المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل تستفيد الصين من دروس الحرب في أوكرانيا؟

لقد أصبح العالم أكثر خطورة، حيث تدخل الحرب الروسية على أوكرانيا شهرها السابع، بينما أصبحت الصين أكثر “عدوانية” تجاه تايوان، مع التدريبات العسكرية الكبيرة الأخيرة حول الجزيرة، وعبور الطائرات المقاتلة بشكل منتظم للخط الأوسط الذي يقسم مضيق تايوان، لذا فإن الدروس التي يتعلمها الحزب الشيوعي الصيني من غزو موسكو لأوكرانيا ستفيد صنع القرار في بكين بشأن تايوان.

هل تستفيد الصين من دروس الحرب في أوكرانيا؟
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إنه منذ أن تبنى الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، علانية شراكة “بلا حدود” عشية الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت هناك مخاوف من أن تغتنم بكين اللحظة لغزو تايوان وضمها. ورغم ضعف احتمالات الغزو الفوري، مع تشتيت انتباه الصين في الداخل بسبب الأزمة الاقتصادية، والفترة التي سبقت المؤتمر العشرين للحزب، فإن التهديد لا يزال قائماً.

هناك أربعة عوامل رئيسية يفكر فيها الرئيس الصيني والحزب الشيوعي الصيني وهم يراقبون التطورات في أوكرانيا:

1- صمود الخصم في المعركة
الأول هو أن المعركة لم تكن سهلة، وهناك صمود للدولة المستهدفة، ويبدو أن روسيا رأت أن غزو دولة قومية حديثة أمر صعب. وعدم قدرة بوتين على تحقيق نصر سريع في أوكرانيا يدل على أن دولة أصغر قد تنتصر في القتال بإمداداتٍ ومعنويات غربية كافية لذلك. لذلك ترى واشنطن أنه يجب إعداد تايوان كي تصمد جيداً بالعديد من التقنيات والأسلحة الدفاعية والهجومية المناسبة.

وترى مجلة فورين بوليسي أنه بمساعدة الغرب، فقد تضيف تايوان على الفور إلى ترسانتها أنظمة الأسلحة الرئيسية، بما في ذلك نظام صواريخ الضربات البحرية، وهو سلاح مضاد للسفن يمكن إطلاقه من البحر أو الأرض ويبلغ مداه 100 ميل بحري. إذا نُصِبَت هذه الصواريخ على المركبات التكتيكية الخفيفة المشتركة، فستكون هذه الصواريخ فعالة للغاية في مهام إطلاق النار والدفع السريع، كما تقول مجلة Foreign Policy.

بالإضافة إلى ذلك، فإن اللغم البحري Quickstrike الذي يُسقَط من الجو، أو غيره من تقنيات الألغام البحرية المتقدمة من الولايات المتحدة، إذا نُشِرَ بكمياتٍ كبيرة، يمكن أن يدمر أي قوة برمائية. وسيكون صاروخ جافلين المشهور الآن المضاد للدبابات مفيداً جداً في التعامل مع الدروع الصينية في البر.

ويمثل صاروخ ستينغر المضاد للطائرات خطراً حقيقياً على أسطول الأجنحة الدوارة الصيني. وأخيراً، سيكون نظام الدفاع Anduril Anvil المضاد للطائرات المسيَّرة فعالاً أيضاً ضد الاستخدام الواسع المتوقع للجيش الصيني للطائرات المسيَّرة الصغيرة.

2- فاعلية قدرات الطرف المهاجم
العامل الثاني في هذه المواجهة، هو قدرة القوة الغازية. أثبت الجيش الروسي في بداية المعركة أنه أضعف مما توقعه محللون، خاصة في عمليات الأسلحة والمناورة المشتركة. ويجب أن يكون هذا الإدراك قد انتبه له الرئيس شي جين بينغ جيداً.

خصيصاً أن الجيشين الصيني والروسي يتدربان معاً ويجريان مناورات عسكرية مشتركة. كما قامت الصين أيضاً بشراء أو تطوير نسخ محلية من المعدات العسكرية الروسية التي لا تعمل بالشكل المعلن عنه.

لكن على عكس روسيا، التي انخرطت في عقود من الحروب المستمرة في الشيشان وأوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وسوريا وليبيا، كان آخر نزاع مسلح للصين قد وقع في عام 1979 ضد فيتنام. كانت الصين تعتمد على شريكتها الأكثر خبرة، روسيا، لتدريب قواتها على القتال في تدريبات مشتركة ضخمة تجري إلى حد كبير من خلال منظمة شنغهاي للتعاون على مدى السنوات العديدة الماضية. لكن في الوقت الحالي، لا تبدو التكتيكات والتقنيات والإجراءات الروسية وترتيب المعركة جيداً بشكل خاص، وهناك مخاوف جدية بشأن جودة المعدات الروسية.

3- حجم وتبعات ردود الفعل الدولية
العامل الثالث هو رد فعل دول العالم على إعلان الحرب. حيث أدى توسع الناتو السريع بعد غزو أوكرانيا إلى تغيير قواعد اللعبة. أرى ذلك انتباهاً قوياً لدى الصين، وسجلت ملاحظاتها على التطورات.

ووصفت انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو بأنه عودة إلى عقلية “الحرب الباردة”. وفي بداية غزو بوتين لأوكرانيا كان متوقعاً أن يدق إسفين في التحالف الغربي الذي بدا منقسماً ومتردداً في بداية الحرب. لكن بدلاً من فصل ألمانيا وإيطاليا والمجر عن الحلفاء الغربيين التاريخيين -الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا- اكتسب الناتو عضوين جديدين، واكتسبت روسيا أكثر من 800 ميل من الجبهة الإضافية مع الناتو.

ويمثل توسع الناتو مصدر قلق خطير للصين، التي تدين بانتظام أي محاولة للتعددية الأمنية بين جيرانها، خاصة عندما تطلبها واشنطن. حتى لو نجح غزو تايوان، فقد يؤدي إلى مزيد من التحالفات الأمنية في المنطقة بدلاً من توجيه ضربة كارثية لقوة الولايات المتحدة في آسيا. لذا فإن أي “هجوم فاشل” سيكون أكثر ضرراً على الطموحات الصينية.

وفي حين أن الحوار الأمني الرباعي لا يزال هيئةً خطابية إلى حدٍّ كبير، فإنه يمكن أن يكون نموذجاً لمثل هذه التحالفات. وفي حين أن احتمال تحالف عسكري مع الهند المحايدة أمرٌ غير مرجح، فإن الولايات المتحدة لديها بالفعل اتفاقيات أمنية مع العضوين الآخرين في المجموعة الرباعية، اليابان وأستراليا. تعمل كل من طوكيو وكانبيرا على زيادة تعاونهما مع بعضهما البعض.

4- العقوبات الاقتصادية المحتملة
العامل الرابع الذي يجري تقييمه لدى بكين، هو تكلفة العقوبات الاقتصادية التي قد تُفرَض عليها إذا ما غزت تايوان، بالنظر إلى تجربة روسيا. ومثل هذا العامل إشكالية بالنسبة للغرب نظراً لأزمة أوكرانيا، ويجب على الولايات المتحدة معالجتها بسرعة، إذ كان تطور وتنفيذ العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا رداً على حربها العدوانية بطيئاً وغير فعال.

هناك بعض الأدلة على أن الدعاية الصينية الداخلية تقلل من أهمية العقوبات المحتملة. ربما لا تزال الصين مهتمة بالعقوبات الثانوية المحتملة التي تؤثر على الشركات الصينية، لكن الخوف الحقيقي لا ينشأ إلا إذا كانت صفقات النفط والغاز الصينية الضخمة مع روسيا مستهدفة بالعقوبات الغربية. حتى الآن لم يحدث شيء على هذا الصعيد. تستمر أوروبا، بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب، في ضخ ما يقرب من مليار يورو يومياً في الاقتصاد الروسي من خلال مشترياتها من الوقود.

لا يمكن أن يتحمَّل الرئيس شي التعرض لعقوبات شاملة من قبل كل من أوروبا والولايات المتحدة في حالة الغزو الصيني لتايوان، كما لا يمكن للغرب تحمل ذلك. ورغم أن الحزب الشيوعي الصيني ينفذ سياسات تهدف إلى جعل الصين أكثر اعتماداً على الذات، فهو ليس مستعداً للانفصال التام عن الغرب. لذلك، فإن مدى شدة تأثر روسيا بأدوات الغرب الاقتصادية العقابية ستؤثر على كيفية تحرك الصين إلى الأمام.

اترك تعليقا