المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

زلزال تركيا يمثل تحدياً خطيراً لأمن الطاقة في المنطقة

ترجمة خاصة لـ”المعهد العراقي للحوار”

للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل تأثير مباشر على أمن البنية التحتية للطاقة في البلدان وتقلبات سوق الطاقة العالمي، وفي الوقت نفسه، لطالما عانت خطوط أنابيب النفط والغاز من أكبر الأضرار من مثل هذه الحوادث.

وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الدول لزيادة أمن إمدادات الطاقة وبنيتها التحتية، إلا أن الإجراءات المتخذة حتى الآن لم تكن قادرة على الحد من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للطاقة في بعض البلدان.

واستثمرت تركيا الكثير في العقد الماضي لتصبح مركزًا لتجارة الطاقة، وحتى اجتماع أمن الطاقة كان من المفترض أن يعقد في اسطنبول يومي 14 و 15 فبراير/شباط الجاري بحضور دول منتجة ومستهلكة للطاقة وكذلك شركات ومنظمات دولية للطاقة لكن صباح الاثنين الماضي، هز أقوى زلزال في آخر 100 عام تركيا، وخلف هذا الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة مأكثر من 11 ألف قتيل وآلاف الجرحى حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

ومباشرة بعد الزلزال الذي ضرب 10 محافظات في تركيا، وقع انفجاران في خط أنابيب الغاز الطبيعي بالقرب من مدينة هاتاي. ووقع الانفجار قرب قرية توبوغازي قرب هاتاي. ووقع الانفجار على عمق 200 متر من الأرض.

وقامت شركة بوتاش التركية لنقل وتسويق النفط والغاز المملوكة للدولة بقطع تدفق الغاز الطبيعي على الفور إلى بعض المدن في المنطقة.

وفي بيان بوتاش، أعلنت أن الشركة أوقفت تدفق الغاز الطبيعي إلى بعض المناطق كإجراء وقائي. وتتواجد فرق بوتاش الفنية في مكان الانفجار وتقوم بالضوابط والتدخلات اللازمة، كما تجري الدراسات اللازمة لضمان تدفق الغاز الطبيعي.

وبعد التفتيش على أطقم بوتاش تبين أن أنبوب النفط في المنطقة لم يتضرر ويستمر العمل في نقل النفط إلى هذه المناطق عبر الأنبوب.

وأعلنت بوتاش أنه بعد الانفجار في خط أنابيب الغاز الطبيعي لهذه الشركة، قطعت الغاز الطبيعي في محافظات غازي عينتاب وهاتاي وكهرمان مرعش وبعض المناطق الأخرى.

توقف نشاط محطة جيهان

ويلعب ميناء جيهان دورًا مهمًا في أمن حقل النفط في تركيا والمنطقة. وبحسب وكالة بلومبرج للأنباء، أفاد مسؤول مطلع، أن الحكومة التركية أوقفت تدفق النفط الخام إلى محطة جيهان على ساحل البحر المتوسط ​​فور وقوع الزلزال كإجراء احترازي.

وبالنظر إلى دور تركيا المهم في عبور النفط والغاز الطبيعي، بعد الزلزال الأخير، ارتفع سعر النفط بشكل طفيف يوم الاثنين، والذي كان بحسب الخبراء السبب الرئيسي لتعليق ميناء جيهان.

فيما يتعلق بأهمية ميناء جيهان، يجدر القول أن هذا الميناء هو مركز مهم لبيع النفط في شمال العراق وجمهورية أذربيجان. ووفقًا لبيانات جمعتها بلومبرج، فقد صدر الميناء أكثر من مليون برميل يوميًا في يناير 2023، أو واحد بالمائة من استهلاك النفط العالمي.

وفي الساعات الأولى من الزلزال، توقفت الحكومة العراقية عن إرسال شحنات من نفط هذا البلد، والتي كانت تُنقل وتُصدر من ميناء جيهان عبر إقليم كردستان ومن خلال الحكومة المركزية. وأعلن اقليم كوردستان العراق إن هذه المنطقة ستستأنف نقل النفط عبر هذا الخط بعد التحقيق اللازم بشأن سلامة الانابيب.

ويتم إرسال النفط الموجود في ميناء جيهان في الغالب إلى المصافي الأوروبية. وبسبب أزمة الطاقة والحظر النفطي الروسي، ازدادت أهمية ميناء جيهان في أمن الطاقة في أوروبا أكثر فأكثر.

وتجدر الإشارة إلى أنه وفقًا لاتفاقية النفط بين بغداد وأربيل في عام 2015، يتعين على إقليم كردستان العراق تسليم ما معدله 550 ألف برميل من النفط يوميًا إلى سومو في محطة جيهان في تركيا. كما يجب على الحكومة المركزية العراقية أن تدفع حصة إقليم كردستان من ميزانية البلاد.

وفيما يتعلق بالدور المهم لميناء جيهان في نقل النفط من بحر قزوين وآسيا الوسطى إلى سوق الاستهلاك، ينبغي القول أن جمهورية أذربيجان تنقل النفط الخام المنتج إلى أوروبا عبر خط أنابيب باكو – تبيليسي – جيهان.

وصدرت جمهورية أذربيجان حوالي 233.2 مليون برميل من النفط في عام 2019. وفي عام 2020، تم ما يقرب من 85 ٪ من صادرات النفط الأذربيجانية عبر هذا الخط.

وأدت أزمة الطاقة والحظر النفطي الروسي إلى زيادة صادرات كازاخستان النفطية عبر خط أنابيب باكو – تبيليسي – جيهان. وفي أكتوبر 2022 ، أعلن عليخان إسماعيلوف، رئيس وزراء كازاخستان، أنه اعتبارًا من 1 يناير/كانون الثاني 2023، سيتم تصدير 1.5 مليون طن من النفط عبر خط أنابيب باكو – تبيليسي – جيهان. وذكر أن المفاوضات جارية لزيادة حجم الصادرات النفطية عبر هذا الخط لتصل إلى 6.5-6 مليون طن.

وقال إسماعيلوف: “من أجل زيادة تصدير النفط عن طريق السكك الحديدية، قامت شركة التنقيب عن الغاز في كازاخستان بشراء ومضاعفة عدد عربات الصهريج (الناقلات) وبدأ نقل الشحنات التجريبية إلى باتومي (جورجيا) وأوزبكستان”.

وبحسب إسماعيلوف، فقد طورت كازاخستان خارطة طريق خاصة لتنويع طرق تصدير النفط من بينها، يعد الطريق من ميناء أكتاو إلى ميناء باكو ومن هناك إلى باكو – تبليسي – جيهان أحد الخطوط المرغوبة. بالإضافة إلى ذلك، يتم النظر أيضًا في طرق باكو – سوبسا وباكو – باتومي، حيث توجد محطة طرفية في كازاخستان، كما سيتم تصدير النفط الكازاخستاني إلى باتومي وأوزبكستان والصين عبر خط سكة حديد أتيراو الإقليمي.

واستطاعت الحكومة التركية منع تفاقم أزمة قطاع الطاقة بقطع الغاز الطبيعي عن ثلاث محافظات، وبسبب الطقس البارد والظروف الجوية في المنطقة، إذا لم يتم استيعاب ضحايا الزلزال بسرعة، فهناك احتمال زيادة الخسائر بسبب الطقس البارد.

ومن المتوقع استئناف نشاط ميناء جيهان خلال الأيام المقبلة، وشهد سعر النفط في الأسابيع الماضية اتجاهاً نزولياً، كما أدت قمة أوبك في الأيام الماضية إلى اشتداد التقلبات في سوق النفط، بسبب استمرار توابع الزلزال في الأيام المقبلة، قد ينقطع تدفق إمدادات الغاز في المناطق المتضررة من الزلزال.

وكشف الزلزال الأخير في تركيا أن الأحداث الطبيعية والجيوسياسية تؤثر دائمًا على أسعار النفط. كما أظهر أنه على الرغم من جهود الدول لزيادة أمن البنية التحتية للطاقة، وخاصة خطوط الأنابيب، فإن قوة الطبيعة دائمًا أكبر من المعرفة البشرية.

وسيؤدي الزلزال الأخير إلى إيلاء المزيد من الاهتمام لمسارات خطوط الأنابيب في مشاريع نقل الطاقة المستقبلية من بلدان آسيا الوسطى وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط ​​والعراق إلى سوق الاستهلاك.

وبالنسبة لهذه البلدان، فإن طريق تركيا هو أفضل وسيلة وأكثرها فعالية من حيث التكلفة لنقل النفط والغاز من دول المنطقة، وبطبيعة الحال، فإن الزلزال الأخير سيجعل الجوانب الأمنية للبنية التحتية للطاقة في دائرة الضوء أكثر من ذي قبل.

اترك تعليقا