من الصراع إلى التفاهم: مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين
في خضم الهيمنة المتجزئة للقرن الحادي والعشرين، تواجه الولايات المتحدة والصين تحديًا مشتركًا يتمثل في تحديد دوريهما كقوتين عظيمتين، ليس فقط بالنسبة لنفسيهما، بل أيضًا في علاقتهما مع بعضهما البعض، هذا الوضع يُشكل خطرًا على النظام الدولي وعلى استقرار العلاقة بينهما.
وفي مقال بعنوان "حان الوقت لإعادة ضبط العلاقات بين الولايات المتحدة والصين" نشرته صحيفة "آسيا تايمز" في 20 يناير 2025، يناقش الكاتب ألكسندر كاسيلا الحاجة الملحة لإعادة تشكيل العلاقات بين القوتين العظميين المتبقيتين في العالم: الولايات المتحدة والصين.
يشير المقال إلى أن كلتا الدولتين تواجهان تحديات في تحديد دوريهما على الساحة الدولية وفي علاقتهما ببعضهما البعض، مما يشكل خطرًا على النظام الدولي.
ويوضح الكاتب إنه "من منظور تاريخي، تُعتبر الصين والولايات المتحدة كيانين غير متجانسين. فالصين، التي تمتد حضارتها لأكثر من 2000 عام، تُعد أطول حضارة مستمرة في التاريخ، وتعاود الظهور كقوة عظمى بعد فترة انقطاع دامت مئة عام. ورغم تعداد سكانها البالغ 1.4 مليار نسمة وامتلاكها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلا أن متوسط الناتج المحلي الإجمالي للفرد فيها يبلغ 26,000 دولار، مما يضعها أقل بكثير من متوسط الدول الصناعية الغربية".
ومن ناحية أخرى، تُعتبر الولايات المتحدة دولة حديثة نسبيًا بعمر أقل من 300 عام، وتتميز بتنوعها العرقي وتطورها إلى كيان متعدد الأعراق، على عكس الصين التي يتكون 95% من سكانها من عرقية الهان. كما أن الولايات المتحدة تُعرف بمجتمعها الذي يركز على الفرد والمجتمع المدني، بينما تُعتبر الصين مجتمعًا منظمًا تقليديًا تسيطر عليه الحكومة بشكل كبير.
يخلص المقال إلى أن التعايش بين هاتين القوتين العظميين ليس بالمستحيل، مستشهدًا بفترة الحرب الباردة عندما تواجد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة كنظامين متوازيين. ومع ذلك، يشدد الكاتب على أن التحدي الحالي يكمن في إيجاد فهم مشترك وحقيقي بين الولايات المتحدة والصين لضمان الاستقرار الدولي.
النظامان: اختلافات جوهرية
الصين: مجتمع منظم تقليديًا، يخضع لسيطرة حزب واحد يملك سلطة شاملة على جميع مناحي الحياة، بما في ذلك الاقتصاد.
الولايات المتحدة: نظام متعدد الأحزاب يعتمد على حكم القانون ويركز على حرية الفرد والمجتمع المدني.
الصين والولايات المتحدة: ديناميكيات القوة
خلال الحرب الباردة، تعايشت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كنظامين متوازيين دون تداخل كبير. أما الصين اليوم، فهي جزء لا يتجزأ من النظام الاقتصادي العالمي. ومع ذلك، فإن ظهورها كقوة اقتصادية هائلة يطرح أسئلة وجودية حول هيكل النظام العالمي، الذي صممته الولايات المتحدة لخدمة مصالحها.
الصين ليست مجرد لاعب جديد في النظام الدولي، بل هي قوة هائلة بحجم سكانها (1.4 مليار نسمة)، وتاريخها العريق، ونظامها الحاكم الذي يربط الدولة بالاقتصاد بطريقة فريدة. دخول الصين في النظام العالمي ليس هدفًا في حد ذاته بالنسبة للحزب الشيوعي الصيني، بل وسيلة للبقاء في السلطة من خلال تحقيق تطلعات الشعب نحو الرخاء.
التحديات المشتركة: من الصراع إلى التعاون
التنافس بين القوتين يثير تساؤلات أساسية، أبرزها: كيف يمكن للنظامين، أحدهما يعتمد على الدولة والآخر على القطاع الخاص، أن يتعايشا دون صدام؟
الصين، التي أصبحت اليوم رائدة في إنتاج السيارات الكهربائية، تُظهر كيف أن نجاحها الاقتصادي يمكن أن يُهدد الصناعات الغربية التقليدية، ما يفرض تحديات اجتماعية واقتصادية يصعب تجاهلها.
البحث عن حلول عملية
لإعادة ضبط العلاقات، ينبغي على الولايات المتحدة والصين الانخراط في عملية تفاوضية تهدف إلى تحقيق توازن يخدم مصالح الطرفين. يجب أن تركز المناقشات على كيفية تشغيل النظامين بشكل متوازٍ دون صراع، مع طرح أمثلة عملية مثل صناعة السيارات كمحور للنقاش.
مسار جديد للتفاهم
ويرى ألكسندر كاسيلا إنه "ينبغي أن يتم تقييم العلاقات الأمريكية-الصينية خارج إطار السياسة اليومية والإعلام، ويمكن تحقيق ذلك عبر مؤسسات بحثية أمريكية بالتعاون مع جهات صينية موثوقة، بهدف بناء فهم متبادل قائم على أسس عملية وعلمية بعيدًا عن التوترات السياسية".
ويوضح إنه "في نهاية المطاف، يتطلب بناء علاقة صحية بين القوتين التزامًا بالبحث عن حلول وسطى وتوازن بين المصالح، بما يضمن الاستقرار للنظام العالمي ويعزز التنمية المشتركة".
والدكتور ألكسندر كاسيلا عمل كأستاذ وصحفي، وكتب لصالح العديد من المؤسسات الإعلامية البارزة مثل "لوموند"، "ذا تايمز"، "نيويورك تايمز"، "دي تسايت"، "الغارديان"، والإذاعة والتلفزيون السويسري، مركزًا بشكل أساسي على الصين وفيتنام. في عام 1973، انضم إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، حيث شغل مناصب من بينها رئيس قسم شرق آسيا ومديرًا لشؤون آسيا وأوقيانوسيا. لاحقًا، أمضى 18 عامًا كممثل في جنيف للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة.
تعليقات الزوار