المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

انفتاح عربي على سوريا مع خطة سلام أردنية للمصالحة

تتسارع خطى إعادة تطبيع الكثير من الدول العربية علاقاتها مع سوريا، وبرزت مؤشرات الانفتاح العربي تجاه سوريا والتي بدأت مع إعادة فتح الإمارات العربية المتحدة لسفارتها في دمشق العام 2018، تلاها اليوم إعلان تونس تعيين سفير لها في دمشق، وإعلان دمشق إعادة فتح سفارتها في تونس وتعيين سفير، إضافة لقيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارتين إلى روسيا والإمارات، وهو ما ساهم في كسر العزلة السياسية عن سوريا بعد سنوات من الحرب المدمرة.

وشكّل الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/ فبراير الماضي نقطة تحوّل لافتة. فقد تلقى الأسد سيل اتصالات من قادة دول عربيّة، حتى أنّ السعودية أرسلت طائرات مساعدات، كانت الأولى من نوعها منذ قطع علاقاتها مع دمشق.

وعلقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا عام 2012 وقطعت الدول العربية علاقاتها مع دمشق وسحبت سفراءها منها، وقدم عدد منها دعماً للمعارضة المسلحة والمعارضة السياسية.

وخلال قمة عربية في العام 2013، شارك وفد من الائتلاف السوري المعارض الاجتماعات في الدوحة بوصفه “ممثلاً” للشعب السوري.

كما زار دمشق مسؤولون رفيعو المستوى كوزيري خارجية مصر والأردن. وتوجه الأسد بدوره إلى الإمارات وسلطنة عمان، البلدين العربيين الوحيدين اللذين زارهما الأسد منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.

والأربعاء (12 نيسان/ أبريل 2023) زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد السعودية للمرة الأولى منذ 12 عاماً والتقى نظيره السعودي فيصل بن فرحان.

وجاءت زيارة الوزير السوري للسعودية واجتماع جدة في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية كبرى تتغيّر معها الخارطة السياسية في المنطقة منذ اتفاق الرياض وطهران على استئناف علاقاتهما الشهر الماضي.

التطبيع العربي مع سوريا مكسب سياسي

ويعتقد مدير “مركز حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير سعيفان، أنّ “التطبيع العربي هو مكسب سياسي معنوي مؤقت للنظام وسيزول مفعوله سريعاً”، مؤكداً في تصريح لـ DW عربية أنه لن يكون هناك أي معونات مادية لدمشق، وهو ما يحتاجه النظام نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية وتدهور الأحوال المعيشية في مناطق سيطرته.

من جانبه، قال سمير العيطة، رئيس التحرير السابق للنسخة العربية من مجلة “لوموند دبلوماتيك” الفرنسية، أن “خطوة المصالحة العربية مع السلطة السورية خطوة سياسية تصحح قضية قطع العلاقات مع الدولة السورية، التي لم يكن لها معنى”.

بيد أنه يستدرك ويضيف “تلك الخطوة لا يمكن أن تتطور إلى خطوة اقتصادية أبعد من المساعدات الإنسانية ومن بعض الاستثمارات العقارية دون خطوة سياسية داخلية سورية تؤسس لرفع العقوبات ولو جزئياً على ملفات إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي”.

ويعد استقطاب أموال إعادة الإعمار أولوية للحكومة السورية اليوم بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج. وفيما يدرك الأسد أن الحصول على أموال المجتمع الدولي صعب خارج تسوية سياسية، يعلق آمالاً ربما على دول الخليج.

ولا شكّ أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفعل الحركة التجارية والاقتصادية في سوريا إلى حدّ ما، لكن عقبات عدة تعوق أي إعمار حقيقي، وبينها، وفق الباحث في الشأن السوري في مركز “سنتشوري انترناشونال” آرون لوند، العقوبات الأمريكية والغربية المفروضة على سوريا و”التي ستردع الاستثمارات السعودية والإماراتية”.

كما “يعد أي استثمار جدّي في سوريا اليوم مغامرة، فالاقتصاد مدمر، ويطغى عليه الفساد إلى حد الفوضى، ويسيطر عليه نظام خطير وعنيف”، على حد تعبيره. وتفرض الدول العربية أيضاً عقوبات على سوريا تشمل تجميد المبادلات التجارية مع الحكومة السورية وتجميد حسابات الحكومة السورية المصرفية في الدول العربية.

ومن المرجح رفع تلك العقوبات في حال عادت دمشق إلى الحضن العربي، لكن تأثير ذلك يبقى محدوداً إذا بقيت البلاد تحت تأثير العقوبات الغربية.

“سعيد بالتطبيع”!

ولا يتوقع الباحث الاقتصادي، سمير العيطة أن “تتحسن الأوضاع المعيشية للسوريين نتيجة الخطوة السياسية، وبالتالي ستعود الضغوط على السلطة من الداخل من أجل انفتاح سياسي”.

أمّا رضوان الأطرش، المعارض الذي يعيش في إدلب، فلا يعتقد أن التطبيع سيجلب للسوريين العاديين أي شيء. وقال في تصريح لـ DW إن المسألة “سياسية بحتة”، مشدداً أن “القضاء على الفقر يعتمد على تحقيق حالة من الاستقرار الدائم، بحيث يتحول الدعم إلى مشاريع تقدم خدمات، يمكن أن توفر فرص عمل بدلاً من مجرد التركيز على المساعدات الإنسانية”.

ومما نص عليه البيان الختامي المشترك للقاء الوزيرين السوري والسعودي، أمس الخميس في جدة، “ترحيب البلدين ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية”.

9

ويعمل في السعودية ودول الخليج عدد لا يحصى من السوريين، قد يفوق المليون إنسان ويساعدون ذويهم داخل البلاد عن طريق تحويلاتهم. ورغم تراجع وتيرة المعارك في البلاد، حيث أودى النزاع منذ عام 2011 بحياة نصف مليون شخص، يعاني السوريون من ظروف معيشية صعبة مع تفشي البطالة وشح المحروقات وانخفاض قيمة العملة المحلية الذي يشكل دليلاً ملموساً على الاقتصاد المنهك، في ظل تقلّص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي.

ويقول جوليان بارنز-ديسي من “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” (ECFR): “لا يسعنا إلا أن نأمل في نوع من المكاسب في ملف المعتقلين وبعض الميادين الصغيرة التي ستساعد السوريين على البقاء على قيد الحياة، وربما بعض التحسن في مستوى المعيشة والخدمات الأساسية والبنية التحتية”.

عودة سوريا للمحيط العربي

وقال الخبير والمحلل السياسي السوري غسان يوسف لوكالة أنباء “شينخوا” الصينية، إن زيارة الوزير المقداد إلى السعودية، هي تتويج لعودة سوريا بشكل عام إلى محيطها العربي، وخصوصا أن السعودية هي من الدول الكبيرة، وهي التي ستستضيف القمة العربية القادمة في شهر مايو القادم، لذلك دائما هناك بعض الدول تنتظر موقف السعودية، مؤكدا أن إعلان السعودية بأنها ستقيم علاقات مع دمشق وأنها استقبلت وزير خارجيها فهذا يؤكد أن “العقبة الكبيرة التي تنظر إليها بعض الدول قد أصبحت غير موجودة”.

ووصف يوسف زيارة المقداد بأنها “هامة جدا” لأن السعودية هي من الدول العربية الكبيرة والهامة.

وبدوره أشار الكاتب والصحفي السوري عماد سالم إلى أن زيارة الوزير السوري إلى الرياض تحمل عدة عناوين ورسائل.

وقال الكاتب السوري سالم إن “زيارة المقداد تحمل عدة عناوين ورسائل وأولها أن الدولة السورية ترغب في إرساء أفضل العلاقات مع محيطها العربي وتجاوز الخلافات السابقة والنظر إلى المستقبل وتفعيل العمل العربي المشترك”.

وبين سالم أن الزيارة تأتي قبل يومين من انعقاد اجتماع لمجلس التعاون الخليجي في جدة بالسعودية لبحث إمكانية عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، مشيرا إلى أن الهدف من الزيارة هو وضع السعودية في صورة آخر التطورات في المشهد السوري وكذلك إمكانية إعادة تطبيع العلاقات واستئناف عمل البعثات الدبلوماسية بين البلدين.

وأضاف “بالمجمل فإن الزيارة تحظى بأهمية خاصة نظرا للدور الذي يمكن أن تلعبه السعودية لإخراج سوريا من أزمتها والمساعدة في إعادة ما دمره الإرهاب والزلزال”.

ومن جانبه، صرح الخبير والمحلل السياسي محمد العمري، بأن “هذه الزيارة تحمل الكثير من الأبعاد أولها أن هناك حراكا عربيا تجاه سوريا لعودتها إلى الحضن العربي ولجامعة الدول العربية، لاسيما وأنها جاءت بعد أيام من زيارة المقداد إلى القاهرة وقيام مصر بدور فاعل في تقريب وجهات النظر بين سوريا والسعودية”.

أما الكاتب والمحلل السياسي ماهر إحسان فقال، إن زيارة المقداد إلى الرياض جاءت بعد قطيعة دامت أكثر من 10 سنوات إثر موقفها من الأزمة التي نشبت في سوريا، مبينا أن هذه الزيارة ستذيب الجليد بين البلدين، وستعود العلاقات بينهما إلى شكلها الطبيعي.

وأضاف إحسان أن “السعودية تريد أن تذيب الجليد الذي لف العلاقات بين البلدين طيلة سنوات الحرب التي اندلعت في سوريا، وتسعى إلى إعادة دمشق إلى محيطها العربي”، مؤكدا أن جملة من التطورات السياسية التي شهدتها المنطقة تستدعي إعادة ترتيب العلاقات العربية ـ العربية.

وأشار المحلل السياسي إحسان إلى أن إرسال السعودية طائرات مساعدات إلى سوريا بعد وقوع الزلزال الذي ضرب سوريا في 6 فبراير الماضي، كان له وقع طيب لدى الحكومة السورية.

الأردن تقود خطة السلام

وقال مسؤول أردني كبير إن بلاده تدفع بـ”خطة سلام” عربية مشتركة يمكن أن تضع حداً لتبعات الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من 10 سنوات، بحسب ما نقلت وكالة رويترز، وذلك قبل يوم واحد من انعقاد اجتماع خليجي وعربي في السعودية لمناقشة الملف السوري.

وأضاف المصدر أنه ستتم مناقشة الخطة في اجتماع تستضيفه السعودية في مدينة جدة بحضور وزراء خارجية العراق والأردن ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة إطلاق دور عربي رائد بعد جهود دولية أخفقت على مدى سنوات في إنهاء الصراع الدامي.

وقال المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه لرويترز إن الأردن اقترح تشكيل مجموعة عربية مشتركة “تتعامل مع الحكومة السورية مباشرة بشأن خطة مفصّلة لإنهاء الصراع”.

أضاف أن “خارطة الطريق التفصيلية تتناول جميع القضايا الرئيسية… وحل الأزمة حتى تتمكن سوريا من استعادة دورها في المنطقة، والانضمام مجدداً إلى جامعة الدول العربية”.

وقال المسؤول إن اتباع نهج “خطوة بخطوة” في إنهاء الأزمة والسماح في نهاية المطاف لسوريا بالعودة إلى جامعة الدول العربية يمثل أساس خارطة الطريق التي يدفع بها الأردن، مضيفاً أن بلاده تستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري.

وأردف المسؤول الكبير قائلاً إن خارطة الطريق مهمة “لمعالجة التبعات الإنسانية والأمنية والسياسية للصراع”.

في السياق ذاته، قال المسؤول الكبير: “نريد إنهاء هذه الأزمة، وإعادة الأمن والاستقرار لسوريا أمر ضروري لأمن المنطقة”.

من جانب آخر، أشار المسؤول إلى أن الأردن أطلع حليفته واشنطن ودولاً أوروبية رئيسية على الخطة، مضيفاً أن هناك قضية رئيسية تتعين معالجتها، وهي عودة ملايين اللاجئين الذين فروا من سوريا، وكثير منهم يخشى الانتقام إذا عاد.

وتابع قائلاً إن الحصول على دعم الغرب أمر حاسم لإنهاء الأزمة، وكذلك رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن دمشق لتمكين عملية إعادة إعمار ضخمة للبلد الذي مزقته الحرب، وتلبية احتياجاته الإنسانية الملحة.

وكان الأردن من أوائل الدول العربية التي نشب خلاف بينها وبين الأسد بشأن طريقة التعامل مع الصراع، وقال بعد أن استعاد الأسد السيطرة قبل نحو عامين، إنه يتعين كسر الجمود في الصراع.

وأثار وزير الخارجية أيمن الصفدي خطة السلام خلال لقاء مع الأسد في دمشق في فبراير/شباط الماضي، في أول زيارة من نوعها لمسؤول أردني كبير منذ نشوب الصراع السوري.

فيما استقبلت أبوظبي وسلطنة عُمان الأسد، الذي نأى عنه الغرب، بينما اكتسب التطبيع زخماً في أنحاء أخرى بالمنطقة في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا.

وفي السياق، قالت السعودية، التي تقاوم منذ فترة طويلة التطبيع مع الأسد، إن هناك حاجة إلى اتباع نهج جديد مع دمشق، وذلك بعد تقارب بين المملكة وإيران، الحليف الرئيسي لسوريا في المنطقة.

واليوم الجمعة 14 أبريل/نيسان تستضيف السعودية اجتماعاً لوزراء خارجية دول الخليج بالإضافة إلى العراق والأردن ومصر، سيتناول عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وتعتزم السعودية دعوة الأسد لحضور القمة العربية المقررة في الرياض يوم 19 مايو/أيار المقبل، حسب ما قالت مصادر لرويترز، في خطوة ستنهي رسمياً عزلته الإقليمية، ولكن من غير الواضح ما إذا كان هناك توافق عربي بشأن الأمر.

اترك تعليقا