00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

هل مصير التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا الفشل؟

أثار "مقترح السلام الخاص بأوكرانيا" الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمُعدّ دون إشراك الدول الأوروبية ومع الأخذ بالحد الأقصى لمطالب روسيا، أزمة عميقة من انعدام الثقة في العلاقات بين ضفتي الأطلسي.

وما كشف بوضوح عن القلق الأوروبي، تصريحات مانفرد فيبر، زعيم أكبر كتلة محافظة في البرلمان الأوروبي، إذ قال: "نحن نعيش لحظات تاريخية"، مشددًا على أن أوروبا لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة في ضمان أمنها، مضيفًا: "من الضروري أن يتحول الاتحاد الأوروبي إلى ناتو أوروبي".

وبعد جولات مكثفة من التحرك الدبلوماسي، تمكن القادة الأوروبيون من انتزاع بعض التعديلات على خطة اعتبروها "منحازة لروسيا"، لكن تلك التعديلات لم تُبدّد مخاوف العواصم الأوروبية. ويتهم سياسيون أوروبيون إدارة ترامب بتجاهل المخاوف الأمنية للقارة، ويستعدون، عبر تنسيق أكبر وزيادة الضغط على واشنطن، لأسوأ السيناريوهات، بما فيها احتمال حدوث "مفترق طرق" في العلاقات عبر الأطلسي.

وفي هذا السياق، صدرت بيان مشترك وقّعته برلمانات 19 دولة أوروبية ورؤساء لجان الشؤون الخارجية والدفاع وشؤون أوروبا في البرلمان الأوروبي، تضمّن انتقادًا حادًا لخطة إدارة ترامب.

وجاء في البيان "السلام في أوكرانيا لن يتحقق عبر الاستسلام لروسيا أو تقديم تنازلات لها، و"عصر الإمبراطوريات قد انتهى".

  كما شدد على أن أوروبا لن تقبل "تصوّر روسيا لمصالحها الأمنية التي تتجاوز حدودها، أو حقّها في تشكيل النظام الأمني الأوروبي".

وأشار البيان إلى أن أمن أوروبا وسيادة أوكرانيا ومحاسبة مرتكبي الجرائم في الحرب هي "خطوط حمراء غير قابلة للتفاوض".

تحذيرات لافتة داخل ألمانيا

في ألمانيا، صدرت تصريحات شديدة اللهجة من سياسيين يُعتبرون من أبرز داعمي العلاقات عبر الأطلسي، مؤكدين أن خطة السلام الأميركية قد تقود إلى شرخ خطير مع أوروبا.

النائب نوربرت روتغن، أحد أبرز قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، اتهم الولايات المتحدة بأنها "تركت أوروبا وحيدة في قضية وجودية".

وفي مقابلة مع صحيفة "دي تسايت"، قال روتغن إن إدارة ترامب "قدّمت خطة من 28 بندًا، متطابقة مع المواقف الروسية بشأن أوكرانيا، على أنها خطتها الخاصة"، مضيفًا: "هذا يعني أن أميركا انحازت إلى جانب بوتين، وباعت سيادة أوكرانيا وأمن أوروبا".

وأضاف روتغن: "هذه هي اللحظة التاريخية الثانية في أوروبا: الأولى حين أعادت روسيا الحرب إلى القارة، والثانية حين تقف الولايات المتحدة في قضية أمن أوروبا إلى جانب دكتاتور"، مشدداً على ضرورة "وضع مسار جديد سريع وحاسم" لتقليل الاعتماد الأمني على واشنطن.

وفي السياق نفسه، قال زيغمار غابرييل، وزير الخارجية الألماني الأسبق، في مقابلة مع "تاغس شبيغل" إن "هذه الخطة خيانة لجميع الأسس التي قامت عليها العلاقات الأطلسية". وأكد أن أوروبا لا يمكنها اعتبار الولايات المتحدة "حليفًا" إذا أصرت إدارة ترامب على هذا النهج. تصريحات مشابهة تُسجَّل في مختلف الدول الأوروبية؛ فقد قال جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي، إن الرضوخ لترامب "عديم الجدوى"، معتبراً أن "أميركا بقيادة ترامب لم تعد حليفاً لأوروبا".

 تحذيرات من مراكز أبحاث أوروبية

طالبت مراكز فكر أوروبية الحكومات بتوحيد الصفوف ومواجهة الضغوط الأميركية. وكتب مركز العلاقات الدولية في روما أن "خطة الـ28 بندًا تشبه اتفاقاً بين قوتين تعملان بمنطق استعماري، أكثر من كونها خطة سلام".

وأشار التحليل إلى أن التبعية الأوروبية لواشنطن "ليست مطلقة"، وأن أوروبا قادرة على اتخاذ موقف مستقل، تماماً كما فعلت أوكرانيا.

أما مركز السياسات الأوروبية في بروكسل فاعتبر أن "واشنطن وموسكو تعيدان رسم الهندسة الأمنية لأوروبا، وقد همّشتا مصالح أوروبا وقيمها"، مشيراً إلى أن "أوروبا ستدفع ثمن خطة لم تكن شريكة في صياغتها".

وأكد التحليل ضرورة تحرك أوروبي عاجل لتحقيق سلام يضمن أمن أوكرانيا وأمن أوروبا في الوقت نفسه، وإلا ستتحول أوروبا إلى "فاعل هامشي" في قضايا تتخذها قوى أخرى.

وفي برلين، قال تورستن بنر، مدير معهد السياسات العامة العالمية، إن الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، حاول التهدئة مع ترامب الذي يصفه بـ"الأب"، لكن الوضع لم يعد يسمح بذلك، وعلى أوروبا التحرك لاستلام مسؤولية الدفاع عن القارة.

 هل تُظهر الولايات المتحدة رغبة في الانسحاب من الناتو؟

يزداد الشرخ بين التصورات الأوروبية والأميركية بشأن التهديدات والأولويات الاستراتيجية. فالولايات المتحدة، مع تصاعد القوة الاقتصادية والعسكرية للصين، توجه اهتمامها نحو منطقة الهند–الهادئ، وتسعى إلى تقليل وجودها العسكري في أوروبا.

وبعد بدء ترامب ولايته الثانية، أفادت تقارير إعلامية بأنه يدرس، ضمن خطط البنتاغون لإعادة هيكلة القوات، التخلي لأول مرة منذ 1951 عن منصب "القائد الأعلى لقوات الناتو في أوروبا".

ويحذر خبراء عسكريون أميركيون من أن هذا الموقع، الذي يلعب دوراً حاسماً في منظومة القيادة النووية، يمثل رمزاً للضمان الأمني الأميركي، والتخلي عنه قد يشكل خطوة أولى نحو الخروج من الناتو.

لذلك، أثارت تصريحات السفير الأميركي في الناتو، ماثيو ويتاكر، صدمة واسعة حين قال في مؤتمر الأمن ببرلين إن واشنطن تريد أن تتولى ألمانيا منصب القائد الأعلى لقوات الحلف في أوروبا.

وتفاقمت المخاوف بعدما أدت سياسة ترامب الخارجية المثيرة للجدل إلى زعزعة الثقة الأوروبية بمظلة الردع النووي الأمريكية.

ومع تصاعد أزمة الثقة، التي بلغت ذروتها مع "خطة السلام الأوكرانية"، قد تسعى أوروبا نحو بناء هيكل أمني جديد وربما مظلة ردع نووية مستقلة في مواجهة روسيا.

 هل يدعم الأوروبيون تولي ألمانيا دوراً عسكرياً قيادياً؟

يتعهد المستشار الألماني فريدريش مرتس بجعل الجيش الألماني "الأقوى في أوروبا"، ورصد حتى الآن أكثر من 100 مليار يورو لشراء الأسلحة. وقد يضطر، في حال حدوث أزمة مع الولايات المتحدة، لإقناع الرأي العام بزيادة إضافية في الإنفاق العسكري.

ووفقاً لاستطلاع أجراه مؤسسة كوربر في سبتمبر ونُشر مؤخراً:

72% من الألمان يدعمون مضاعفة الإنفاق الدفاعي خلال عشر سنوات.

59% يؤيدون استمرار الدعم العسكري لأوكرانيا.

61% يعارضون تولي ألمانيا قيادة عسكرية أوروبية.

73% يرون أن العلاقات الألمانية–الأمريكية "سيئة".

38% فقط يعتبرون الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً في ملف أوكرانيا.

65% يرون أن ترامب لا يلعب دوراً فعّالاً في تحقيق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا.

62% لا يثقون بالمظلة النووية الأمريكية.

75% يعتقدون أنه يجب الاعتماد على فرنسا وبريطانيا في الردع النووي بدلاً من الولايات المتحدة.

 

تعليقات الزوار