المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

الإسلام ومنهج العنف -العراق نموذجاً

تتعرض المجتمعات البشرية في مسارها لاحوال مختلفة ، وتمر بمنعطفات خطيرة، تؤثر فيها ايجاباً أو سلباً ، وتظهر عليها ظواهر هنا وهناك تخف أو تشتد ، وتقصر مدتها أو تطول بحسب مقتضيات تلك الاحوال.

وبعيداً عن الوقوع في شراك النظرية ، فإن الذي يهمنا في هذا الصدد ، هو ما نشهده من بروز بعض تلك الظواهر في حياتنا ، وما تتركه من اثار مؤذية بل مدمرة، على عموم المجالات الحيوية . وتلكم هي ظاهرة العنف.

فقد اصبح من المألوف والمعتاد الحديث اليومي عن العنف ، بعد أن كان الحديث عنه نادراً باعتباره من الظواهر الشاذة .

وقد اتسعت دائرة نفوذه حتى بلغت الدائرة العالمية الاوسع، بعد أن تجاوزت الدائرة المحلية ثم الاقليمية. وهذا اذا نظرنا إلى العنف، الذي هو لون من الوان الظلم، من خلال باعثه الذي يساعد على اعتباره باعثاً فطرياً ما نلاحظه من اشارات متعددة إلى ذلك في نصوص القرآن الكريم ، من امثال قوله تعإلى

{وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}”النحل/33″، وقوله {نَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} “ابراهيم/34″، وقوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} “هود/101”.

فالظلم باعتباره ظاهرة بشرية، تكون بداياته ذاتية ، انتهاءاً بالدائرة البشرية الاوسع. غير ان الترتيب ينعكس ، اذا نظرنا إلى ذلك العنف والظم من خلال كونه مقصوداً ومفتعلاً ومرتبطاً بدوائر تغذيه . فإن منشأه في هذه الحاله يكون من الدائرة الاوسع ، انتهاءً بالدوائر الادنى ، اقليمية كانت أو محلية، في الاعم الاغلب . .

وتأتي اهمية هذا البحث وضرورته من تأثيرات العنف الخطيرة ، وامتداداته إلى مناحي الحياة المختلفة ، اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها ، ومن تأثير ذلك كله في صياغة الحياة النفسية والفكرية التي يتأسس عليها معرفة الحياة عامة ووعيها وفهمها ، ثم في اتخاذ القرارات والمواقف ازاءها على ضوء ذلك الفهم، صحة أو خطأ، وما يستتبعه ذلك من استقرار واضطراب في الحياة الاجتماعية .

العراق نموذجاً

من اليسير على المراقب ملاحظة تلك التأثيرات على المستوى العالمي ، وعلى مستوى المجتمعات الإسلامية ، وخاصة في الشرق الاوسط ، المنطقة الستراتيجية والاكثر حساسة في العالم ، وفي العراق على وجه اخص.

وسوف احاول في هذا المقام ، تشخيص المجالات الرئيسة التي يظهر فيها العنف ويتحرك خلالها ، وتحديد مبررات ظهوره فيها واسبابه ، ثم تحديد الموقف الشرعي من ذلك كله ، بالاشارة إلى مواقف المرجعية الدينية في النجف وبياناتها الشرعية، باعتبارها الاطروحة الاكثر حنكة وحكمة ونجاحاً وجدوى وتأثيراً ، في مقارباتها للواقع العراقي ، كما اثبتت ذلك التجارب .

وقبل هذا، اذكر بأني سميت الظاهرة موضوع البحث (العنف)، كي اتجاوز الاختلاف الموجود في تحديد ما هو ارهاب من غيره.

مجالات العنف وأسبابه

يمكن تحديد الاسباب والمجالات التي يظهر فيها العنف ، والدوائر التي يتحرك خلالها، بأربعة مجالات ، هي:

ـ المجال الاول: الاحتلال

الاحتلال تجاوز على حدود الوطن من قبل آخرين ، واقتطاع قسم منه أو فرض سلطة الاخرين عليه . نجد نظائر لذلك في عالم اليوم في فلسطين والعراق وجنوب لبنان وكشمير وغيرها .

وفي الحالة العراقية ، فقد تم تسميتها احتلالاً بقرار دولي.

وهنا تبرز اشكالية الاختلاف في كيفية المواجهة ، فحين نجد في الطرف الاقصى من يركب موجة العنف بشكل متسرع، دون النظر في العواقب والنتائج ، ودون النظر الصحيح في التكييف الشرعي والقانوني لذلك ، نجد في الوقت نفسه في الجانب الآخر من يجنح إلى الخطة الاخرى ، خطة اللاعنف، من اجل استكمال ادوات التحرير والاستقلال والسيادة الضرورية ، متمثلة في اجراء الانتخابات ، وتمكين الشعب من اتخاذ قراراته ، والسير بالعملية السياسة لحين تمكن الشعب من القرار المتمثل بكتابة الدستور والتصويت عليه وتشكيل الحكومة على اساسه ، تمهيداً لتسلم السلطة من المحتل .

فهناك اتفاقيات وعهود بانهاء الاحتلال وتسليم السلطة كما ان هذا الطريق ، طريق المقاومة السلمية، يسمح باعطاء المهلة الزمنية المناسبة للكشف عن صدق تلك الاتفاقيات والعهود . وبعدها سيكون لكل حادث حديث ، وليس قبلها .

ان الحكمة تقتضي اعطاء المفاوضات الفرصة اللازمة ، ما دام الهدف هو تحرير الارض وتحقيق السيادة الوطنية عليها .

وهو الطريق الذي تبنته ودعت إليه المرجعية الشيعية الرشيدة ممثلة في شخص المرجع السيد السيستاني .

اما الاستباق والقفز على المقدمات الطبيعية ، والدعوة إلى العنف ، مع الاغماض والتطرف فيه بدعوى الجهاد ، وقطع السبيل على المحاولات الاخرى ، والتحدث باسم الامة دون تخويل منها ، أو باسم الإسلام دون مستند شرعي يجيز ذلك ، كل ذلك يفوت الفرصة على الامة في جني ثمار مشروعها التحريري ، ويفوت عليها تسلمها للسلطة في حال عدم تشكيل الحكومة المنبثقة عن ارادتها عبر ممثليها الشرعيين في المؤسسة النيابية .

ان الدعوة إلى الجهاد بشكل مبتسر ، تؤذن بإحباط مشروع المقاومة السلمية، وتقف على الضد منه، رغم اتحادهما في هدف التحرير وتحقيق السيادة الوطنية .

ويلاحظ في هذا المجال ان مقولة اللاعنف لا تلغي الجهاد ذي الشوكة طريقاً للتحرير ، لكنها قبل المناداة به تستنفد كل السبل غير ذات الشوكة ، والمشروعة والممكنة ، وتتوسل بكل الوسائل المتاحة قبل الاذن بالجهاد، حسب الظروف والامكانات ، مع عدم السماح لكل من هب ودب باعلان الجهاد، أو تشخيص المصلحة الإسلامية والوطنية العليا ، فذلك شأن يضطلع به مراجع الامة الذين لهم الحق الشرعي في تقدير ذلك والفتيا في هذا الشأن .

وقد اشار بعض المراجع إلى ان ثورة العشرين لم تكن الا بعد ان أخل المحتل البريطاني بعهوده واتفاقاته بتشكيل حكومة وطنية. الامر الذي دفع المراجع في النجف وكربلاء حينها لاصدار فتوى الجهاد المسلح لتحقيق السيادة والاستقلال .

اما الموقف من المقاومة المسلحة في الظرف الراهن فهو أمر يتحمل مسؤوليته اصحابه ، شرعاً ، وذلك قبل استلام الشعب العراقي للسلطة .

بيد أن الامر يختلف بعد كتابة الدستور واجراء الانتخابات العامة التي شارك فيها الجميع لاختيار ممثليهم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فقرار المواجهة المسلحة مع جهات لها مواثيق مع السلطة يعتبر خروجاً على القانون والسلطة الحاكمة، ومن هنا كان للمرجعية موقفها الواضح الداعم للعملية السياسية ، لكونها الطريق لتحقيق السيادة .

وتشاورت مع اهل الخبرة قبل ذلك، ليكون موقفها مؤسساً على الواقع الموجود وليس المفترض. فكان خيارها الصائب في نبذ العنف وتجنب ادخال الشعب والبلد في عنف آخر يكلف ابناءه الكثير . فإمكانية الخلاص من الاحتلال بطريق آخر غير طريق العنف موجودة.

ويمكن تحديد شواخص هذا الطريق المؤدي للخلاص من الاحتلال ، والذي دعت إليه المرجعية، في الامور الآتية :

1 ـ بناء الدولة الشرعية (المنتخبة) ، اعتماداً على اجراء انتخابات لاختيار ممثلي الشعب ، ثم تشكيل حكومة وطنية شرعية منتخبة تمسك زمام الامور ، ويمكن التعامل معها لارساء قاعدة للاستقلال . وهو امر مهم ، وخطوة نحو ايجاد منطلق شرعي ، وواقع معترف به يمكن من خلاله تحصيل كامل السيادة .

2 ـ ارساء دستور لدولة شرعية ، وذلك من خلال التصويت العام عليه ، بعد أن تتم كتابته بأيد منتخبة من قبل الشعب (الجمعية التأسيسية).

3 ـ الاستفادة من القرارات الدولية والامم المتحدة لتحقيق كامل السيادة .

4 ـ اعتبار الشعب والحكومة المنتخبة هما الاداة والوسيلة لتحقيق الاستقلال والسيادة سلمياً.

5 ـ الوقوف بشدة وقوة امام أية مصادرة لرأي الامة ، أو القفز على خياراتها ، أو القول بالحكومة المعينة غير المنتخبة بأي شكل من الاشكال ، واعتبار ذلك حالة طارئة ، وبذلك لا تمتلك كامل الصلاحيات .

لقد تابعت المرجعية في النجف والسيد السيستاني بالخصوص العملية السياسية المفضية إلى بناء الدولة المنتخبة ( الشرعية ) التي من خلالها يمكن تحقيق الاستقلال والسيادة .

ووضعت نصب عينها ذلك الاستقلال هدفاً مركزياً ، وواجباً رئيساً تضطلع به لانقاذ الامة والبلد من ازمته الخانقة المتمثلة بالاحتلال وعملت بتعاون عال مع الحكومة العراقية والجهات السياسية الاخرى دافعةً اياها للسير وفق البرنامج الذي اختطته المرجعية لتحقيق الاستقلال .

ذلك البرنامج المتضمن مفردات الانتخابات ، الجمعية الوطنية ، الحكومة المنتخبة ، الدستور ، التصويت عليه لتحقيق مقومات الدولة الحديثة ، ثم الانتخابات وفق الدستور لتشكيل حكومة وطنية منتخبة قادرة بما تمتلك من اسس واقعية ، وبتمثيلها للاكثرية وللشرعية ، على دائرة عملية التفاوض مع الامم المتحدة والقوات المتعددة الجنسيات العاملة في العراق وفق القرارات الدولية ، لتحديد مهامها وحركتها وموعد خروجها . وبذلك يتحقق الاستقلال والسيادة الكاملة عبر آلية الدولة الشرعية المعترف بها دولياً .

ووفقاً لمنظور المرجعية فإن بناء الدولة في ظل الاحتلال ، مع الحفاظ على الارادة الحرة النزيهة ، ومراقبة الامم المتحدة ،وأخذ كامل الحيطة والحذر ، هو طريق صحيح لا اشكال فيه. علماً ان لذلك نظائر في اكثر من بلد في العالم . وما جرى في فلسطين المحتلة شاهد لذلك .

اما اذا لم توفق الحكومة المنتخبة في تحقيق الاستقلال والسيادة ، ووجد ان هناك تلاعباً وعدم التزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، وان الدول الكبرى لم تف بالتزاماتها وفقدت مصداقيتها، عند ذلك يصار إلى تقييم دقيق للقدرات المتوفرة ، وإلى تشخيص للمصالح وللامكانات اللازمة لتحقيقها ، ورسم طريق تحصيلها . وتلك مهمة جسيمة تجد المرجعية نقسها مسؤولة عنها ، بما تمتلك من تأثير واسع على الارض للخروج من تلك الازمة بقدر المستطاع والممكن .

وقد اشار بعض المراجع إلى تجربة المرجعية العليا بعد احتلال العراق بين عامي 1914 ـ 1917 م، بعد تخلف المحتل عن تحقيق وعوده . الامر الذي فرض على العلماء تحديد مطالب الامة، ومطالبة المحتل البريطاني بها . وحين رفض المحتل ذلك ، وبعد سنوات من التفاوض والاخذ والرد، لم يبق الاّ الدعوة للجهاد المسلح ، بعد استكمال شروطه من القدرة وابلاغ الحجة واستعداد الامة ، كما ذكرنا سابقاً.

وبهذا الصدد نجد ان السيد السيستاني كان حريصاً اشد الحرص على رفض اية ولاية أو قرار أو اتفاق أو نص يقيد ارادة الشعب العراقي واختياره . وخاصة عندما يكون هذا القيد موحى به من الاحتلال .

وقد جاهد سماحته بكل ما اوتي من قدرة ، واستخدم كل وسائل الضغط ، وهدد بانزال الناس إلى الشارع ، في حال وضع اي قيد على ارادة الشعب ، حتى لو كان هذا القيد قد صنعته قوى لها رصيد شعبي، كقانون ادارة الدولة . فهذا القانون لا يملك الهيمنة ولا تقييد ما سوف يقرره الشعب العراقي . وهذا هو معنى تحقيق الاستقلالية الكاملة لارادة الشعب .

ان الرجوع إلى مذكرات بريمر ، يكشف ان ارادة الصراع الاقوى والمثيرة للمحتل، والتي كانت تؤرق بريمر ، هي مواقف السيد السيستاني وخطاباته وبرنامجه .

فقد كان السيد السيستاني ، باعتراف بريمر وكثير من المحللين والصحفيين ، الرجل الاقوى في العراق، مقارنةً ببريمر والمحتل بكل ما يمتلكه من قوة عسكرية .

صحيح ان السيد السيستاني لم يدخل معترك العنف الدموي أو الفوضى، لكنه كان قائداً صلباً وذكياً وشجاعاً ومجاهداً باسلاً في تحقيق مشروعه السلمي لنيل الاستقلال والسيادة للعراق .

ان المرجعية العليا في النجف لا ترى ان اسقاط النظام الاستبدادي في العراق عن طريق الغزو والاحتلال هو الحل الانجع، بما استتبعه ذلك من مآس كثيرة ، منها انهيار الدولة العراقية ، وانعدام الامن والاستقرار ، وتفاقم الجرائم، وتلف كثير من الممتلكات العامة حرقاً ونهباً وتدميراً ، وغير ذلك .

فالاحتلال حالة مرفوضة ، يجب العمل على الخلاص منها. وفي الوقت الذي شجبت المرجعية طريق العنف في التعامل مع الناس، والاخلال بالنظام، فإنها دعت إلى الحكمة عبر الطريق السلمي الذي سبقت الاشارة إلى معالمه.

وعلى كل حال فهو منهج يحتاج المزيد من الدراسة والفهم ، ومقارنته بالمناهج الاخرى .

ان الرجوع إلى ما اصدره مكتب سماحته ، ودراسته بإمعان يمكن ان يرسم بعض ملامح هذا المنهج.

ونطالع على سبيل المثال لا الحصر بعض تلك المواقف الصادرة، ففي معرض سؤال ورد إلى مكتب سماحة السيد السيستاني من صحيفة كزاتا يثبورتشا البولونية:

[س/ بخصوص الاميركان هل من التصرف الصحيح للأميركان مهاجمة صدام وأعوانه في الوقت الحاضر، وكم من الوقت ستبقى القوات الأميركية في العراق؟

ج/ ينبغي الاعتماد في توفير الأمن والاستقرار في مختلف ربوع العراق على قوات الشرطة وسائر القوات الوطنية بعد تعزيزها بالعناصر الكفوءة والمعدات الضرورية.]

كما سألت صحيفة نوفيل اوبزرفاتر الفرنسية عن الوقت المناسب لمغادرة الاميركان من العراق فكان جواب سماحة السيد :

[ج/ لا مبرر لتواجدهم من الأساس، وإذا كانت هناك حاجة إلى قوات أجنبية لحفظ الأمن والاستقرار في العراق في المرحلة الانتقالية فلتكن تحت مظلة الامم المتحدة.]

ونلحظ ذلك أيضا في جواب سماحته لمجلة بولندا الاسبوعية عن رأيه بالتواجد الامريكي في العراق فكان جوابه: [ج/ إنه احتلال كما نصّ على ذلك قرار مجلس الأمن أيضاً].

بل واكد رفضه للاحتلال عندما اجاب المجلة نفسها حين سأله ان كان سماحته موافق بالتواجد الاميركي في العراق بقوله: [ج/ كيف نوافق على الاحتلال؟ إننا نطالب بفسح المجال للعراقيين بأن يحكموا بلدهم بأنفسهم وتكون لهم السيادة الكاملة عليه].

ويتضح منهج سماحة السيد المرجع جلياً حين بين المنحى الخاطئ لتغيير النظام الاستبدادي عن طريق الغزو فقد اجاب مجلة ديرشبيغل الالمانية:

[لم يكن المنشود تغيير النظام الاستبدادي عن طريق الغزو والاحتلال بما استتبع ذلك من مآسٍ كثيرة، ومنها انهيار مقومات الدولة العراقية وانعدام الأمن والاستقرار وتفاقم الجرائم وتلف الكثير من الممتلكات العامة حرقاً ونهباً وتدميراً وغير ذلك.]

ـ المجال الثاني: الحاكم الظالم

اشكالية الحاكم الظالم والحكومة المستبدة والحكومة غير الشرعية ، قديمة في تاريخ المجتمعات الإسلامية .

ففي حال تسلط حاكم غير منتخب، أو حاكم يتجاوز الاحكام الشرعية ، فإن الحكم الشرعي الذي تسالم عليه جل الفقهاء بالعنوان العام الاولي ازاء ذلك هو التعاطي مع ذلك الحكم وتلك الانظمة بالنصيحة والدعوة بالتي هي احسن ، في إطار العمل الفكري والسياسي السلمي ، والضغط والابلاغ والدعوة والتظاهر ، وما اشبه ذلك لتحقيق المطالب .

ولا يجوز اللجوء لاستخدام العنف وإراقة الدماء ، وازهاق الارواح والاعتداء على الممتلكات، الا في حالات الضرورة والحالات الدفاعية ، وبالعنوان الخاص والثانوي .

اما اذا تفاقم ظلم الحاكم ، واعلن حرب الابادة على كل من يحمل الفكر الإسلامي الاصيل ، ومارس التطهير المذهبي والتهجير ، وتدمير الحوزة العلمية وقتل المراجع واصدار قرارات الاعدام بأثر رجعي بشكل عام ، سواء ضد الشيعة أو الكرد في العراق ، والتجاوز على الحقوق والحريات والنصوص الشرعية ، الامر الذي قل نظيره ، كما حصل ابان الوضع الطارئ للنظام الاستبدادي الصدامي ، فإن الموقف الشرعي ازاء ذلك تردد بين من افتى بجواز حمل السلاح والعنف في مواجهة السلطة الجائرة ، بالعنوان الثاني ، دفاعاً عن النفس وردعاً لنظام لا يفهم لغة الحوار والكلمة ، ولا يعترف بالعمل السياسي السلمي ولا بالقضاء العادل ، وبين من لم يجد في ذلك مبرراً شرعياً لازهاق الانفس أو التجاوز على المال العام ، وترك تقدير ذلك للخبراء في السياسة ـ واشترط بعضهم وجوب كون هذا العمل بإذن مجتهد مكتمل الشرائط وبإشرافه .

ان استخدام العنف الدموي في مواجهة السلطة غير جائز بعنوانه الاولي ، ولكنه جائز عند الاضطرار، وبفتوى خاصة من المجتهد وبإشرافه ، بشكل محدود لا يؤثر على الابرياء ، بل يختص بالاجهزة القمعية مباشرة ، لأن الامر يتعلق بالدفاع وحماية النفس ، وليس بعمل سياسي لاسقاط النظام وتغييره .

ومن الجدير بالملاحظة تصاعد منحنى استخدام العنف في مواجهة بعض الانظمة ، كما حدث في مصر ايام حكم السادات، وفي العراق ايام صدام، وفي الجزائر، وغيرها من البلدان.

ويطرد هذا التصاعد في منحنى العنف مع التصاعد في ارقام سجون الانظمة وتعسف حكامها، مما يحيل العنف في النتيجة من وسيلة لردع النظام إلى منهج عام في التعامل مع الانظمة ، وعلاج ذلك يكون بتوسيع دائرة الإصلاح السياسي واشاعة قيم التعددية .

وبالامكان الرجوع ههنا إلى تجربة المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر ، فقد اصدر فتواه بحمل السلاح لمواجهة حكومة مستبدة من نوع خاص ، حكومة لا تفهم الخطاب الإنساني، وذلك بعد استنفاد كل الوسائل السلمية مع ذلك النظام .

وبذلك يمكن القول ان استعمال السلاح في مواجهة الحاكم غير مقبول الا في حالة خاصة واضحة . ولا يمكن اعتبار ذلك قاعدة عامة ، إذ لم يفت كل المراجع والمجتهدين به وتجدر الاشارة هنا إلى موقف المرجع السيد السيستاني المتحفظ من ذلك .

كما تجدر الاشارة إلى موقف سماحته أيضا من الحكومة التي عينها المحتل بالتشاور مع ممثل الامم المتحدة وبعض الأطراف السياسية العراقية . ذلك الموقف الذي تجلى في بيانه بـــ

1ـ انها حكومة غير شرعية لانها غير منتخبة .

2ـ انها حكومة تصريف اعمال ولا يجوز لها اتخاذ قرارات مهمة ترهن مستقبل البلد ، وعلى مختلف الاصعدة .

3ـ مطالبتها باداء مسؤولياتها في بسط الامن على كل ربوع البلد وتقديم الخدمات وتخفيف معاناة المواطنين .

4ـ امامها مهمات محددة يجب العمل على تحقيقها ، هي :

أ ـ استحصال قرار واضح من مجلس الامن باستعادة العراقيين السيادة على بلدهم.

ب ـ اجراء انتخابات نزيهة في موعدها لتشكيل جمعية وطنية . ومن ذلك تبين ان التوجه العام للسيد السيستاني ازاء الحكومات غير الشرعية وغير المنتخبة وغير المستبدة هو في استخدام النصيحة والضغط لتحقيق الأهداف .

ولم نجد في تاريخ المرجعية الشيعية انها استخدمت العنف الدموي في عملية إصلاح سياسي أو تحقيق مصالح جزئية . واذا كان هناك بعض الخروج على القاعدة ، فهو تحت عنوان خاص لظروف خاصة ، مع تقييد ذلك الخروج بقيود صارمة تجعل من المؤسسة الامنية الخاصة هي الهدف ، وليس كل اجهزة الدولة التي تقوم بخدمة الناس. ولا تجعل من الابرياء هدفاً، لإضعاف الحكومة، كما يفعله اليوم بعض من يسمى بالإسلاميين أو بعض العلمانيين.

اما تصور سماحته للحكومة الشرعية (المنتخبة) وواجباتها وموقفة منها ، فإنه يؤيدها حتى لو لم تكن حكومة اسلامية . وقد حدد سماحته ملامح هذه الحكومة في العراق . في هذه المرحلة على الاقل ، بأنها :

1ـ حكومة تتشكل من عناصر كفوءة علمياً وادارياً .

2ـ تتسم بالنزاهة والسمعة الحسنة والحرص على المصالح الوطنية العليا ، والابتعاد عن المصالح الحزبية والطائفية والعرقية الضيقة ونحوها .

3ـ تحمل مسؤولياتها الامنية كاملة ، وتقف ضد العلميات الاجرامية كافة ، وتبني قواتها على اسس وطنية سليمة يكون الولاء فيها للوطن وحده دون اية جهة سياسية، وتحصر السلاح بيدها .

4 ـ تلتزم مكافحة الفساد الاداري ، وتضع آليات لحفظ المال العام ، وللتخلص من المفسدين وملاحقتهم قضائياً ، أياً كان موقعهم في الدولة أو خارجها .

5ـ تعمل بجد على تقديم الخدمات العامة مثل الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود .

6ـ تعمل على تحقيق السيادة الكاملة على البلاد سياسياً وامنياً واقتصادياً . . وتعمل على ازالة اثار الاحتلال .

7ـ تعمل على اقامة افضل العلاقات مع دول الجوار كافة على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون في مختلف المجالات بما يخدم صالح شعوب المنطقة جميعاً .

ويحدد سماحته دور المرجعية ازاء مثل هذه الحكومات المنتخبة بـ :

1 ـ مراقبة الاداء الحكومي وتقديم النصيحة اذا اقتضت الضرورة ذلك .

2 ـ التعبير عن اصوات المظلومين والمحرومين ، والدفاع عنهم اياً كانوا بلا تفرقة .

3 ـ اداء المرجعية واجباتها من دون ان تداهن احداً أو تسكت على اي شيء يمس المصالح العامة للشعب العراقي .

وجدير بالذكر ان نرجع إلى نص البيان الصادر عن مكتب سماحة السيد السيستاني حول زيارة رئيس الوزراء العراقي المكلّف السيد نوري المالكي لسماحة السيد “دام ظله” إذ يقول: [أكد سماحته على ضرورة ان تشكّل الحكومة الجديدة من عناصر كفوءة ـ علمياً وإدارياً ـ وتتسم بالنزاهة والسمعة الحسنة مع الحرص البالغ على المصالح الوطنية العليا والتغاضي في سبيلها عن المصالح الشخصية والحزبية والطائفية والعرقية ونحوها.

وشدد سماحته على أن من اولى مهام هذه الحكومة معالجة الحالة الأمنية ووضع حدّ للعمليات الإجرامية التي تطال الأبرياء يومياً خطفاً وتعذيباً وتفجيراً وقتلاً وتنكيلاً وغير ذلك، ولهذا الغرض لا بدّ من حصر حمل السلاح في أيدي القوات الحكومية، وبناء هذه القوات على أسس وطنية سليمة بحيث يكون ولاؤها للوطن وحده لا لأية جهة سياسية أو غيرها.

وأوضح سماحته أنّ من المهام الاخرى للحكومة المقبلة التي تحظى بأهمية بالغة مكافحة الفساد الاداري المستشري في معظم مؤسسات الدولة بدرجة تنذر بخطر جسيم، فلا بدّ من وضع آليات عملية للقضاء على هذا الداء العضال وملاحقة المفسدين قضائياً أياً كانوا.

كما نبّه سماحته على ضرورة الاهتمام الجاد بتقديم الخدمات العامة وتوفير القدر الكافي من الكهرباء والماء الصالح للشرب والوقود ونحوها للمواطنين تخفيفاً لمعاناتهم في هذه الظروف العصيبة.

وقال سماحته: ان على الحكومة الجديدة ان تعمل كل ما في وسعها في سبيل استعادة سيادتها الكاملة على البلد سياسياً وأمنياً واقتصادياً وغير ذلك، وعليها ان تسعى بكل جدّ لازالة آثار الاحتلال.

وذكر سماحته: ان من الضروري إقامة افضل العلاقات واوثقها مع دول الجوار كافة على اساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والتعاون في مختلف المجالات بما يخدم مصالح شعوب المنطقة جميعاً.

وتمنى سماحته كل التوفيق والنجاح للحكومة المقبلة مشدداً على ان نجاحها نجاح للجميع واخفاقها ـ لا سمح الله ـ سيصيب الجميع بالضرر البليغ، لذلك فلابد من التكاتف والتعاضد بين القوى السياسية وسائر الأطراف المعنية لإنجاح هذه الحكومة وتمكينها من اداء مهامها على الوجه الصحيح.

وأشار سماحته إلى ان المرجعية الدينية التي لم ولن تداهن أحداً أو جهة فيما يمسّ المصالح العامة للشعب العراقي العزيز ستراقب الاداء الحكومي وتشير إلى مكامن الخلل فيه كلما اقتضت الضرورة ذلك وسيبقى صوتها مع أصوات المظلومين والمحرومين من أبناء هذا الشعب أينما كانوا بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم واعراقهم.

وعقب على ذلك السيد رئيس الوزراء المكلّف بأنه مصمم على تشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤولياتها المشار إليها ويتطلع إلى تعاون الجميع معه في هذا المجال.]

– المجال الثالث: الطائفية

ظهر العنف الطائفي قديماً في البلاد التي تتكون شعوبها من طوائف مختلفة .

وفي المجتمعات الإسلامية يمكننا ان نلاحظ ذلك في اماكن متعددة من رقعة الديار الإسلامية.

وهي صفحات دامية ومؤلمة لا نزال نشهد آثارها المدمرة .

وابتلي الشيعة خصوصاً على مر التاريخ بذلك ، اذ كان علماء السلاطين يفتون بقتلهم واجتثاثهم .

كما يسعى اليوم بعض الجهلة والمغرضين من حملة العلم ، ومن طائفة اسلامية محدودة ، كبعض علماء الوهابية أو السلفية للافتاء بعزل الشيعة عن المجتمع الذي يعيشون فيه وعدم اعتبارهم مسلمين.

ومن الجدير بالذكر ان العنف الطائفي ظهر أيضا في التاريخ المعاصر بين المجموعات المذهبية الإسلامية والقومية بعد تحرير افغانستان من الاحتلال السوفييتي .

فكان الاقتتال بين المجموعات السياسية لتوسيع نفوذها . ولما كانت هذه المجموعات تنتمي إلى قوميات ومذاهب مختلفة فقد بدا الصراع القومي المذهبي للمجموعات الإسلامية .

ثم جاءت مجموعة طالبان لتفرض بالعنف وجودها وسلطانها على الجميع ، تحت حجة انها تمتلك الشرعية ، وان المجموعات السياسية الاخرى فقدت شرعيتها .

اما ما يجري في العراق فهو صورة معقدة ، فيها الكثير من الخلط والتهويل الاعلامي والسعي للخلط بين الصورة الاولى في افغانستان وبين الصورة الثانية في العراق. ويتم تمريرها بعنوان من ساعد المحتل ، وصولاً إلى اصدار حكم قتل طائفة لموقعها العام وليس الشخصي.

وهذه ظاهرة جديدة وغريبة استخدم فيها العلمانيون المنافقون والبعثيون العلمانيون بذكاء الوسائل الإسلامية مستغلين مناخ الحرية والديمقراطية .

وهنا يأتي دور دوائر القرار الإسلامي لتتخذ الموقف الشرعي الصحيح من ذلك .

ولم يكن الموقف الشيعي العام تجاه ذلك العنف الطائفي الممارس ضدهم ، ردة فعل مماثلة ، اي الافتاء بكفر من يكفرهم، أو قتل من يقتلهم، أو الخروج على هذا المجتمع ومحاربته باعتباره مجتمعاً ظالماً، أو يسلب حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية ، حتى مع التمكن من ذلك، كأن يكون الحكم يميل إلى الشيعة، أو له موقف من طرف معين يمكن استغلاله باتجاه الثأر.

بل كان الموقف الشيعي هو أنّ حرمة دم المسلم وماله وعرضه تنطبق على كل من قال الشهادتين ، سواء أكان من مذهب اهل البيت أم لم يكن .

وكانت الاوامر الشرعية في التعامل مع خارج المذهب تقضي باعتبارهم ضمن دائرة الإسلام .

وهذا بخلاف بعض علماء الوهابية والسلفية الذين افتوا بعدم جواز التعامل مع المسلمين الشيعة وفق الدائرة الإسلامية ، لشبهة في فهمهم حدود دائرة الإسلام ، استناداً إلى احاديث غير مجمع عليها أو مختلف في تفسيرها وفهمها .

فالعنف الدموي محرم بين المسلمين على اساس مذهبي .

غير اننا قد نجد ان هناك قتالاً على مصالح معينة ، كما يحدث بين العشائر ، بعيداً عن العداء المذهبي، أو نجده في صراع بين دول على حدود أو مصالح بذاتها .

اما القتال على اساس مذهبي فهو ما لم يقل به علماء المسلمين بشكل عام ، وعلماء الشيعة في النجف بشكل خاص . فلم يفتوا بقتال على اساس مذهبي مطلقاً.

واذا كان هناك جواز معين فهو للدفاع عن النفس ، كما حدث ابان هجمات (الاخوان) المتطرفين من الوهابية على كربلاء والنجف ، وقتلهم الابرياء في المنطقة.

فلم تكن فتوى علماء الشيعة بالهجوم والاعتداء ، وانما كانت لرد الاعتداء وللدفاع.

ويسعى السياسيون والحكام منهم خصوصاً إلى إكساب صراعهم صبغة دينية من اجل تعبئة الامة باتجاه مصالحهم ، كما فعل العثمانيون والصفويون في حروبهم ، وكما فعل صدام في اعتدائه على ايران .

وكل ذلك ليس من الدين في شيء. ولم يفت فيه العلماء عامة ، وعلماء الشيعة في النجف خاصة.

فالموقف المرجعي الديني العام ازاء هذا الموضوع هو حرمة دم المسلم أياً كان مذهبه. وأن الشهادتين هما عنوان الإسلام، دون الدخول في التفاصيل، إلا من نصب العداوة لاهل البيت، وهو محل اجماع المسلمين .

تأمل جواب سماحة السيد حين سؤل عن الصراع الشيعي السني في العراق إذ قال سماحته: [لا يوجد صراع ديني بين الشيعة والسنة في العراق، بل هناك ازمة سياسية، ومن الفرقاء من يمارس العنف الطائفي للحصول على مكاسب سياسية وخلق واقع جديد بتوازنات مختلفة عما هي عليها الآن، وقد تسبب هذا في زجّ بعض الأطراف الاخرى أيضا في العنف الطائفي، ويضاف إلى ذلك ممارسات التكفيريين الذين يسعون في تأجيج الصراع بين الطرفين ولهم مشروعهم المعروف.

ونتيجة ذلك كله هو ما نشهده اليوم من عنف أعمى يضرب البلد في كل مكان ويحصد أرواح آلاف الأشخاص وقد تسبب في تهجير وتشريد أعداد كبيرة أخرى من المواطنين.]

وقوله كذلك في مناسبة اخرى ان: [الاختلاف في وجهات النظر ووجود اتجاهات متعددة في الوسط الشيعي كسائر الأوساط الاخرى حالة طبيعية لا يُخشى منها، والحوار الهادئ بين الأطراف المعنية هو الأسلوب الامثل لحلّ الخلافات، واحترام الأقلية لرأي الأكثرية وعدم محاولة الأكثرية للسيطرة على الأقلية والتحكّم بهم هو الأساس الذي يجب ان يُراعى في العمل السياسي].

ان الموقف العام الشرعي الشيعي ازاء الاضطهاد الطائفي ليس هو الاقتتال ، وانما هو التقية، التي تعني عدم اظهار الخلاف مع الاخرين من اجل ان يسود السلام العام، وان لايكون سبباً لنزاع اجتماعي أو مصادرة لحق الإنسان في الحياة وممارسة شعائره الخاصة .

والتقية في الحقيقة عنوان لمظلومية الشيعة ، وشاهد على ظلم الانظمة والمجتمعات لهم عندما كانت تجبرهم على سلوك معين .

وهي موقف حضاري متقدم يسعى للحفاظ على الفرد ، وحقه في ممارسة شعائره الخاصة ، وكذلك الحفاظ على الصورة العامة للمجتمع .

والتقية بمعناها الثاني تتطلب من الشيعة الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه ، ويكونون قريبين منه .

وبالامكان التنازل عن ممارساتهم الخاصة أو الجزئية من اجل ايجاد الالفة والمحبة والتفاهم معهم ، كالصلاة معهم بالطريقة التي يصلون بها .

ان سعي ابناء الشيعة ليكونوا قريبين من المجتمع هو سعي للحفاظ على قوة المجتمع. غير ان بعضهم قد فهم التقية يشكل خاطئ . فبدلاً من ان يحمل الحكام والمجتمعات المتعصبة المسؤولية ، وادانتها لدفع قطاع من مجتمعها إلى عدم ممارسة شعائرهم الخاصة، فإنه يتهم المظلوم والمطارد بأنه ليس صادقاً مع الظالم والمستبد.

كان هذا ما يتعلق بالموقف الديني للشيعة عموماً .

اما الموقف الشرعي الخاص بالفرد فيتمثل في وجوب الدفاع عن النفس وعدم القائها إلى التهلكة ، في حال تعرضه لمحاولة القتل أو السلب .

واذا تناولنا الوضع العراقي، وما حل بالعراق من دخول للايادي الخفية التكفيرية التي كفرت الشيعة وقتلتهم مفتخرة بذلك ، وتمادت فهدمت مقدساتهم، وفجرت قبة الامامين العسكريين ، واهانت الوجود الشيعي، فإنه يمكننا ان نلاحظ ونسجل بفخر موقف المرجعية الدينية في النجف، وموقف السيد السيستاني بخاصة ازاء كل ذلك ملخصاً بنقاط :

1 ـ الفتوى بحرمة قتل البعثيين المجرمين ، بل يصار إلى تسليمهم إلى المحاكم المختصة.

2 ـ الافتاء بوجوب ارجاع مساجد السنة في المناطق الشيعية إلى اصحابها ، وكذلك إرجاع المساجد الحكومية التي كانت تابعة للاوقاف ثم اخذها اهالي المنطقة من الشيعة باعتبارها حكومية إلى اصحابها.

3 ـ اعتبار اهل السنة والشيعة في دائرة الإسلام الواحدة، اضافة إلى كونهم بدرجة الاخوة ، يجب حمايتهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم .

4 ـ التأكيد على وحدة العراقيين ، والدعوة لتحقيق العدل والانصاف والمشاركة للجميع.

5 ـ رفض فكرة الميليشيات، واستبدال القوات الوطنية العراقية بها.

6 ـ التعاون مع الاجهزة الحكومية المختصة لاتخاذ ما يلزم من اجراءات الحماية والمراقبة.

7 ـ الحكومة هي المسؤولة عن الامن ، ويجب تقوية الحكومة واسنادها ، وفي حال عجزها يعمل المؤمنون على حماية الاماكن المقدسة (في حالات خاصة).

8 ـ ضبط النفس والمزيد من الحيطة والحذر.

9ـ العمل على تأكيد الموقف الواحد لكل العراقيين في مواجهة الزمر التفكيرية قولاً وفعلاً ، وذلك بالمنع من الانتماء إلى الفئات المنحرفة ( التكفيرية ) ، وعدم تقديم العون لهم تحت أية ذريعة كانت .

10ـ توعية المغفلين ممن يظنون خيراً بهؤلاء ، وتنبيههم على انحرافهم فكرياً ، وسوء أهدافهم ، وتبعات افعالهم ومخاطرها.

11ـ رفض العقاب الجماعي أو التهجير ، لأن فيه تجاوزاً على دماء الآخرين واموالهم ، وخطورة ذلك وحساسيته .

12ـ حث الحكومة لتحقيق الامن لجميع المناطق ، والاستقرار لجميع العراقيين ، ورعاية حقوقهم كاملة، ومنع الاذى عنهم بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية والمذهبية والسياسية.

13ـ تفعيل القضاء العراقي ليمارس دوره ، والاسراع في محاكمة المتهمين في قضايا القتل الطائفي وغيرها من الجرائم واقرار العقوبة المناسبة في حق من تثبت ادانته .

ومن الممكن بهذا الخصوص مراجعة رسالة ابناء الشهيد الصدر الثاني في 21 شعبان.

اما ما يحدث من ردود افعال في بعض المناطق الشيعية في العراق تجاه الآخرين ، فهي ردود افعال شعبية مدانة شرعاً . ولو لا موقف المرجعية الدينية لكانت الحرب الاهلية قد اندلعت في العراق في وقت مبكر.

فقد ورد في رسالة سماحة السيد السيستاني للشعب العراقي حول الفتنة الطائفية: […. واذكّر الذين يستبيحون دماء المسلمين ويسترخصون نفوس الأبرياء لانتماءاتهم الطائفية بقول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله في حجة الوداع: (ألا وأن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد الغائب) وبقوله صلى الله عليه وآله: (من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد حقن ماله ودمه الا بحقهما وحسابه على الله عزّ وجلّ) وبقوله صلّى الله عليه وآله: (من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقى الله عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله)].

كما اجاب سماحته حين سئل عن رؤيته بشأن العلاقة بين السنة والشيعة بقوله: [إن العلاقة الأخوية بين الشيعة والسنة في العراق لن تتأثر ببعض الحوادث المؤسفة التي وقعت مؤخراً، وقد سعى الكل في تطويقها واتخاذ ما يلزم لعدم تكررها، ومن المؤكد أن العراقيين جميعاً سنة وشيعة وغيرهم حريصون على وحدة بلدهم والدفاع عن ثوابته الدينية والوطنية، كما أنهم متفقون على ضرورة التأسيس لنظام جديد يقر مبدأ العدالة والمساواة بين جميع أبناء هذا البلد في جنب مبدأ التعددية واحترام الرأي الآخر].

المجال الرابع: مواجهة الهيمنة العالمية والعولمة

تظهر بعض صور العنف التي تحدث هنا أو هناك في العالم الغربي ، يدعي فاعلوها انهم ينتسبون إلى مجموعة اسلامية. وعند التدقيق في تلك المدعيات التي يروجونها ، نجدها تختلف بشكل عام من حيث المضمون والأهداف والاداء عن المجال الاول المتعلق بالاحتلال ، والمذكور سابقاً . اذ ان قواعد المواجهة في هذا المجال تفترض افتراضات حادة تفارق كثيراً من قواعد الفقه الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع الآخر ، أو تجاوز العهود والمواثيق ، أو الخروج على حدود المواطنة، وما أشبه.

ولذا يمكن اعتبار بعض دوافع القائمين عليها تمثل حالة ردة الفعل للتهميش والاذلال والاستئصال كما يتصورون ما حدث في بعض المناطق كالبوسنة وكوسوفو أو تكون هذه العمليات ردة فعل على حالة الكيل بمكيالين وعدم العدالة في ما يتعلق بشؤون العالم الإسلامي، مما يمكن اعتباره واقعاً تحت عنوان الاجحاف.

أو يكون بعض اسباب ذلك العنف مرتبطاً بالوضع الاقتصادي العام الذي يعيشه العالم الإسلامي ، وحالة الحرمان وعدم توفر الحد الادنى من مستلزمات العيش الكريم .

وتلك هي ابرز العناوين التي قد تكون دوافع لهؤلاء .

وعند الرجوع إلى موقف المرجعية الشيعية في النجف نرى انها لا تعترف بمثل هذا العنوان (عنوان العولمة) مبرراً شرعياً لاستخدام العنف ، لأن مواجهة الهيمنة الاقتصادية أو الفكرية تكون بما يماثلها من تطوير اقتصادي أو علمي ، وليس بمحاربة الآخر .

فليست الهيمنة أو العولمة أو الشعور بالضعف والمذلة والحرمان ، مبررات تسوّغ لشعب أو لأمة أو لفرد تجاوز حقوق الآخرين ، أو المصالح العامة لبلد أو مؤسسة . ولا تسوّغ اراقة دم من اجلها ، إذ لا مستند شرعيٍ لذلك .

ان قتل الآخر أو تخريب منشأة أو الاعتداء على مؤسسة ، يقع ضمن المحرمات الشرعية ، حتى لو كان الطرف الآخر منافساً أو مخالفاً . وتتأكد الحرمة في حالة وجود عهود أو اتفاقات بين الطرفين . أو كان الفرد من اولئك الذين التزموا بحق اللجوء أو الجنسية أو التعهد بالتزام قوانين البلد .

ان واقع العولمة بقدر ما فيه من ابعاد سلبية على بعض الشعوب ، فإنه في الوقت نفسه يعطي فرصاً اكبر للحوار والتلاقح والتفاهم بين الشعوب . وبالتالي يعزز فرص امتياز لمن يعتقد ان المنطق والحوار وقوة الحجة هو السبيل للاقناع ، شرط الاحتفاظ بالخصوصية والهوية الاصيلة ، وعدم الاندكاك في الآخر .

كما ان حق المنافسة بين الشعوب ، والتسابق في الخبرات فيما بينها هو الطريق لازدهار الإنسانية ونموها وتطورها .

وذلك كله في مقابل من يرى ان الدم والقتل سبيل لتحقيق الوجود واعلانه . وهو بعينه طريق الضعفاء الذين يرون ان القوة تعني مدى التخريب وليس مدى القدرة على البناء والانجاز .

ان المرجعية في النجف في الوقت الذي كانت فيه داعمة للشعب الفلسطيني عبر الفتاوى التي ساندت هذا الشعب ، وطالبت بدفع الزكاة في هذا الاتجاه ، ودعت الجميع لنصرته ولتحرير القدس ، وتابعت تطورات جهاده ، فإنها لم تكن ترى في هذه المواجهة مع المغتصب الصهيوني مبرراً للاعتداء على الآخرين، أو استخدام العنف الدموي خارج الارض الفلسطينية، سواءاً بحجة تحرير فلسطين أو تحت عنوان مواجهة العولمة والهيمنة العالمية

ولا ترى ـ مؤكداً ـ ان الصراع اليوم مسيحي اسلامي ، أو يهودي اسلامي . بل ترى ان الدين خارج هذه المواجهة . ودور الاديان وعلماء الدين ليس في تأجيج الصراعات ، وانما في ايجاد الحوار المنفتح والمشترك بين الاديان والحضارات لايجاد قاسم مشترك للعيش المشترك المستند على الاحترام ورعاية الحقوق والعمل على خلاص البشرية من ازماتها ومحنها ، وتعزيز كرامة الإنسان وقيمة النبيلة .

هذا ما عملت عليه المرجعية في النجف عبر عصورها المختلفة ، لانها عانت من الحجر الطائفي واستبداد الانظمة والقمع الفكري .

وهي ترى ان استقرار العالم وتطور البشرية لا يتأتى عبر الصراع بل عبر الحوار والانفتاح والتفاهم وحفظ الحقوق والاحترام المتبادل .

ان الرجوع إلى رسالة السيد السيستاني في تأبين الحبر الاعظم يوحنا بولس الثاني وغيرها يكشف عن تلك المبادئ الايجابية في التعامل بين الديانات والتفاعل والتعايش في ما بينها.

كتب سماحة السيد بهذه المناسبة: [بسم الله الرحمن الرحيم، غبطة الكاردينال أنجلو سودانو أمين سرّ حاضرة الفاتيكان المحترم، نعزّيكم وسائر أتباع الكنيسة الكاثوليكية بوفاة الحبر الأعظم يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان، الذي أدّى دوراً متميزاً في خدمة قضايا السلام والتسامح الديني، وحظي بذلك باحترام الناس من مختلف الملل والأديان.

إن البشرية اليوم بأمسّ الحاجة إلى العمل الجادّ والدؤوب ـ ولا سيما من الزعامات الدينية والروحية ـ لتثبيت قيم المحبة والتعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين أتباع مختلف الأديان والمناهج الفكرية.

نسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع إلى ما فيه صلاح الإنسانية وسعادتها، ونتمنّى لكم ولسائر المسيحيين في العالم الخير والسلام.25/صفر/1426هـ، 5/نيسان/2005م]

فهو يحيي ويثمن دور البابا يوحنا في خدمة قضايا السلام والتسامح الديني ، مما اكسبه احترام الاديان والملل على اختلافها.

ويؤكد (في رسالته) حاجة البشرية للعمل الجاد، وخاصة من الزعامات الدينية لتثبيت قيم المحبة والتعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق، والاحترام المتبادل بين اتباع الاديان والمناهج الفكرية .

ـويدعو إلى العمل من اجل صلاح الإنسانية ، وإلى الانفتاح لايجاد عالم ينعم فيه الجميع ـ مسلمون ومسيحيون وغيرهم ـ بالخير والسلام .

انها نظرة منفتحة مسؤولة متعاونة وجادة للخروج من اسر المصالح وضيق الافكار المتشنجة والعصبيات ، إلى روح الإنسانية المتجه إلى الله الواحد الذي يؤمن به الجميع . روح الإنسانية الذي يرفعهم جميعاً للتسابق في خدمة الإنسان ورقيه ، متخذين الاحترام المتبادل بينهم ، دون تنازع وتخاصم ، كما تدعو إليه بعض الاصوات لتحويل عالم اليوم إلى عالم صراع اديان ـ كما كان ـ جر على البشرية الويلات والحروب .

ويجب الانتباه إلى ما يتجه إليه العالم من احتقان ديني لا يريده رؤساء الاديان الخُلّص ، ولا يريده العلماء المخلصون ، فمن يريده إذن؟!

كما وتعتبر تجربة الشعوب الناجحة كتجربة اليابان بعد الاحتلال، ونهوضها الاقتصادي نموذجاً يمكن الاستفادة منه.

فقد اشار سماحة السيد إلى التقدم العلمي والاقتصادي الذي حققه الشعب الياباني رغم الآثار الكارثية للحرب العالمية الثانية، اذ قال سماحته بعد ان سئل عن انطباعه عن اليابان بعد انسحاب القوات اليابانية من السماوة: [الشعب الياباني قدّم نموذجاً في التغلب على ما خلفّته الحرب العالمية الثانية واستطاع أن يحقق تقدماً علمياً واقتصادياً مذهلاً خلال عدة عقود، نتمنى أن تتاح فرصة مماثلة للشعب العراقي في الرقي والتقدم بمساعدة الشعب الياباني الصديق.]

الخاتمة :

يتضح مما سبق ان دوائر العنف الاربع في الحالة العراقية ، وهي الاحتلال ، والحاكم الظالم، والطائفية ، والعولمة ، لا يمكن ان تعتبر في النظر الصحيح الفاحص مبررات للعنف الجاري بمختلف صوره البشعة من قتل للابرياء وسلب للاموال وتخريب للمؤسسات ولا تمتلك سنداً قانونياً ولا شرعياً يسوغ العنف بصوره تلك ، رغم ادعاء مرتكبيه بمشروعيته.

ومن المهم هنا الاشارة إلى موضوع خطير وحساس في طبيعة عملية اصدار الفتوى، والموقف الشرعي، الذي يعتمد اساساً على تحديدا لموضوع اولاً ليأتي الحكم مناسباً للموضوع ثانياً .

فإذا افترضنا اننا امام حالات ومواضيع مختلفة ، فإن اللازم هو تحديد الحالة الخاصة من تلك الحالات، ثم بيان الحكم المناسب ضمن شروطه وقواعده .

وفي هذا المجال نجد خلطاً في تحديد الموضوع أو الحالة ، وخطأ في اصدار الاحكام ازاءها. وهو خلل خطير في المنطقة الإسلامية ، سببه تصدي من ليس اهلاً لتحديد الموضوعات وليس اهلاً لاصدار الاحكام المناسبة واستنباطها لتلك الموضوعات .

وليس من الصعب ملاحظة ذلك الخلل في بلدان اسلامية عانت منه ومن آثاره العنفية المدمرة ، كالجزائر ومصر وغيرهما .

وفي الحالة الشيعية ، فإن موقع المرجعية الدينية فيها يمثل صمام أمان يعصم من الوقوع في تلك المحاذير .

فلا يحق لكل متصد ان يفتي ويصدر الاحكام .

فالمرجعية وحدها هي الجهة المسؤولة عن ذلك .

وهناك شروط صعبة وقاسية في طريق الوصول إلى موقع المرجعية ، تتمثل في العلم والتميز في الدرس ، وفي العدالة والنزاهة والموضوعية ، وفي الخبرة والممارسة والقدرة ، حتى يكون صاحبها مؤهلاً لأن يحدد الموضوعات ويستخرج الاحكام . الامر الذي جعل القرار الشيعي في هذه المسائل خاصاً وليس عاماً . ولا يمكن لأي شخص ليس مرجعاً مهما بلغت مكانته، ان يتصدى للافتاء، وخاصة في المسائل التي تتعلق بالدماء والاموال والمصالح العامة.

وقد تجد في بعض الاحيان خروجاً على هذه القاعدة ، ولكن هذا الخروج سرعان ما يعرف في الوسط الشيعي العام ثم يرفض ، وبالتالي لا يمكن له ان ينمو أو يتطور .

ان قاعدة الرجوع إلى الاعلم ، وقاعدة الاقتداء والاتباع للاعلم الاعدل ، وهما قوام المرجعية ، هي التي حفظت التجربة الشيعية من الانزلاق إلى المخاطر التي وقعت فيها التجارب الاخرى .

ففي التجربة الشيعية يكون دائماً هناك رأس ومحور وقواعد واسس يمكن فهمها والتفاهم على اساسها.

وهي بعد ذلك تجربة جديرة بالدراسة والتقويم للافادة منها .

ان مراجعة لسلوك المجموعات الشيعية الملتزمة فقهياً في عملها السياسي ، تبين انها لم تمارس قتلاً عشوائياً ، ولم تقتل رهينة ، ولم تدمر من اجل التدمير ، ولم تعتد على طرف خارج دائرة الهدف المعادي ، ولم تخرج على ما اشرنا إليه من حدود فقهية، ولم تمارس العنف عشوائياً سواء اكان موجهاً ضد محتل او حاكم مستبد او كان دفاعاً عن النفس، ولم تمارس حرباً طائفية.

وأية ممارسة خارج هذه الحدود فهي إما خاطئة يجب الاعتذار منها والتراجع عنها ، أو ان هذه الممارسة جاءت من مجموعة خارج الدائرة الشيعية الرسمية ، أو التي يشهد لها بمصداقيتها في داخل الوسط الشيعي .

لقد كان العراق رائداً خلال تاريخه ، لتقدم البشرية ، ونموذجاً لها في مجالات الحضارة والمدنية ، من عمران وقوانين ونظم . وكان له نتاج علمي مزدهر ، ما زال العالم يتحدث عنه عبر تاريخه .

واليوم يبدو العراق في صورته المشهودة ، بما يختزن في باطنه من معادن ونفط ، وبما يحتل من موقع جغرافي وثقافي وديني، مما جعله في موضع رصد العالم واهتمامه ، وميدان كبريات احداثه ، يبدو مرشحاً لرسم مستقبل هذا القرن ، وتلوين صورته ، وتوجيه مساره ، من خلال ما تشهده ساحته من صراعات وتقاطعات وهجمات كشف الجميع فيها عن توجهاتهم وأهدافهم . فالقتل والذبح والتهجير وسرقة نفطه واثاره وكتبه من جانب ، والكدح والنضال الجماهيري لارساء حكومة الشعب العادلة برعاية برلمانية ومرجعية دينية لا تتأثر بردود افعال، ولا ترهب سلطان ودبابات احتلال وحقد تكفيريين ، من جانب آخر

تجربة ترسم بالدماء والدموع والصبر والحكمة والمسؤولية خطة لتحرير البلد وتخليصه من انياب المستبدين البعثيين ، ومن حكومة السلطويين اعداء الشعب.

عراق جديد بكل معنى الجدة وبكل آفاقها ومجالاتها.

واللافت للنظر في هذا المشهد أن نجد مدرسة سلمية لا تؤمن بالعنف مطلقاً ، كيف ستصمد امام مدرسة لا ترى غير العنف وسيلة وطريقة في عملها ؟

فهل سيتغلب القلم على السيف ؟

وهل سيغلب الدم السيف ؟

وهل ستغلب الحكمة العنف ؟

هذا درس عراقي جديد في مدرسة السيستاني اللاعنفية .

وفي مقابله درس في مدرسة القتل والغدر الطائفي بالمفخخات والذبح ، الزرقاوية والعفلقية الصدامية.

 

مجلة حوار الفكر العدد 3

اترك تعليقا