المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

كيف تتخلص ألمانيا من النفط الروسي؟

ترجمة خاصة للمعهد العراقي للحوار ـ أحمد الساعدي

خط الأنابيب الذي ينقل النفط الروسي إلى ألمانيا يسمى بالروسية بـ”خط أنابيب الصداقة” كما يُعرف أيضاً بـ “دروزبا”، لكن هجوم فلاديمير بوتين على أوكرانيا دمر أي إحساس بالعاطفة.

وتم افتتاح خط الأنابيب في عام 1960، ويحمل النفط لمسافة تزيد عن 5000 كيلومتر (3100 ميل)، وينقل النفط إلى إلى بلدة “شفيدت ” في الدولة الشيوعية بألمانيا الشرقية سابقاً، وتقع هذه البلدة بولاية براندنبورغ الألمانية

ويعد خط أنابيب “الصداقة” الروسي من الأطول عالميا بإمتداده ووصوله إلى جمهورية التشيك، ألمانيا، المجر،بولندا، بيلاروسيا، وسلوفاكيا.

وتعد مصفاة شفيدت، هي المفتاح لخطة الاتحاد الأوروبي للتخلص التدريجي من واردات النفط الروسية بحلول نهاية عام 2022، وهو اقتراح تدعمه ألمانيا.

ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من فبراير/شباط الماضي، خفضت الحكومة الألمانية اعتمادها على النفط الروسي من 35 في المائة إلى 12 في المائة، وكلها مرتبطة بمصفاة تكريرها.

لكن سكان مدينة شفيدت قلقون بشأن ما ستعنيه العقوبات بالنسبة للمناطق الناطقة بالألمانية مثل هذه، حيث يعتمد الآلاف من الناس على الطاقة الروسية.

وقال أنكاترين هوب، رئيس البلدية الذي عمل ذات مرة في مصفاة المدينة: “نحن قلقون للغاية ومصابون بالصدمة للغاية”.

وتخشى السيدة هوب أن يؤدي إغلاق المصفاة إلى تدمير الاقتصاد المحلي، رغم أنها تعتقد أن المدينة تقف وراء أوكرانيا وتتفهم الحاجة إلى تقليل اعتمادها على الطاقة الروسية.

وبعد سقوط جدار برلين والانسحاب المفاجئ لحكومة ألمانيا الشرقية من دعم الصناعات المحلية، تراجعت المنطقة وعانت من البطالة وانخفاض عدد السكان في التسعينيات.

وبفضل مصفاة شفيدت، تمكنت المدينة من الوقوف على قدميها مرة أخرى، واليوم بها مبانٍ جديدة وشوارع فريدة من نوعها.

وكان النفط الروسي أكثر من مجرد رمز للصداقة، وأصبحت مصفاة النفط شيدات القلب الاقتصادي للمنطقة.

ويعمل أكثر من 1000 شخص في المصفاة و 2000 آخرين في الشركات التابعة.

وتقوم المصفاة بتدفئة معظم منازل شفيدت وتزود بالوقود أكثر من 90٪ من المركبات في شمال شرق ألمانيا، بما في ذلك برلين.

ويقول العمدة إن إغلاق المصفاة سيقطع إمدادات الوقود في المنطقة وأجزاء من بولندا، وسيؤثر على النقل وخدمات الطوارئ وحتى مطار برلين.

ولهذا السبب سافر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من النرويج إلى قطر خلال الأشهر القليلة الماضية لإيجاد بدائل للطاقة الروسية.

وبعد رحلة إلى بولندا الأسبوع الماضي، أوضح هابيك في مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي كيف تمكنت ألمانيا من تقليل اعتمادها على النفط الروسي بشكل أسرع مما كان متوقعًا ويمكنها الآن النجاة من حظر نفطي.

وأوضح هابيك “أن الأسعار سترتفع وأنه يجب تقديم التضحيات”، لكنه شدد أيضًا على “أن العقوبات لن تؤدي بعد الآن إلى الانهيار الاقتصادي للبلاد”.

وكان الفيديو بمثابة ضوء أخضر للعواصم الأوروبية الأخرى، لأنه يعني أن برلين تدعم الآن حظر النفط الروسي.

وتأمل الحكومة الألمانية في الحصول على النفط من مصفاة شفيدت من مصادر أخرى، لكن هناك مشكلة، حيث أن “معظم المصفاة مملوكة لشركة النفط الروسية روسنفت، مما يجعلها المكان الوحيد الذي لا يزال يعتمد على النفط الروسي.

ولدى الحكومة الألمانية حل لنقل النفط عبر الموانئ الألمانية والبولندية، لكنها تقول إن ذلك لن يكون ممكنًا طالما أن زمام الأمور بيد شركة روسنفت الروسية.

وتسعى برلين الآن إلى قانون جديد من شأنه أن يسمح للحكومة الألمانية بالوصول إلى منشآت الطاقة الحيوية للأمن القومي.

وقال إسماعيل ساكايري، صاحب مطعم في مدينة شفيدت، “أعرف ما تعنيه الحرب، الوضع هنا مثالي، لكن بالنسبة لبولندا على الجانب الآخر من نهر الأودر، تبدو الحرب في أوكرانيا وشيكة”.

ونشأ في يوغوسلافيا السابقة ولديه تجربة مؤلمة من الصراع والحرب، ويقول سكايري إنه “مثل العديد من الأشخاص في المدينة، يدعم أوكرانيا بشكل كامل ويساعد اللاجئين الأوكرانيين القادمين من الحدود”.

لكن في الوقت نفسه، يريد أن تبقى مدينته على قيد الحياة، ويعتقد أنه بدون المصفاة ستختفي الأنشطة التجارية مثل مطعمه.

ويصعب على بعض شركاء الاتحاد الأوروبي شرح نهج ألمانيا في التعامل مع الطاقة الروسية، وهذا لا يحظى بشعبية لدى بعض الناخبين الألمان الذين يريدون حظرًا بين عشية وضحاها على روسيا، لكن الحكومة لم تغير موقفها بأن الاقتصاد الألماني لن ينجو من الحظر الفوري.

وبدلاً من ذلك، تحاول برلين تنويع إمداداتها من الطاقة في أسرع وقت ممكن ووقف الواردات من روسيا بمجرد أن تتم السيطرة على الصدمة الاقتصادية.

ويتمثل التحدي التالي لألمانيا هو كيفية تحرير نفسها من الاعتماد على الغاز الروسي.

منقول عن “بي بي سي” الفارسية بقلم الصحفي “دامين ماكجينيس” الذي يعمل لصالح هيئة الإذاعة البريطانية.

وُلِد في زامبيا لعائلة من أصول إيرلندية، ونشأ في إنجلترا، وأجرى جزءًا من دراسته في ألمانيا، وعمل في فرنسا وبولندا، قبل أن يجد موطنه في برلين في عام 2000 – يتحدث دامين الألمانية والفرنسية والروسية والإنجليزية.

وقد عمل مراسلة من معظم دول الاتحاد الأوروبي والاتحاد السوفيتي السابق، وعمل سابقاً مراسلاً لبي بي سي لتغطية شؤون لاتفيا وإستونيا وليتوانيا، قبل أن ينتقل إلى تبليسي لتغطية جورجيا وأرمينيا وأذربيجان.

اترك تعليقا