المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الأوروبيون يبحثون عن «بوصلتهم الاستراتيجية»

“يتعرض #الاتحاد_الأوروبي لخطر “الانكماش الاستراتيجي”، بسبب الضغوط الجيوسياسية والاقتصادية والأيديولوجية من جميع الأطراف، لذلك ستتطلب حماية المواطنين الأوروبيين ومصالحهم وقيمهم تفكيرا جديدا حول مسؤوليات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالأمن والدفاع والقدرات التي يحتاج إليها للوفاء بها.”
وبحسب ما يطرحه تقرير #جوزيف_بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، تساعد البوصلة المرء على إيجاد طريقه، وستكون “البوصلة الاستراتيجية” التي تمت صياغتها بناء على طلب من المجلس الأوروبي بمنزلة دليل عملي لتطوير الاتحاد الأوروبي واتخاذ القرار بشأن الأمن والدفاع، وتتجه الآن إلى وزيري الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي، لإجراء مناقشات الأسبوع المقبل.
تم تصميم #البوصلة للإجابة عن ثلاثة أسئلة: ما التحديات والتهديدات التي نواجهها؟ وكيف يمكننا تجميع أصولنا بشكل أفضل وإدارتها بفاعلية؟ وما أفضل طريقة لإبراز نفوذ أوروبا كلاعب إقليمي وعالمي؟
“يظهر تحليلنا الشامل للتهديدات بوضوح أن أوروبا في خطر”، يضيف بوريل، إذ يخاطر الاتحاد الأوروبي بما سميته “#الانكماش_الاستراتيجي“، يمكن إدراك ذلك من ثلاث وجهات نظر، أولا، أصبح وصولنا الاقتصادي مقيدا بشكل متزايد، قبل 30 عاما، كان الاتحاد الأوروبي يمثل ربع ثروة العالم، في غضون 20 عاما سيمثل ما يزيد قليلا على 10 في المائة. يتطور الانكماش الديموغرافي لدينا بشكل مشابه: بحلول نهاية هذا القرن ستشكل أوروبا أقل من 5 في المائة من سكان العالم.
والأهم من ذلك، أن بعض منافسينا الاقتصاديين لديهم قيم مختلفة تماما عن قيمنا، ما يشكل تهديدا لقوتنا المعيارية، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يدمج هذه الحقيقة في صنع سياساته، مع الاعتراف بأن المنافسة على المعايير العالمية تلعب بالفعل في السباق من أجل إتقان الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وأشباه الموصلات، والتكنولوجيا الحيوية.
ثانيا، يتزايد التنازع على المسرح الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، بسبب التحديات من قبل الجهات الفاعلة الجديدة الطموحة، ومظاهر القوة العسكرية، واستراتيجيات زعزعة الاستقرار التي تتميز بالحرب السيبرانية والمعلومات المضللة. لقد ولت الأيام التي كان فيها السلام والحرب يشكلان دولتين متميزتين بشكل واضح، إننا نواجه وسنواجه بشكل متزايد مواقف هجينة تتطلب مجموعة واسعة من الأصول الدفاعية.
أخيرا، يتعرض المجال السياسي للاتحاد الأوروبي للضغط، ويتزايد التنازع على قيمنا الليبرالية. في “معركة الروايات”، تكتسب فكرة أن القيم العالمية هي في الحقيقة مجرد بنى غربية زخما. تم دحض الافتراض القديم القائل إن الازدهار الاقتصادي سيؤدي دائما إلى التطور الديمقراطي.
أثناء التنقل في هذه البيئة الاستراتيجية التنافسية المتزايدة، يجب أن يصبح الاتحاد الأوروبي مزودا للأمن لمواطنيه، ويحمي قيمنا ومصالحنا، لكن للقيام بذلك، سيتعين عليها التصرف بشكل أسرع وأكثر حسما عند إدارة الأزمات. وهذا يعني توقع التهديدات المتغيرة بسرعة وحماية مواطنيها منها، الاستثمار في القدرات والتقنيات اللازمة، والتعاون مع الشركاء لتحقيق الأهداف المشتركة.
ستزيد مثل هذه الإجراءات من قدرتنا على ردع الهجمات والرد عليها إذا حدثت، لا تكمن القيمة الأساسية للقوة العسكرية في أنها تسمح لنا بحل المشكلات، لكنها يمكن أن تساعد على منع حل المشكلات على حسابنا. هذا هو السبب في أن البوصلة الاستراتيجية تقترح قدرة الاتحاد الأوروبي على نشر القوة بسرعة عبر مجموعة كاملة من الإجراءات المنصوص عليها في معاهدات الاتحاد الأوروبي.
لم تحقق المحاولات السابقة لنشر قوات الاتحاد الأوروبي بسرعة إلا نجاحا محدودا، لكن البوصلة الاستراتيجية تهدف إلى جعل عمليات النشر هذه أكثر سهولة وفاعلية من خلال ثلاث طرق، أولا، ستتبع نهجا معياريا، مع تحديد تكوينها من خلال سيناريوهات ملموسة وتعزيزها بالتدريب المشترك، بدلا من وضعها مسبقا كقوة دائمة.
ثانيا، ستكون هناك مبادئ توجيهية واضحة تنص على أن المهمة هي التي تحدد نوع القوة وحجمها، وليس العكس. وثالثا، يمكننا تكثيف جهودنا للتغلب على أوجه القصور المختلفة التي طالما عاقت قدراتنا التشغيلية، من خلال الإجراءات الواضحة التي ينبغي أن تحظى بالأولوية.
كل هذا يتطلب شرعية ومرونة. من الذي يقرر، وكيف ينبغي تنفيذ القرارات؟
بدون التشكيك في مبدأ الإجماع، من الممكن التصرف بشكل خلاق من خلال تفعيل بعض الأحكام مثل الامتناع البناء أو المادة 44، التي تسمح بإنشاء تحالفات يوافق عليها المجلس الأوروبي. قبل كل شيء، نحن في حاجة إلى الإرادة السياسية “التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك شيء”، وكفاءة تشغيلية “بدونها كل شيء لا طائل من ورائه”.
لكن يتعين على الاتحاد الأوروبي بالطبع ألا يقصر أفعاله على نشر القوات العسكرية. تركز البوصلة الاستراتيجية أيضا على #الأمن_السيبراني والبحري والفضائي. لتوقع التهديدات، يقترح تعزيز القدرات الاستخباراتية وتوسيع مجموعة الأدوات لمواجهة الهجمات الهجينة والسيبرانية وكذلك التضليل والتدخل الأجنبي، كما أنها تحدد أهدافا للاستثمار لتزويد قواتنا المسلحة بالقدرات اللازمة والتقنيات المبتكرة، لسد الفجوات الاستراتيجية، وتقليل التبعيات التكنولوجية والصناعية.
أخيرا، الأكيد أن هذا الجهد لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع التزام أوروبا تجاه حلف الناتو، الذي يظل في صميم دفاعنا الإقليمي، يجب ألا يمنعنا هذا الالتزام من تطوير قدراتنا الخاصة وإجراء عمليات مستقلة في منطقتنا وخارجها، خاصة في وقت قد يتركز فيه اهتمام صانعي السياسة الأمريكيين في مكان آخر “ليس أقله على المحيطين الهندي والهادئ”. المسؤولية الاستراتيجية الأوروبية هي أفضل طريقة لتعزيز التضامن عبر الأطلسي. يقع هذا المفهوم في قلب الحوار الجديد حول الأمن والدفاع بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لكن يجب على جميع الأوروبيين أن يفهموا أن البوصلة الاستراتيجية ليست عصا سحرية، يعود الأمر إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لتحديد إذا ما كانت التحولات الجيوسياسية اليوم ستكون بمنزلة نداء إيقاظ آخر لم يتم الالتفات إليه، وأن النقاش المتجدد حول الدفاع الأوروبي يمثل بداية خاطئة أخرى. البوصلة الاستراتيجية هي فرصة للوفاء بالمسؤوليات الأمنية لأوروبا مباشرة، أمام مواطنينا وبقية العالم.
اترك تعليقا