المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

أزمة جديدة في أمريكا بعد تسريب وثائق سرية

أثارت تسريبات البنتاغون أزمة جديدة في الولايات المتحدة، حيث أصبحت واشنطن في مأزق جراء تسريب العشرات من الوثائق المصنفة تحت بند “سري” و”سري للغاية” إلى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي.

 وبحسب التقارير الغربية، تتعلق الوثائق المسربة بالصين وأوكرانيا والشرق الأوسط، ما يمثل مأزقًا كبيرًا لأمريكا مع حلفائها، في الوقت الذى تواصل فيه وزارة العدل الأمريكية التحقيقات لمعرفة كيفية تسريب هذه الوثائق.

وتطرح قضية التسريبات الكبرى تساؤلات بشأن مصدر تسريب تلك الوثائق العسكرية والاستخباراتية شديدة السرية، أهمها من الفاعل؟ ولماذا تتجسس أمريكا على حلفائها؟ وكيف تؤثر التسريبات على مسار حرب أوكرانيا؟

وكانت عشرات الوثائق الأمريكية التي تحمل معلومات حساسة للغاية ومختومة بشعار سري وسري للغاية قد تم تسريبها عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي منذ الخميس 6 أبريل/نيسان، مما أطلق تحقيقاً فورياً في مصدر التسريب.

وقال مسؤولون أمريكيون لرويترز إن التحقيق في هذه التسريبات لا يزال في مراحله الأولى، وقالت وزارة العدل الأمريكية يوم الجمعة 7 أبريل/نيسان، إنها على اتصال بالبنتاغون وبدأت تحقيقاً في تسريب الوثائق.

هل روسيا وراء التسريب

وقد طرح الولايات المتحدة في البداية اتهامات موجهة إلى روسيا بالوقوف وراء عمليات تسريب هذه الوثائق السرية، ووجه مسؤولون أمريكيون أصابع الاتهام إلى روسيا، حيث قال ثلاثة مسؤولين أمريكيين لرويترز الجمعة إنه من المرجح أن تكون روسيا أو عناصر موالية لها وراء تسريب  الوثائق العسكرية الأمريكية السرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً أن تلك الوثائق تتضمن لمحة جزئية عن الحرب في أوكرانيا يعود تاريخها لشهر مضى.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن الوثائق جرى تعديلها على ما يبدو لتقليل عدد القتلى والمصابين في صفوف القوات الروسية، وأضافوا أن تقييماتهم غير رسمية ولا ترتبط بالتحقيق الذي يجري في عملية التسريب نفسها. وطلب المسؤولون الأمريكيون عدم نشر هوياتهم؛ نظراً لحساسية الأمر، وامتنعوا عن مناقشة تفاصيل الوثائق.

وكشفت إحدى الوثائق أن ما بين 16 ألفاً و17500 جندي روسي قتلوا منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، وتصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”.

ويقول مسؤولون إن الولايات المتحدة تعتقد أن الرقم الفعلي أعلى بكثير ويبلغ حوالي 200 ألف روسي بين قتيل ومصاب. بينما نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً الخميس يفيد بأن وزارة الدفاع الأمريكية تحقق في كيفية تسريب الوثائق التي تحمل تفاصيل خطط لتعزيز الجيش الأوكراني استعداداً لهجوم مضاد تحضر له كييف وداعموها خلال الربيع.

ويأتي تسريب الوثائق مع تزايد التكهنات بشأن طبيعة الهجمات التي قد تحاول كييف وموسكو شنها في العام الثاني للحرب، لكن لم تذكر الوثائق المسربة معلومات محددة بشأن خطط كييف الحربية.

وقال مسؤول بالرئاسة الأوكرانية، الجمعة، إن الوثائق المسربة تحتوي على “قدر كبير جداً من المعلومات الوهمية”، وإن روسيا تحاول استعادة زمام المبادرة في الحرب، وذكر ميخايلو بودولياك في بيان مكتوب: “إنها مجرد عناصر عادية لألاعيب المخابرات الروسية. ولا شيء أكثر من ذلك”.

لكن في وقت لاحق الجمعة ظهرت مجموعة جديدة من الوثائق السرية التي يبدو أنها تتناول بالتفصيل أسرار الأمن القومي للولايات المتحدة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط والصين، وهو ما يشير إلى أن التسريب ليس مرتبطاً بروسيا أو حرب أوكرانيا حصرياً.

من يقف وراء هذه الحادثة

ويبذل الأمريكيون جهوداً حثيثة لتحديد مصدر التسريب، وقال خبراء أمن غربيون ومسؤولون أمريكيون إنهم يشتبهون في أن شخصاً من الولايات المتحدة قد يكون وراء التسريب. ويقول المسؤولون إن اتساع نطاق الموضوعات التي احتوت عليها الوثائق، والتي تتناول الحرب في أوكرانيا والصين والشرق الأوسط وأفريقيا، تشير إلى أنه تم تسريبها من أحد المواطنين الأمريكيين وليس من أحد الحلفاء.

وقال مايكل مولروي، المسؤول الكبير السابق في البنتاغون، لرويترز: “التركيز الآن على أن هذا تسريب من الولايات المتحدة؛ لأن العديد من هذه الوثائق كانت بحوزة الولايات المتحدة فقط”.

والتسريبات هي الأكبر منذ تسريبات ويكيليكس عام 2013، ويُنظر إليه على أنه من أخطر الخروقات الأمنية، وبعد الكشف عن التسريب، راجعت رويترز أكثر من 50 وثيقة بعنوان “سري” و”سري للغاية” ظهرت لأول مرة الشهر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، بداية من منصتي ديسكورد وفور تشان. ورغم أن بعض تلك الوثائق جرى نشرها قبل أسابيع، فقد كانت صحيفة نيويورك تايمز أول من أورد نبأ عنها يوم الجمعة.

وقال مسؤولان أمريكيان لرويترز، الأحد، إنهما لا يستبعدان احتمال التلاعب بالوثائق لتضليل المحققين بشأن مصدرها أو لنشر معلومات كاذبة قد تضر بالمصالح الأمنية الأمريكية.

وتوضح إحدى الوثائق، وهي بتاريخ 23 فبراير/شباط وتحمل علامة “سري”، بالتفصيل كيف سيتم استنفاد أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية إس-300 بحلول الثاني من مايو/أيار وفقاً لمعدل استخدامها الحالي.

وربما تكون مثل هذه المعلومات الخاضعة لحراسة مشددة ذات فائدة كبيرة للقوات الروسية، وقالت أوكرانيا إن رئيسها وكبار مسؤوليها الأمنيين اجتمعوا يوم الجمعة لمناقشة سبل منع تلك التسريبات.

كما اطلعت هيئة الإذاعة البريطانية BBC على أكثر من 20 وثيقة  تشمل روايات مفصلة عن التدريب والمعدات التي يجري توفيرها لأوكرانيا، التي تجمع عشرات الألوية الجديدة لشن هجوم يمكن أن يبدأ في غضون أسابيع. وتكشف الوثائق متى ستكون الألوية جاهزة، وتسجل جميع الدبابات والعربات المدرعة وقطع المدفعية التي يجري توفيرها من قِبل حلفاء أوكرانيا الغربيين.

ويطرح كل ذلك سؤالاً بديهياً: من سرب الوثائق؟ ولماذا؟ قصة كيف وجدت الوثائق طريقها من منصة المراسلة “ديسكورد” إلى “4 تشان” وتليغرام، يرويها بالفعل “أريك تولر” من موقع “بيلينغكات” للصحافة الاستقصائية وتدقيق الحقائق.

تولر قال لـ”بي بي سي” إنه ليس من الممكن حتى الآن الكشف عن المصدر الأصلي للتسريبات، لكنه يرصد ظهورها على منصة مراسلة شائعة لدى لاعبي ألعاب الفيديو على الإنترنت منذ أوائل مارس/آذار. وفي الرابع من مارس/آذار، بعد جدال حول الحرب في أوكرانيا على خادم “ديسكورد” يتردد عليه لاعبو لعبة الكمبيوتر “ماين كرافت” كتب أحد المستخدمين: “هنا، بعض الوثائق المسربة”، قبل أن ينشر 10 من تلك الوثائق. إنه شكل غير معتاد من أشكال التسريب، لكنه ليس فريداً من نوعه.

هل تتجسس أمريكا على حلفائها؟

إحدى الوثائق المسربة، تحمل ختم “سري للغاية” ومأخوذة من إفادة للمخابرات المركزية الأمريكية (سي.آي.إيه) بتاريخ الأول من مارس/آذار، تقول إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) يدعم الاحتجاجات المناهضة لخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإحكام السيطرة على المحكمة العليا.

وقالت الوثيقة إن الولايات المتحدة علمت بذلك من خلال إشارات مخابرات، مما يشير إلى أن واشنطن كانت تتجسس على أحد أهم حلفائها في الشرق الأوسط. لكن في بيان الأحد، قال مكتب نتنياهو إن الوثيقة “كاذبة ولا أساس لها على الإطلاق”.

كما عرضت وثيقة أخرى تفاصيل متعلقة بمناقشات خاصة دارت بين كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين حول الضغط الأمريكي على الحليف الآسيوي للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة وسياسة سول القائمة على ألا تفعل ذلك.

وقال مسؤول في القصر الرئاسي بكوريا الجنوبية، الأحد، إن سول على علم بالتقارير الإعلامية المتعلقة بالوثائق المسربة، وإنها تعتزم مناقشة الولايات المتحدة في القضايا التي أثارتها التسريبات.

وعلى الرغم من أن كثيراً من الوثائق المسربة لا يحمل جديداً بشأن حرب أوكرانيا، إلا أن بعضاً من تلك الوثائق المسربة تحمل معلومات حساسة بشأن الحرب والعمليات وقد تتسبب في أضرار. فأوكرانيا تحرس بدأب “أمنها التشغيلي” -وهو أحد فروع الأمن الإلكتروني– وبالتالي هي بالقطع ليست سعيدة بظهور مثل هذه المواد الحساسة في مثل هذه اللحظة الحرجة.

وقد يمثل هجوم الربيع في أوكرانيا لحظة حاسمة بالنسبة لحكومة الرئيس فلوديمير زيلينسكي، لتغيير الديناميكيات في ساحة المعركة وتهيئة الظروف لمحادثات سلام في وقت لاحق. لكن في كييف، تحدث مسؤولون عن حملة تضليل محتملة من قِبل روسيا.

اترك تعليقا