المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

هل لـ “HAARP” الأمريكية دور في الزلزال التركي؟

ترجمة خاصة لـ”المعهد العراقي للحوار”

بعد الزلازل المدمر في تركيا وسوريا، تم نشر معلومات في الفضاء الإلكتروني، تشير إلى أن الزلزال نتج عن برنامج بحثي للولايات المتحدة الأمريكية يسمى (HAARP)، ولكن ما هي HAARP ولماذا تم ربطها بشكل خاطئ بالكوارث الطبيعية؟

وذكر تقرير لهيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي”، إنه “منذ الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 شباط / فبراير الجاري والذي أودى بحياة أكثر من 44 ألف شخص، تم نشر ملايين المنشورات على موقع تويتر لتبادل المعلومات والصور ومقاطع الفيديو عن الكارثة.

وتوصل التقرير إلى استنتاج مفاده أن بعض هذه المنشورات نسبت الزلزال بشكل خاطئ إلى HAARP، وهو جهاز إرسال قوي يقع في ألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية.

و HAARP تعني “برنامج الشفق القطبي النشط عالي التردد”، تم إنشاء هذه المنشأة من قبل الجيش الأمريكي في عام 1990 ومنذ عام 2014 تديرها جامعة ألاسكا في فيربانكس.

ويستخدم هذا المرسل لدراسة الأيونوسفير، وهي المنطقة التي يلتقي فيها الغلاف الجوي للأرض بالفضاء.

معلومات مضللة عن هارب

وبعد الزلزال، كانت هناك زيادة في عدد الحسابات الفردية التي تنشر عن هارب على تويتر، وخلص قسم الأبحاث في بي بي سي إلى أنه تم ذكر هارب أكثر من 550 ألف مرة.

وفي إحدى المنشورات، سأل أحد الناشرين: “ما حدث بالفعل في تركيا .. لقد استخدموا هارب وهندسة الطقس!”

ونشر مستخدم آخر مقطع فيديو للطيور، قائلاً إن الحيوانات كانت “تتصرف بغرابة” قبل الزلزال مباشرة وتساءل عما إذا كانت تركيا قد تعرضت “لهجوم هارب”.

كما نشر الناس صوراً للغيوم وادعوا أن هذه الغيوم ظهرت في تركيا قبل الزلزال وأن هارب هي من صنعها.

ووقالت جيسيكا ماثيوز ، مديرة برنامج هارب، لبي بي سي: “معدات البحث في مقر HAARP لا يمكنها إحداث أو تضخيم الكوارث الطبيعية”.

ويوافق آرون ريدلي، أستاذ المناخ وعلوم الفضاء في جامعة ميشيغان، على ذلك قائلاً: “لا يوجد دليل علمي على الإطلاق على أن HAARP يمكنها التحكم في الطقس”.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يُنظر فيها إلى HAARP بشكل خاطئ على أنها مسؤولة عن الكوارث الطبيعية.

وقال شايان سرداريزاده، الصحفي المتخصص في نشر المعلومات المضللة، لبي بي سي: “إن برنامج هارب، الذي كان موضوع نظريات المؤامرة لسنوات، غالبًا ما يُنظر إليه على أنه السبب الرئيسي وراء العديد من الكوارث الطبيعية، على الرغم من حقيقة أن لعلماء والخبراء رفضوا هذه الادعاءات بشكل قاطع”.

ماذا تفعل HAARP ؟

وتم إنشاء هارب في الأصل للتحقيق في تأثير طبقة الأيونوسفير على الاتصالات العسكرية والمدنية وأنظمة الملاحة.

ويمكن أن تؤدي الاضطرابات التي تحدث بشكل طبيعي في طبقة الأيونوسفير إلى تعطيل الإشارات اللاسلكية المرسلة من الأرض والتي تعد ضرورية لمجموعة متنوعة من التقنيات الحديثة، بما في ذلك الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأنظمة Wi-Fi والمركبات الفضائية والاتصالات اللاسلكية.

ويقول البروفيسور ريدلي: “في الأيونوسفير قد تواجه عمليات مضطربة … يمكن أن تمتص موجات الراديو ومن ثم لن يكون الاتصال ممكنًا وستفقد إشارات الراديو في طبقة الأيونوسفير”.

ويصعب التنبؤ بهذه الاضطرابات، لذلك يستخدم العلماء في هارب أجهزة إرسال لاسلكية عالية التردد لتسخين أجزاء صغيرة من الأيونوسفير، مما يخلق ظروفًا مشابهة لما يحدث في الطبيعة حتى يتمكنوا من دراستها.

وتقول جيسيكا ماثيوز أن هذه العملية لا تسبب أحداثًا مناخية: “موجات الراديو في الطيف الذي يرسله هارب لا تمتصها طبقتا الغلاف الجوي اللتان تخلقان ظروف الطقس على الأرض”.

ويتفق ديفيد هيزل، أستاذ علوم الأرض والفضاء في جامعة كورنيل، على أن هارب لا يمكنها التأثير على المناخ، مبيناً “لا يمكن تجميع هذه الأشياء معًا في جملة واحدة، وليس لها علاقة ببعضها البعض”.

مؤامرات الأخرى

وقال شايان سرداريزاده لبي بي سي: “نظريات المؤامرة تتكثف على وسائل التواصل الاجتماعي بعد أي كارثة”.

وفي عام 2022، عندما حدث فيضان في مدينة كارلوف في بلغاريا، زعمت وسائل التواصل الاجتماعي زوراً أن هارب تسببت في هطول أمطار غزيرة، وتم اعتبار هارب مسؤولة بشكل خاطئ عن الفيضانات المميتة في الصين والحرائق الهائلة في الغابات التركية في عام 2021.

وبعد أن ضرب إعصار إيان منطقة البحر الكاريبي وجنوب شرق الولايات المتحدة في عام 2022، غمرت وسائل التواصل الاجتماعي المزيد من الادعاءات الكاذبة حول هارب.

وكان الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا آخر حالة لنشر ادعاءات كاذبة، لكنها على الأرجح لن تكون الأخيرة.

ويقول سرداريزاده: “غالبًا ما يتم إعادة تدوير النظريات القديمة واستخدامها كدليل إضافي لسرد تم دحضه بالفعل لتقوية آراء أولئك الذين يؤمنون بها واكتساب أتباع جدد”.

اترك تعليقا