المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الإسلام الديمقراطي المدني، الشركاء ، المصادر ،الاستراتيجيات

كانت فكرة ان يشجع العالم الخارجي نشر اسلام معتدل ديمقراطي فكرة متداولة لعدة عقود لكنها اصبحت ضرورة ماسة بعد الحادي عشر من ايلول عام 2001.

وهناك اتفاق كبير على انها منهج بناء. ان الإسلام دين مهم وله تأثير سياسي ومجتمعي حيث ان له فعاليات سياسية وايديولوجيات متنوعة من شأنها ان تزعزع الاستقرار العالمي ولذا يبدو انه من الحكمة تغذية الاتجاهات الموجودة فيه التي تدعو إلى نظام اجتماعي سلمي ديمقراطي معتدل، والسؤال هو كيف يمكن القيام بذلك، وهذا التقرير يحدد احد الاتجاهات وسنبدأ هذا التقرير بتقديم الاتجاهات الايديولوجية الأساسية في النقاش حول الإسلام والمجتمع.

اما الفصل الثاني فسوف يتناول فوائد ومضار دعم عناصر مختلفة في الإسلام اما الفصل الثالث فإنه يقترح استراتيجية.

بعد 11 ايلول عام 2001 مباشرة بدأ القادة السياسيون وصناع القرار في الغرب باصدار بيانات يؤكدون فيها على ان الإسلام لم يكن مذنباً فيما حدث حيث ان الإسلام كان قوة ايجابية في العالم وهو دين سلام وتسامح، حيث انهم بدأوا يتكلمون في الجوامع وقاموا بعدة لقاءات علنية مع علماء الدين المسلمين وادخلوا سوراً قرآنية في خطاباتهم.

وفي احد التصريحات على سبيل المثال اكد جورج بوش [ان الإسلام هو دين جلب الراحة إلى مليار شخص يعيشون في مختلف انحاء العالم] وانه [دعا للاخوة بين مختلف اجناس البشر وهو دين مبني على الحب وليس الكراهية]. ولم يكن هذا المنهج منحصراً بالولايات المتحدة فقط بل حتى في اوربا حيث علق البعض بصورة ساخرة على ان القيادة السياسية بدأت تحصل على شهادات عليا في الدراسات الإسلامية لكي تمكنهم من القاء المحاضرات على الجماهير فيما يخص طبيعة الإسلام الحقيقية.

لقد كان للتقبل الواضح للاسلام من قبل اصحاب الراي والسياسيين اثر داخلي حيث حاول القادة الغربيون منع حالة اللاإستقرار التي تؤدي إلى افعال العنف والعداء التي تستهدف الاقليات المسلمة في تلك البلدان، لقد كان هناك اتجاهان في السياسة الخارجية احدهما على المدى القصير والاخر على المدى الطويل، اما على المدى القصير فكان الهدف هو تمكين الحكومات المسلمة سياسياً لدعم الجهود ضد الإرهاب من خلال فصل قضية الإرهاب عن الإسلام، اما على المدى البعيد فقد كان القادة الغربيون يحاولون خلق صورة أو نظرة من شأنها ان تسهل اندماج السياسيين الإسلاميين والدول الإسلامية في النظام الدولي الحديث، حيث التحق المجتمع الاكاديمي بسرعة محاولاً القول بان الإسلام كان منسجماً على اقل المستويات مع الاعتدال والتسامح والتعدد والديمقراطية، وفي مقدمة كتاب عبد العزيز [الجذور الإسلامية للتعددية الديمقراطية] يقول [جوزيف مونت فل] ان الغرض من مثل هذه الدراسة والحافز الذي دفع مركز الدراسات الاستراتيجية إلى تمويلها هو اننا نعلم ان الإسلام كأي دين عالمي عظيم تقبل الكثير من القيم الإنسانية التي يمكن الاعتراف بها وقبولها كقاعدة للمجتمع غير المسلم.. بروفسور “ساكدينا” .. يعلم انه يستطيع ان يشير إلى تلك الاجزاء في القرآن الكريم أي الاجزاء التي تؤكد على كرامة الإنسان وحرية الفكر وحب الله لكل الخلق الذي يشمل اهل الكتاب وغير اهل الكتاب.

ويقول صاحب الكتاب ان هذا العمل مخصص للاشارة إلى اهم المفاهيم السياسية في الإسلام التي تهدف إلى تطوير العلاقات الإنسانية بين الشعوب، ويهدف أيضا إلى كشف مفاهيم الدين الإسلامي وإلى تحديد تطبيقها في ثقافات مختلفة لبيان اهميتها للنظام العالمي المتعدد للقرن الحادي والعشرين ان الهدف هنا هو ليس تعظيم الماضي الإسلامي بل لتذكره، ولتتبع طريقه ولتفسيره واعادة بنائه وجعله مهماً بالنسبة للوقت الحاضر.

حتى لو كانت هناك مجموعة من المؤلفين يسعون إلى تحديد مجموعة معينة من القيم في القرآن والسنة فإن مجاميع اخرى نجحت في ايجاد ونشر قيم مختلفة تماماً.

وعلى الرغم من ان علماء الدين الليبراليين كانوا يجمعون اراء المفكرين الذين يدعمون الإسلام الليبرالي التسامحي فإن الإرهابيين كان لديهم اشارة مقاربة مؤكدين على ان رسالتهم وطرقهم كانت ضمن الاحكام الشرعية لدينهم، ان نغمة الاحتفال في بعض المجتمعات الإسلامية بعد وقوع الهجمات تظهر بوضوح ان هذه النظرة كانت شيئاً مشتركاً عند مجموعة من المسلمين ليست بالقليلة، وحتى بعد سنة من وقوع الحادث فإن علماء الدين المتطرفين التقوا في لندن للاحتفال بهجمات الحادي عشر من ايلول واكدوا في لقاء صحفي بان تلك الهجمات كانت ممارسة للعقاب العادل ولذا فانها تعتبر عملاً اسلامياً مناسباً.

لقد سعى القادة الغربيون والحكومات المساندة في العالم الإسلامي لفصل أهداف الإرهابيين عن الإسلام بينما يصر المتطرفون على ابقائها مشتركة ومترابطة، ويرى الكثير من اصحاب الرأي الغربيين ان هدف معارضة الإرهابيين ومنع الصراع من ان يتحول إلى صراع اديان وهدف نزع الثقة عن تفسير المتطرفين للاسلام جعل من المستحسن دعم الاتجاهات المعتدلة في الإسلام لكن أي منها بالضبط وباي هدف؟ فمن الصعب تحديد العناصر التي يجب تأييدها واختيار الطرق المناسبة وتحديد الأهداف التي تكمن من وراء هذا التأييد.

فليس من السهل تغيير دين عالمي رئيس فاذا كان بناء امة مهمة محبطة للهمة فإن بناء دين هو مهمة بالغة التعقيد، ان الإسلام ليس كياناً متجانساً ولا نظاماً بسيطاً حيث ان الكثير من القضايا المتفرقة والمشاكل اصبحت متشابكة مع الدين ويسعى الكثير من السياسيين في المنطقة إلى اضفاء الصيغة الإسلامية على الجدل الدائر بطريقة يعتقدون بانها تعزز أهدافهم.

مشاكل مشتركة وأجوبة مختلفة:

ان لمشكلة الإسلام الحالية مكونين اساسيين: لقد كان العالم الإسلامي في فترة طويلة من التخلف والضعف النسبي وتمت تجربة الكثير من الحلول مثل القومية والاشتراكية العربية والثورة الإسلامية لكن بدون نجاح وهذا ادى إلى الاحباط والغضب، وفي الوقت نفسه تراجع العالم الإسلامي عن الحضارة العالمية المعاصرة وهو يتحرك بصورة مستمرة مبتعداً عن الاقتصاد الدولي.

ولا يتفق المسلمون على ما يجب اجراؤه حيال ذلك ولا عن اسبابه كما لا يتفقون على ما ينبغي ان يكون عليه المجتمع ويمكننا ان نميز اربعة مواقف مهمة كما يلي:

لقد وضع الاصوليون صورة عدائية توسعية للاسلام لا تبتعد كثيراً عن العنف، حيث انهم يريدون ان يحصلوا على قوة سياسية ومن ثم فرض مراقبة صارمة على الإسلام كما يعرفونها هم انفسهم.

ان نقطة انطلاقهم هي ليست الحكومة أو الجماعة العرقية بل المجتمع الإسلامي “الامة” حيث ان السيطرة على اقطار اسلامية معينة يمكن ان تكون خطوة في هذا الطريق لكنها ليست الهدف الأساس، ويمكننا ان نميز اتجاهين عند الاصوليين: احدهما معتمد على الدين ويميل إلى ان تكون له جذور في مؤسسة دينية معينة وسوف نشير اليهم على انهم اصوليون متعلقون بالكتاب. ففي الجانب الشيعي يتضمن هذا الاتجاه اغلب الايرانيين الثوريين وفي الجانب السني يتضمن الوهابيين المتمركزين في السعودية والاتجاه الثاني هو الاصوليون المتطرفون وهم ليسوا مهتمين بجوهر الإسلام حيث انهم يتمتعون بحريات كبيرة اما بصورة متعمدة أو بسبب جهلهم بالدين الإسلامي حيث انهم لا يظهرون الولاء لمؤسسة دينية معينة بل يميلون إلى ان يكونوا انتقائيين بخصوص معرفتهم الإسلامية.

وتنتمي الكثير من الاحزاب والحركات مثل القاعدة وطالبان وحزب التحرير وعدد كبير من الحركات الإسلامية المتطرفة والجماعات المنتشرة في العالم إلى هذا الاتجاه، ولا يؤيد الاصوليون الممارسات الإسلامية السابقة فقط بل يتوسعون عليها ويطبقون قوانين اكثر تشدداً من تلك الموجودة في المجتمع الإسلامي الاصلي ممارسين انتخاباً عشوائياً يمكنهم من تجاهل أو ترك مفاهيم القرآن والسنة الاكثر نمواً ومساواة وتسامحاً ويمكنهم كذلك من خلق قوانينهم وينطبق هذا بصورة خاصة على الاصوليين المتطرفين.

لا يمكن القول بان كل الاصوليين يحتضنون أو يصادقون على الإرهاب على الاقل الإرهاب الذي لا يميز والذي يستهدف المدنيين وغالباً ما يقتل فيه المسلمون اضافة إلى العدو لكن الاصولية بصورة عامة لا تنسجم مع قيم المجتمع المدني والنظرة الغربية للحضارة والنظام السياسي والمجتمع.

اما التقليديون فهم أيضا ينقسمون إلى مجموعتين منفصلتين: تقليديين محافظين وتقليديين مصلحين، ان الفارق بين هاتين المجموعتين مهم جداً، ويعتقد التقليديون المحافظون بوجوب اتباع القانون الإسلامي والسنة بصورة حرفية كما انهم يرون ان للدولة والسلطات السياسية دوراً كبيراً في تشجيع أو على الاقل تسهيل هذا التطبيق، وبغض النظر فانهم بصورة عامة لا يفضلون العنف والإرهاب، كما انهم اعتادوا تاريخياً على النمو في ظل ظروف سياسية متغيرة وهذا ادى بهم إلى تركز جهودهم على حياة المجتمع اليومية حيث انهم يحاولون ان يكون لهم اثر وسيطرة بقدر ما يستطيعون حتى اذا لم تكن الحكومة اسلامية.

اما في المملكة الاجتماعية فإن هدفهم هو الحفاظ على الاعراف الاصيلة وقيم السلوك المحافظ إلى ابعد حد ممكن ان اغراءات الحياة الحديثة تشكل تهديداً خطيراً لذا فإن مبدأهم هو مقاومة التغير.

اضافة إلى ذلك هناك اختلافات مهمة بين التقليديين المحافظين الذين يعيشون في العالم الإسلامي أو في العالم الثالث بصورة عامة وبين اولئك الذين يعيشون في الغرب، التقليدية كونها اتجاهاً معتدلاً بصورة جوهرية تميل إلى ان تتكيف مع بيئتها.

لذا فإن التقليديين المحافظين الذين يعيشون في مجتمعات تقليدية يحتمل ان يقبلوا الممارسات السائدة في مثل تلك المجمعات مثل زواج الاطفال وقلة التعليم وعدم القدرة على تمييز العادات والتقاليد المحلية عن المنهج الإسلامي الحقيقي. اما اولئك الذين يعيشون في الغرب فقد تبنوا اراءً حديثة اكثر في تلك القضايا ويميلون إلى ان يكونوا اكثر تعلماً واكثر اهتماماً بالحوار الحضاري حول قضايا المعتقدات.

ويعتقد التقليديون الإصلاحيون ان الإسلام لكي يبقى جذاباً اكثر في مختلف العصور فلابد له من التهيؤ للقيام ببعض التنازلات في تطبيق المعتقدات حيث انهم متهيئون لمناقشة الإصلاحات والتفسيرات وموقفهم هو التكيف الحذر مع التغير ذلك لانهم يتصفون بالمرونة فيما يتعلق برسالة القانون لكي يحافظوا عليه.

ويسعى المحدثون إلى احداث تغييرات كبيرة في فهم وممارسة المعتقدات الإسلامية الحالية وكذلك يسعون إلى حذف الموازنة الضارة بين التقاليد المحلية والاقليمية التي جدلت نفسها مع الإسلام ولعدة قرون، وكذلك يؤمنون بتاريخية الإسلام أي ان الإسلام كما كان يمارس في ايام الرسول عكس حقائق ابدية اضافة إلى ظروف تاريخية كانت مناسبة في ذلك الوقت لكنها غير صالحة وغير مناسبة في الوقت الحاضر، ويعتقدون ان بالامكان تحديد اهمية اساسية للدين الإسلامي كما انهم يرون ان هذه الاهمية لن تتحطم بل بالحقيقة سوف تكون اقوى بواسطة التغييرات التي تعكس العصور والتقاليد الاجتماعية والظروف التاريخية المتغيرة ان الاشياء التي يثمنها المحدثون حول الإسلام تميل إلى ان تكون مختلفة تماماً عن تلك التي يثمنها الاصوليون والتقليديون حيث ان قيمهم الأساسية وهي سمو الضمير ومجتمع مبني على المسؤولية الاجتماعية والمساواة والحرية كلها يمكن ان تنسجم مع الاعراف الديمقراطية الحديثة.

العلمانيون:

يعتقد العلمانيون ان الدين يجب ان يكون قضية خاصة منفصلة عن السياسة والدولة وان التحديات الأساسية تتمثل في منع الانتهاكات التي ربما تحصل في الدين أو الدولة، حيث ينبغي على الدولة ان لا تتدخل في الممارسات الدينية لكن وبنفس الدرجة ينبغي ان تكون التقاليد الدينية على توافق مع قانون البلاد وحقوق الإنسان، ان الاتراك الذين وضعوا الدين تحت سيطرة الدولة يمثلون النموذج العلماني في الإسلام.

ان هذه المواقف يجب ان ينظر إليها على انها تمثل اجزاءً في سلسلة متصلة حيث لا توجد بينها حدود واضحة لذا فإن بعض التقليديين يتوافقون مع الاصوليين وان التقليديين الاكثر حداثة هم اقرب ما يكونون محدثين والمحدثين الاكثر تطرفاً يشبهون العلمانيين، ان لكل تنظيم من هذه التنظيمات موقفاً خاصاً تجاه القضايا الجدلية في النقاش الإسلامي المعاصر.

وكذلك تختلف ادلتهم للدفاع عن مواقفهم.

وفي الصراع الإسلامي المعاصر فإن قضايا اساليب العيش هي الحقل الذي تتمركز فيه المواقف المتنافسة محاولة ان تثبت ادعاءاتها ولتظهر سيطرتها، ان الدين هو بمثابة حدود يجرى القتال من اجلها وهذا يفسر سمو مثل هذه القضايا في النطاق السياسي والايديولوجي ان الفائدة من رسم وجهات نظر التنظيمات الإسلامية المتنوعة بخصوص المذهب واسلوب العيش هو انها تناصر برامج منفصلة يمكن اعتمادها، لذا فاذا تمكنت المجموعات من اخفاء مواقفها تجاه العنف من اجل تجنب المقاضاة والعقوبات فإنه من غير الممكن لها ان تنكر وجهات نظرها بخصوص قضايا اساليب العيش وقضايا اخرى بالغة الاهمية، ذلك لأن هذه القضايا تعطي صفة محددة لتلك المجاميع كما تجذب اعضاءً جدداً للانتماء اليها.

ويقبل التقليديون المحافظون بصحة ممارسات الماضي حتى اذا تناقضت مع قيم واعراف يومنا هذا على اساس ان المجتمع الإسلامي الاصلي يمثل نموذجاً متكاملاً وخالداً لكنهم لا يحاولون ان يعيدوا كل تلك الممارسات وغالباً ما يكون السبب هو ليس عدم رغبتهم في القيام بذلك بل لانهم يعتقدون انه من غير الواقعي تطبيق كل تلك الممارسات ويقوم التقيلديون الإصلاحيون باعادة التفسير والرد على الممارسات التي تبدو محل اشكال في العالم اليوم.

بينما يرى المحدثون الممارسات نفسها على انها جزء من التغيير والنطاق التاريخي القابل للتغير حيث انهم لا ينظرون إلى المجتمع الإسلامي الاصلي أو إلى سنوات الإسلام الاولى على انها شيء يؤمل ان يولد من جديد، بينما يحرم العلمانيون الممارسات التي تتناقض مع الاعراف والقوانين الحديثة ويتجاهلون الاخرين لكونهم ينتمون إلى منـزلة اجتماعية خاصة، ولا يأبه العلمانيون بما يريد أو لا يريد الإسلام، ويريد العلمانيون المعتدلون ان تضمن الدولة حق المواطنين بممارسة معتقداتهم وفي الوقت نفسه ان تضمن الدولة ان يبقى الدين قضية خاصة ولا تنتهك معايير حقوق الإنسان والقانون المدني، بينما يعارض العلمانيون المتطرفون وبضمنهم الشيوعيون الدين بصورة كاملة.

ويبحث التقليديون المحافظون عن مرشد من المصادر الإسلامية التقليدية أي من القرآن، السنة، القانون الإسلامي، الفتاوى والاراء الدينية للعلماء المبجلين، ويستعمل التقليديون الإصلاحيون نفس المصادر لكنهم يميلون إلى ايجاد تفسيرات مغايرة حيث انهم على اطلاع بالتناقضات بين الحداثة والإسلام ولذا فانهم يسعون إلى تقليل تلك التناقضات من اجل ابقاء الإسلام قابلاً للتطبيق في المستقبل، ويسعون إلى اعادة تفسير المحتوى التقليدي وايجاد طرق تخلصهم من القيود التي تزعجهم أو تقف بطريق التغيرات المرغوبة أو تلك التي تضر بالإسلام في نظر باقي شعوب العالم.

وهناك تشابهات ساخرة في طريقة تعامل الاصوليين المتطرفين والمحدثين مع مسألة التغير، حيث انهما يشيران إلى القرآن والسنة والقانون والفتاوى وإلى السلطات ( مع الاخذ بنظر الاعتبار بان كل واحد منهما له اختياره الذي يختلف عن الاخر).

لكن بالنهاية فانهما يتبعان وجهات نظرهم حول المجتمع الإسلامي المثالي، وكل واحد منهما يشعر بانه مخول لتحديد وتغيير القوانين والقواعد الشخصية وهذا يعطيهم حرية اكثر للمناورة اكثر من الحرية التي يمتلكها التقليديون.

ان احد أهداف الاصوليين هو الحصول على مجتمع زاهد وعلى درجة عالية من التنظيم حيث يتبع الناس فيه متطلبات الشعائر الإسلامية حيث ترفض فيه اللاأخلاقيات من خلال فصل الجنسين والذي يتحقق من خلال ابعاد المرأة عن الميدان العام وكذلك تكون فيه الحياة ممزوجة بالدين.

ان الاصولية استبدادية في رفضها للاتجاهات المنعزلة بل انها تؤمن بانه من شأن سلطات الدولة بان تجبر الأشخاص لكي يتمسكوا بالتصرفات الإسلامية الصحيحة في كل زمان ومكان.

كما انها تريد ان يتوسع هذا النظام حتى يتمكن من السيطرة على العالم كله ويصبح الجميع مسلمين.

ويتخيل المحدثون مجتمعاً يكون للافراد فيه ان يعبروا عن تقواهم بالطرق التي تناسبهم ويمكنهم كذلك تحديد القضايا الاخلاقية واسلوب العيش حسبما تملي عليهم ضمائرهم ويحاولون أيضا ان يبنوا نظامهم السياسي على مبادئ العدل والمساواة.

ان هذا النظام ينبغي ان يتواجد بصورة سلمية مع الاديان والانظمة الاخرى، ويجد المحدثون مفاهيم اسلامية تؤيد حق المسلمين كأفراد أو جماعات في احداث تغييرات وتعديلات على النصوص والقوانين الأساسية.

وعندما تثار مسألة لا يمكن حلها في النصوص الإسلامية أو عندما يمكن حلها لكنهم لا يحبذون تلك الاجابة فإن كل من الاصوليين والمحدثين يشيرون إلى رؤيتهم المثالية وبعد ذلك يبتدعون حلاً.

وبما ان الابتداع هو شيء غير مقبول بصورة عامة في الإسلام فانهم يعرّفونه على انه شيء اخر.

ويعبر المحدثون عن رفضهم لبعض المفاهيم الإسلامية لاسباب منها المصلحة العامة على انها قيمة عليا تتجاوز حتى القرآن والسبب الاخر هو الاجماع الذي يضفي الصفة الشرعية على التغير الجذري.

ويرد الاصوليون المتطرفون الاجتهاد والتفسير أو يشيرون بطريقة تعجيزية إلى “معايير عليا”.

وفيما يخص التطبيق العام فإن الفصل بين المواقف الإسلامية المعاصرة يلعب دوراً كبيراً في قضايا اساليب العيش وقيم المجتمع وهذا ما يشار له في بعض الاحيان بالنقاش المبني على اساس ديني. وتتمتع الفروقات التي تبدو على انها فروقات ثانوية باهمية كبيرة لانها تشير إلى الاخلاص أو عدمه وتشير إلى الانتصار أو الخذلان، واوضح مثال هو الحجاب الذي ترتديه النساء ومن المهم ان نتذكر هذا الموضوع فعلى سبيل المثال عندما صادقت منظمات الحكومة الامريكية على الحجاب معتبرة ذلك قضية ثانوية تخص الزي لكي يتمكنوا من الاشارة إلى التسامح فانهم اتخذوا موقفاً غير حكيمٍ في قضية اساسية متنازع عليها، وهم يضعون انفسهم في نهاية المطاف إلى جانب الاصوليين والتقليديين المحافظين ضد التقليديين المصلحين والمحدثين والعلمانيين.

 

 

مواقف وقضايا أساسية:

الديمقراطية وحقوق الإنسان

ان تفسيرات موقف الاصوليين المتطرفين في القضايا السياسية يمكن ايجاده في المطبوعات وعلى شبكة الانترنت من خلال منشورات “حزبي اسلامي” وحزب التحرير، ونذكر هنا مصدرين اثنين:

فحسب ما يرى “حزبي اسلامي” فإن البرلمانات والمؤسسات الديمقراطية الاخرى هي “صيغ واضحة للكفر والشرك وايجاد منافسين لله من خلال اعطاء سلطة تشريعية للناس. وكذلك يعتبرونها ذنباً لا يغتفر ونقيضاً لهدف الخلق.

ان الهدف من هذا هو فرض النظام الإسلامي الصحيح على كل الانظمة الاخرى، ويقول “كرين” في كتابه الذي نشر عام 1994:

ان هذا هو ليس صراعاً بين الحضارات أو الثقافات، حيث ان الإسلام لا يعارض الغرب أو أية جهة اخرى لاسباب وذرائع منها اخذ الثأر بسبب الاعتداءات التي حدثت في الماضي أو بسبب رغبتهم في الثار لكبريائهم الجريح أو رغبتهم في جمع ثرواتهم واستعادة اراضيهم.. ان للجهاد في الإسلام ثلاث مراحل:

– المرحلة الاولى: هي الحصول على عقيدة صحيحة وابعاد كل الشكوك والمفاهيم الخاطئة عن مخيلة الشخص.

– المرحلة الثانية: هي تحرير بلاد المسلمين من سيطرة الاعداء.

– المرحلة الثالثة: هي الحرب من اجل تمهيد الطريق لاقامة احكام الله في بلاد الكافرين.

ويصف حزب التحرير نفسه على انه “حزب سياسي ايديولوجيته الإسلام لذا فإن السياسة هي عمله والإسلام ايديولوجيته..”.

وفيما يخص الحكم “فيجب ان تكون الشرائع والدساتير اسلامية” ولا يمكن ان تكون جمهورية، حيث ان النظام مبني على النظام الديمقراطي الذي هو نظام الكفر.. وفي النظام الإسلامي فإن السمو للشريعة وليس للامة.

ان المشرع هو الله، ويملك الخليفة الحق في تبني قوانين الدستور والشريعة من كتاب الله وسنة نبيه، لذا لا يسمح القول بان النظام الإسلامي هو نظام جمهوري ولا يسمح بالتحدث عن جمهورية اسلامية.

تعدد الزوجات:

يوافق الاصوليون على مبدأ تعدد الزوجات، لكن “طالبان” في افغانستان اساؤوا استعمال هذا المبدأ، ان زواج الاطفال هو نتيجة لتعدد الزوجات وهي ظاهرة متفشية في المجتمعات التي يسيطر عليها الاصوليون بل وحتى في الاماكن التي يسيطر عليها التقليديون المحافظون، ويمارس “الطالبان” والقاعدة التي تتمركز في افغانستان الزواج القسري الذي يقبله القرآن في حالات الحرب.

ولا يؤيد التقليديون المصلحون والتقليديون المحافظون الذين يعيشون في الغرب أو في بلدان لا تصادق على هذه الممارسة لا يؤيدون ممارسة تعدد الزوجات، وبعضهم ينكرون هذا المبدأ لانهم يؤمنون بان المسلمين ينبغي عليهم احترام قوانين البلدان التي يعيشون فيها مهما كانت تلك البلدان، وليس لديهم اعتراض بان يتزوج الرجال المسلمون ولو كانت لديهم زوجات اذا رغبوا ان يتزوجوا مرة اخرى في البلدان الاجنبية التي جاؤوا إليها لاغراض العمل أو الدراسة، كما يعارض التقليديون القريبون جداً من المحدثين والذين يعتقدون ان هذه القضية لا تستحق كل هذا الاستهجان يعارضون تعدد الزوجات، لكن ليس هناك شك بان القرآن يسمح بذلك وان محمداً “ص” والقادة الاوائل في الإسلام مارسوا مبدأ تعدد الزوجات لذا فبما انهم تقليديون فلا يمكنهم ان ينكروا هذا المبدأ بل انهم يشعرون بضرورة الدفاع عنه، ولهذا الغرض فانهم قدموا برهانين لكي يجعلوه سائفاً للمستمعين:

حيث انهم اشاروا إلى ان الرسول محمداً “ص” كانت له زوجة واحدة اثناء حياة زوجته الاولى “خديجة” حيث ظهر الإسلام في تلك الفترة، لذا فانهم يقولون ان هذا يجب ان يكون الامر الأساس الذي ينبغي مراعاته، ويقولون كذلك بان تعدد الزوجات قام به الرسول لاغراض منها التحالفات والتي كانت اما تحالفات سياسية أو لغرض الاحسان لهم ولم يكن لاغراض شخصية، ويقول التقليديون بان من المحتمل ان تكون بعض هذه الزواجات اسمية فقط مخصصة لاجل تحالف سياسي أو لغرض مراعاة الارامل، بالحقيقة انهم يقولون ان تعدد الزوجات في بداية المجتمع الإسلامي كان نوعاً من المشاريع الاجتماعية أو استجابة لحالة نقص الرجال التي سببتها الحرب والتي ادت إلى زيادة اعداد النساء اللائي يحتجن إلى من يقوم بحمايتهن واعالتهن.

اما البعض الاخر فانهم يرون انها ممارسة حلت مكان سوء المعاملة التي كانت تتلقاها المرأة في مجتمع ما قبل الإسلام لذا فقد جاء مبدأ تعدد الزوجات محدداً باربع نساء.

لذا فإن مبدأ تعدد الزوجات الذي يحدد اربع نساء فقط ويشترط العدالة في الجانب الاقتصادي كان خطوة ايجابية.

ويقول التقليديون المصلحون ان تعدد الزوجات يمكن ان يكون لصالح النساء اللائي يستطعن ان يتقاسمن تربية الاطفال واداء الأعمال المنـزلية وبهذا يمكنهن القيام باعمال وانشطة اخرى، كما يؤكدون على ان مبدأ تعدد الزوجات هو اسمى مما ظهر في الغرب.

ان المعدل العالي لحالات الطلاق في المجتمع الصناعي الغربي هو احد صيغ تعدد الزوجات، بما انه يتضمن هجر المرأة وبالتالي يتسبب في الحاق الضرر بالنساء والاطفال المتعلقين بذلك الزواج، بينما يخول المنهج الإسلامي استبدال الزوجة.

اما النساء اللاتي يعتبرن هذه الممارسة اهانة في حقهن فانهن مخولات بان يضعن شروطاً ثابتة في عقد الزواج تمنع ازواجهن من الارتباط بزوجات اخر.

وهناك نقاش دائر في اوساط التقليديين وهو ان الامر بمعاملة النساء بصورة عادلة هو شرط الهي صعب، وبما انه من المستحيل القيام بذلك بصورة عادلة كما اشار القرآن في اماكن اخرى فإن هذا الامر يلغي تعدد الزوجات.

ويقول (مقصود في كتابه الذي صدر عام 1994):

ان الرسول كانت له زوجة واحدة خلال 24 سنة وهي خديجة وبعد وفاتها تزوج من ارملة وكان قد خطب ابنة صديقه “عائشة”، وبعد موت الكثير من المسلمين في المعركة اعطي المسلمون الحق في تعدد الزوجات إلى اربع زوجات، اما الرسول فكان له حق خاص حيث انه تزوج 13 امرأة كلهن ارامل ومطلقات يحتجن إلى رعاية ما عدا عائشة.

كما ان تعدد الزوجات مسموح اذا مرضت زوجة الرجل بحيث انها اصبحت غير قادرة على القيام بالامور المنـزلية أو اذا فقدت المرأة عقلها.

(المؤلف: امرأة ـ لم توضح لماذا لا يصح العكس أي ان يكون للمرأة ان تتزوج اكثر من زوج واحد).

وكتب المصلح التقليدي الامريكي والذي يدعى اكبر احمد:

ان هناك فكرة اخرى حول الحياة العائلية الغربية التي لا تعرف طعم الراحة وقد اعطى القرآن السماح للرجال بان يتزوجوا باكثر من واحدة وفي بعض الاحيان قد تكون ضرورة اجتماعية..حيث ذكرت الآية القرآنية {مثنى وثلاث ورباع…} لكن في السطر الثاني يذكر {فإن خفتم ان لا تعدلوا فواحدة..}، ان هذا الشرط صارم ويجعل من الصعب على الفرد ان يتزوج اكثر من مرة واحدة، والقرآن نفسه يقول ان تعدد الزوجات غير ممكن. ويبدو ان روح القرآن الحقيقية هي مع الزواج الواحد.

ولا يحتاج المحدثون ان ينشغلوا بمثل هذه التفاصيل حيث انهم يشيرون إلى الحقيقة القائلة (ان الازمان المتغيرة) تأتي بتقاليد واخلاقيات متغيرة حيث ان ما كان مقبولاً قبل مئات السنين اصبح غير مقبول في يومنا هذا،وبدلاً من التركيز على النقاط التي فقدت اهميتها في العالم الحديث المتحضر يجب التركيز على اهمية تعاليم الرسول، ذلك لانها تدعو إلى العدالة والمساواة والانسجام لانها المبادئ الأساسية للتفاعل الاجتماعي وبالتالي فإن اجراء الإصلاحات في المجتمع يتطلب التواصل مع روح الإسلام.

العقوبات الجنائية، العدالة الاجتماعية:

يناقش الاصوليون والكثير من التقليديين المحافظين القيمة العظيمة للعقوبات الجنائية القاسية في الإسلام، اما التقليديون فانهم يشعرون بانهم غير قادرين على انتقاد أو انكار القوانين، ففي حالات السرقة على سبيل المثال فإن الكثيرين يقولون ان اغلب حالات تلك الجريمة تقع خارج التعريف القانوني الدقيق للظروف التي تجوز بتر الاعضاء، فاذا وجدت اسباب مثل الفقر والحاجة المادية والجوع والرغبة في اعالة احدى العوائل كحافز للقيام بهذا العمل فإن اللص يبرَّأ، ويقع اللوم في هذه الحالة على المجتمع الذي دفع بالشخص بسبب الظروف غير الملائمة لاقتراف هذا العمل، اما اذا كانت السرقة تافهة فانها أيضا تشكل ارباكاً وهي أيضا تعذر الشخص الذي ارتكب الجريمة من ان يتعرض لمثل هذه العقوبة القاسية.

ان الطريقة التي تعالج بها الاقطار الإسلامية مثل هذه المشاكل تعكس القوى الفعالة الموجودة في تلك البلدان، فعلى سبيل المثال ان باكستان هي موطن الاتجاه الاصولي الذي يحظى بسلطة سياسية واسعة كما ويوجد في باكستان سكان تقليديون ولكنها سياسياً تطمح ان تدمج نفسها مع المجتمع الدولي الحديث.

فكيف يستطيع بلد ان يوفق بين تلك الأهداف في قضية الحكم الجنائي الإسلامي. ان ترك قانون الشريعة سوف يبعد الاصوليين والكثير من التقليديين لكن قطع الايدي ورجم الزناة سوف يؤدي إلى ادانة دولية وكذلك يؤدي إلى ابعاد المحدثين وبعض التقليديين. والحل هو اصدار احكام الشريعة مع عدم تنفيذها.

ويمكننا تطبيق هذا المنهج بالصورة العكسية أي باستنباط أهداف البلد من السياسة التي ينتهجها تجاه قانون الشريعة، فاذا كان البلد ليس فقط يظهر الولاء الكاذب للشريعة بل ويفرض الاحكام المتعلقة بها فيمكننا ان نستنتج بان البلد مهتم فقط بالتقليديين المحافظين والاصوليين وان ليس له الرغبة في الاندماج مع العالم الديمقراطي الحديث.

وإلى جانب عقوبة قطع الايدي وفي حالة تكرار الجرم تقطع ارجل السارق فإن الشريعة تفرض حكم القتل للزاني المحصن والجلد لغير المحصن، ان هذا ليس تناقضاً بين الاصوليين أو بين التقليديين المحافظين القريبين منهم لكن بالحقيقة يجب ان تكون موضع جدل بسبب وجود غموض مهم في القرآن بخصوص هذه القضية، وفيما يخص معاملة النساء الزانيات فإن النص القرآني يأمر بجلب اربعة شهداء ليشهدوا على الجريمة فاذا شهدوا فاحبسوا النساء في المنازل حتى الموت أو يجعل الله لهن سبيلا، وهذا يمكن تفسيره على ان المرأة يجب ان تحبس بين الجدران إلى ان تموت بسبب الاختناق أو الجوع ويمكن تفسير ذلك أيضا على ان تحبس المرأة حتى يأتي اجلها فتموت.

لكن لم تطبق عقوبة من هذا النوع سواء على التفسير الاول أو الثاني في أي بلد اسلامي حتى وان صرح القرآن بذلك، وبدلاً من ذلك فإن الرجال أو النساء الذين يدانون بجريمة الزنا غالبا ما تقطع رؤوسهم أو يرجمون أو يقتلون بالرصاص.

كما ان المهرب بالنسبة للتقليديين المصلحين والتقليديين المحافظين يشير إلى اهمية الدليل حيث تتطلب تهمة الزنا اربعة شهود مسلمين، لكن النص ذاته لم يحدد ما هو الشيء الذي راه الشهداء الاربعة بالضبط، ويقول العلماء بصورة عامة ينبغي على الشهداء الاربعة ان يكونوا قد شاهدوا فعل الزنا وليس فقط ان يعتقدوا بوقوع هذا الحدث، لذا فإن هذا يجعل الموقف لصالح الشخص الذي يدافع.

ان الاصوليين ليسوا دائماً ملتزمين بتلك القاعدة وهذا يظهر انهم بعيدون عن الرأي المستقيم، حيث على سبيل المثال لم يكن هناك شهداء في قضية امرأة من نيجريا حكمت مؤخراً بالاعدام بسبب اتهامها بالزنا، وفي حالتها كان الامر انها انجبت طفلاً على الرغم من انها لم تكن متزوجة وهذا كان دليلاً كافياً، لكن لم يذكر القرآن ولا آلاف الاحاديث مثل هذا الاستنتاج رغم انه لابد من حدوث مثل هذه الحالة اثناء تلك الفترة.

ان هذا الحكم يناقض احكام القرآن بان المرأة {لا تضار والدة بمولود لها} لذا فإنه ليس من الصعب توسيع هذا الحكم ليعني ان المرأة ينبغي ان تقتل بسبب طفلها.

لكن الاصوليين كما رأينا سابقاً لا يشعرون بضرورة الالتزام بالمحتوى الحرفي للاسلام، لقد كان هذا واضحاً جداً مع الطالبان، حيث انهم يقتلون النساء بالرصاص، ان هذه العقوبة لا تتناسب مع القانون الإسلامي الذي ولد قبل عصر البنادق والرصاص، كما ينفذ الطالبان حكم القتل في جرائم الشذوذ وفي هذه الحالة فانهم ينفذون الاعدام ويبتدعون طريقة ما لتنفيذه مثل ربطهم إلى حائط ويمررون عليهم الجرافات لتسحقهم حتى الموت فاذا اقترف شخصان جريمة ما فينبغي معاقبتهما لكن لم يذكر القرآن نوع العقوبة المترتبة.

كما ولم يذكر استخدام الجرافات لتنفيذ العقوبات لكن ضحايا الطالبان اعطوا فرصة التوبة لكنهم رفضوا.

وتصف الشريعة عقوبة الجلد للكثير من الجرائم مثل شرب الخمر، اما الراي العام العالمي فلم يعد يعتبر هذه الطريقة صيغة حضارية لتنفيذ العقوبة. ومن جديد فلا يمكن للتقليديين تجاوز هذه الحقيقة بان القانون الإسلامي يدعو إلى هذه العقوبة حيث لا يسعهم الا ان يبحثوا عن طرق اقناع تجعل من هذه العقوبة عملاً مقبولاً.

اما القضية التي تعرضها المصلحة التقليدية (رقية مقصود) فهي:

ان هناك الكثير من القواعد التي تحكم استخدام الجلد في الإسلام حيث انه ليس طريقة قاسية فقط .. بل يجب ان تنفذ بصورة منضبطة بما يتناسب مع العدالة وبألطف طريقة ممكنة بعد عقد العديد من الشروط ومن هذه الحالات هي حالة المرض وان لا يضرب الوجه ولا الرأس أو اجزاء خاصة من الجسم اما مع النساء فلابد ان يغطى جسد المرأة وان يسمح لها بالجلوس ويجب ان لا ينفذ في الايام شديدة البرد أو الحر وما إلى ذلك، وكما في حالات الزنا فيمكن تقليل فرص تنفيذ العقوبة غير المرغوب بها وذلك من خلال الاعتماد على الدليل، فعلى سبيل المثال الكثير من الاحاديث لم تشجع المؤمنين ان يتجسسوا على الاخرين من اجل ادانة الاخرين أو ما شابه، ويمكن استخدام هذه الحالة للقول بان شرب الكحول في المنـزل لا يستوجب عقوبة لانها لم تكتشف في بادئ الامر هذا اذا لم ينتهك احدهم الحكم الذي يمنع التدخل أو التجسس.

الأقليات:

ان الصورة التي تعطيها دراسة النص فيما يخص ديانات الموحدين هي صورة مشوشة حيث ان القرآن يحتوي على العديد من الرسائل العدائية لليهود والنصارى لكنه أيضا يحتوي على بعض النصوص التي تسترضيهم.

لقد تم تفسير ذلك بالاشارة إلى الظروف التاريخية حيث كان المجتمع الإسلامي الاصلي في حرب مع تلك المجموعات، وبصورة عامة فإن غير المسلمين الذين يعيشون في ظل السلطة الإسلامية يفترض ان يسمح لهم بممارسة دياناتهم بدون عراقيل وحتى الرجال المسلمون فانهم مأمورون بالسماح لزوجاتهم اليهوديات أو المسيحيات بممارسة معتقداتهن بحرية، وينبغي ان تتمكن الاقليات من اقامة محاكمها وتطبيق قوانينها في القضايا المدنية، وتاريخياً فإن الاقليات عاشت بسلام نسبي في ظل الامبراطورية الإسلامية.

ولا يلتزم الاصوليون بهذا التقليد بل انهم يميلون إلى ان يكونوا قمعيين تجاه غير المسلمين الذين يعيشون تحت سيطرتهم، حيث هاجمت الجماعات الإرهابية الاصولية الكنائس في باكستان وقتلت المصلين. اما المسيحيون في السعودية العربية فلا يمكنهم تأسيس كنائسهم كما لا يمكنهم الاحتفال باعيادهم الدينية .

كما ويفرض الطالبان قوانينهم على الجميع، وعندما تبنى الطالبان التفسير الديني الوهابي الذي يصرح بعدم جواز قيادة السيارة بالنسبة للنساء فقد تم تطبيق هذا القانون على النساء الاجنبيات اللائي يعملن في المنظمات غير الحكومية.

اما الهندوس فقد تم اعفاؤهم من الصلاة العامة المفروضة لكن على شرط ان يلبسوا رقع قماش صفراء من اجل تمييزهم.

اما التقليديون فعلى الرغم من ان أهدافهم هي بناء مجتمع اسلامي وتشجيع التحول فإن هذا يجب ان يتم من خلال نموذج مثالي ومن خلال الاقتناع وليس بالاجبار.

رداء النساء:

من المدهش ان تحظى قضية الحجاب بكل هذه الاهمية البالغة لأن القرآن لم يذكر بالتفاصيل حيث ان القرآن يريد ملبساً وسلوكاً معتدلاً لكلا الجنسين الرجل والمرأة حيث انه لم يحدد ذلك فيما يخص نوع الملبس لكنه حدد شيئين اساسيين هما التقاليد العامة والمنـزلة الاجتماعية للشخص أي ما يخص عمله حيث ان نساء النبي فقط امرن ان يرتدين الحجاب، كما ان هذا الشرط كان متضمناً في الاجزاء الاخيرة من القرآن حيث يحدد المنزلة المميزة لنساء النبي عن باقي النساء.

حيث يطلب منهن ان يأخذن بنظر الاعتبار الظروف غير الاعتيادية وان يقبلن بالقيود الاضافية ـ وهي عدم الزواج بعد وفاة الرسول وان يرتدين رداءً خاصاً ـ وبالمقابل فانهن وعدن اجراً مضاعفاً.

ويشير المحدثون والتقليديون المصلحون إلى هذه المسألة كما ويلاحظون ان الشرح الموجود في القرآن والاحاديث لقواعد اللباس هو ان يتجنب الاناس المعتدلون الملبس الملفت للنظر. واذا لم يكن الحجاب هو الصفة العامة فإنه سيكون ظاهرة ملفتة، حيث انه سيجلب انتباهاً خاصاً للمرأة ويجعل الناس يحدقون عليها على انها شيء غريب لذا فينبغي عليها ان تتجنب ذلك.

وبالنهاية فانهم يشيرون إلى حقيقتين اساسيتين في القرآن وهي {لا إكراه في الدين} {ولا يريد بكم العسر} وانما اليسر، لذا فإن اجبار النساء على ارتداء زي ما لا يرغبن فيه وتقييد قدراتهن على العمل وتمييزهن عن الرجال له اثر سلبي على صحتهن كما ان هذه الاتجاهات لا تنسجم مع ذلك الحكم القرآني الذي يقول {لا إكراه في الدين}.

ان الاصوليين والتقليديين منشغلون في جدل طويل حول قضية رداء النساء محاولين ان يحددوا الايجابيات والسلبيات قبل اصدار الحكم، كما ان هناك الكثير من القصص التي يرويها بعض الافراد عن ابحاثهم التي اجروها والتي استغرقت عدة سنين حول هذه المسألة حيث ان الكثير من الفتيات يصفن اسباب ارتداء أو عدم ارتداء الحجاب.

ويتجاهل الاصوليون هذا النقاش حيث انهم يرون ان هذه القضية محسومة ولا جدل عليها وان الحجاب هو شيء مفروض، ان الذي يميز مذهب الاصوليين التقليديين هو انهم ينتخبون ما يتلائم مع معتقداتهم حيث يظهر هذا واضحاً في مطبوعاتهم حول موضوع الحجاب حيث انهم يستعرضون ايات تحث {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصفون* وقل للمؤمنات أن يغضضن من أبصارهن..}”النور 30ـ31” لكنهم يتركون باقي الآية التي تنص على وقل للمؤمنين ان يغضوا من ابصارهمْ وبينما يقع الجزء الاكبر على النساء في الحفاظ على الاخلاق العامة اللائي يتوجب عليهن قبول التقيد بالملبس والابتعاد عن الاجواء العامة فإن الاصوليين الرجال ليسوا مستثنين بصورة كلية.

وكما ينصح الاصوليون الاستراليون في الموقع الالكتروني “نداء الإسلام” على ضرورة ان يشعر الاطفال بحالة عدم الراحة عند حضور الجنس الاخر.

ينبغي علينا ان نتخذ الرسول قدوة لنا حيث ينقل ابو سعيد الخدري بان الرسول كان اكثر خجلاً من العروس في ليلة عرسها “البخاري” فاذا طبعنا ذلك في اطفالنا منذ صباهم فانهم ان شاء الله سيشعرون بالخجل كلما صاروا بالقرب من الجنس الاخر وبالتالي فانهم سوف يمتنعون عن الاتيان بسلوك ينافي الاخلاق.

ان هذه المقدمة ـ التي تقول بان الشخص الذي يربى اجتماعياً على ان الجنس محرم يكون دائماً قريباً من الصواب والسلوك المحمود يعتمد على تعريف الشخص للسلوك المناسب وفي الكثير من الاحداث فإن قضية الحجاب اصبحت تأخذ طابعاً سياسياً حيث اشار احد الخبراء بالقول: ان الحجاب اصبح رمز الاصولية والتقليدية، وبهذا فإنه اخذ طابعاً سياسياً وبدأ يستعمل من قبل الجماعات المعادية للغرب من تركيا إلى ماليزيا وفي انحاء الوطن العربي.

وينبغي على الحكومات الغربية وخاصة الولايات المتحدة ان تحجم عن الاشارة إلى “حق المرأة في ارتداء الحجاب” باعتباره حقاً ديمقراطياً بسيطاً، ان المسألة هي اكبر من هذا وان الذي يخفى وراء مسألة الحجاب هو شيء خطير.

السماح للرجال بضرب النساء:

لا يرى الاصوليون مشكلة حيال ذلك، وعند الاصوليين المتطرفين فإن هذا العمل يتناسب مع نظرتهم الهرمية للمجتمع، حيث يرون انه يتناسب مع منهجهم الذي يتعلق بسلوك الإنسان والذي يتضمن مؤسسات مثل شرطة اسلامية مسلحة بالسياط والعصي يجوبون الشوارع لمراقبة طول الشعر بالنسبة للرجال وملاحظة الصلاة وعدم استخدام مواد التجميل بالنسبة للنساء وما شابه ذلك، ويتقبل التقليديون المحافظون هذه الممارسة لكنهم يحاولون ان يفصلوا بين التدخل الذي يصب في الصالح العام والذي يهدف إلى إصلاح السلوك الخاطئ عند النساء وبين ممارسة العنف.

ولا يؤيد التقليديون المصلحون مثل هذه الممارسات لكنهم يسعون لايجاد مبررات وتفاسير اخرى، وهذا هوالنص:

{واللائي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم…} إلى آخر الآية.

ويوجد في هذه الآية موطنان للغموض احدهما عدم وضوح اسباب القيام بهذا العمل، حيث ان البعض يتمسكون بالغموض الاول قائلين ان هذه الاجراءات يتم تطبيقها فقط عند الاساءة بشكل كبير وعلى الرغم من ان الاسباب الأساسية لا تزال غامضة في النص الا ان اصحاب الرسول الذين عاصروه في حياته لابد انهم يعرفون المقصود بهذه النصوص حيث يقولون ان الاصطلاح العربي الذي يصف اساءة المرأة هو اقرب إلى “الثورة” من “عدم الطاعة” ويقولون انه ربما يشير إلى الارتداد عن الدين أو إلى نشاط سياسي مدمر تقوم به المرأة.

ويركز بعض المؤلفين على الاصطلاح الغامض الثاني، حيث ان السلطات التقليدية قادرة على بذل الكثير في مناقشة الاصطلاح الدقيق والخروج باستنتاجات بان النص لا يعني بالضرورة ان تضرب النساء بل يجب ان يفسر النص على انه يشير إلى “الضرب غير المبرح” اما القرضاوي فإنه يقول يمكن ضرب النساء لكن ليس على الوجه، وتذكر احدى المطبوعات الامريكية الإسلامية التي تدعى “افاق اسلامية” في احدى القضايا التي ترتبط بالعنف بان التطبيق الجدي لهذه الآية هي ان يضرب الرجل الزوجة العاصية بالسواك، ويقول المؤلف بان هذا هو الاسلوب الامثل لحفظ احترام الزوج والزوجة، ولا يمكننا ان نجد تفسيراً افضل من النص اعلاه لعدم قدرة التقليديين الإسلاميين وحتى التقليديين المصلحين في مواجهة تحديات الحداثة حيث ان هذا النص يشير إلى احدى الممارسات التي يقوم بها الزوج وهو ان يضرب زوجته بالسواك “فرشة اسنان” لحل مشكلة ما، وهذا يشير إلى قدسية العلاقة الزوجية.

اما بعض المحدثين فإن هذه القضية لا تعتبر مشكلة، وكما في كتاب العهد القديم فإن القرآن يحتوي على الكثير من الإرشادات المهمة في وقتنا الحاضر ولا توجد حاجة لمناقشة ذلك، لكن المحدثين يشكون في صحة تلك السورة بكاملها لانها تتناقض مع ما نعرفه عن مواقف الرسول وسلوكه اضافة إلى الآيات القرآنية الاخرى ومجموعة الاحاديث التي تهتم بالعلاقة الزوجية والسلوك القويم للرجل تجاه المرأة، حيث ان الكثير من الاحاديث تكره العنف تجاه المرأة، لكن هذه الاحاديث يتعسر ايصالها إلى المواقع الالكترونية الخاصة بالتقليديين والتقليديين المحافظين.

وفي احدى هذه الاحاديث يشير الرسول إلى انه من غير الصحيح ان يضرب الشخص شخصاً اخر يحتمل ان تكون بينهم علاقة في المستقبل، وكما في وصية الرسول المشهورة عند موته حيث اوصى الرجال قائلاً: [اتقوا الله في النساء].

وبالنهاية وبسبب تركيزنا على حياة الرسول الخاصة من خلال اصحابه فإن لدينا الكثير من القصص التي ترتبط بنقاشاته مع زوجاته، ومن تلك القصص نعلم انه عندما كان يغضب فإنه يقوم باشارات ساخطة ويقطب ويشتكي إلى والد زوجه أو على الاقل ينسحب ويذهب إلى غرفة اخرى لشهر كامل.

ان القرآن لم يُكتَب حتى وفاة الرسول ثم تم تجميعه من خلال جمع الرقع أو العظام يشهد على صحتها شهود من خلال تعيين اشخاص حفظوا سوراً معينة حيث طُلِب منهم ان يكتبوا تلك النصوص بافضل قدر ممكن، وهذا بالنهاية ادى إلى اظهار نسخ متعددة للقرآن يختلف بعضها عن البعض، ثم تم تمزيق كل النسخ ما عدا واحدة فقط.

ومن المسلم به ان سورتين قد فقدتا في هذه العملية، ويشير المحدثون إلى ان بعض هذه السور تم تسجيله بصورة غير دقيقة اما بالنسبة للتقليديين الذين يقدسون القرآن وكل حرف فيه بل وحتى الورق الذي يطبع عليه فإن هذه الفكرة محرمة.

تعليق/

يثير البحث اشكاليات متعددة على الإسلام، كان سببها انتقاء مرويات ضعيفة مدخولة دون ذكر اسنادها ومصادرها، ليستخرج منها رؤيته الخاصة لهذا الدين، وكان السبب والمنشأ الأخر لها هو استقاؤه بعض تلك الاشكاليات من الواقع الاجتماعي الإسلامي المعاصر، وتعامله مع ذلك الواقع وكأنه يمثل واقع الإسلام ويترجم عنه.

وكان من البدهي ان لايغفل كاتب البحث عن مثل هذه الملاحظة العلمية، وان لايغفل ذكر مصادر رواياته ومدى وثاقتها، وهو يعيش عصر المعلوماتية ودولتها.

وطالما كانت تلك الاشكاليات مثار جدل وأخذ وردّ، بلغ اشدّه في ايام التدني التي غمرت رقعة العالم الإسلامي، وأعقبت شبهات غاطسة تذر قرونها في اوقات انحسار المد الإسلامي، لكنها تختفي عند هبوب رياح الوعي.

ان التصدي لتصحيح تلك النظرات المؤسسة على اساس غير متين، ومناقشة تلك الشبهات التي كتب فيها المفكرون الإسلاميون كثيراً، كل ذلك يستغرق صحائف مطولة لا يتسع لها هذا المتن المقتضب، بل ان كل مشكلة منها تستأهل كتاباً برأسه.

ولعل من المناسب في معرض التعليق على ذلك ان لانخوض في معطيات الفقه الإسلامي والفكر الإسلامي في العصور التي تلت عصر التنـزيل، لتشعباتها الكثيرة، ولا تساع مابين جنبتيها، الامر الذي تضيق به هذه الصحائف المعدودة، فلا أقل من الألمام بالمدرك الأساس لتصورات الإسلام ولفكره ولفقهه، فيما يمس تلك المشكلات، الا وهو القرآن الكريم، مبتعدين قدر الامكان عن التأويلات المشوبة التي لحقت بتلك النصوص الكريمة على تعاقب الزمن ومستلهمين روح النص المبين الواضح في العرض والمعالجة، وانا اشعر حين اتعرض للتعليق على تقرير ينشر على صحائفه جذاذات من تلك الشبهات الخطيرة، شعور الذي يمشي في طريق شائك أو يسير في حقل الغام.

وينبغي قبل الولوج في معالجة تلك المشكلات، تصحيح مايراه المتطرفون ـ كما ورد في البحث من كفر الديمقراطية لانها تعطي حق الحاكمية للناس وليس لله، والحقان الديمقراطية ليست مبدءاً من المباديء ولامعتقداً من المعتقدات حتى ترمى بالكفر. وانما هي اسلوب ادارة وطريقة حكم.

ان حق التشريع والحكم في الإسلام هما لله وحده، قال تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين)4 وقال (إن الحكم إلا لله)5 اما طرائق تنفيذ ذلك الحكم الالهي في حياة الناس فمنوطة بما يناسب مصالحهم التي يرعاها الشارع ويوافق عليها قال تعالى (وأمرهم شورى بينهم)6 وتاريخ النبوة حافل بأمثال تلك المشاورات، حثا للمسلمين على المشاركة في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم7، اما اذا كان الشأن الذي هم بصدده يخص التشريع، فلا شورى حينئذ، بل هو الردّ إلى الله ورسوله، والاخذ عنه لاغير قال تعإلى (فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلّموا تسليما)8.

وعودُ على البحث فيما يخص انتقاده تعدد الزوجات في الإسلام، فهو يرد على ذلك بنفسه اذ يذكر ان الاصوليين اساؤوا تطبيق هذا المبدأ، كما يحدث في افغانستان9، وما ينتج عن سوء التطبيق من عواقب مثل زواج الاطفال والزواج القسري لايصح ان يحمل على اصل المبدأ.

اما عن قساوة العقوبات في الإسلام ـ كما يقول ـ كعقوبة قطع يد السارق10 فهي ليست قاسية اذ قرنّاها بما يلحق بالمجتمع الإنساني العريض من اذى وانتهاك لو لم تقطع تلك اليد العابثة السارقة للمال الذي لم تكدح في سبيل كسبه، ولم تقدم شيئاً من العمل المشروع لنيله، الا الغصب والاختلاس والعدوان، فلو وزنّا المغنم المحرم الفاسد لشخص السارق وحده لما كان مكافئاً لما يلحق الجماعة من مغارم وويلات.

على ان الحدود تدرأ بالشبهات، فلا تقطع اليد في ايام المجاعة ولا عند الفقر الملجئ، ولا غيرها مما هو مبين في مظانه من كتب الحدود.

وليس هناك ارحم من قطع العضو المصاب بالداء الخبيث الذي لايرجى شفاؤه، ابقاءً على حياة سائر البدن.

والغموض الذي ادعاه البحث في آيات عقوبة الزاني المحصن وغير المحصن11، لا وجود له، فالآية واضحة الدلالة اذ تقول (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة…)12 واجمال القرآن ـ ان ورد ـ تفسره وتبينه السنة النبوية (… ليبين لهم …)13.

وقد اعتسف البحث في المقالة حين قال ان عقوبة الزانيات تتم بشهادة اربعة شهداء عليهن ليحبسن بعدها في المنازل حتى الموت اختناقاً أو جوعاً ـ كما ورد في البحث ـ14 فاين هذه المقالة المشحونة بما يسوء أو بسوء الفهم، من قوله تعإلى (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا)15.

ثم يقول: وبدلاً من تلك العقوبة التي لم تنفذ لحد الان فإن الزناة من الجنسين، غالباً ما تقطع رؤوسهم أو يرجمون أو يقتلون بالرصاص…16، فهل يصح ان نحمل على الإسلام الخطأ الذي يقع فيه من يتصدى لتنفيذ احكامه وحدوده حسب هواه؟!.

غير انه يسترسل فيصف حد شارب الخمرة بانه غير حضاري17، وهذا الحكم منه على عقوبة شارب الخمرة ينطوي على جهالة ومجازفة.

فهل الحضارة تكمن في احتساء الخمرة التي تغتال العقول وتذر شاربيها يترنحون ويواقعون المفاسد الاجتماعية دون قيد حتى يحكم بان منع تلك المفاسد غير حضاري؟.

وعن تشويش القرآن واحتوائه رسالة عدائية بشأن الاقليات (ويعني بهم اهل الكتاب) فإنه نفسه يفسر ذلك بسبب طبيعة الظروف التأريخية، اذ كان المجتمع الإسلامي الاول في حالة حرب معهم18، اما ان النصوص القرآنية مشوشة، فهو كلام لا أساس له، وهي دعوى بلا برهان.

ولمن شاء ان يرجع إلى نصوص القرآن الكثيرة في هذا الشأن، فإنه سوف يجد الوضوح والتحديد والفصل في الخطاب، وليس التشويش والابهام، قال تعإلى (قل يا اهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئاً ولايتخذ بعضنا بعضاً ارباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون)19.

ويجازف البحث مرة اخرى حين يقول: ان القرآن امر نساء النبي (ص) فقط بارتداء الحجاب20 ولاينظر وراء تلك الآيات التي تكلف نساء النبي (ص) بالحجاب إلى الآيات التي تخاطب عموم المسلمات، كقوله تعإلى (وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ولايبدين زينتهن الا ماظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا لبعولتهن…)21.

ونحن في غنى عن الرد على انتقادات البحث لسلوك قسم من المسلمين في استراليا22 وغيرها من الاصقاع، لأن سلوكهم لايحمل على الإسلام في كثير من مفرداته، ولا ينبئ عنه، فالإسلام في واد وجمهور كبير من المسلمين الذين يذكرهم البحث في واد غيره، ولايقال ان الفهم الخاص لبعض المسلمين يمثل الفهم الإسلامي الاصيل وذائقته.

كما ان البحث يورد قسماً من الفصول التأريخية على غير وجهها، فمن ذلك قوله ان النبي (ص) كان اكثر خجلاً من العروس ليلة عرسها23، ولعل مأثور العبارة انه كان اشد حياءً من العذراء في خدرها، وشتان ـ في الذوق الادبي وفي امانة النقل ـ مابين العبارتين.

أما ضرب الرجال النساء، الذي اثاره البحث باطلاق24، فهو مقيد بقوله تعإلى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً…) فهو خاص بالنساء اللاتي ينشزن على ازواجهن.

والضرب لايكون الا بعد الموعظة والهجر في المضاجع، ليمس من المرأة عمق انوثتها التي تدل بها على الرجل. وتلك لمسات وجدانية، ترتدع عندها المرأة السوية، أما اذا لم ترتدع، فالضرب غير المبرح، الضرب التربوي. وكل ذلك واضح في نص القرآن المتقدم وفي روحه.

وكتابة القرآن هي الاخرى غير مسلمة له كما يرويها25. فهو يقول ان القرآن لم يكتب حتى وفاته (ص)26. والتاريخ شاهد على ان النبي (ص) كان قد اتخذ كتاباً للوحي في حياته27، وكان يأمرهم بوضع الآية إلى جانب اختها توقيفاً تلقاه عن الله سبحانه.

وقوله عن ضياع سورتين في عملية جمع القرآن، غير سديد. فالمعروف ان القرآن جمع كاملاً بين الدفتين باتفاق، الا ماكان من مصحف عبد الله بن مسعود الذي لم يعد المعوذتين من القرآن.

والامر خاص بمصحف ابن مسعود لاغير، على ان ابن مسعود لم يكن حافظاً للقرآن كله ايام جمعه، فلعل عدم اعتداده قرآنية المعوذتين كان بسبب تأخر حفظه اياهما عن بقية الحفظة الذين جمعوا القرآن، واقرهم الصحابة على ذلك.

ولن اخوض في مشكلات السياسة الدولية التي يشير إليها القرآن، ولا في مناقشة مجريات الامور التي تحدث في بعض البلاد الإسلامية، كحديثه عن ازدياد نسبة الجريمة في ايران28 فهو كلام غير معزز بالاحصائيات الموثوقة المؤيدة لذلك.

وفي الملحق (أ) يذكر ان النبي (ص) قام بغناء مقطوعة الزفاف التقليدية29 ويسوق ذلك سوق المسلمات مستنتجاً اباحة الغناء، ويكفي في الرد قوله تعإلى (وما علمناه الشعر وماينبغي له)30 فاذا كان الشعر لاينبغي لمقام النبوة، فكيف بالغناء؟.

على ان امثال تلك الروايات هي من الدسائس الكثيرة التي دسها المغرضون عبر التأريخ في بعض كتب الحديث والسيرة.

ولابد بعد كل ماتقدم من التعريج على مقولة البحث الرئيسية، وهي الترويج للاسلام الديمقرطي المسالم.

ان الإسلام دين السلام، فكلمات السلم والسلام والإسلام التي يجمعها جذر لغوي واحد، عريقة في ادبيات الدين الإسلامي، وتشيع بصورة ملحوظة في نصوص القرآن الكريم، كأمثال قوله تعإلى {ان الدين عند الله الإسلام} 31 و {ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين}32 و {وان جنحوا للسلم فاجنح لها}33 وقال في صفة عباد الرحمن {واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}34 وقال في تحية أهل الجنة {وتحيتهم فيها سلام}35، كما ان تحية الإسلام في الدنيا وشعاره {السلام عليكم}.

وكان من اوائل وصاة النبي (ص) حين هجرته إلى المدينة قوله (افشوا السلام وصلوا الارحام…).

وعلى مدار التأريخ الإسلامي، عاشت الاقليات في ظلاله تنعم بالامن والسلام، حتى في الازمان التي طرأ فيها الانحراف على المجتمع الإسلامي، ولم يعرف الناس الإرهاب في ظل الإسلام الصحيح، ويطول الكلام لو استقصينا الشواهد على ذلك.

غير ان الإسلام يقف بالمرصاد لاولئك الطغاة الذين يستضعفون المجتمع، ويقيدون حرياته، ويحولون بينه وبين اختياره الحر لمنهجه في الحياة ونمط تفكيره. فهو يعمل دائماً لازالة تلك العوائق التي يضعها البشر بسوء اختيارهم وبطغيانهم، ليدع المجال مباحاً للجميع، يختارون مايشاؤون بعد تبصيرهم وارشادهم، وحين ذلك يقول (ولكل وجهة هو موليها)36 ويقول (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)37.

اما الإرهاب الذي نشهده اليوم فليس من الإسلام في شيء، وانما يقع وزره على الذين يقترفونه.

أما بعد، فإن المقال لايتسع للاستقصاء في التعقيب والرد على كل ما اورده البحث من نقدات مقتطعة ومنعزلة لم تؤخذ ضمن سياقها.

ولكنه اتسع للرد برؤوس اقلام عجلى.

الهوامش:

1ـ البقرة / 256

2ـ البقرة / 185

3ـ النساء / 34

4ـ الحاقة / 44 ـ 46

5ـ يوسف / 40

6ـ الشورى / 38

7ـ محسن الامين ، سيرة الرسول / 165 ط2 وكتب السيرة عامة.

8ـ النساء / 65

9ـ البحث / 12

10ـ البحث نفسه / 15

11ـ البحث نفسه / 15

12ـ النور / 2

13ـ ابراهيم / 4

14ـ البحث / 15

15ـ النساء/ 15

16ـ البحث / 16

17ـ البحث / 16

18ـ البحث / 17

19ـ آل عمران / 64

20ـ البحث / 17

21ـ النور / 31

22ـ البحث / 18

23ـ البحث / 18

24ـ البحث / 19

25ـ البحث / 20

26ـ البحث/ 20

27ـ السيد محسن الامين، سيرة الرسول / 41، وكذلك يمكن الرجوع إلى كتب السيرة النبوية عامة.

28ـ البحث / 22

29ـ البحث / 41

30ـ يس / 69

31ـ آل عمران / 19

32ـ الحج / 78

33ـ الانفال / 61

34ـ الفرقان / 63

35ـ يونس / 10

36ـ البقرة / 148

37ـ الكهف / 29

اترك تعليقا