيُضفي غياب واشنطن مزيدًا من الثقل السياسي عليها.
رؤية جنوب أفريقيا لنظام أكثر مساواة
عبّرت جنوب أفريقيا بوضوح عن رؤيتها لهذه القمة؛ إذ يعتبر دبلوماسيوها أن الاجتماع يمثل فرصة لـ "إعادة توازن الحوكمة العالمية" واستعادة الثقة بين الاقتصادات المتقدمة ودول الجنوب العالمي.
ويبدأ ذلك بمفهوم التضامن—ليس كدعوة أخلاقية، بل كضرورة عملية في عالم تتقلّص فيه الفجوات التنافسية عبر جميع القطاعات تقريبًا.
تؤكد جنوب أفريقيا أن العالم مترابط للغاية عبر سلاسل الإمداد، وأسواق الطاقة، ومخاطر الديون، وصدمات المناخ، بحيث لا تستطيع أي دولة السعي للنمو بشكل منفرد. ووفقاً لرؤيتها، يعني التضامن تقاسم المسؤولية عن المخاطر العالمية وامتلاك جميع الدول صوتًا في صياغة القواعد الدولية.
ومن المتوقع أن يكون إعادة هيكلة الديون محوراً رئيسيًا للنقاشات، إذ تقترب عشرات الدول منخفضة ومتوسطة الدخل من حافة العجز، وتعتبر كثير منها أن مجموعة العشرين هي المنصة الوحيدة القادرة على جمع الصين، والبنوك الغربية، وصندوق النقد الدولي، إلى طاولة تفاوض واحدة. وتهدف جنوب أفريقيا إلى الدفع نحو آليات أكثر قابلية للتنبؤ، وجداول زمنية أسرع، وخفض أعمق لمستويات الديون.
أما موضوع المساواة فسيكون أكثر حدّة؛ إذ ترى بريتوريا أن النظام المالي الدولي ما يزال منحازاً بنيوياً. فحصص التصويت في صندوق النقد الدولي لا تعكس الواقع الاقتصادي الحديث، وحزم تمويل المناخ تلقي المخاطر على الدول الفقيرة بينما توجه المساءلة نحوها، ومعايير سلاسل الإمداد تعبّر عن أولويات الدول الغنية أكثر من الدول المنتجة.
وتسعى جنوب أفريقيا إلى دفع الاقتصادات المتقدمة نحو الخروج من سياسة الخطوات الصغيرة، والاعتراف بدول الجنوب بوصفها شركاء في تصميم الاقتصاد العالمي، لا مستفيدين منه فقط.
الاستدامة كضرورة اقتصادية
تضع قمة هذا العام الاستدامة في صلب جدول أعمالها. ومن المتوقع أن تركّز جنوب أفريقيا على تمويل التكيف المناخي، وتعزيز الأمن الغذائي، وسد فجوات البنية التحتية للطاقة المتجددة، ودعم التصنيع الأخضر، ومعالجة الآثار الاقتصادية للنزوح الناجم عن تغير المناخ.
وتطرح بريتوريا رسالة واضحة: الاستدامة ليست فصلاً بيئياً من الاقتصاد العالمي، بل هي الاقتصاد العالمي نفسه. فالأنظمة التي تُبنى اليوم ستحدد قدرة الشعوب على الصمود أمام صدمات العقد القادم.
رمزية غياب أمريكا
رغم الطابع المستقبلي لموضوعات القمة، تهيمن على العناوين مسألة واحدة: الولايات المتحدة تقاطع الاجتماع وليست بصدد إرسال أي وفد.
وينظر كثيرون إلى هذا الغياب كرسالة سياسية صريحة. ففي وقت يُعاد فيه تشكيل الأجندة العالمية حول التضامن، وتقاسم الأعباء، وتخفيف الديون، وقابلية التأثر بالمناخ، تختار الولايات المتحدة عدم الجلوس إلى الطاولة.
ويرى بعض الوفود في هذا الغياب دليلاً إضافيًا على ما كانوا يتوقعونه: أن واشنطن تفضّل النفوذ الثنائي والصفقات التبادلية على الحوكمة متعددة الأطراف—بمعنى أنها تختار القوة على الشراكة.
وسيكون لهذا القرار تبعات بعيدة المدى. فإذا لم تحضر واشنطن لصياغة لغة التضامن أو تحديد أهداف الاستدامة، فستتولى قوى أخرى هذا الدور. ولا تخسر الولايات المتحدة حضورها فقط، بل تخسر القدرة على صياغة المعايير التي ستحدد مستقبل التعاون العالمي.
ومع تسارع تحوّل النظام الدولي نحو التعددية القطبية، سيتراجع تأثير الأسلوب القائم على فرض القوة، وهو نهج كانت واشنطن تتصدره في النظام الأحادي السابق.
الصين والهند تملآن الفراغ
ستدخل الصين القمة بثقة رغم عدم مشاركة الرئيس شي جين بينغ شخصياً. فقد أمضت بكين السنوات الأخيرة في تعزيز موقعها كشريك تنموي أول للجنوب العالمي. وتنسجم قمة تقوم على التضامن والمساواة تماماً مع رسالتها السياسية: أنها تقدّم نموذجاً أكثر شمولاً وأقل مشروطية للتعاون الدولي—وستزداد جاذبية هذا الخطاب مع غياب الولايات المتحدة.
ومن المتوقع أيضًا مناقشة آليات إقراض مقوّمة باليوان على هامش القمة، دعمًا لاتجاه الابتعاد عن الهياكل المالية الغربية.
أما الهند فستقدم نفسها بوصفها الشريك الديمقراطي المفضل للدول النامية، مع التركيز على تنويع سلاسل الإمداد، والمساواة الرقمية، والبنية التحتية المقاومة للمناخ. كما ستدفع باتجاه تمثيل أوسع لدول الجنوب في المؤسسات متعددة الأطراف—وهي رسالة تلقى صدى خاصًا في أفريقيا وجنوب شرق آسيا.
أوروبا تحاول القيادة... لكن بحذر
سيدخل القادة الأوروبيون القمة مستعدين للانخراط في قضايا الاستدامة وتمويل المناخ، لكن غياب واشنطن سيحدّ من نفوذهم. فأوروبا لا تملك القدرة المالية للولايات المتحدة، ولا آلة التنمية الضخمة التي تمتلكها الصين.
ورغم تبنّي الأوروبيين لخطاب التضامن، فهم أكثر حذراً إزاء إعفاءات الديون الواسعة، والالتزامات المناخية الجديدة، والإصلاحات التي قد تقلل من حصصهم التصويتية في المؤسسات الدولية. ويجعل هذا التردد الأوروبيين يظهرون—في نظر كثير من الدول النامية—كامتداد للنظام الغربي، لا بديلًا قياديًا عنه.
قمة تؤشّر إلى تحوّل عالمي
إذا نجحت جنوب أفريقيا في صياغة قمة تتمحور حول التضامن والمساواة والاستدامة، فقد تمثل القمة أكبر تحول فلسفي في مجموعة العشرين منذ تأسيسها.
ولن تُذكر القمة باعتبارها مناسبة لتحقيق اختراقات كبرى، بل لشيء أكثر هدوءاً وأكثر تأثيراً: لحظة مفصلية في الحوكمة العالمية تراجعت فيها الولايات المتحدة خطوة إلى الخلف، وأظهر بقية العالم أنه قادر على التقدم خطوة إلى الأمام.
المعهد العراقي للحوار الراعي اللوجستي لمعرض بغداد الدولي للكتاب يفتتح جناحه الخاص في المعرض
المعهد العراقي للحوار يصدر "الحقيبة الدبلوماسية" للدكتور كرار البديري
Official agreement between Iraqi Institute for Dialogue and the Iraqi Media Network to sponsor The Seventh Annual International Conference of “Baghdad Dialogue” 2025
استكتاب خاص بمؤتمر حوار بغداد الدولي السابع لكتابة أوراق بحثية
دعوة استكتاب في العدد (79) من مجلة "حوار الفكر"
إشادات بحوار بغداد الدولي: تعزيز دور العراق المحوري ونقطة التقاء للرؤى
رئيس الوزراء: طريق التنمية سيجعل العراق قوة اقليمية سياسة واقتصادية
تعليقات الزوار