00:00:00
توقيت بغداد
2025ديسمبر05
الجمعة
22 °C
بغداد، 22°
الرئيسية أخبار نشاطات الندوات إتصل بنا

ترجمة: المعهد العراقي للحوار

واشنطن تضغط… فهل تتأثر العلاقات الإيرانية-الصينية؟

مع تصاعد الضغوط والعقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة على مصافي النفط والموانئ الصينية لدفعها إلى وقف شراء النفط من إيران وروسيا، عاد موضوع استمرار بيع النفط الإيراني للصين رغم العقوبات إلى واجهة الاهتمام الإعلامي من جديد.

فقد ذكر موقع بلومبرغ الإخباري في تقرير نُشر الأسبوع الماضي – نقلاً عن مؤسسة "كبلر" – أن العقوبات وانخفاض الطلب الصيني على النفط أدّيا إلى وصول حجم النفط الإيراني المخزّن على الناقلات إلى أعلى مستوى له خلال عامين ونصف.

ووفق التقرير، بلغ حجم المخزون النفطي العائم الإيراني 54 مليون برميل، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2023، ويزيد بنحو الضعف على الكمية المسجلة في الشهر السابق. غير أن مسؤولين وإعلاماً إيرانياً يؤكدون عدم حدوث أي تراجع في صادرات النفط إلى الصين خلال الأشهر الماضية. يأتي ذلك فيما تواصل الولايات المتحدة زيادة ضغطها على كل من الصين والهند لخفض وارداتهما من النفط الخام الخاضع للعقوبات من إيران وروسيا.

وكشف مصدر مطّلع أن نحو 130 ميناءً ومصفاةً وبنكاً ومؤسسة صينية أُدرجت على قوائم العقوبات خلال السنوات الأخيرة بسبب صلاتها مع إيران. وخلال الخريف، فرضت واشنطن عدة حزم جديدة من العقوبات على أفراد ومؤسسات تُتهم بالمشاركة في شبكات التجارة الخارجية الإيرانية الخاضعة للعقوبات. ومع ذلك، يشدد الدبلوماسيون الإيرانيون على أن حجم صادرات إيران النفطية إلى الصين لم يتغيّر، وأنها مستمرة بوتيرتها المعتادة.

السفير الإيراني: العلاقات مع الصين في تقدم مستمر

شارك السفير الإيراني في الصين، عبدالرضا رحماني فضلي، هذا الأسبوع في اجتماع لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، حيث وصف العلاقات بين طهران وبكين بأنها "في حالة تطور".

وقال المتحدث باسم اللجنة إن السفير قدّم تقريراً مفصلاً عن التعاون الثنائي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية، مشيراً إلى نجاح زيارة الرئيس الإيراني للصين هذا العام. كما أكد أن اتفاقية التعاون الشامل لمدة 25 عاماً بين البلدين "قيد التنفيذ وتتقدم"، وأن جزءاً منها أصبح عملياً بالفعل.

منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، باتت التجارة الخارجية الإيرانية وعائداتها من النقد الأجنبي تعتمد بشكل غير مسبوق على الصين والدول المجاورة؛ إذ تتم نحو 80% من التبادلات التجارية الإيرانية مع خمس دول فقط، ما جعل نقاط الضعف في شبكة التجارة الخارجية الإيرانية أكثر وضوحاً وأسهل استهدافاً بالعقوبات.

وكان وزير الطاقة في إدارة ترامب، كريس رايت، قد صرّح أوائل هذا العام بأن واشنطن "قادرة تماماً على وقف صادرات النفط الإيراني". لكن الأحداث خلال الأشهر التسعة الماضية أظهرت صعوبة تنفيذ هذا التهديد، دون تغيّر ملحوظ في حجم صادرات إيران النفطية.

استراتيجيات الالتفاف على العقوبات

عملت إيران خلال السنوات الأخيرة على تطوير أدوات مختلفة للالتفاف على العقوبات، منها:

بيع النفط لعملاء وسطاء عبر ماليزيا – ومؤخراً إندونيسيا، استخدام شركات واجهة، تشغيل "أسطول الظل" من ناقلات النفط، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين.

باستثناء الفترة الممتدة من نوفمبر 2019 حتى سبتمبر 2020، التي شهدت انهيار الطلب العالمي بسبب جائحة كورونا وتراجع صادرات إيران بشدة، تمكنت طهران من استعادة جزء كبير من صادراتها اعتباراً من سبتمبر 2020، حيث تجاوزت صادرات الخام والمنتجات النفطية مليون برميل يومياً، وارتفعت إلى أكثر من 1.6 مليون برميل في الشتاء التالي، بحسب بيانات "تانكر تراكرز".

لماذا تشتري الصين النفط الإيراني؟

تستفيد الصين – كأكبر مستورد للطاقة عالمياً – من شراء النفط الإيراني والروسي بأسعار مخفضة، لتقليل اعتمادها على حلفاء الولايات المتحدة. وقد ذكرت تقارير إعلامية أن إيران وروسيا تقدمان تخفيضات كبيرة لجذب المشترين في الأسواق العالمية.

وزعمت بلومبرغ مؤخراً أن إيران ضاعفت تخفيضاتها من 4 دولارات إلى 8 دولارات لكل برميل خام، ما عزز تنافسيتها في السوق. وتشير بيانات "كبلر" إلى أن واردات الصين من النفط الخام الأمريكي بلغت صفر لخمسة أشهر متتالية.

تصعيد سياسة الضغط الأقصى

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية – نهاية العام الماضي – تفعيل سياسة "الضغط الأقصى" على إيران عبر مذكرة رئاسية، مضيفاً إلى العقوبات السابقة إجراءات جديدة تهدف إلى حرمان طهران من عائداتها النفطية ومنع الالتفاف على العقوبات. كما فُعِّلت تحركات لإعادة بعض عقوبات مجلس الأمن.

ويعدّ وقف صادرات النفط الإيرانية إلى الصين هدفاً مركزياً في هذه السياسة. وفي هذا السياق، زار نائب وزير الخزانة الأمريكي لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، جون كيه هيرلي، عدداً من دول غرب آسيا – بينها إسرائيل وتركيا والإمارات ولبنان – بهدف ملاحقة شبكات الالتفاف على العقوبات.

كما فرضت واشنطن خلال الأشهر الماضية عقوبات على عدد من المصافي والموانئ الخاصة في الصين بحجة شراء النفط الإيراني والروسي، إضافة إلى استهداف ناقلات "أسطول الظل" التي تنقل النفط إلى الأسواق العالمية.

وتشير التقارير إلى أن الزيادة المفاجئة في المخزون النفطي العائم الإيراني لا تعكس تراجعاً صينياً في الشراء بقدر ما تعكس صعوبات في إيجاد مسارات آمنة للالتفاف على العقوبات. فحسب بلومبرغ، فإن العقوبات على موانئ رئيسية مثل ميناء ريزائو – أحد أهم مداخل النفط الإيراني للصين – عطّلت عمليات التفريغ وأجبرت بعض الناقلات على تغيير مسارها.

الكميات تُحمّل من إيران… لكنها لا تصل إلى الصين بالكامل

تؤكد "كبلر" أن حجم النفط الذي يغادر الموانئ الإيرانية لم ينخفض، لكن العقوبات على موانئ الصين تسببت في تأخير وصول الشحنات. وبينما تواصل إيران شحن ما يقرب من 2 مليون برميل يومياً في شهري سبتمبر وأكتوبر، تشير البيانات إلى أن نحو 1.2 مليون برميل فقط كان يصل فعلياً إلى الصين يومياً، ما يعني أن كمية كبيرة تبقى عائمة بانتظار المشترين أو الموانئ البديلة.

وترى "كبلر" أن جزءاً من التراجع مؤقت، يعود إلى نفاد حصص الاستيراد في مصافي "شاندونغ" المستقلة. ومع استئناف هذه الحصص، تتوقع المؤسسة عودة الصادرات الإيرانية إلى الصين لطبيعتها سريعاً. وتقول المحللة آمنه بكر إن المصافي المستقلة في الصين حصلت بالفعل على حصتها الإضافية من واردات النفط، ما يعني إمكانية زيادة الاستيراد بدءاً من ديسمبر.

العلاقات بين بكين وواشنطن… وتأثيرها على إيران

ورغم المخاوف من أن تسعى الصين إلى صفقة تهدئة تجارية مع الولايات المتحدة تشمل تقليص وارداتها من النفط الإيراني، فإن الاتفاق التجاري الأخير بين واشنطن وبكين لم يؤثر بوضوح على واردات الصين النفطية. وتصر طهران على أن العلاقات الاقتصادية مع الصين مستمرة كالسابق.

لكن الصين – تجنباً للعقوبات – تُخفي وارداتها من النفط الإيراني رسمياً. فحسب بيانات الجمارك الصينية، لم تُسجَّل أي واردات رسمية من النفط الإيراني منذ عام 2022، بينما تُسجّل الشحنات عبر ماليزيا وإندونيسيا أو عبر نقل الشحنات من سفينة إلى أخرى وتغيير منشأ الشحنات في الأوراق الرسمية.

ما هو "أسطول الظل"؟ وما الفرق بينه وبين "الأسطول الرمادي"؟

أدّت العقوبات الشديدة التي تستهدف صادرات الطاقة من إيران وروسيا خلال السنوات الأخيرة إلى بروز ظاهرة "أسطول الظل" أو "الأسطول المظلم". ورغم استخدام هذه المصطلحات بشكل مترادف في الإعلام، فإن بينها فروقاً فنية.

المعظم يدور في فلك ما يسمى "الأسطول الرمادي"، وهو يختلف عن الأسطول المظلم في أنه يعمل بطرق شبه قانونية، لكن مع استخدام أساليب متنوعة للالتفاف على العقوبات، مثل:

تسجيل السفن عبر شركات حديثة أو واجهة، استخدام بدائل تأمينية، تغيير الأسماء والرايات خلال الرحلة، إطفاء أجهزة التتبع لتعقيد مراقبة الشحنات.

وتوضح بيانات "كبلر" أن الحصة السوقية للناقلات العاملة ضمن "الأسطول الرمادي" ارتفعت بنسبة 2800% خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأن نحو 10% من الطلب العالمي على ناقلات النفط الكبيرة أصبح يعتمد على هذا الأسطول، مع توقع وصول النسبة إلى 13% بحلول نهاية 2025.

وينقل تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي أن غياب تعريفات دقيقة زاد من ارتباك تقييم حجم هذا السلوك في السوق العالمية. لكن المنظمة البحرية الدولية (IMO) قدّمت في ديسمبر 2023 أول تعريف رسمي واضح لـ"أسطول الظل" والسفن التي تعمل في سياقات غير قانونية للالتفاف على العقوبات وتجنب التفتيش والتأمين والالتزامات البيئية.

تعليقات الزوار