المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

 اللبنانيون يتوجهون لاختيار برلمان جديد

فتحت مراكز الاقتراع أبوابها، الأحد 15 مايو/أيار 2022، في أول انتخابات في لبنان منذ الانهيار الاقتصادي في البلاد وتصاعُد معدلات الفقر والغضب من الأحزاب الحاكمة.

بعد مرور أشهر من الغموض إزاء إمكانية إجراء الانتخابات فتحت مراكز الاقتراع في 15 دائرة انتخابية. ومنذ الانتخابات السابقة في عام 2018 هز لبنان انهيار اقتصادي، أنحى البنك الدولي باللوم فيه على النخبة الحاكمة، وشهد مرفأ بيروت انفجاراً ضخماً في 2020.

تقع على عاتق البرلمان الجديد الذي ستفرزه الانتخابات مسؤولية إقرار مشاريع قوانين وإصلاحات ملحة يشترطها صندوق النقد الدولي من أجل دعم لبنان الغارق في انهيار اقتصادي منذ أكثر من عامين.

. ويصوت المواطنون الذين تزيد أعمارهم عن 21 عاما في مسقط رأسهم في قرى وبلدات قد تقع بعيدا عن منازلهم.

 وبلغت نسبة المشاركة 60 بالمئة بين الناخبين في الخارج الذين صوتوا مبكرا. وقال كثيرون منهم إنهم يريدون التغيير.

ورغم الأزمة المالية والسياسية، تنخفض التوقعات بحدوث تغيير كبير في السياسة والحكومة الطائفية في لبنان، رغم حدة الأزمة، التي يقول البنك الدولي إن الطبقة الحاكمة هي التي تسببت فيها، ورغم الغضب من الانفجار المدمر في مرفأ بيروت عام 2020.

ويمثل الانهيار الاقتصادي أكبر أزمة زعزعت استقرار لبنان منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. وفقدت العملة أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، ودفعت الأزمة حوالي ثلاثة أرباع السكان إلى براثن الفقر، وأدت إلى تجميد أرصدة المودعين في البنوك التي أصابها الشلل.

ويشهد لبنان منذ خريف 2019 انهيارا اقتصاديا نجم عن عقود من سوء الإدارة وتغليب الطبقة السياسية مبدأ المحاصصة والصفقات على حساب الإصلاحات البنيوية في الإدارات والمرافق الخدماتية.

وجاء تفشي كوفيد-19 بدءاً من آذار/مارس 2020 ثم انفجار مرفأ بيروت المروع في آب/أغسطس من العام ذاته، ليفاقم الوضع سوءا، في وقت لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي إجراءات ملموسة تضع حدّاً للتدهور وتخفّف من معاناة السكان، الذين بات أكثر من ثمانين في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر.

وتخلف لبنان العام 2020 للمرة الأولى عن سداد ديونه الخارجية.

على وقع الانهيار الذي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ 1850، فقدت الليرة أكثر من تسعين في المئة من قيمتها أمام الدولار، وتراجعت قدرة الدولة على توفير الخدمات الرئيسية من كهرباء ووقود وطبابة جراء تضاؤل الاحتياطي بالعملات الأجنبية في المصرف المركزي.

 وانهارت كذلك القدرة الشرائية للسكان الذين باتوا عاجزين عن سحب ودائعهم جراء قيود مصرفية مشددة. وخسر عشرات الآلاف منهم مصادر دخلهم في وقت بات الحد الأدنى للأجور يعادل 25 دولارا فقط. واختارت فئات واسعة من الطبقة الوسطى والاختصاصيين من مدرسين وأطباء وممرضين طريق الهجرة، بحثاً عن بدايات جديدة.

 بعد جولات تفاوض مع الجانب اللبناني، أعلن رئيس وفد صندوق النقد الدولي في 7 نيسان/أبريل التوصل إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لكنه شدّد على أنّ موافقة إدارة الصندوق ومجلس إدارته على خطة الدعم رهن “بتنفيذ جميع الإجراءات المسبقة وتأكيد الدعم المالي للشركاء الدوليين”.

  ما المطلوب من البرلمان الجديد؟

 في إطار الإجراءات المسبقة التي يشترطها صندوق النقد، يتعين على البرلمان، وفق ما يشرح نائب رئيس الحكومة سعاده الشامي الذي يقود التفاوض مع صندوق النقد، إقرار مشروع قانون “كابيتال كونترول” الذي يقيّد عمليات السحب وتحويل العملات الأجنبية من المصارف، إضافة الى إقرار مشروع قانون موازنة العام 2022.

وسيتعين على البرلمان المقبل إقرار هذين المشروعين. كما سيتعين عليه إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل القانون المتعلّق بالسرية المصرفية.

ويقول الشامي “نأمل أن يقر البرلمان الجديد سريعا مشاريع القوانين الأربعة التي تعد إجراءات مسبقة لاتفاق نهائي مع صندوق النقد”.

ويوضح أن التخلف عن ذلك سيرتب “تداعيات سلبية على الاتفاق مع صندوق النقد وعلى الوضع الاقتصادي”.

وقدرت السلطات اللبنانية مطلع العام حجم الخسائر المالية بنحو 69 مليار دولار. وتمّ التفاوض مع صندوق النقد على هذا الأساس.

لا تغييرات كبيرة

لا يتوقع خبراء أن تحدث الانتخابات تغييراً في المشهد السياسي العام في البلاد الذي تتحكم به قوى سياسية تقليدية، رغم حظوظ مجموعات المعارضة والمستقلين بإحداث خرق وإن محدود في دوائر عدّة.

وهي الانتخابات الأولى بعد انتفاضة شعبية عارمة شهدها لبنان خريف 2019 طالبت بتنحي الطبقة السياسية وحمّلتها مسؤولية التدهور والفساد.

ويقول مدير معهد المشرق للشؤون الاستراتيجية سامي نادر لوكالة الأنباء الفرنسية “أتوقع برلمانا أكثر انقساما يمكن فيه للمعارضة أن تشكل قوة للتغيير والإصلاح”.

ويشدد الشامي على أنه يتعين على لبنان “قبل كل شيء أن يظهر التزاما ومصداقية في ما يتعلق بالإصلاحات قبل أن يلتزم المجتمع الدولي بأي دعم مالي”. 

استقطاب حاد

وركز المرشحون أصحاب الأفكار الإصلاحية على محاسبة المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية، التي صنفها البنك الدولي كواحدة من أكبر ثلاثة انهيارات منذ الثورة الصناعية، وكذلك عن انفجار مواد كيماوية في مرفأ بيروت عام 2020، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 215 شخصا وتدمير مساحات واسعة من المدينة.

 كما أنه من المقرر أن ينتخب البرلمان رئيسا جديدا خلفا لعون الذي تنتهي فترته في 31 تشرين الأول/أكتوبر، مما يزيد من المخاطر. وأيا كانت النتيجة، يقول محللون إن لبنان قد يواجه فترة من الشلل قد تؤدي إلى تأخير الإصلاحات اللازمة لمعالجة الأزمة، إذ تتفاوض الفصائل على تولي الحقائب الوزارية في حكومة جديدة لتقاسم السلطة، وهي عملية قد تستغرق شهورا.

وقال نبيل بو منصف، نائب رئيس تحرير جريدة النهار، إنه يتوقع شللا سياسيا بعد الانتخابات مضيفا أن مرشحي المعارضة فشلوا في تشكيل جبهة موحدة للتنافس ضد الأحزاب القائمة. وأضاف أن هذه الطبقة السياسية ككل انتعشت بقوة بسبب انهيار قوى المعارضة.

اترك تعليقا