المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

بعد مشاركته في مؤتمر حوار بغداد الدولي.. السفير الأمريكي الأسبق رايان كروكر يكتب تصوراته عن بغداد

بعد مشاركته في مؤتمر بغداد الدولي بنسخته الخامسة الذي أقامه المعهد العراقي للحوار في 19 من آذار 2023، كتب السفير الأمريكي الأسبق في العراق، رايان كروكر تصوراته عن بغداد.

وفيما يلي نص المقال الذي كتبه الدبلوماسي الأمريكي رايان كروكر

خلال عطلة نهاية الاسبوع استقل رايان كروكر سيارة الى مطعم سوري في بغداد. هذا النشاط البسيط يعطينا لمحة عن التغييرات العميقة التي مر بها الشرق الأوسط منذ خدمته كسفير للولايات المتحدة في العراق خلال الأعوام ٢٠٠٧- ٢٠٠٩. بعد مرور عقدين من العنف المدمر منذ ان قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها باحتلال البلاد واضعة نهاية لربع قرن من حكم رئيس العراق المستبد صدام حسين في عام ٢٠٠٣, شهدت عاصمة العراق سلاما نسبيا خلال الأشهر القليلة الماضية.

“هنالك حياة في هذه المدينة مرة أخرى” يقول كروكر. “انها مكان مغبر ومفتقر للاهتمام ـ كما كانت عليه في السابق ـ لكنها تنبض بالحياة. بإمكان المرء استشعار حيوية المكان.

في الوقت ذاته, كان مالكو المطعم من بين سبعة ملايين لاجئ, وفقا لتقديرات الأمم المتحدة, غادروا سوريا منذ بدأ الحرب الاهلية هناك عام ٢٠١١ واستغلال الدولة الإسلامية اللااستقرار والصراع الطائفي الذي اذكاه التدخل الأمريكي للسيطرة على مساحات واسعة من العراق وسوريا.

كروكر كان في بغداد لحضور مؤتمر يتزامن مع الذكرى العشرون للاحتلال الأمريكي للعراق والتي أطلقت العنان لسلسلة من الاحداث التي أعادت تشكيل المنطقة, نحو الأفضل او الاسوأ. في لقاء له مع هذه الصحيفة, شارك رايان كروكر, ابن منطقة سبوكان فالي في واشنطن, والذي عاد الى مدينته الام بعد أربعة عقود قضاها في الخدمة الخارجية منح خلالها وسام الحرية الرئاسي, تأملاته حول الدروس المستخلصة من حرب العراق وما الذي يمكن ان يخبئه المستقبل لهذا البلاد.

“هناك افتراض سائد بين نقاد الحرب يعتقدون فيه انه لو لم تقم الولايات المتحدة باحتلال العراق, كل شيء كان سيكون على ما يرام,” يقول كروكر. “وهذا الامر غير صحيح.”

بعد خدمته كسفير للولايات المتحدة في لبنان والكويت وسوريا, عاد كروكر الى مقر وزارة الخارجية الامريكية ليشغل منصب وكيل وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى قبل أسابيع قليلة من احداث الحادي عشر من أيلول. في شهر اذار من العام ٢٠٠٣, كان كروكر في انقرة, بعد محاولته وفشله بإقناع الحكومة التركية بالسماح للجيش الأمريكي بالنزول في الموانئ التركية ـ وهي خطوة كان من شأنها السماح للعمليات العسكرية الزحف نحو بغداد من اتجاهين ووضع العاصمة بين فكي كماشة الجيش الأمريكي.

وفي الوقت الذي كان يهم فيه كروكر بالعودة الى واشنطن, شاهد الرئيس جورج بوش وهو يعلن عن بدء الغزو خلال شاشات التلفزيون.

“اعلم بشكل جلي بان العملية العسكرية ستكون مقيدة بسبب غياب الجبهة الشمالية, لن تكون هناك كماشة تطوق العاصمة.”

ولكن قبل وصول القوات الامريكية والقوات الحليفة الى بغداد, قام الجنود العراقيون بحرق بزاتهم الرسمية واخفاء اسلحتهم والتبخر في ارياف المدن.

فاقمت الولايات المتحدة من هذه المشكلة بحلها للجيش العراقي بعد السيطرة على العاصمة وتأسيس حكومة مؤقتة, مهيأة المسرح لظهور التمرد الذي حارب الولايا المتحدة وحلفائها لسنوات.

منذ الاحتلال وحتى شهر اب سنة ٢٠٢١, تسبب العنف بازهاق أرواح حوالي ٤,٦٠٠ جندي امريكي, وأكثر من ٣,٦٠٠ متعاقد وموظف مدني عامل في وزارة الدفاع, وكثر من ٤٥,٠٠٠ جندي وشرطي عراقي, وحوالي ٢٠٠,٠٠٠ مدني عراقي, وفقا لبيانات مشروع جامعة براون لتكاليف الحرب. عند الاخذ بالحسبان تكلفة العناية بقدامى المقاتلين, بلغت تكاليف الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الفترة التي أعقبت احداث الحادي عشر من سبتمبر حوالي ٨ ترليون دولار, يقدر مشروع جامعة براون.

الرئيس الأسبق باراك أوباما, والذي بنى حملته الانتخابية على وعد اخراج القوات الامريكية من العراق, انهى العمليات القتالية في البلاد عام ٢٠١٠. اليوم, لا يزال هناك حوالي ٢,٥٠٠ عسكري امريكي في العراق يقومون بدور محدود يقتصر على تقديم التدريب والاستشارة للجيش العراقي. عدد محدود من القوات الخاصة الامريكية مستمرة بالعمل في البلاد, لكن وزارة الدفاع لا تكشف عن اعدادهم.

ومن المتوقع ان يمرر مجلس الشيوخ قرار في هذا الأسبوع ينقض فيه التفويض الذي شرعه الكونغرس في عام ٢٠٠٣, في خطوة لها دلالة رمزية, ومن غير المرجح ان تؤثر على العمليات العسكرية الجارية في العراق كما يقول كروكر. عندما نسأل المسؤولين العراقيين عن رأيهم بقرار الكونغرس بإنهاء هذا التفويض هذا, فانهم يبدون عدم اكتراثهم. 

وحول العالم, يسود التساؤل, ما هو تفويض استخدام القوة؟ يقول كروكر. “لن يؤثر هذا النقض على الجزء من قواتنا المنتشرة هنا. وبالنسبة للعدد الصغير من القوات الخاصة, فلقد تم اعلامي بان هذا القرار لن يؤثر على طريقة عملها.”

المؤتمر الذي عقد في بغداد رعاه رئيس الوزراء العراقي الجديد, محمد شياع السوداني, والذي يشغل هذا المنصب منذ شهر أكتوبر الماضي. في الوقت الذي حذر فيه النقاد بان السوداني حليف قريب لإيران, يقول كروكر ان المؤتمر اظهر إشارات إيجابية حول المسار الذي يبدو ان الزعيم العراقي الجديد يقوم بسلكه.

على العكس من رؤساء الوزراء السابقين الذين غادروا العراق الى بلدان المهجر, قضى السوداني جل حياته تقريبا في البلاد. يمكن ان يساعد هذا الامر السوداني في مكافحة الفساد المتفشي والذي يعيق عملية التنمية في العراق, يذكر كروكر, مضيفا بالقول ان الفساد “ليس خطأهم”

عندما يتدخل جيش أجنبي, ويزيل حكومة ومؤسساتها, ويمكن نوع اخر من أنواع الحوكمة, سيكون لديك اذا أناس يحكمون من دون مؤسسات وغياب واسع ومقبولية لحكم القانون, يضيف كروكر. “في مثل هكذا بيئة, فأنك تضع الأموال في غرف مظلمة لمدة اربع وعشرون ساعة, وستكون النتيجة فساد على درجة عالية من القوة.”

يقول كروكر الذي غادر ليخدم كسفير للولايات المتحدة في أفغانستان في الأعوام ٢٠١١ و٢٠١٢, بانه في الوقت الذي يختلف فيه العراق تماما عن هذا الدولة الوسط اسيوية التي احتلتها الولايات المتحدة في عام ٢٠٠١, كلا البلدين ابتليا بالفساد على نحو مماثل.

“في نهاية المطاف, ان هذين البلدين وهؤلاء الذين يحكموهما هم الوحيدون القادرون على اصلاحهما, يذكر كروكر. “هذا الامر هو من بين الأمور العديدة التي لا يمكن إصلاحها من الخارج.”

ان حضور هذا المؤتمر والذي يقول كرور انه تضمن أكاديميين ومستثمرين من الولايات المتحدة وغاب عنه ممثلين من روسيا وإيران, جعله يشعر بالاطمئنان حول قدرة العراقيين على تطوير والحفاظ على ديمقراطيتهم. أحد التطورات الواعدة التي حصلت في البلاد هي ان قادة الميليشيات والذين اطالت قواتهم امد الحرب اختاروا الان القاء الأسلحة والتحول الى سياسيين, يمارسون نفوذهم عن طريق مؤسسات الدولة لا عن طريق العنف.

عند مراجعة العقدين من الزمن منذ اندلاع الحرب, يقول كروكر بانه لا يزال لا يعرف فيما إذا كان غزو العراق قرارا صائبا. لقد بررت إدارة بوش الغزو بدعوى امتلاك صدام حسين لخزين من أسلحة الدمار الشامل ـ وهو أداء وجد تقرير لمجلس الشيوخ في سنة ٢٠٠٤ بانه كان مبنيا على معلومات استخبارية خاطئة ـ لكن كروكر يقول ان الأساس الحقيقي للحرب هو أكثر تعقيدا.

“لقد كنت بالضد من الغزو لأنني كنت اعلم باننا سنعلق هناك ولم يكن لدي أدنى فكرة عما سوف نقوم به ولم يكن لدي أي خطط أفضل بهذا الصدد,” قال كروكر.

بعد وصوله للسلطة في سنة ١٩٧٩, قام صدام باحتلال إيران, بادئا حربا دموية امتدت حتى عام ١٩٨٨. وبعد ذلك بفترة قصيرة, قام باحتلال الكويت في عام ١٩٩٠, متسببا باندلاع حرب الخليج وفرض العقوبات الدولية على العراق. وبحلول عام ٢٠٠٢, كان نظام العقوبات هذا ينهار وكان صدام في “طور الخروج من القفص.

ولهذا السبب فإنني أجد الامر برمته مؤلم جدا, “لم اكن امتلك شيئا يمكن ان اضيفه, ولم استطع القول “لنقوم بفعل شيء اخر من شأنه ان يخفف من تهديد صدام من دون ذهابنا الى حرب كانت لتستمر لمدة عشرين عام.”

في الوقت الذي لا يصنف نفسه على انه المتفائلين, يقول كروكر بانه متشجع بما رآه في العراق والمنطقة, بما في ذلك اتفاقات السلام الابراهيمية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وثلاث دول عربية. لكن حرب العراق ينبغي ان تعلم الولايات المتحدة درسا مهما.

“كن حذرا مما تقحم نفسك فيه, يقول كروكر. “ان القيام بعمل عسكري ضخم يهدف للإطاحة بحكومة بلد ما واحتلاله هو حدث كبير بشكل يصعب تصوره وسيكون له تداعيات ستستمر لسنوات.”

اترك تعليقا