المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الإنترنت وسيلة لجمع الأسلحة إلى أوكرانيا

كشف تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن اتخاذ بعض الأجانب المتعاطفين مع أوكرانيا شبكة الانترنت وسيلة لتزويد البلاد بالأسلحة في مواجهة الهجوم العسكري الذي تشنه روسيا منذ أواخر فبراير/شباط الماضي.

وفي ورشة عمل غرب أوكرانيا، يقوم فني بتعديل قوس معدني تمت إضافته لطائرة سباق مسيّرة مخصصة لهوايات حتى تتمكن من حمل قنبلة يدوية محولًا بذلك طائرة تباع في متجر الهوايات إلى سلاح فتّاك. يقف على مقربه منه اثنان من رواد الأعمال الأمريكيين وصلا إلى ورشة العمل جالبين عشرات الطائرات المسيرة الأخرى، وهي جزء صغير من سيل من المساعدات العسكرية الموجهة لأوكرانيا، لكنها ليست جزءًا من شحنات الأسلحة التي ترعاها الدولة التي يتم نقلها إلى أوكرانيا لمساعدتها في محاربة غريمها الأقوى في شرق البلاد.

تعد هذه الطائرات جزءًا من حملة تمويل جماعية متعددة الأوجه من تبرعات تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات، بالإضافة إلى منحة من الأسلحة الأصغر والمعدات العسكرية للجيش الأوكراني. لضخ التبرعات، يوجّه المسؤولين الأوكرانيون والشركات الخاصة مناشدات مباشرة عبر الإنترنت للمواطنين الأجانب المتعاطفين، حتى مع استمرارهم في حث الحكومة للحصول على أسلحة أثقل.

يقول تشاد كابر، هو أحد رواد الأعمال الأمريكيين ومؤسس إحدى شركات الطائرات المسيرة، إن رحلته بدأت بمكالمة مع صديق أوكراني يهوى طائرات السباق المسيّرة من خلال عرض تقديم المساعدة “هل أنتم في حاجة لأي شيء؟ كما تعلم، يمكننا تزويدكم بقطع أو أي شيء؟” ف فرد صديقه قائلًا: “نعم، كل ما يمكنك فعله”.

بالنسبة للعديد من المتبرعين المشاركين، يكتسي هذا الصراع جوانب أخلاقية غير معتادة. يقرّ رائد أعمال آخر جلب الطائرات المسيرة المخصصة للهوايات، “لقد أخطأنا في العراق، كما أخطأنا في فيتنام. لقد أقحمنا أنفسنا في أماكن ما كان يجب علينا التواجد فيها”. وأضاف رجل أعمال من ولاية تينيسي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب متعلقة بالسلامة: “هؤلاء الأشخاص لا يطلبون منا التدخل، إنهم فقد يطلبون دعمنا. وأقل ما نفعله هو تقديم الدعم”.

حتى مع تلقي أوكرانيا للشحنات الكبرى من الأسلحة الثقيلة من الولايات المتحدة وحكومات أخرى، استغلت الحملة الإلكترونية التعاطف الغربي الواسع وقدمت تبرعات هادفة لجهود البلاد الحربية. وتشمل التبرعات المنتجات مزدوجة الاستخدام مثل الطائرات المسيرة والمعدات العسكرية مثل مناظير الرؤية الليلية والدروع الواقية والبنادق والذخائر وخدمات التأثير السياسي المجانية من قبل المؤسسات الأمريكية.

جمعت الحملة الأكبر، وهي مناشدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لجمع التبرعات من قبل السفارة الأوكرانية في براغ، ما يقارب 30 مليون دولار من 100 ألف متبرع في أقل من ثلاثة أسابيع منذ إطلاقها، بما في ذلك تبرعات من أنحاء العالم، وذلك وفقًا لمسؤولين تشيكيين.

وقالت السفارة في صفحتها على فيسبوك في شباط/ فبراير: “ندعو الجميع للدعم المالي لجمع التبرعات للمساعدة الفورية في تأمين المعدات العسكرية للجيش الأوكراني ووحدات الدفاع المدنية الذاتية”. وذكرت حكومة التشيك التي تستفيد كذلك من مبيعات أسلحتها أنها ستوفر الموافقة السريعة لهذه المشتريات.

العملات المشفرة

يُقدّم موقع أوكراني آخر قائمة بالمجموعات التي تلتمس التبرعات، بما في ذلك العملات المشفرة، لشراء معدات تشمل أجهزة التصوير الحراري والطائرات المسيرة والهواتف المتصلة بالأقمار الصناعية.

تنطوي أي حملة تبرعات جماعية على مخاوف من المحتالين، وقد عانت أوكرانيا من الفساد قبل الحرب. ولكن حتى الآن، لم ترد أي تقارير عن حدوث مخالفات في الجهود الشبكية المبذولة لجلب المزيد من الأسلحة.

وكانت المناشدة الأكثر جرأة حينما أطلقت شركة أوكرانية الشهر الماضي مناشدة موافقًا عليها من الحكومة لجمع تبرعات جماعية لشراء طائرة نفاثة مقاتلة. وقد ناشد طيار مقاتل أوكراني أشيب باللغة الإنجليزية: “اشتري لي طائرة نفاثة مقاتلة. فهي ستساعدني في حماية سمائي الملبدة بالطائرات الروسية”. ويوضح الموقع أنه يمكن شراء طائرة مقاتلة نوع “ميغ-29” أو “سو” من واحدة من عدة دول مقابل مبلغ أقل بكثير من تكلفة طائرة جديدة وهو 20 مليون دولار.

ورد في الموقع “لهذه الأسباب نخاطب الشركات الدولية ورجال الأعمال وكل من يمكنه المبادرة”، ويضيف بمرح: “انضم! الروح الجماعية تجعل الأحلام تتحقق!” وقال متحدث باسم الشركة إنه بعد أسبوع من بدء الحملة كانوا قد جمعوا حوالي 140 ألف دولار وأقروا بأن المناشدة موجهة لأصحاب الملايين.

حيلة تسويقية

قال سيمون شيلغل، كبير محللي الأزمة الأوكرانية لمركز أبحاث “مجموعة الأزمات”: “أعتقد أنه من الصعب تصديق أنه يمكنه شراء طائرة مقاتلة، أو أنه يمكنهم استخدامها عن علم، ويحصلون كما تعرف على الأشخاص المناسبين للتدريب”. أضاف ساخرًا: “أعتقد أن هذا أقرب إلى حيلة تسويقية”.

قال ستيفن فلاناغان، كبير علماء السياسة في مؤسسة “راند” عمل مديرًا لسياسة الدفاع بوكالة الأمن القومي، إن المشاركة الشعبية الأمريكية في الحرب قد فرضت ضغوطًا على الحكومة الأمريكية لبذل المزيد من أجل أوكرانيا و”أزالت بالتأكيد بعضًا من التردد المبدئي “من قبل حكومة الولايات المتحدة بشأن تقديم دعم مفرط للجيش الأوكراني

في حين أن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا يتطلب تراخيص تصدير أمريكية، قالت وزارة التجارة في آذار/ مارس إنها تعجل بالموافقات لتصدير الأسلحة والذخيرة التي يرسلها الأمريكيون. تواجه تبرعات الأجهزة ذات الاستخدام المزدوج، مثل الطائرات المسيرة المخصصة للهوايات، عقبات قليلة.

وقال كابر مؤسس شركة “روتر ريوت”: “بالنسبة لهوات الطائرات المسيّرة، فإن فعل أي شيء بالمعدات العسكرية أمر مستحيل عمليًا”. أضاف كابر، وهو كذلك أحد المشاهير في عالم سباقات الطائرات المسيّرة، “إن معدات الهوايات غير منظمة بأسلوب مميز حتى يتمكنوا من استخدام أكبر قدر ممكن”

إن الطائرات المسيّرة التي يستخدمها كابر – المعروفة بتوفير عرض شخصي للصور التي يتم بثها مباشرة إلى نظارات الطيار – تقع في الطرف الآخر لطيف من الطائرات المقاتلة. لكن يبدو أنهم يملأون الفجوة بينما تنتظر أوكرانيا المزيد من الإمدادات من الطائرات بدون طيار العسكرية.

أفاد مشغل طائرات بدون طيار أوكراني طلب عدم ذكر اسمه إلا بالاسم الأوسط أولكسندر، “إنهم يتصلون بي من أماكن مختلفة ومن كتائب مختلفة ويقولون لي “هل يمكنك إرسال المزيد؟ لقد نفد ما لدينا”. لأسباب أمنية، طلب عدم تحديد موقع محور الطائرات بدون طيار.

قال أولكسندر إن الطائرات المسيرة التي جلبها الأمريكيون ستكون مفيدة إما في حمل المتفجرات أو لمراقبة وحدات المقاتلين الروس على الخطوط الأمامية.

كان لرواية الحرب عن دولة أضعف تتصدى لمعتدي قوي وشبح الإبادة الجماعية في أوروبا صدى واسع النطاق لدى الأمريكيين وغيرهم في جميع أنحاء العالم.

ذكر رجل أعمال من ولاية تينيسي: “بعد إرسال الأموال، لم أشعر أنني أفعل ما يكفي. لدي موارد ولدي اتصالات في هذا الجزء من العالم. وكنت أعلم أنه يمكنني إحداث فرق من خلال وضع بعض الإجراءات للمساعدة في توفير الطائرات بدون طيار”.

وأورد رجل أعمال – قال إن الجيش الأوكراني اتصل به طلبًا للمساعدة – أنه كان يؤسس منظمة خيرية للسماح للناس بالتبرع لشراء طائرات بدون طيار لأوكرانيا. وعلى الرغم من التعديلات اللاحقة على الطائرات بدون طيار، قال إنه شعر أن التبرعات كانت من أجل “أغراض إنسانية”. وأضاف “لا يوجد شيء غير قانوني. لقد طلبوا طائرات بدون طيار. ما يفعلونه بها متروك لهم تمامًا”.

بالإضافة إلى حمل القنابل اليدوية، تُستخدم الطائرات بدون طيار التي تصل سرعتها إلى 70 ميلاً في الساعة من قبل القوات الأوكرانية للمراقبة الأمامية للوحدات الروسية، واستهداف المدفعية، وتحديد الأشخاص في المباني المدمرة أو الغابات باستخدام كاميرات الأشعة تحت الحمراء. ولكن العديد من الطائرات المسيرة المخصصة للهوايات، التي تكلف 1000 دولار أو أكثر، عمرها قصير.

حسب أولكسندر فإن “العدو يستهدفها لذلك تدوم بعضها ليوم أو يومين فقط”. لكن في ذلك اليوم أو اليومين، تكون لها مهام في غاية الأهمية. نحن نحمي أنفسنا. نحن لا نعبر الحدود إلى الأراضي الروسية – نحن في وطننا”.

في سنة 2014، رد المدنيون الأوكرانيون على الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم من خلال التعبئة لدعم جيش غير مُجهز وغير مُستعد ووضع الأسس للعديد من الجهود الشعبية في هذه الحرب.

وقال شليغل من “مجموعة الأزمات”: “من المذهل حقًا مدى تجذر هذا الجهد الدفاعي في المجتمع المدني. هناك شبكات قليلة من الأشخاص الذين يمكنهم شراء أي شيء تقريبًا، باستثناء الأسلحة الثقيلة”.

وأوضح شليغل أن تصوير الخطوط الأمامية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدم تحقيقات مكشوفة المصدر لتحليل ديناميكيات المعركة قد أدى أيضًا إلى تشجيع المشاركة العامة في الصراع. وأضاف أن “وسائل التواصل الاجتماعي كانت قريبة جدًا من الجبهة، وهي أقرب بكثير مما كانت عليه في معظم الحروب التاريخية. إنها أكبر حرب برية في حياة العديد من الناس، وبالنسبة للكثيرين، هذه المرة الأولى التي نشاهد فيها الدبابات تجوب الشوارع بهذا الحجم”.

اترك تعليقا