المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل تقسم روسيا أوكرانيا إلى دويلات

أدت سلسلةٌ من الانفجارات الغامضة مؤخراً في مولدوفا إلى زيادة خطر توغُّل الهجوم الروسي على أوكرانيا إلى مناطق جديدة، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها. حيث دمَّرَت الانفجارات هوائيات لا سلكية في جزءٍ من شرق مولدوفا، تسيطر عليه حامية روسية على طول الحدود الأوكرانية، وهذا الجزء هو منطقة ترانسنيستريا الانفصالية، التي كانت سلمية منذ صراعٍ في عام 1992 شنَّه الانفصاليون المدعومون من الكرملين ضد الجيش المولدوفي.

تحركات روسية في مناطق جديدة

ألقى الانفصاليون باللوم في الحوادث على المتسللين الأوكرانيين، بينما زعمت حكومة كييف أنها كانت هجماتٍ زائفة تهدف إلى تقديم ذريعة لتدفق القوات الروسية، لإضافة المزيد من القوات إلى الـ1500 جندي المتمركزين بالفعل هناك، تماماً كما سبقت انفجاراتٌ مماثلة في دونباس الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط.

كانت لهذه المزاعم أهميةٌ أكبر عندما تلقى سكان ترانسنيستريا رسائل نصية قصيرة مزيفة يوم الثلاثاء، 26 أبريل/نيسان، تحذِّر من هجومٍ أوكراني وشيك. عقدت رئيسة مولدوفا، مايا ساندو، اجتماعاً طارئاً لمجلس الأمن التابع لها، وأعلنت أن القوات التي تلعب دوراً في ترانسنيستريا “مهتمةٌ بزعزعة استقرار المنطقة”.

قطع أوصال أوكرانيا وتقسيمها إلى دويلات

تقول صحيفة The Guardian البريطانية، إن من شأن التحرُّك الروسي إلى مناطق جديدة مثل ترانسنيستريا أن يشكِّل تهديداً وشيكاً لسيادة مولدوفا، الدولة التي يبلغ عدد سكانها 2.6 مليون نسمة، والتي أبدت، مثل أوكرانيا، اهتماماً متزايداً بالانضمام إلى الناتو. وسوف يهدِّد أيضاً أوديسا، المدينة الساحلية الأوكرانية التي تقع على ساحل البحر الأسود بين مولدوفا وخيرسون التي تحتلها روسيا.

وقال قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا، رستم مينكاييف، إن أهداف موسكو تشمل الاستيلاء على جنوب أوكرانيا، وذلك لمنح روسيا السيطرة على ساحل البحر الأسود والوصول إلى ترانسنيستريا.

فيما أثار نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، وأحد أقرب مستشاري فلاديمير بوتين، شبحاً آخر، معلناً أن أوكرانيا يمكن أن تنقسم إلى “عدة دول”، وألقى باللوم في مثل هذه النتيجة على التدخُّل الغربي.

جاء التهديد بقطع أوصال أوكرانيا في أعقاب فشل هدف بوتين الأساسي في الحرب، وهو إخضاع أوكرانيا بأكملها، وتنصيب حكومة صديقة في كييف. لم يتمكَّن الهجوم الشامل الذي بدأ في 24 فبراير/شباط من كسر المقاومة الأوكرانية، بينما كانت موسكو غير قادرةٍ على ردع دعم الناتو.

“خطر الصراع النووي لا ينبغي التقليل من شأنه”

تقول الغارديان، إنه كان للتحذيرات الروسية المتكرِّرة، التي تلوِّح صراحةً بأكبر ترسانةٍ نووية في العالم، تأثيرٌ متضائل. تتطلع فنلندا والسويد إلى إعلان استعدادهما للانضمام إلى الناتو الشهر المقبل، في الوقت المناسب لقمة الحلف في نهاية يونيو/حزيران، متجاهلتين اقتراحات موسكو بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى نشر القوات الروسية غرباً، بما في ذلك الصواريخ النووية.

وفي يوم الإثنين الماضي، حاول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، تضخيم التهديد، متهماً الناتو بخوض حرب بالوكالة في أوكرانيا، وحذَّر من أن “خطر الصراع النووي لا ينبغي التقليل من شأنه”، ولكن بعد 12 ساعة فقط تخلَّت ألمانيا عن تحفظاتها التصعيدية السابقة، بشأن إمداد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة، وأعلنت أنها سترسل 50 مدفعاً ذاتياً مضاداً للطائرات من طراز جيبارد.

وأُطلِقَ هذا الإعلان من قِبَلِ وزيرة الدفاع، كريستين لامبرخت، في اجتماع يوم الثلاثاء، لما يقرب من 40 دولة في قاعدة رامشتاين الجوية، لتنسيق وتعزيز الدعم العسكري الغربي لكييف، الذي يمثِّل زيادةً في المخاطر من قِبَلِ داعمي أوكرانيا. وأعلن وزير الدفاع البريطاني جيمس هيبي عن مساهمة المملكة المتحدة في الأنظمة المضادة للطائرات، وذهب إلى أبعد من ذلك، قائلاً إنه سيكون “مشروعاً تماماً” استخدام الأسلحة ضد خطوط الإمداد داخل روسيا.

ورداً على ذلك، بدأت روسيا في قصف خطوط الإمداد بالأسلحة الغربية، واستهداف السكك الحديدية والجسور والتهديد بضرب كييف.

“نريد إضعاف روسيا وتعزيز الناتو”

مع تطور حرب أوكرانيا، يعيد أطراف النزاع تحديد أهدافهم. لقد تخلت روسيا عن الغزو الصريح في الوقت الحالي، وتسعى إلى إنشاء منطقة احتلال متجاورة تصل من خاركيف حتى ترانسنيستريا، والتي يمكن لبوتين من خلالها إحياء مشروع “نوفوروسيا” أو “روسيا الجديدة”، حيث كانت هذه المناطق تابعة للإمبراطورية الروسية منذ عهد “كاترين العظيمة” في القرن الثامن عشر.

في غضون ذلك، أكدت إدارة بايدن بشكل قاطع، أن “أهدافها تتجاوز الدفاع عن أوكرانيا إلى إعاقة قدرة روسيا على تنفيذ المزيد من أعمال العدوان”.

وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلي لشبكة CNN الأمريكية: “ما نريد أن نراه هو أوكرانيا حرة ومستقلة، وفي نهاية المطاف سيشمل ذلك إضعاف روسيا وتعزيز الناتو”، مردِّداً تصريحات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مؤخراً.

وأضاف ميلي: “ما هو على المحك هنا أكبر بكثير من أوكرانيا. إذا أفلتت روسيا من هذا الوضع بدون تكلفة، فسيذهب كذلك ما يسمى بالنظام العالمي الدولي وندخل منطقةً خطيرةً من عدم الاستقرار”.

روسيا تكثف ضغطها على شرق وجنوب أوكرانيا

وتُواصل القوات الروسية، حتى يوم السبت 30 أبريل/نيسان 2022، ضغطها الشديد على المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، خصوصاً حول خاركيف (شمال شرق البلاد)، حيث تحاول تعزيز سيطرتها بأي ثمن، رغم انتكاسات ميدانية تحدثت عنها كييف.

وسُمع في خاركيف دويّ انفجارات عنيفة، ليلة السبت، وهي ثاني أكبر مدينة في البلاد تقصفها المدفعية الروسية منذ أسابيع، وأدت عمليات القصف هذه، يوم الجمعة 29 أبريل/نيسان 2022، إلى مقتل شخص واحد على الأقل وجرح آخرين، بحسب الإدارة العسكرية لمنطقة خاركيف.

بدوره، اعترف الرئيس الأوكراني زيلينسكي بأن الوضع في هذه المنطقة الشمالية الشرقية “صعب”، وذلك بعدما أعادت القوات الروسية تركيز هجومها، لكنه أضاف أن “جيشنا يحقق نجاحات تكتيكية”، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.

في الوقت نفسه، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مقابلة مع وكالة أنباء الصين الجديدة، نُشرت السبت 30 أبريل/نيسان، أن “العملية العسكرية الخاصة التي بدأت في 24 فبراير/شباط، تسير وفق الخطة بدقة”.

أضاف الوزير الروسي: “ستتحقق كل أهداف العملية العسكرية الخاصة رغم العرقلة من جانب خصومنا”، داعياً حلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة إلى الكفّ عن مد كييف بالأسلحة إذا كانا “مهتمين فعلاً بحل الأزمة الأوكرانية”.

الدعم الغربي العسكري لكييف متواصل

كانت المساعدات العسكرية قد تدفقت على الحكومة الأوكرانية بشكل واضح منذ بداية النزاع، وطلب الرئيس الأمريكي من الكونغرس هذا الأسبوع زيادة الميزانية 33 مليار دولار لزيادة شحنات هذه الأسلحة.

بدأت آثار ذلك تظهر على الأرض، حيث تواجه القوات الروسية صعوبات في بعض الأحيان، وهذا ما ينطبق على روسكا لوزوفا، وهي قرية تقع شمال خاركيف، سيطر عليها الأوكرانيون بعدما كان الروس يقصفون المدينة انطلاقاً منها.

في الموازاة مع ذلك يشهد الجنوب والشرق في منطقة دونباس، التي يريد الكرملين السيطرة عليها بالكامل، تصعيداً أيضاً، إذ أكد زيلينسكي أن “القصف المستمر على البنية التحتية والمناطق المأهولة يُظهر أن روسيا تريد جعل هذه المنطقة غير مأهولة بالسكان”.

من جانبها، قالت هيئة الأركان العامة للقوات الأوكرانية، السبت 30 أبريل/نيسان 2022، إنه تم صد 14 هجوماً شنتها القوات الروسية في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، خلال الساعات الـ24 الماضية.

لكن واشنطن ترى أن الهجوم الروسي متأخر، وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، لرويترز إن القوات الروسية “بعيدة كل البعد عن تحقيق الارتباط” بين القوات التي تدخل منطقة خاركيف في شمال دونباس بتلك القادمة من جنوب البلاد.

اترك تعليقا