المعهد العراقي للحوار
مؤسسة فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، لتقوم بمهمة صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال الرصد المكثف للأحداث وتطوراتها وعرضها على المختصين ومناقشتها من خلال ندوات و ورش عمل وطاولات بحث مستمرة

بن فرحان يصل دمشق.. محطات من العلاقات السورية السعودية

وصل اليوم الثلاثاء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى العاصمة السورية دمشق، وهي الزيارة الأولى لمسؤول سعودي منذ عام 2011 عقب موجة الاحتجاجات التي اندلعت في سوريا ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وبحسب وسائل إعلام سورية فإن بن فرحان سوف يتلقي نظيره السوري فيصل المقداد وبعدها يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد فيما سيعلن عن إعادة فتح السفارات بين البلدين.

وفي الاسبوع الماضي، وصل وزير الخارجية السوري، فيصل مقداد، إلى العاصمة الرياض للتباحث مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان.

وتعد هذه أول زيارة معلنة يجريها مسؤول تابع سوري إلى الرياض، منذ احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011،  وفي فبراير الماضي، أشار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى أن هناك توافقا عربيا بأن عزل سوريا لم يأت بنتيجة، وأن الحوار مع دمشق يعد ضروريا، على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية، التي تتضمن عودة اللاجئين.

لكن بعض الدول العربية، مثل قطر، امتنعت عن استعادة علاقتها بنظام الأسد، وقالت الدوحة إنها لن تطبع علاقاتها معه، إلا إذا اتخذ رئيس النظام خطوات جادة لإصلاح الضرر الذي جلبه على بلاده وبشكل يرضي كل السوريين.

وبينما سمحت الولايات المتحدة باستثناءات للعقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق من أجل إيصال المساعدات الإنسانية عقب الزلزال المدمر، إلا أنها أكدت أنها لن تطبع علاقاتها مع نظام الأسد.

العلاقات السورية السعودية

على مدار سنوات طويلة، لم يكن هناك خط ثابت للعلاقات بين السعودية وسوريا، فقد مر البلدان بمحطات اتفاق واختلاف تاريخية يحركها أساساً المواقف من قضايا الشرق الأوسط، وصولاً إلى الثورة السورية.

وأصيبت العلاقات السعودية السورية حيناً بالفتور واختلاف سياسات البلدين في المنطقة، وحيناً آخر بالتدهور، كما حدث عقب مقتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وصولاً إلى القطيعة التامة عقب الثورة السورية.

وتواجهت السياستان في ثلاثة ملفات أساسية في الماضي تمثلت في: الملف اللبناني، والملف الفلسطيني، والملف العراقي.

لكن مؤخراً بدا أن سوريا تشهد تطوراتٍ على مستوى إعادة تفعيل علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع السعودية، ومحاولات احتضانها، بعد قطيعة استمرت أكثر من 12 عاماً، فكيف مرت علاقات البلدين على مدار الزمن.

القرن العشرون

اتسمت العلاقة بين الرياض ودمشق، منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة، بالتفاهم على العديد من الملفات الإقليمية، وتمكن الطرفان من نسج تحالف على وقع التضامن العربي والقضايا القومية، وبقيت المصالح الاستراتيجية وثيقة وقوية حتى في بعض المراحل التي تميزت بالخلاف السياسي الواضح.

لكن التباين اتضح بشكل ملحوظ بفعل الحرب اللبنانية وتداعياتها، حيث سعت السعودية خلال مرحلة الحرب الأهلية إلى إخماد نار الفتنة التي نشبت بين العامين 1975 و1976، والتي سميت “حرب السنتين”، لتثمر مساعيها في “قمة الرياض” إضفاء الشرعية على التدخل العسكري السوري في لبنان، فمنحته مظلة عربية، عبر تشكيل قوات الردع العربية”.

لكن هذه القوات ما لبثت أن ارتدت عباءة سوريا فقط، ثم تم تجديد التكليف المطلق لسوريا في لبنان عبر “اتفاق الطائف”.

ولاحقاً برز خلاف نتج بسبب مواقف الجانبين من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، حيث ساندت دمشق طهران، في حين ساندت الرياض بغداد.

لكن خلال غزو الكويت 1991، وقفت دمشق إلى جانب محور دول الخليج، كما أرسلت وحدات عسكرية إلى السعودية.

ما بعد 2000

عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، برز تباين في الموقفين السوري والسعودي، حيث سجلت دمشق موقفها الرافض للغزو، بعكس الموقف السعودي.

وفي عام 2004، اختارت دمشق خيار التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود عندما قاربت ولايته على الانتهاء، وذلك في مواجهة معارضة أطراف لبنانية وعربية ودولية. ولم تعلن الرياض حينها موقفاً من هذه المسألة، غير أن السياق اللاحق للأحداث أبرز أن الموقف السعودي كان أميل إلى رفض فكرة التمديد.

عام 2005 كان بداية أزمة جديدة بين الجانبين، حين اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، في فبراير من ذلك العام، وانسحبت سوريا عسكرياً من لبنان، ونشأ ظرف سياسي فرض تباعداً جديداً بين دمشق والرياض.

في 2006، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة إلى جدة بالسعودية، في يناير للتخفيف من التوتر، ووقتها أكد خلالها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز حرص المملكة على تعزيز العلاقات بين دمشق وبيروت بما يحفظ أمن المنطقة، وذلك في سياق التحقيق الدولي في اغتيال الحريري.

وصرح بعدها مباشرة وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل في باريس، بأن اللقاء بين الملك عبد الله والأسد كان فقط لحث دمشق على التعاون أكثر مع التحقيق الدولي بشأن اغتيال الحريري، وتهدئة الوضع في لبنان.

وفي العام نفسه ألقى الأسد خطاباً وصف فيه زعماء الدول العربية بأنهم “أنصاف رجال”، وأن مواقفهم أنصاف مواقف، وهو ما أغضب السعودية.

وأدلى فاروق الشرع نائب الرئيس السوري، عام 2007، بتصريحات تحدث فيها عن “الشلل” في سياسة السعودية، وانتقد ما اعتبره رفضها التنسيق الثلاثي بين دمشق والرياض والقاهرة.

وردت الرياض على ذلك معتبرة أن جوهر المشكلة يكمن في التنكر للوحدة وبث الفوضى بالمنطقة، متهمة الشرع بكونه أحد المسؤولين عن الخلل بعلاقات البلدين.

وفي أغسطس من ذلك العام، استضافت العاصمة السورية اجتماعاً مشتركاً للجنة التعاون والتنسيق الأمني بين دول الجوار العراقي، شارك فيه بالإضافة إلى دمشق كل من إيران وتركيا والأردن والكويت، وتغيبت عن حضور الاجتماع السعودية.

وفي نفس السياق اختلفت سوريا والسعودية حول جدوى المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية المباشرة، وحول كيفية إدارة المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.

تقارب وفتور

عادت العلاقات بين البلدين لتتخذ مساراً إيجابياً بعد انعقاد اتفاق الدوحة (2008)، الذي نظم الوضع اللبناني وأوقف مسلسل الاغتيالات، وأخرج لبنان من الفراغ الدستوري بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، الرئيس ميشال سليمان.

وتوج هذا المسار بمبادرة الملك السعودي في قمة الكويت عام 2009 تجاه سورية ولقائه الأسد، وأعقب ذلك تطورات عدة على المسار اللبناني تمثلت بزيارة سعد الحريري لدمشق وإعلانه تبرئتها من “الاتهام السياسي” الذي كاله لها.

بعدها بعامٍ واحد، وفي الثلاثين من يوليو 2010، وصل الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق، واصطحب معه في اليوم التالي الأسد عبر طائرة واحدة إلى بيروت، وهو ما اعتبر صفحة جديدة في العلاقات السعودية –السورية.

ولكن هذا التقدم المتسارع لم يستمر بنفس الوتيرة؛ حيث شهد بعضاً من المراوحة في مكانه، ودخلت العلاقات مرحلة من الغموض، وذلك رغم استمرار الحوار على أعلى المستويات بين الطرفين.

الأزمة السورية

في عام 2011، خلال أحداث الربيع العربي، تضررت العلاقات بين المملكة العربية السعودية وسوريا، وكان الملك عبد الله أول زعيم عربي يدين الأسد وحكومته، في أغسطس 2011.

ونتيجة للحرب الأهلية السورية قامت المملكة بسحب وفدها من بعثة حفظ السلام التابعة للجامعة الدول العربية من سوريا، في 22 يناير 2012، وأغلقت سفارتها في دمشق في فبراير، وكذلك طردت السفير السوري، قبل أن تدعم “الجيش السوري الحر” المعارض وفصائله.

ولم ينقطع الدعم السعودي للمعارضة السورية بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، ولكنه زاد بشكل كبير ومكثف، حيث قدمت أسلحة نوعية مثل مضادات الدروع للمعارضة السورية، من أجل تقوية موقفهم ضد هجمات الجيش السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية.

وتسبب الدعم السعودي للمعارضة السورية في عرقلة العمليات العسكرية للقوات السورية وحلفائها.

ودائماً ما كانت تؤكد السعودية رفضها لأي تقارب مع النظام السوري قبل إسقاط الأسد، أو إيجاد حل سياسي شامل، قبل أن تعلن بشكل مفاجئ، مطلع العام 2023، قرب عودة العلاقات مع النظام السوري.

وكشفت وزارة الخارجية السعودية (23 مارس 2023) عن بدء مباحثات قالت إنها تأتي في سياق “حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين”، فيما نقلت وسائل إعلام قولها إن المفاوضات تسعى لإعادة افتتاح سفارتي البلدين قبل القمة العربية المقبلة في الرياض، والمقررة في مايو القادم.

واستقبلت السعودية، مطلع أبريل 2023، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في أول زيارة رسمية إلى المملكة منذ بدء النزاع، وسط أنباء عن اعتزام الرياض دعوة الأسد لحضور القمة العربية، وسط رفض لدول عربية بينها قطر والكويت.

اترك تعليقا