المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

ماذا يعني “ضم” روسيا 15% من أراضي أوكرانيا؟

أعلن الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة 30 سبتمبر/ أيلول 2022 ضم 4 مناطق أوكرانية رسمياً إلى روسيا، رغم الرفض والتنديد من الغرب بالاستفتاءات ونتائجها، فلماذا تعتبر هذه الخطوة الأخطر على الإطلاق في الحرب التي دخلت شهرها الثامن؟

كانت الاستفتاءات قد بدأت الجمعة 23 سبتمبر/أيلول، وانتهت الثلاثاء، وذلك في مدن لوغانسيك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا، التي تمثل 15% من الأراضي الأوكرانية، وجاءت نتيجة التصويت لصالح الانضمام إلى روسيا بنسبة مرتفعة، كما كان متوقعاً.

تزامن إجراء تلك الاستفتاءات مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا، التي تصفها روسيا بأنها “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفها الغرب بأنها “غزو”، شهرها الثامن، وتمثل تلك الخطوة مفترق طرق لتلك الحرب، التي ألقت بظلالها على جميع مناحي الحياة على الكوكب، وتأثر بها جميع سكان الأرض تقريباً.

لماذا أجرت روسيا “الاستفتاءات”؟
السبب الرئيسي وراء إقدام الرئيس الروسي على تلك الخطوة هو الخسائر التي تعرضت لها قواته في الميدان خلال شهر سبتمبر/أيلول، حيث استولى الهجوم المضاد الأوكراني على أكثر من 3 آلاف ميل مربع في غضون أسابيع فقط. وأجبر ذلك الهجوم القوات الروسية على الانسحاب من منطقة خاركيف، بعد أن كانوا قد وعدوا السكان المحليين بأن “روسيا جاءت لتبقى إلى الأبد”، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وفي منطقتي دونيتسك ولوغانسك، اللتين تمثلان معاً إقليم دونباس في الشرق الأوكراني، بدأت القوات الروسية أيضاً في فقدان بعض الأراضي التي كان الانفصاليون التابعون لها يسيطرون عليها منذ قبل 24 فبراير/شباط، يوم بدأت الحرب الحالية، وهو ما يمثل انتكاسات متتالية للخطط الروسية.

ويقول محللون إن روسيا تنفذ عمليات الضم الآن من أجل وقف تراجعها في ميدان المعركة، إذ إنه من خلال إعلان هذه الأراضي الأوكرانية كجزء من روسيا، تهدد موسكو برد ساحق، بما في ذلك هجوم نووي محتمل، كجزء من حرب دفاعية، ما لم توقف أوكرانيا جهودها الناجحة لتحرير أراضيها. ومن خلال التهديد بتصعيد كبير، تسعى روسيا إلى إبطاء خسائرها حتى تتمكن قواتها من إعادة تجميع صفوفها.

ومن المهم هنا ذكر وجهة النظر الروسية لأسباب التقدم الأوكراني والخسارة الروسية في أرض المعركة، حيث وصف ألكسندر دوغين، الفيلسوف الروسي الملقب بأنه “عقل بوتين”، الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية في خاركيف بأنه “ضربة مباشرة من الغرب ضد روسيا”.

“يعلم الجميع أن هذا الهجوم تم تنظيمه وإعداده وتجهيزه من قبل القيادة العسكرية للولايات المتحدة والناتو، وتم تحت إشرافهما المباشر. ولم يتم ذلك فقط من خلال استخدام المعدات العسكرية للناتو، ولكن أيضاً عبر المشاركة المباشرة لمخابرات الفضاء العسكرية الغربية والمرتزقة والمدربين”، بحسب مقال نشره دوغين مؤخراً.

كيف جاءت نتيجة الاستفتاءات؟
تراوحت نتائج التصويت في المناطق الأربع بعد فرز جميع الأصوات بين 87% و99.2% لصالح الانضمام إلى روسيا، وذلك حسبما أعلن مسؤولون عينتهم موسكو، إذ كانت النسبة الأقل في زابوروجيا، والأعلى في دونيتسك، لكن إجمالاً جاءت النتيجة كما كان متوقعاً لصالح الانضمام إلى روسيا.

دميتري ميدفيديف، الرئيس الروسي السابق، والذي يشغل الآن منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي، قال عبر تيليغرام: “النتائج واضحة. أهلاً بكم في وطنكم، في روسيا!”.

وفي تلك المناطق، أظهرت مقاطع فيديو وصور تم بثها على منصات التواصل الاجتماعي المسؤولين الذين عينتهم موسكو وهم يحملون صناديق الاقتراع من بيت لآخر، حتى يدلي المواطنون بأصواتهم.

وفي الميدان الأحمر بموسكو، أقيمت منصة بشاشات فيديو عملاقة، مع لوحات إعلانية كتب عليها “دونيتسك ولوجانسك وزابوروجيا وخيرسون – روسيا!”.

لكن إذا كان ذلك ما يقوله الروس، فبطبيعة الحال أوكرانيا والغرب وصفوا الأمر برمته بأنه إجراء قسري وغير قانوني يهدف لخلق ذريعة قانونية لضم المناطق الأربع لروسيا.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب مصور في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء: “هذه المهزلة في الأراضي المحتلة لا يمكن حتى وصفها بأنها محاكاة لاستفتاء”.

وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، خلال اجتماع لمجلس الأمن إن بلادها ستقدم قراراً في المجلس يحث الدول الأعضاء على عدم الاعتراف بأي تغيير في وضع أوكرانيا، وإلزام موسكو بسحب قواتها.

ويمكن لروسيا استخدام حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار في مجلس الأمن، لكن المبعوثة الأمريكية قالت إن ذلك سيدفع واشنطن إلى إحالة القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

سكان فروا إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في الأيام الماضية تحدثوا عن إجبار مسؤولين متجولين للناس على ملء أوراق الاقتراع في الشوارع تحت تهديد السلاح. بينما قالت روسيا إن التصويت كان طوعياً ومتماشياً مع القانون الدولي، وأن نسبة الإقبال كانت عالية، بحسب رويترز.

ففي مدينة زابوروجيا التي تسيطر عليها أوكرانيا، قال أوكرانيون تمكنوا من الفرار من الأراضي التي تحتلها روسيا عبر آخر نقطة تفتيش في الخطوط الأمامية إنهم لم يروا أي تصويت حقيقي.

قال ليوبومير بويكو (43 عاماً) من قرية جولو بريستان في إقليم خيرسون الخاضع لسيطرة روسيا: “يمكنهم الإعلان عن أي شيء يريدون. لم يصوت أحد في الاستفتاء باستثناء عدد قليل من الناس الذين غيروا موقفهم. انتقلوا من منزل إلى منزل، لكن لم يخرج أحد”.

وقال سكان إن الكثيرين يفرون خوفاً من أن تبدأ موسكو على الفور في تجنيد رجال للقتال في صفوف قواتها بمجرد إعلانها ضم المنطقة لروسيا. في الوقت الحالي، سمح مسؤولون روس عند نقطة للتفتيش لبعض الأشخاص بالمغادرة.

وقال آندري (37 عاماً)، وهو من العمالة الزراعية في بيريسلاف بمنطقة خيرسون رفض ذكر اسمه الأخير، عن نقطة التفتيش: “كان صف المركبات طويلاً جداً، لدرجة أن المرء لا يتمكن من رؤية نهايته”.

وأضاف، بينما كان يستقل حافلة صغيرة تناثر عليها الوحل وصل فيها مع زوجته وطفليه ووالديه، إن قرى بأكملها خلت من السكان. وتابع قائلاً: “70% من الناس يغادرون بسبب الاستفتاء. لم يكن هناك ضوء ولا غاز ولا عمل، وفجأة، يحدث الاستفتاء. إنه أمر عبثي تماماً”.

متى تتم عملية “الضم” رسمياً؟
وألقى بوتين خطاباً أمام مجلس الاتحاد، الجمعة 30 سبتمبر/أيلول، أعلن خلاله رسمياً قراراً بضم الأراضي الأوكرانية إلى الاتحاد الروسي. إذ إنه بموجب القانون، يجب تقديم هذه المعاهدات أولاً إلى مجلس الاتحاد، الهيئة العليا للبرلمان الروسي، ثم على بوتين للتوقيع عليها.

ماذا قد يحدث بعد الضم؟
هذا هو السؤال الرئيسي. أشار بوتين ومسؤولون كبار آخرون إلى أنهم سيبدأون في التعامل مع الهجمات على المناطق المضمومة على أنها هجمات على أراضٍ روسية ذات سيادة. وسبق أن اتهمت روسيا أوكرانيا بشن ضربات عبر الحدود خلال الحرب، بما في ذلك في منطقة بيلغورود وقاعدة جوية روسية في شبه جزيرة القرم المحتلة، التي تزعم موسكو أنها أراضيها ذات السيادة. ومع ذلك، تقول موسكو الآن إنها جادة وتهدد بالتصعيد.

وفيما يتعلق بالعمليات العسكرية، قد تبدأ روسيا في استهداف المزيد من المراكز السكانية والمباني الحكومية بصواريخها المتبقية، على غرار الضربات التي استهدفت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية بالقرب من خاركيف في وقت سابق من هذا الشهر.

قد تبدأ موسكو أيضاً، على الأرجح، في إجراء تدريبات نووية أو حتى تنفيذ ضربات نووية تكتيكية لتخويف الغرب. كما أنها ستندفع بحشد الرجال إلى الجبهة للحفاظ على الصفوف ومنع روسيا من خسارة المزيد من الأراضي للهجوم المضاد الأوكراني.

في الداخل، قد تغلق روسيا الحدود أو تفرض الأحكام العرفية في بعض المناطق. ويمكن أن تشمل الإجراءات المنصوص عليها في الأحكام العرفية مصادرة الممتلكات، وفرض حظر التجول، واعتقال منتقدي الحكومة، ومعسكرات الاعتقال للمواطنين الأجانب، وغيرها من الإجراءات القاسية التي من شأنها أن تجعل الحياة في روسيا تعكس حياة الدولة الشمولية.

اترك تعليقا