المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ملامح فن التفاوض الروسي

جيرار آرو.. سفير سابق لفرنسا في واشنطن (2014-2019)، وممثل فرنسا الدائم السابق لدى الأمم المتحدة (2009-2014)، والملقب بـ (ثعلب السياسة الفرنسية )  تحدث في حوار لمجلة الأسبوعية الفرنسية «لِيكسبريس»، عن خصائص فن التفاوض الروسي

الروس لا يؤمنون بالدبلوماسية

أوضح أنه عندما كان يقدم تنازلاً باسم فرنسا، مهما كان متواضعاً، لم يخطر ببال الروس أن يفعلوا الشيء نفسه، بل على العكس تماماً، مبرزاً أنه إذا استسلمت أمامهم قليلاً، فإنهم يتقدمون على الفور بشكل أكبر لكسب المراهنة.

وتابع في حواره مع «لِيكْسْبْرِيسْ»: «مع روسيا، محكوم علينا بمواجهة دائمة. وفيما يتعلق بمسألة أوكرانيا، يجب فقط جعلهم يعلمون بكل بساطة بأن تجاوز حدود المقبول سيكلفهم غالياً».

مخاطرة ومغامرة بوتين

وأفاد آرو بأن الأمور معقدة مع بوتين، خاصة أنه رجل مخاطر، ولديه جانب المغامرة، موضحاً أنه يتذكر أنه قرأ ذات مرة مقابلة مع جنرال في «الْكِي جِي بِي» (لجنة أمن الدولة الروسية) تحدث عن ملف بوتين الداخلي في «الكي جي بي»، وقال إنه كتب أن بوتين كان يخاطر كثيراً، مبرزاً (آرو) أن ذلك اتضح في جورجيا، وأوكرانيا، وسوريا، وأماكن أخرى، معتبراً أن بوتين ليس لاعب شطرنج، وإنما لاعب بوكر.

ماذا يريد بوتين في أوكرانيا؟

ورداً على سؤال «ماذا يريد بوتين في أوكرانيا؟»، قال آرو إن الرئيس الروسي يريد أن يجعل هذا البلد دولة عازلة، تتخلى إلى الأبد عن الانضمام إلى «الناتو»، على عكس ما قِيل في قمة «الناتو» في بوخارست عام 2008. إذ قال بوتين في ذلك الوقت، بحسب آرو، إن أوكرانيا وجورجيا تعتزمان الانضمام إلى المنظمة يوماً ما، لكن سيد الكرملين أوضح، في النص الطويل الذي نشره الصيف الماضي، أن الروس والأوكرانيين هم شعب واحد.

وذكر آرو أنه لا يعرف روسياً واحداً يرى الأمور بشكل مختلف، وأنه يتذكر، على سبيل المثال، أن السفير الروسي في واشنطن، سيرجي كيسلياك، كان قد أخبره أنه يمتلك منزلاً ثانياً في كييف، لأنه أوكراني من خلال والده، وأن هناك الكثير من الأمثلة من هذا القبيل.

وأبرز آرو أن رؤية علم «الناتو» وهو يرفرف في تالين (عاصمة إستونيا)، أو في ريجا (عاصمة ليتوانيا)، أمر لا يطاق بالنسبة لموسكو، وكذلك احتمال سقوط أوكرانيا في معسكر أوروبا الغربية، موضحاً أنه يجب على الأمريكيين والأوروبيين تحذير الروس من أنهم إذا تقدموا بقوات داخل أوكرانيا، أو بعبارة أخرى إذا غزوا ذلك البلد، فسوف يكلفهم ذلك غالياً.

التطلع نحو أوروبا أكثر من آسيا

وأفاد آرو بأن روسيا تعتبر في الوقت الحالي أن أكثر مشاكلها إلحاحاً هي في الغرب وليس في آسيا، وأن الخسائر الرئيسية للنفوذ الروسي والسيطرة الإقليمية حدثت في أوروبا.

وتابع: «الروس يتطلعون نحو أوروبا أكثر من آسيا. وفي هذه المرحلة، يبدو التهديد الصيني بعيداً بالنسبة لهم. وفي المستقبل القريب، تكمن مصالح الروس في التفاهم مع الصينيين. وعندما كنت ممثلاً لفرنسا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، عمل الروس والصينيون معاً بشكل وثيق (وبالمثل، نسقت فرنسا عملها مع المملكة المتحدة). واليوم، تستمر الأمور بنفس الطريقة. وبالنسبة لبوتين، تظل أوكرانيا هي الأولوية القصوى».

رومانسية موالية في فرنسا

ورداً على سؤال «لماذا يعتقد الكثير في فرنسا، في اليمين وأقصى اليسار، أنه على الأوروبيين مد اليد لموسكو لأن روسيا، حسب رأيهم، شريك طبيعي؟»، تحدث آرو عن وجود رومانسية موالية لروسيا في فرنسا، تقوم، من بين أمور أخرى، على حلقة مجموعة «نورماندي نيمن»، مبرزاً أن هؤلاء الرجال من فرنسا الحرة انخرطوا على الجبهة الشرقية إلى جانب السوفييت، وعلى حب دوستويفسكي (فيلسوف وروائي روسي)، وأن اليمين المتطرف الفرنسي يحب الديكتاتوريين، وأنه كان يحب خلال فترة ما بين الحربين العالميتين الزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني، واليوم (اليمين المتطرف) مفتون ببوتين.

وأضاف آرو أن ماكرون يمد يده لبوتين منذ 5 سنوات، ودعاه إلى فرساي في عام 2017، واستقبله في بريجانسون، وغيرها من الأمور الأخرى، وأن المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، قامت بمحاولات مماثلة، لكن لم تثمر شيئاً، مبيناً أن اللغز الحقيقي هو النجاح في فهم ما يريده بوتين، مع العلم أن الفرنسيين والألمان لا يكرهون الروس، لافتاً إلى أنه لم يكن لدى بوتين أبداً أدنى رغبة في الانفتاح أو التسوية فيما يتعلق بأوروبا.

لـ سامي جلال

اترك تعليقا