المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الإعلام العبري: هجوم حماس إهانة عظمى غير مسبوقة لإسرائيل

مع التأكيد على المبدأ السائد في إسرائيل، بأن على الإسرائيليين ترك خلافاتهم جانباً والتوحد في الحرب على “حماس”، وتأجيل طرح الانتقادات والمحاسبة على الإخفاقات، إلى ما بعد انتهاء الحرب، أجمعت وسائل الإعلام العبرية، على مهاجمة قيادات الجيش والمخابرات على القصور الخطير في حماية سكان البلدات اليهودية القائمة حول قطاع غزة، وكذلك المستوى السياسي بقيادة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وحكومته على إدارة سياسية تسببت في تقوية حركة “حماس” وحكمها قطاع غزة وجعلها قوة عسكرية فتاكة.

وفي حين ركزت وسائل الإعلام التابعة لمعسكر اليمين على توجيه الانتقادات للجيش، كما فعلت قبل الحرب، راحت وسائل الإعلام المستقلة واليسارية تركز على دور نتنياهو في الإخفاقات.

وخرجت صحيفة “هآرتس” بمقال افتتاحي تحت عنوان: “نتنياهو مسؤول”، فقالت: “رئيس الوزراء الذي تباهى بتجربته السياسية الهائلة وبحكمته التي لا يحل محلها شيء في شؤون الأمن، فشل تماماً في تشخيص الخطر الذي قاد إليه الدولة، عن وعي، حين أقام “حكومة الضم والنهب”، وعين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير في منصبين أساسيين فيها، وأيضاً حين اتخذ سياسة خارجية تجاهلت على رؤوس الأشهاد وجود وحقوق الفلسطينيين.

وتابعت “هآرتس”، أن نتنياهو بالتأكيد سيحاول التملص من مسؤوليته، ويلقيها على قادة الجيش والمخابرات الذين أخفقوا عندما قللوا من احتمال شن حرب من “حماس” مستخفّين بقدراتها العسكرية. ولكن القصور الاستخباري والعسكري لا يعفي نتنياهو من مسؤوليته الشاملة عن الأزمة، بصفته المقرر الأعلى لشؤون الخارجية والأمن في إسرائيل.

ولفتت إلى أن نتنياهو سوّق نفسه بوصفه “سياسياً حذراً”، يمتنع عن الحروب، ويسعى للحد من القتلى في الجانب الإسرائيلي، لكنه بعد انتصاره في الانتخابات الأخيرة استبدل بالحذر سياسة “يمين كامل”: خطوات علنية لضم الضفة الغربية، وتطهير عرقي في المناطق (ج) في جبل الخليل وغور الأردن، وتوسيع مكثف للمستوطنات، وتعزيز الوجود اليهودي في (الأقصى).

وكما هو متوقع، تقول الصحيفة إن مؤشرات الانفجار بدأت في الضفة الغربية، وشعر فيها الفلسطينيون بثقل يد الاحتلال الإسرائيلي، و”حماس” استغلت الفرصة كي تخرج إلى هجوم مفاجئ، لكن أكثر من كل شيء، شددت الصحيفة، إلى أن رئيس وزراء متهم بثلاث قضايا فساد “لا يمكنه أن يهتم بشؤون الدولة”.

وقاحة إسرائيلية
وفي الصحيفة نفسها، كتب جدعون ليفي: “وراء كل ما يجري توجد وقاحة إسرائيلية؛ فنحن اعتقدنا أنه مسموح لنا بفعل كل شيء، وأننا لن ندفع أي ثمن أو عقاب. ندافع عن المستوطنين الذين ينفذون المذابح، الحج إلى قبر يوسف وقبر عتنئيل ومذبح يهوشع، التي جميعها في الأراضي الفلسطينية، وبالطبع إلى الحرم القدسي، حيث اقتحمه أكثر من 5 آلاف يهودي فقط في عيد العرش.

وأضاف خروقات أخرى، مثل إطلاق النار على الأبرياء، وقلع العيون، وتحطيم الوجوه، والطرد، والسرقة، واختطاف الناس من السرير، والتطهير العرقي. وبالطبع مواصلة الحصار الذي لا يصدق على غزة، وأن كل شيء، (بعد ذلك)، سيكون على ما يرام. لافتاً: “اعتقدنا أننا سنواصل التنكيل بغزة، ونرمي عليها فتات الإحسان على شكل بضع عشرات من آلاف تصاريح العمل في إسرائيل، مشروطة دائماً بحسن السلوك”.

وقال إن بضع مئات من المسلحين الفلسطينيين اقتحموا الجدار، ودخلوا إسرائيل “بصورة لم يتخيل أي إسرائيلي بينه وبين نفسه أنها ممكنة”. وقد أثبت بضع مئات من المسلحين الفلسطينيين، أنه “لا يمكن سجن مليوني شخص إلى الأبد دون أن يجبي ذلك ثمناً باهظاً”، مثلما مزقت الجرافة الفلسطينية القديمة السبت الجدار الأكثر إحكاماً من أي جدار آخر.

الهجوم المهين
وفي “يديعوت أحرونوت”، رأى ناحوم برنياع، هجوم “حماس” “مهيناً لإسرائيل”. وقال إن 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كانت إهانة عظمى لم يشهد لها الجيش الإسرائيلي مثيلاً في كل سنواته. ووصف الإهانة الأولى بأنها استخبارية. ومثلما في 1973، رأت المنظومة (الحاكمة) كل المؤشرات الدالة، لكنها استنتجت بغرورها أن “هذه مجرد مناورة وتدريبات عابثة”.

أما الثانية، وفق التقرير “فكانت السهولة التي تجاوز فيها مخربو (حماس) العائق”؛ والثالثة كانت “السهولة التي عادوا فيها إلى غزة مع عشرات الرهائن”؛ أما الرابعة، فهي “البطء الذي رد به الجيش الإسرائيلي على التوغل”. فقد تجول العشرات في معسكر مدرعات كأنهم في بيوتهم، ولم توجد مروحية هجومية تطلق عليهم النار.

ورأى أن “يوم الغفران” 1973 كلّف عدداً أكبر بكثير من الضحايا، لكن المواجهة وقتها، “كانت مع أكبر الجيوش العربية، وليس منظمة إرهاب من الدرجة الثانية”. وقال إنه من تلك الحرب الأليمة خرج سلام يصمد بعد 50 سنة من وقف النار. مشدداً على أنه “من الصعب رؤية الخير الذي سيخرج من الحرب الحالية”. منتقداً سياسة نتنياهو في كل حكمه، الذي دفع بـ”حماس” قُدماً على حساب السلطة الفلسطينية، بسياسة “فرق تسد”، وتهدئة بكل ثمن.

وأعطى في الأشهر الأخيرة، حركة “حماس” كل ما أوصى به الجيش، ومنها تصاريح عمل لعشرين ألف غزي، وتوسيع الواردات، وتحويل المال القَطري. إن سموتريتش، “وزير نصف الدفاع في حكومته”، قال مؤخراً، إن “حماس” ذخر والسلطة عبء، فهل نتنياهو مستعد لأن يغير القاعدة؟”.

ماذا كسب الفلسطينيون حتى الآن؟

حتى اللحظة، استطاعت حماس أن تقلب الطاولة في الوضع الفلسطيني وفي المنطقة برمتها، وأن تؤكد صعوبة تجاوز الفلسطينيين في أي محاولة لتصفية قضيتهم، كما تؤكد حماس على ريادتها في البيئة السياسية الفلسطينية وأنها تكرس قدراتها العسكرية والسياسية في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين، على مستوى المساس بالمقدسات واستفراد الجيش والمستوطنين بالضفة الغربية.

إن تمكن حماس من أسر هذا العدد الكبير من الجنود والمستوطنين سيجعل لها اليد العليا في تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال، الأمر الذي سيعزز من مكانتها وشعبيتها بشكل شبه مطلق، في ظل تراجع كبير للسلطة الفلسطينية التي تعاني انسدادا مطبقا في مشروعها السياسي الذي لم يتبقَ منه شيء، وتراجع في شعبيتها في الضفة الغربية.

إن مشاريع التطبيع مع دول عربية وازنة وإسرائيل تحتل بلا شك مكانة في عقل حماس، وهي حريصة على تعطيل هذا المسار، أو في الحد الأدنى منع تداعياته من الإضرار بالقضية الفلسطينية.

نجحت حماس في دفع جميع الأطراف لإعادة حساباتها، ووجهت صفعة كبيرة لإسرائيل، وكسرت صورتها في تصورات صناع القرار الدوليين والإقليميين، ومن المتوقع أن يكون لذلك تداعيات داخل إسرائيل نفسها وفي المنطقة وعلى مسارات التطبيع، ولا تزال المعركة في غزة وما حولها في بدايتها ولم تأخذ شكلها النهائي المفتوح على احتمالات عديدة.

اترك تعليقا