المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كلمة افتتاح مؤتمر حوار بغداد الدولي الرابع

انطلقت أعمال مؤتمر حوار بغداد الدولي الرابع، بكلمة افتتاحية ألقاها السيد عباس راضي العامري مدير المعهد العراقي للحوار، المدير التنفيذي لمؤتمر حوار بغداد .

كيف يتحول العراق الى فاعل اقليمي دولي؟

من المحزن جداً ان تنعى عزيزاً لكنه القدر ..
ان تصف بلدك ، وطنك، جنتك الارضية بانها دولة (هشة) او (ضعيفة) او (فاشلة) فهذا محزن جداً … لكنه الواقع يا اصدقائي .. فثمة معايير دولية لا يمكن ان تتخلف عنها الدول التي تريد ان تفلت من غياهب ظلمة الهشاشة والضعف والفشل .. ومع شديد الاسف دخل العراق درجات هذا الضعف بشكل مختلف ومتباين لكنه ظل – كدولة – يوصف به وبمقدار عال. فالسياسات الإقليمية ومنطق التفاعل بين القوى الأساسية فيه جعلت من العراق منطقة تصارع لنفوذها بحيث يصعب على العراق أن يتخطى تناقض القيم بين الدول المجاورة له، ويصعب عليه أن يكون مجالاً للتسوية في ظل إحتدام المعادلة الصفرية التي تحكم نوايا دول الجوار.

المهم هنا ليس البكاء على الاطلال وندب الحظ لاننا كنخبة صرنا قادرين على التاثير في المدخلات بل ان النخبة العراقية تتمتع بفرصة تاريخية لتحويل العراق الى دولة فاعلة داخلياً وخارجياً ومنسجمة مع بيئتها الدولية ومتفاعلة معها. وهذا الأمر يفرض أن تتبنى النخبة منطق توظيف الفرص أو صناعتها في بيئة مضطربة تتطلب التفكير بطريقة تخرج فيها العراق من مسارات التفكير المستحكمة التي فرضتها طبيعة المدخلات الخاصة بنشوء النظام السياسي بعد عام 2003 والإنتقال نحو منطق التفكير بإبراز مدخلات جديدة قائمة على أساس تعزيز صورة العراق بكونه ذو مكانة مهمة تمكنت من تجاوز التحديات التي رافقت وجوده وبقاءه.


المعهد العراقي للحوار يعكف منذ سنة كاملة على كتابة ستراتيجية شاملة لتحول العراق الى دولة فاعلة والخروج من مأزق الفشل والضعف والهشاشة الذي رسمته سياسات خارجية ولا زالت تسهر الليالي وتصرف الاموال من اجل تحقيقه منذ استقلال العراق وقيام المملكة العراقية والى هذا اليوم .فتناقض المصالح الذي يعد سمة متأصلة في البيئة الإقليمية التي تحيط العراق تستهدف إستمرار هشاشة الدولة العراقية لتكون لديها فرص أكبر في إستثمار مصالحها وتعزيز قدرتها على الإستمرار في صراعات قيمية قائمة في الأساس تكوين وجودها كدول في المنطقة، ومن ثم فإن تحول العراق إلى دولة فاعلة سيؤثر بشكل كبير على إستمرار وجودها كأنظمة سياسية حاكمة في دول هذه المنطقة، فالعراق تاريخياً لم يتمكن من تحقيق إستقرار مستدام على النحو الذي تشهده دول المنطقة ولعل مايفسر ذلك هو إرتباط وجود هذه الأنظمة بهشاشة الوضع في العراق وإضعاف فاعلية دوره كدولة فاعلة في المنطقة.
 كشفت وثائق رفعت عنها السرية في الولايات المتحدة من ان 14 مؤسسة استخبارية عربية واقليمية ودولية تعمل من اجل ان لا يكون العراق سوقاً اقتصادية مستقرة ولا بيئة امنية ايجابية وذلك لعدة مبررات واسباب تعتبرها تلك البلدان ضمن مصلحتها القومية. فالأساس في تفسير الإستراتيجيات الإقليمية هو مدى قابلية الدول الإقليمية للعراق من جذب الفرص عوضاً عنه، لأن تحول العراق إلى دولة جاذبة إقتصادياً أو أمنياً سيسهم في فقدانها ميزة تنافسية مقترنة بهشاشة العراق كدولة.



لعنة النفط والموقع البحري
يتميز العراق بميزات مهمة تجعله محط انظار الدول ذات الستراتيجيات الأمنية الكبرى في المنطقة وفي مقدمتها القوى العظمى ، لكن الدول الاكثر ايلاماً للعراق هي الدول التي يشترك معها ابناء هذه الارض بمشتركات الدم والدين واللغة والاخوة والمصير حيث عملت اجهزة مخابرات هذه الدول جاهدة على تهشيم كل خطوة ايجابية يقوم بها العراق لئلا يكون العراق ميناء دولياً او سوقاً نفطية عالمية او جزء مهماً من طريق الحرير خصوصاً عبر منفذه البحري وقناته الجافة التي توصله باوربا.

تقترن أهمية العراق في ميزاته الجيوبوليتيكية التي تجعله محط إهتمام الدول الكبرى، غير أن معادلة القوة في المنطقة تقوم على أساس أن أي فاعلية لدور عراقي يفقد جواره الإقليمي ميزته التنافسية، وهذا مايجعل هذه الدول تبحث عن السبل التي يمكن عن طريقها إضعاف قيمة هذه الميزات عن طريق مشاريع إستراتيجية تؤسس لميزات جديدة تكتسبها هذه الدول وتحرم العراق من إمكانية توظيف قدراته، الأمر الذي يجعل العراق في ديمومة الهشاشة وعدم القابلية على توظيف ميزاته الجيوبوليتيكية في هذا المجال.

ما هي الدولة الفاشلة؟
تصبح الدولة فاشلة إذا فقدت سلطتها و قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، وحين تكون عاجزة عن حقها في (احتكار استخدام العنف)، المشروع في اقليمها. وتكون هشة وضعيفة حين تفقد شرعيتها في اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وايضاً حين تعجز عن توفير المعقول من الخدمات العامة او تعجز عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.
في تقرير لمجلة “فورين بوليسي –بالتعاون مع “منظمة الصندوق من أجل السلام” عام 2014 جاء العراق في المرتبة 13 ، فقد استخدم التقرير 12 معيارا رئيساً ؛ لقياس أبرز الدول الضعيفة في العالم وقياس مدى فشلها.
ومن اهم هذه المؤشرات جاءت المؤشرات السياسية والمتمثلة في فقدان شرعية الدولة بسبب فساد النخبة الحاكمة وغياب الشفافية والمحاسبة وضعف الثقة في المؤسسات الرسمية، إضافة إلى عدم التطبيق العادل لحكم القانون وانتشار انتهاكات حقوق الإنسان وفقدان الأمن وإحتمال قيام حرب أهلية. أما المؤشرات الإقتصادية فهي غياب التنمية الإقتصادية المستدامة لدى الجماعات المتباينة، وتراجع المؤشرات الكبرى كالدخل القومي والميزان التجاري وسعر صرف العملة الوطنية. بينما تركزت المؤشرات الإجتماعية في تصاعد الضغوط الديموغرافية والحركة السلبية والعشوائية للأفراد واللاجئين.

إن البحث في إعادة تشكيل المدخلات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي تحكم المنطق الخاص بأداء الدولة هو معيار مهم في عملية إنتقال العراق من دولة هشة إلى دولة فاعلة فضلاً عن إعادة حساب الفرص التي يمكن أن يتم توظيفها أو صناعتها في البيئة الإقليمية والدولية، فالمزايا التي يمتلكها العراق يجعله مؤهلاً لأداء هذا الدور مع ضرورة أن يتبنى الخبراء والنخبة العراقية هذا الهدف كمسار لأداء صانع القرار.

إن حوار بغداد الدولي الرابع هو ملتقى للنخبة السياسية التي ترى أن فاعلية العراق تكمن في توظيف موارده وإعادة تقييم منطق التفاعلات في البيئة الإقليمية، فالحسابات الإستراتيجية تفرض علمياً وعملياً أن العراق دولة صاحبة وزن إستراتيجي مهم لايمكن تهميشه في أي مستوى للتفاعل في محيطه الخارجي، إلا أن توظيف الفرص بحاجة إلى خيارات مدروسة تتصف بالحكمة والواقعية وفهم منطقي للتفاعلات وحركة المصالح في البيئة الإقليمية والدولية.

اترك تعليقا