المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

إمكانية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.. ما الذي يبحث عنه أردوغان؟

ترجمة خاصة لـ”المعهد العراقي للحوار” ـ أحمد الساعدي

تشير الأدلة والمعطيات إلى أن تركيا اتخذت خطوات للاقتراب من سوريا ومحاولة تطبيع العلاقات بين البلدين، بعدما اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لسنوات طويلة نظام الرئيس السوري بشار الأسد عدواً، فيما بدأ اردوغان في الفترة الأخيرة يتبنى نبرة مختلفة تجاه دمشق.

وقال المتحدث باسم مؤسسة الرئاسة التركية، إبراهيم كالين في أكتوبر الماضي، إن روسيا اقترحت وساطة بين رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، وبعد ذلك أعلن أردوغان منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أنه “بإمكانه مراجعة وتقييم هذا الاقتراح في الوقت المناسب”.

وفي وقت لاحق، كشف عبد القادر سالفي، كاتب عمود في صحيفة حريت التركية المقرب من الحكومة التركية، عن احتمال عقد لقاء بين أردوغان والأسد في روسيا بوساطة فلاديمير بوتين.

وازدادت احتمالية تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق عندما عقد الرئيس التركي لقاء قصيرًا مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي في 20 نوفمبر / تشرين الثاني في حفل افتتاح مونديال قطر 2022، برعاية ووساطة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.

وعمل أردوغان سابقًا كمدافع عن جماعة الإخوان المسلمين وزعيمهم الراحل محمد مرسي فيما يتعلق بمصر، واعتبر تنصيب الجنرال السيسي في القاهرة عام 2013 مجرد “انقلاب عسكري” ووصف الرئيس المصري الجديد بـ “الطاغية”.

وبعد هذا الاجتماع، كتبت الحكومة المصرية في بيان رسمي: “مصافحة أردوغان والسيسي ستكون بداية لتحسين العلاقات الثنائية”.

وفي السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية التركي، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركماني رشيد مردوف، عن اختيار سفير جديد في القاهرة وقبول السفير المصري الجديد في أنقرة خلال الأشهر المقبلة.

وبحسب وكالة أنباء الأناضول، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أيضًا في هذا المؤتمر حول العلاقات مع سوريا: “هدفنا إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، ونواصل هذه العملية مع المعارضة وهم يشاركون في مفاوضات أستانة مع نظام الأسد، وهدفنا هو احياء العملية السياسية بما في ذلك المفاوضات حول الدستور”.

كما قال أردوغان في برنامج خاص لحزب العدالة والتنمية للشباب في قونية، إنه “لا حقد وضغائن” في السياسة، وفي الفترة المقبلة كما دخلنا هذا المسار مع مصر، يمكننا أيضًا دخول هذا الطريق مع سوريا “.

وقد يحتوي خطاب أردوغان هذا على رسالة رغبته في لقاء بشار الأسد.

وبعد تصريحات أردوغان، كتبت صحيفة الأخبار اللبنانية أن بشار الأسد أشار في لقاء مع طلاب وصحفيين سوريين إلى بوادر استعداد أنقرة للاستجابة لمطالب دمشق، وقال: “نتوقع تحركاً من تركيا وليس أقوالاً”.

انتخابات 2023 هي أهم سبب لقرب أردوغان من الأسد

ومن الضروري أن يقترب أردوغان من دمشق قبل الانتخابات الرئاسية، لأن عام 2023 سيكون عاماً مميزاً بالنسبة لتركيا وحزب العدالة والتنمية.

ومن الأسباب التي تضاعف أهمية هذه الانتخابات الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والعام العشرين لتولي أردوغان السلطة والذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

وسيكون السباق الانتخابي القادم في تركيا مشكلة كبيرة للحزب الحاكم، لذلك يحتاج أردوغان إلى إنجازات كبيرة في مجال السياسة الخارجية، وإنه يريد أن يُظهر للشعب التركي أنه قادر على مد يد الصداقة لأولئك الذين كانوا يعتبرون في يوم من الأيام “أعداء” للمصالح الوطنية لبلاده.

ويسعى أردوغان أيضًا إلى إخبار شعبه أنه يستطيع حل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا من خلال إعادة العلاقات مع دمشق.

ويوجد حاليًا ما يقرب من أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، والتي إلى جانب المشاكل الاقتصادية الواسعة، كان لها تأثير سلبي على حكومة أردوغان وحزبه.

وفي هذا السياق، تنتقد المعارضة بشدة أردوغان وسياسته تجاه الهجرة، ويحاول “حزب ظفر” صاحب الآراء القومية القوية، كسب نصيب في الانتخابات المقبلة بتصريحاته المناهضة للمهاجرين واللاجئين السوريين.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها أردوغان الأزمة السورية للحصول على أصوات الناس في الانتخابات التركية، وفي آذار/مارس 2011، عندما اندلع الصراع في سوريا، دعم أردوغان الذي كان رئيس وزراء تركيا في ذلك الوقت، أعمال المعارضة السورية علناً.

وعزز سلوك أردوغان هذا من شعبيته في انتخابات يونيو من العام نفسه، وفي ذلك العام فاز حزب العدالة والتنمية بأكبر عدد من الأصوات بنسبة 49.9 في المائة.

وقبل اندلاع الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا، كانت لدمشق وأنقرة علاقات وثيقة، وفي عام 2010 تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.8 مليار دولار، وكانت تركيا أكبر شريك تجاري لسوريا، ووصلت هذه العلاقة إلى أدنى مستوياتها عام 2012 وانخفضت الصادرات التركية إلى سوريا إلى 501 مليون دولار.

أنقرة تستفيد من اتفاق محتمل مع دمشق

وأمر الرئيس التركي في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ببدء العملية العسكرية “مخلب- السيف” ضد حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة منظمة إرهابية في شمال سوريا والعراق.

وتلقي أنقرة باللوم على حزب العمال الكردستاني في الهجوم الإرهابي في وسط اسطنبول، والذي انفجرت خلاله قنبلة في شارع الاستقلال في 13 نوفمبر الماضي، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل 6 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 81 شخصًا.

وفي حالة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، قد تكون العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا مصحوبة بموافقة دمشق هذه المرة. وتعرف أنقرة أن دمشق ستدعم أيضًا هذا الإجراء التركي، لأن بشار الأسد أيضًا غير راضٍ عن نهج الولايات المتحدة تجاه الأكراد.

وبالطبع، لقرب أنقرة من دمشق سبب آخر، حيث تريد أنقرة إرسال رسالة إلى الأكراد مفادها أن الولايات المتحدة ليست دولة موثوقة وأن الوضع الراهن سيتغير إذا أصبح الوضع أكثر خطورة.

وويسعى أردوغان أيضًا إلى إنهاء اعتماد بلاده على إيران بعد استعادة العلاقات مع سوريا، وإذا نجح هذا الإجراء، فسيكون خطوة كبيرة نحو زيادة نفوذ تركيا في المنطقة.

اترك تعليقا