المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

“علاقة حرجة” بين طالبان وشيعة أفغانستان

ترجمة خاصة لـ”المعهد العراقي للحوار” ـ أحمد الساعدي

وبعد وصول طالبان إلى السلطة في أغسطس 2021، فوجئ الكثيرون بعلاقاتهم الجيدة نسبيًا مع المجتمع الشيعي، وأقامت طالبان علاقات جيدة مع العديد من الشخصيات السياسية الشيعية، مثل محمد علي جاويد ومحمد أكبري، وعلى وجه الخصوص، حاول الشخص الثاني تقديم نفسه كحلقة وصل رئيسية بين المجتمع الشيعي والنظام الجديد، حتى أنه اقترح تشكيل قوة أمنية شيعية تعمل تحت خدمة طالبان، ومع ذلك، حتى في العامين الأولين من حكم طالبان، ظلت العديد من القضايا دون حل.

وكان أحد المطالب الرئيسية للطائفة الشيعية هو مساواة المذهب الجعفري مع المذهب الحنفي، كما كان في النظام السابق (عهد أشرف غني)، ولم تقبل طالبان هذا الطلب قط، على الرغم من أنه كان من الممكن أن تخفف بعض التوترات لو سُمح تطبيق المذهب الجعفري لمحاكم غير رسمية بتسوية النزاعات بين الشيعة.

وكان المطلب المهم الآخر للطائفة الشيعية هو التواجد في هيكل السلطة، وعينت حركة طالبان وزيراً شيعياً (الدكتور قلندار عباد، وزير الصحة العامة/الرعاية الصحية) وثلاثة نواب وزراء (الدكتور محمد حسن غياثي في ​​وزارة الصحة العامة، وعبد اللطيف نظري في وزارة الاقتصاد، والشيخ مدار علي كريمي في وزارة التنمية الحضرية)، ورغم أن هؤلاء هم أبرز المعينين في مجلس الوزراء من خارج حركة طالبان، إلا أن الطائفة الشيعية لا تشعر بأنهم موضع اهتمام كاف.

ويشعر الزعماء الشيعة في كابول، الذين يتفاعلون مع طالبان منذ عامين، بالإحباط بسبب عدم إحراز تقدم، ويشيرون إلى أن المسؤولين رفيعي المستوى في إمارة طالبان يتجنبون إجراء محادثات مباشرة معهم.

وتمكنت طالبان من التغلب على الأزمة الناجمة عن تمرد أحد قادة طالبان الشيعة القلائل ويدعى “مهدي مجاهد”، الذي حاول السيطرة على منطقة بلخاب في مقاطعة ساربول في الفترة من يونيو إلى يوليو 2022، وانتهى التوتر بهزيمة مهدي مجاهد ومقتله، لكن الجدير بالذكر أن طالبان اجتذبت رجل دين شيعي معروف يدعى حسيني مزاري، وله علاقات جيدة مع إيران وله مكاتب ومراكز تعليمية في مناطق مختلفة من البلاد.

وتحدث مزاري لصالح طالبان واتهم المتمردين بأنهم ليسوا من الهزارة (مجموعة عرقية أقلية تعيش وسط أفغانستان وتنتمي للطائفة الشيعية) وادعى أن جميع الهزارة يدعمون طالبان، بالإضافة إلى ذلك، دعمت طالبان أيضًا سيد هاشم جوادي بلخابي، وهو رجل دين مولود في المنطقة، وسافر إلى هناك وادعى لاحقًا أن التقارير عن سقوط ضحايا بين المدنيين كاذبة، مضيفًا أن مقاتلي مهدي مجاهد لم يكونوا من بلخاب، بل من ولاية باميان (وسط أفغانستان).

وبحلول صيف عام 2023، تغير كل شيء، وأصبح الوضع مأساوياً بعد أن منعت شرطة طالبان مسيرة عزاء في عاشوراء يومي 27 و28 يوليو/تموز. وبينما أقيم الحداد في عام 2022 بدعم من طالبان، تغير موقف طالبان في عام 2023. وحذر كبار مسؤولي طالبان من أنهم يريدون فرض قيود على التجمعات لحمايتهم من هجمات محتملة من قبل تنظيم داعش، لكن الطائفة الشيعية ككل تحدت ذلك، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة.

وكانت حركة طالبان تريد قصر مراسم عاشوراء على عدد قليل من المواقع المحددة سلفاً، ظاهريا من أجل تحسين الوضع الأمني، ولكن أهمية عاشوراء بالنسبة للمجتمع الشيعي تكمن في عدم امتثالهم للقواعد التي فرضتها طالبان. وقمعت شرطة طالبان هذه المسيرات بشدة، ووردت أنباء عن مقتل البعض منها، وتصرفت شرطة طالبان بوقاحة مع الشيعة المعزين في الشوارع وضايقت أصحاب المتاجر الذين قاموا بوضع السواد في متاجرهم بمناسبة عاشوراء.

وليس من الواضح ما إذا كان هذا السلوك محاولة متعمدة من قبل طالبان أو جزء منها لمعاقبة الطائفة الشيعية، أو ما إذا كان الوضع قد خرج عن السيطرة بعد تصاعد التوتر وانتشار التحيز ضد الشيعة بين عناصر طالبان. من ناحية أخرى، ربما تكون الصراعات التي وقعت في مايو 2023 على حدود إيران وعودة الصراع بين أفغانستان وإيران قد زادت من حدة موقف طالبان تجاه الطائفة الشيعية.

وتقول مصادر داخلية في الجهاز الأمني ​​لإمارة طالبان إن القلق ينصب على تأثير دعاية داعش التي تظهر طالبان على أنها “حماة” الشيعة، وهناك احتمال أن ينقلب بعض عناصر طالبان ضدهم، ونظراً لأن تنظيم داعش نادراً ما ينشط في الوقت الحاضر، فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه الادعاءات لها أي أساس في الواقع.

ويرى تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بالنسخة الفارسية “بي بي سي”، إن “هبة الله آخوند زاده وكبار القادة العسكريين في الجنوب الغربي جميعهم قريبون من إيران ولا ينبغي أن يكونوا مهتمين بتوتر العلاقات، وربما يدركون جيدًا أن هناك مشاعر معادية للشيعة في صفوف طالبان.

وفي المقابل، من بين الجهات الأكثر عداوة لإيران، سراج الدين حقاني، وزير الداخلية في حكومة طالبان، الذي ربما رأى في مراسم عاشوراء فرصة لمناورة أكبر بين إيران ومؤيدي إيران في إمارة طالبان.

جدير بالذكر أنه لم يصدر أي رد فعل رسمي من إيران في هذه القضية، وفي الماضي، انتقد الإيرانيون إمارة طالبان عدة مرات، لكن يبدو أنهم أدركوا أن انتقاد طالبان علناً لا يجدي نفعاً ويغذي الأزمات. ولعل الإيرانيين يعتبرون هذا الوضع بمثابة نوع من الاستفزاز من قبل إمارة طالبان الذين يريدون إلحاق المزيد من الضرر بالعلاقات مع إيران.

على أية حال، فإن هؤلاء القادة الشيعة الذين تفاعلوا مع طالبان وخاطروا بسمعتهم في مناقشة التعاون مع النظام الجديد، كانوا في موقف صعب للغاية بعد أحداث عاشوراء، وبدأ محمد أكبري، الذي استثمر أكثر من أي شخص آخر في التعاون مع طالبان، منزعجًا بشكل واضح وأظهر علنًا إحساسه بالإهانة والإحباط ولقد تضررت سمعته بشدة.

وآخر قرارات طالبان، التي أثارت غضب الطائفة الشيعية، هو قرار الأمير هبة الله آخوند باستبعاد الشيعة من مجلسي علماء ولايتي “دايكوندي وباميان”، اللذين عينهما مؤخراً.

وهاتان الولايتان تتمتعان بأغلبية شيعية عالية جداً، فخلافاً لأحداث عاشوراء التي فيها شك، فإن نية إبعاد الشيعة وهبوطهم في هذه الحالة، وهو أمر مقصود بوضوح، وتحدثت طالبان عن مجلس شيعي مخصص للعلماء، ولكن بصرف النظر عن حقيقة أنه لا يمكن رؤيته في أي مكان، فإنه على أية حال لن يتمتع الشيعة بسلطة تذكر مقارنة بنظرائهم السنة.

اترك تعليقا