المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

العملة الرقمية وأثرها على السياسة النقدية الأمريكية

صدرت ورقة بحثية عن مركز بليفور للدراسات الدولية لكل من سارة سيويل ومينغ ليو حول “الجغرافيا السياسية للعملة الرقمية”، إذ يناقشان التطورات الحديثة في العملات وأثرها على السياسة النقدية للولايات المتحدة الأمريكية في الداخل والخارج.

وجاءت هذه الورقة في ظل الشعبية المتزايدة للعملات المشفرة والمخاوف بشأن مخاطر انتشارها، الأمر الذي دفع الحكومات إلى النظر في العملة الرقمية الوطنية، لتصبح بديلا آمناً وخاضعاً للرقابة الحكومية في الوقت نفسه.

وباتت الولايات المتحدة متأخرة عن اللحاق بالدول الكبرى الأخرى، كالصين، في استخدام العملات الرقمية للبنك المركزي CBDC، وهو ما يمكن أن يؤثر على ريادتها العالمية في مجال السياسة النقدية وغيرها من المجالات.

وتعد العملات الرقمية للبنوك المركزية التي تصدرها الحكومات ابتكاراً جديداً، لكن هنا يجب عدم الخلط بين العملات الرقمية للبنوك المركزية، والعملات المشفرة الخاصة مثل البيتكوين أو إيثيريوم وغيرهما.

فالعملة الرقمية هي بمنزلة بيانات، ومع انتقالها ستنتقل أيضاً هذه البيانات عبر الحدود الدولية، مما قد يكشف عن معلومات تضر بالمصالح الفردية أو الوطنية أو بمصالح الشركات. ويمكن للولايات المتحدة – بحسب سارة ومينغ – أن تلعب دوراً حاسماً في تعزيز التقنيات التي تحمي هذه البيانات، أو بمعنى آخر دعم معايير الأمان والخصوصية مع الحفاظ على قابلية التدقيق بشكلٍ قانوني في عالم يقوم على اقتصاد رقمي بالكامل، إلا أن واشنطن تتخلف عن الدول الأخرى في أخذ النقود الرقمية للبنك المركزي على محمل الجد.

فيما تعمل الصين المنافس التجاري للولايات المتحدة، على إنشاء عملة رقمية للبنك المركزي منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وستكون الأولى من بين الاقتصادات الكبرى في العالم، التي تنشر على نطاق واسع عملة رقمية للبنك المركزية للبيع بالتجزئة.

وبناءً على ذلك، ستصبح الصين في وضع جيد يمكِّنها من تشكيل المعايير والعمليات العالمية التي تحكم هذا التحول المالي، والتي يمكن أن تؤدي إلى نتائج تتجاوز خصوصية البيانات وأمانها.

وتؤكد سارة ومينغ أن عمليات تبادل المدفوعات العالمية الجديدة قد تؤدي إلى إضعاف مكانة العناصر المكونة للنظام المالي الدولي، والذي يعزز القوة المالية للولايات المتحدة ويساعد في الحفاظ على قواعد السلوك الدولي. ولعل أبرز هذه العناصر، هو خدمة الرسائل SWIFT، والتي تسهل حركة الأموال عبر الحدود الدولية، بالإضافة إلى أنها تعد عنصراً أساسياً في نظام العقوبات المالية الأمريكية.

وتطرح سارة ومينغ توصيات أساسية للولايات المتحدة للتغلب على التحديات المتعلقة بالعملة الرقمية الوطنية منها مراقبة التطور التقني والتنفيذ العملي للعملة الرقمية الصينية من أجل فهم أفضل للوصول إلى البيانات المتطورة وأنظمة الدفع البديلة وتداعياتها المحتملة. وكذلك، أهمية تعامل حكومة الولايات المتحدة مع الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والشركاء والمؤسسات العالمية (منها بنك التسويات الدولية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي) فيما يتعلق بالخيارات التقنية والسياسية للعملات الرقمية للبنوك المركزية.

وتضيف سارة ومينغ إنه “يتعين على الولايات المتحدة توفير موارد إضافية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي وشركائه لتوسيع وتسريع البحث والتجريب على عملات البنوك المركزية الرقمية، إضافة إلى أهمية أن يقوم المسؤولون الأمريكيون ببناء تحالف من الدول لتعزيز اعتماد المعايير الدولية وعمليات الدفع التي تكون منفتحة وتعاونية ومتسقة مع المصالح والقيم الديمقراطية. وأخيراً، فإن على صانعي السياسة في الولايات المتحدة مراعاة المخاطر الجيوسياسية أثناء نظرهم في الجدول الزمني والقضايا المحلية المرتبطة بالعملات الرقمية للبنك المركزي الأمريكية المحتملة”.

اترك تعليقا