المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

النزاعات النفطية بين تركيا والعراق لا زالت في الأفق

ترجمة ـ رغد غالي ـ المعهد العراقي للحوار

بالرغم من الحكم الصادر من المحكمة الدولية للتحكيم فالعلاقات بين بغداد وأنقرة وأربيل لا زالت متوترة

مع اقتراب تركيا من الانتخابات المحورية، قضت محكمة التحكيم التابعة للغرفة التجارية الدولية في باريس ضد تركيا، في نزاع طويل المدى مع العراق بشأن صادرات النفط الخام من إقليم كردستان العراق شبه المستقل. وبعد خسارة القضية، أُلزمت تركيا بدفع حوالي 1.5 مليار دولار للعراق جزاء جوانب محدودة من الإخلال بالعقد من عام 2014-2018.

ومن المرجح أن يؤدي هذه الحكم، الذي أُعلن عنه في 25 مارس أي بعد ثلاثة أيام من زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لأنقرة، إلى بعض التحولات في العلاقات بين أنقرة وأربيل وبغداد، والذين يسعون إلى الانفتاح في قضايا الطاقة.

بدأت الشركات التركية تسعى للحصول على حصة من قطاع النفط في إقليم كردستان العراق بعد دخول حكومة إقليم كردستان الصناعة النفطية في العام 2003. وفي عام 2014 وبعد توقيع اتفاق بين تركيا وحكومة إقليم كردستان العراق، تدفق النفط الكردي حول العالم عبر ميناء جيهان التركي. ونتيجة لذلك، قام العراق بتقديم شكوى في المحكمة التحكيمية في باريس، مدعياً أن تركيا انتهكت اتفاقية عبور خط الأنابيب عام 1973 بتسهيل صادرات النفط من منطقة كردستان دون موافقته. وكان البند المتعلق بشراء تركيا النفط فقط من شركة تسويق النفط العراقية المملوكة للدولة جزءًا أساسيًا من حجة العراق في التحكيم.

ساور المسؤولون الأتراك قلقٌ من أن القضية قد تؤدي إلى عقوبات شديدة على تركيا. وقبل صدور قرار المحكمة، عبر بعض المسؤولين عن قلقهم من احتمالية فرض غرامة تصل إلى 20 مليار دولار، نظرًا لأن الحكومة العراقية كانت تطالب بتعويضات بقيمة 90 مليار دولار. بالإضافة إلى التكاليف الاقتصادية والسمعة، إذ أصبحت القضية أداة مرتبطة بجميع جوانب العلاقات العراقية التركية، حيث استخدمتها بغداد للضغط على أنقرة لإنهاء صفقتها النفطية الخاصة مع حكومة إقليم كردستان. وفي النهاية، فإن الغرامة التي فرضت في مارس/آذار الماضي تسمح لتركيا بالخروج بأقل الخسائر.

وبما أن المحكمة منحت تركيا 600 مليون دولار في دعاوى مضادة تتعلق برسوم النقل غير المدفوعة والقدرة المنخفضة على خطوط الأنابيب، فإن أنقرة مطالبة فقط بدفع نصف الغرامة البالغة حوالي 1.5 مليار دولار.

 واقترح أحد المصادر أن حكم بغداد يستحق بضع مئات من الملايين من الدولارات فقط، نظرًا لأن مطالبات تركيا من الدعاوى المضادة أقدم وأكثر قيمة، بعد حساب فائض الفائدة الذي سمحت به المحكمة. ومن بين الملايين القليلة التي ستدينها تركيا للعراق، ستتمكن من الحصول على تعويض كامل من إقليم كردستان لأن الاتفاق النفطي لعام 2013 بين إقليم كردستان وتركيا يتضمن شرطًا للتعويض. وعلى الرغم من ترحيب وزارة النفط العراقية رسميًا بالقرار، إلا أن الرأي المتفق عليه هو أن بغداد قصرت بشكل كبير في قضيتها القانونية.

وبعد صدور الحكم، توقفت تركيا عن ضخ النفط الخام عبر خط الأنابيب الرئيسي في جيهان الذي يمر من الإقليم الكردي ويصل إلى البحر المتوسط. وكان الخط ينقل نحو 400 ألف برميل من الخام الكردي يومياً، إضافة إلى 75 ألف برميل من الخام الحكومي.

وفي 4 أبريل/نيسان 2023، توصلت بغداد وإربيل إلى اتفاق مبدئي يسمح بإستئناف صادرات النفط الشمالية، والتي تصدرها منظمة تسويق النفط الحكومية العراقية ووزارة الموارد الطبيعية الكردية. وقد أعربت بغداد عن نية إرسال رسالة تطلب استئناف ضخ النفط عبر الأنبوب، إلا أنه لم يتم استئناف العمليات بعد، وتختلف المصادر حول السبب، فبعضها يقول إن تركيا لم تتلقى الطلب، فيما يشير البعض الآخر إلى أن أنقرة تريد التفاوض على الدفع وحل القضية الثانية المتعلقة بالتحكيم قبل استئناف الضخ.

على المدى القصير ، يبدو أن العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق تأثرت بشكل ملحوظ بنتائج القضية. ومع ذلك ، قد تفيد العلاقات بشكل أوسع في المستقبل. يركز الطرفان على الحفاظ على التعاون الاقتصادي والتعاون في الأمن الإقليمي ، وقد تتعاون العراق وتركيا في مجالات أخرى ، مثل النقل والطاقة.

وفي زيارة السوداني إلى أنقرة في 21 مارس، التزمت تركيا بزيادة كمية المياه المفرج عنها من السدود على نهر دجلة لمدة شهر واحد، على الأرجح في محاولة لتخفيف التوتر مع العراق وتخفيف موقفها في المفاوضات بعد التحكيم. وناقش العراق وتركيا أيضًا مزيدًا من التعاون في المسائل الاقتصادية والأمنية.

ليس من المصادفة أن يتم الإعلان عن قرار التحكيم مباشرة بعد زيارة سوداني إلى تركيا. فقد  تمكن السوداني من خفض التوتر بنجاح حول قضية التحكيم مع تركيا بطريقة لم يستطع سلفاه النجاح فيها. حيث اقترح رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي تجميد القضية، بينما لم يحقق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كان لديه علاقات وثيقة مع أنقرة أي تقدم في هذه المسألة.

على الرغم من أن قرار التحكيم لم يرضِ بعض الجماعات العراقية، فإن العراق قد يتمكن من استخدامه كرافعة في علاقاته الاقتصادية مع تركيا. حيث بلغ حجم التجارة الثنائية بين العراق وتركيا أكثر من 24 مليار دولار في عام 2022، وإذا تم الانتهاء من ممر “القناة الجافة”؛ المقترح الطموح الذي يربط العراق بتركيا، فقد يكون مصدرًا اقتصاديًا مربحًا لكلا البلدين. ونظرًا لهذه المشاريع الاقتصادية، فسيضع السوداني الأولوية للعلاقات الاقتصادية مع تركيا.

وبالنظر إلى التعقيدات القانونية والسياسية المتعلقة بقرار المحكمة، فمن غير المرجح أن تحصل بغداد على أي تعويضات من أنقرة في المدى القريب، نظرًا لتركيز تركيا الحالي على انتخاباتها وتفضيلها الانتظار لحين تسوية النزاعات بين أربيل وبغداد. وفي الوقت نفسه، تفضل تركيا عدم تصعيد التوتر مع بغداد من خلال رفض دفع الغرامة، وقد عبر مسؤولون أتراك عن أملهم في أن تتدخل الولايات المتحدة لتشجيع المصالحة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. وبهذا الصدد، يمكن بذل الجهود لتقليل تأثير الحكم على صادرات النفط الكردية وعواقبه الجيوسياسية الأوسع.

محمد ألاكا باحث أكاديمي من تركيا يركز على العراق والسياسة الإقليمية الكردية والجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.

اترك تعليقا